صفحات الثقافةميسون شقير

مرام المصري: بلد يموت من العنف/ ميسون شقير

 

 

تقيم الشاعرة السورية مرام المصري في عاصمة الأنوار باريس. وقد أصدرت منذ فترة وجيزة ديوانها السابع بعنوان: “الحرية ستصل عارية”. تتميّز قصيدة مرام بحسية عالية، وحرارة عفوية، إذ هي تدور في فلك خاصّ بها، حيث تمتزج حرية الأنثى بالحرية في معناها الإنساني الواسع. ولعلّ هذا الخيط الذي طالما أجادت مرام نسجه، سهّل إلى حدّ كبير ترجمة قصائدها إلى لغات أخرى منها الإنكليزية والفرنسية والإسبانية وغيرها. ولا يشذ ديوانها الأخير عن ذلك، إذ تُرجم إلى اللغات الثلاث الآنفة.

وقد التقى “ملحق الثقافة” مرام المصري في إطار معرض الكتاب في مدريد، الذي يعدّ من أكبر معارض الكتاب في العالم. وجاءت دعوة مرام السورية إلى الأرض الإسبانية من طريق فرنسي؛ إذ لبّت دعوة المركز الثقافي الفرنسي والسفارة الفرنسية في مدريد، كي توقع إصدارها الأخير، وتشارك في ندوة أقيمت ضمن نشاطات المعرض حول سورية ومدى قدرة الإعلام والصحافة على التغيير.

افتتحت مرام الأمسية على طريقتها الخاصّة؛ مرتدية ثوبًا شبه تقليدي، يناسب أجواء الشعر ومسرحته، واختارت منذ البدء الإعلان عن موقفها مما يجري في بلادها، فألقت أولًا قصيدة مهداة لأطفال درعا: “على حيطان باحة المدرسة/ كتبت كلمة الحرية بالطباشير الأبيض/ على جدار التاريخ / كتبت الحرية أسماءهم / بالدماء”.

وجّه “ملحق الثقافة” سؤالًا أولًا للشاعرة، عن وجهة نظرها في الجمع بين الحسي (عارية) ومفهوم الحرية، فأجابت بأنها أولًا تثق “بأن الحرية، التي هي فتاة جميلة ستصل إلى سورية، حتى وإن كسروا لها رجليها وكبّلوها بسلاسل الموت والتعذيب، واخترعوا لها الرايات السوداء التي وجدت كي تمزق ملامح الحرية الجميلة. لكنها برغم كل هذا ستصل، إلا أن الموجع أنها بعد كل هذا الصمت من العالم، ستصل إلى بلادنا عارية”.

سنوات “المنفى الاختياري” طبعت بلا شك تجربة مرام المصري، وهو ما انعكس في أحايين كثيرة في قصائدها، فهي تعيش بين عالمين مختلفين ومنفصلين بشكل كامل، وهما يشكلان حِملين ثقيلين بقدر ما يشكلان أيضًا نافذتين على الروح، لذا سألها “ملحق الثقافة” عن هذا الانفصام إن جاز التعبير، فأسرّت: “نعم، أنا كامرأة قادمة من الشرق، أعيش فعلًا بين عالمين منفصلين؛ العالم الأوروبي الذي يتمتع بالحرية ويجعلني أحس بإنسانيتي كاملة وغير مشروطة، لكنه عالم لا يجعلني أحس بالاستقرار، إذ هو عالم لا يعرف طفولتي، لا يعرف بدايات شبابي وتكويني، ولا يعرف شيئًا عن خصوصية أرواحنا نحن القادمين من تلك البلاد،. أما العالم الثاني، فهو العالم العربي، بل السوري تحديدًا، فهو الذي يعرفني ويعرف لغة شعري ولغة تفكيري وأحلامي. فيه كنت أشعر بنفسي ثابتة ومستقرة، إلا أنه كان يكسر إنسانيتي دائمًا ويكسر كل احتمالات التعبير الحر عن ذاتي، ويجعلني دائمًا أسيرة مجتمع وعادات وقمع فكري وسياسي لا ينتهي”. ثم تستدرك، وتوضح بعد ذاك قائلة: “حين كنت صغيرة، كان الجميع يقولون لي أنت بنت حرة، لأني بنت عنيدة ولا أقبل الحواجز التي يفرضها عليّ المجتمع. وكلمة حرة كانت تعني الإهانة. لذا كنت دائمًا أعود للبيت وأنا أبكي، وأسأل أمي لماذا أنا حرة؟ أنا لا أريد. ورغم هذا لا أدري الآن لماذا أعود وأتعلق بكثير من الأشياء التي كنت أكرهها في بداية شبابي، ربما لأنها بعد كل هذا القهر والغربة صارت تشكل معادلًا لكل هذا الفقد وتشكل ملامح لبلد يموت من العنف”.

ذكِر سورية يأتي عفوًا وبصورة تلقائية، لذا كان لا بدّ من سؤال مرام عن رأيها في ما يكتبه السوريون، وبشكل خاص الشعراء منهم، فهل بمقدورهم في ظل هذه اللحظة المأساوية، لكن محترقة، كتابة أدب غير مأساوي وغير محترق؟ أيستطيع تقديم أدبٍ ذي مستوى فني وجمالي عالٍ، رغم العيش في كنف هذا الموت والخراب؟ فقالت إن الأدب بالنسبة لها هو “حالة من النبل والرقي الإنساني قبل أن يكون أي شيء آخر وأن الأهم الآن هو تقديم الوجع السوري للعالم، وحمل رسالة هذه الثورة الحقيقية”، وأن هذا يشغلها أكثر من “القيمة الفنية العالية أو الحالة الشكلية والنقدية للنصوص الموجودة في هذه المجموعة مثلًا”، إلا أنها استدركت: “طبعًا الأدب هو شيء مختلف عن الكلام والحديث العادي، ولكني أظن أن لا شيء قادر اليوم على تقديم حجم القهر السوري، وتقديم هذه التغريبة التي لم يعرف العالم مثيلًا لها، وخاصة الآن، إذ لا يزال هذا الحدث القاتل مستمرًا، ولا يزال الموت يعيش في كل لحظة وفي كل بقعة من سورية، ولكن ربما في المستقبل وبعد انتهاء هذه الحرب، أظن أنه سيأتي من يقدم فنًا كاملًا عن هذه الكارثة الإنسانية، فنًا قد يكون بمستوى الموت الذي حكم العالم به على السوريين الأبطال”.

تنظر مرام المصري إلى العالم من حولها نظرة طازجة بريئة، لذا لم يكن مفاجئًا أن تمثّل لوجة نظرها بالعودة إلى قصص الجنيات: “في طفولتي، كانت أمي دائمًا تحكي لي حكاية الوحش الضخم جدًا، الذي كان قد حكم عليه بالسير للأمام، فإن عاد إلى الوراء سيموت. وكان في طريقه يحطم البيوت والأشجار من دون أن يقصد ذلك، ولكنه لم يكن يملك خيارًا آخر. وفجأة التقى في إحدى القرى بفتاة طيبة وحنونة، غنّت له وتعاملت معه بحنان رغم أنه وحش وبشع، وراحت تخاطبه بكل الألفة وتقول له كم أنه يتسبب بعذاب للآخرين لمجرد أنه يسير. عند ذاك توقف الوحش، وصمت طويلًا، ثم قرر العودة وهو يعرف أنه بمجرد استدارته إلى الوراء سيموت. أنا أريد مما أكتبه الآن أن يكون مثل غناء تلك الفتاة فحسب”.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى