صفحات الثقافة

مرايا خادعة/ مفيد نجم

 

 

تؤسس القراءة للعلاقة بين القارئ والكاتب. مع هذه القراءة تبدأ صورة الكاتب تتشكل في ذهن القارئ. مخيلة القارئ هنا تلعب دورا هاما، لذلك كثيرا ما تنطوي الصورة على مفارقة، تنجم عن الاختلاف بين الصورة المتخيلة والواقع، لأن القارئ يقوم بتأويل صورة الكاتب في ضوء علاقته بالنص وتأويله له.

السؤال الذي ما زال يتردد هو هل يمكن للكتابة أن تكون مرآة الكاتب، حتى لا تظل الفجوة قائمة بين الواقع والمتخيل؟ لقد شغلت هذه القضية النقاد والكتاب على حد سواء، لأنها تتصل بدور الثقافة والمثقف في المجتمع، وبالقيمة الأخلاقية للأدب. لذلك تتباين المواقف من هذه القضية نظرا لتباين الرؤى الفكرية والجمالية حول وظيفة الأدب في الحياة.

استعادة الحديث عن هذه المسألة يفرضها اتساع هذه الظاهرة في حياتنا الثقافية بسبب حالة الفساد التي بدأت تنتشر في ثقافتنا العربية، مع حالة التردي السياسي والاجتماعي التي يعيشها الواقع العربي، وتراجع دور الثقافة والقراءة في مجتمعاتنا العربية.

قبل عقود عند ظهور فكرة الالتزام، كان الكاتب العربي يسعى جاهدا لجسر هذه الهوة، سواء عن إيمان بالقضايا القومية والاجتماعية، أو بسبب الخوف من الاتهام بخيانة هذه القضايا. الآن اختلف الأمر كثيرا، فكم من كاتب عربي تسلم جائزته من مستبد عربي دون أن يشعر بالخجل، أو يحس بتأنيب الضمير، وهو يعي جيدا أن الثقافة بالنسبة للمستبد ليست أكثر من جارية في بلاطه، وأن العشرات من كتاب بلاده يقبعون في سجونه، أو أن القمع اضطرهم إلى التشرد في منافي الدنيا الواسعة.

لقد ساهمت عوامل عديدة في تعزيز هذه الظاهرة واستفحالها، خاصة بعد أن أصبحت الإغراءات المادية التي تقدمها الجوائز للكاتب، والمشاركات المفتوحة في معارض ومهرجانات الأدب تغري الكثيرين، وتجعلهم يتزاحمون على حجز مقاعدهم فيها، بينما تراجعت أو غابت المقولات القديمة، التي كان الكاتب يعدها من مسلماته الفكرية والجمالية، ومحور كل إبداع حقيقي.

إن اتساع هذه الفجوة بين الكاتب وأدبه في زمننا الراهن، لا يعني أنها لم تكن موجودة سابقا، خاصة في ظل هيمنة السياسة على الثقافة. لذلك ما إن انتهت هذه المرحلة حتى تنكر البعض لماضيهم، وحاولوا أن يقيموا قطيعة معه، ظنا منهم أن الثقافة لا ذاكرة لها، وأنهم وحدهم من يرسمون صورتهم التي يريدون.

في كلا الحالين هناك اختلال في العلاقة بين القيمة الأخلاقية للأدب والكاتب، تتعدد أشكالها ولكنها تتقاطع في مآلاتها التي تتطلب من القارئ أن يبحث عن الصورة الكاملة للكاتب في مكان آخر.

كاتب سوري

العرب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى