صفحات العالم

مرة واحد حمصي..!


حسين شبكشي

هناك تطور نوعي واضح في الخطاب السياسي لبعض الحركات الإسلامية اليوم، تمكنت فيه من استحداث لهجة «جديدة» ومفردات «مختلفة» وشكل «ملائم».

حركة الإخوان المسلمين أدركت أهمية أن يكون لخطابها السياسي حضور مميز ومختلف، وهو يظهر اليوم بعد الثورة المصرية الأخيرة من خلال كيان سياسي معترف به وهو حزب «الحرية والعدالة»، ولكن وكما يبدو لأي متابع موضوعي دقيق أن هناك فروقات وتباينا بين خطاب الحركة وخطاب الحزب، فبينما يبدو للظاهر أن خطاب حركة جماعة الإخوان المسلمين تقليدي وأكثر تشددا وأقل مرونة وأقل قدرة على التعايش مع الغير والقبول به، يبدو الحزب على العكس من ذلك تماما، فهو أكثر «براغماتية» ومرونة، ولمفرداته الطابع السياسي والقانوني والدستوري أكثر منه الطابع الفقهي والديني والعقائدي.

وهذا التباين المتزايد يرشحه بعض المحللين المتابعين للشأن السياسي، وتحديدا للحركات الإسلامية في منطقة العالم العربي، لأن يتحول إلى فجوة أبدية تؤدي إلى حدوث فكرين مختلفين مع مرور الوقت الكافي، فيكون للحزب وضع أشبه بالأحزاب «المسيحية» الاسم الموجودة في ألمانيا وإسبانيا، وغيرها من الدول الأوروبية الغربية التي أطلقت أسماء ذات صفة دينية صرف لجذب أكبر شريحة ممكنة من المصوتين الناخبين في مجتمعاتهم التي كان الدين فيها نقطة جذب حيوية ورئيسية وبقوة.

وهذه الحالة الموصوفة ليست «مصرية» بشكل حصري، ولكنها في تونس كذلك والمغرب وفلسطين والأردن وطبعا تركيا، كل حالة بحسب وضعها، ولكن المعنى المقصود محقق وواضح. السياسة بحر واسع وعميق، ولن تسمح للخطاب المتطرف بأن يكون له حضور فعال على ساحتها، وهذه المسألة سيكتشفها مندوبو الحركات الإسلامية المتطرفة التي انخرطت في العمل السياسي مؤخرا، الذين شغلوا أنفسهم بأمور جانبية بدلا من التركيز في المهم والأهم الذي يعني قوت الناس وضمانة حريتهم وكرامتهم وتحقيق العدل المأمول لهم. ومن خلال هذا الطرح، يبدو ساذجا جدا الطرح الذي تقوم بالتلويح به بعض الحكومات الغربية، أن سوريا ستسقط في أيدي تنظيم القاعدة الذي سينتقل للجهاد على أرضها لإسقاط نظام بشار الأسد الطاغية، قادما ومتنقلا من العراق.

سوريا والسوريون أذكى وأكبر من يقبلوا بـ«القاعدة» وتابعيها أن يسيطروا عليهم أو يحكموهم، ولكن تقاعس المجتمع الدولي المشين في وضع حد لمجازر بشار الأسد الإجرامية بحق شعبه وعدم ردعه بشكل فوري هو الذي يتيح الفرصة لأن يتداعى الوضع في سوريا وتنهار إمكانية حصول «حل»، وتدخل على الخط أطراف أخرى لها أغراض ومنافع ورغبات لإثبات وجودها وإعادة اسمها على الساحة وتحقيق غايات لها. حاول نظام الأسد، ولأكثر من 25 يوما، دك حمص، وتحديدا حي بابا عمرو فيها، بالدبابات والصواريخ والقذائف والقنابل والطائرات العمودية، ومنع الطعام، وتلويث مياه الشرب، ولم يسمح بالعلاج والدواء.. ومع ذلك، استمر هذا الحي وسكانه في مقاومة أرتال نظام الأسد حتى كتب لهم «تحرير» بعض المواقع في منطقة حمص القديمة عن طريق السكان وعناصر الجيش السوري الحر، واستطاعوا تحرير الصحافيين الأجانب من الحصار العسكري عليهم وتوصيلهم مهرَّبين إلى لبنان وتسليمهم هناك، على الرغم من أن قافلة تحرير الصحافيين قد تم الوصول إليها من جيش الأسد وتم إطلاق النار عليهم وقذفهم، مما أدى إلى قتل 13 فردا من أفراد الجيش السوري الحر المرافق للصحافيين المحررين.

قالها وليد جنبلاط بصريح العبارة، إن سقوط حمص في أيدي بشار الأسد ونظامه يعني القضاء على الثورة، وتحريرها في أيدي الثوار هو انتصار لها. بشار الأسد له أطماع معينة إذا خسر سوريا، فقد يسعى لتقسيم البلاد ليضم مناطق تشمل جبل العلويين والساحل السوري وتكون عاصمة هذا الكيان حمص لاحتوائها على جالية من طائفته، وقد يطمع أكثر ليضم طرابلس في لبنان لوجود جالية من طائفته هناك أيضا. هذا الذي يفسره بعض المقربين من الدائرة المقربة من بشار الأسد، الذي تقول المؤشرات إن مسرحية التصويت على الدستور مؤخرا الذي أعلن النظام أنه فرز أصوات أكثر من ثمانية ملايين ونصف في أقل من 24 ساعة محققين موافقة على الدستور بنسبة 89 في المائة في بلد تحتاج لأكثر من أسبوعين لإخراج سجل القيد فيه!

لم يقتنع أحد بمسرحية الدستور، وأدرك النظام أن العالم لم يبلع هذا الطعم، وبالتالي يبدو أنه يبحث عن خيارات الخسارة في حالة فقدانه للقدرة على السيطرة على الأرض السورية، فسيشعل المنطقة طائفيا كما يبدو من خلال تقصده ضرب وقصف بعض المناطق المسيحية لإخافتهم، وخصوصا أن هناك تقارير تقول إن ما يقارب الـ 60 في المائة من الأراضي السورية بات عمليا خارج سيطرة النظام، والآن مع التسلح النوعي المنتظر للجيش السوري الحر من عتاد مؤثر، مثل صواريخ مضادة للطائرات والدبابات ونظارات ليلية، باتت رحلة الحسم على مرمى النظر.

حركة الدستور والاستفتاء عليه وسط أنهار الدم، هي إفلاس جديد لنظام يحتضر، ولكن تبقى مسؤولية نجدة الشعب السوري أمانة يتحملها الشرفاء. حمص لن تسقط وستكون شاهدة على أجمل نكتة: مرة واحد حمصي قال: بدي أسقط نظام الأسد.. وعملها!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى