صفحات العالم

مرحلة ما بعد الأسد


طارق الحميد

في الوقت الذي يقول فيه الروس بأن الطريق الأفضل للتعامل مع الثورة السورية هو الحوار بين المعارضة والحكومة، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن واشنطن باتت تخطط لمرحلة ما بعد الأسد، فكيف نفهم ذلك؟

الحقيقة، وعطفا على التجارب في عراق صدام، وليبيا القذافي، ومواقف موسكو منهما، ربما يجوز القول بأن على العالم أن يتهيأ فعليا لمرحلة ما بعد الأسد. فالقراءة الروسية لمنطقتنا، وتحديدا للأنظمة الديكتاتورية، لم تكن دقيقة أبدا، كما أن مواقف روسيا دائما ما تنقلب في اللحظات الأخيرة، وبعد أن تواجه تلك الأنظمة الكارثة، وأبرز مثال هنا العراق. فلو أن الروس، ووقتها الفرنسيين أيضا، أظهروا الجدية الكافية لنظام صدام وأبلغوه أن ليس بمقدور أحد الدفاع عنه، فحينها ربما – ونقول ربما – كان سيكون لنظام صدام موقف مختلف.

والقصة ليست في نظام صدام بالطبع، بل بتكرار الأخطاء، والبناء على المواقف الروسية، وهذا ما يتمثل أمامنا اليوم في الثورة السورية. فأزمة النظام الأسدي ليست خارجية، وليست أزمة أصوليين، أو مجموعات مسلحة كما يتم الترويج له، بل هي أزمة سورية داخلية حقيقية، ولا يمكن أن يتم لها الاستمرار لو لم تكن حقيقية، خصوصا مع قمع النظام الوحشي. الموقف الروسي اليوم هو بمثابة المخدر للنظام الأسدي الذي لن يفيق حتى لحظة السقوط الكبرى، والتي يرى الأميركيون، ومعهم الأتراك، أنها قادمة لا محالة، خصوصا ونحن نرى الأتراك يتهمون النظام الأسدي بالكذب، حيث لم يفِ بأي من الوعود التي قطعها لهم في اجتماع الساعات الست في دمشق.

وعندما نقول إن الموقف الروسي بمثابة المخدر، فلأنه يطيل أمد الأزمة السورية من خلال منح النظام الأمل بأن شيئا لن يتم على المستوى الدولي. وهذه ليست حقيقة، فكل المؤشرات تقول إن هناك تصعيدا دوليا قادما، وكذلك عربي، بل وهناك مؤشرات على تصعيد داخلي، من قبل السوريين أنفسهم، ويكفي الإشارة إلى تزايد أعداد المنشقين من الجيش، وبشكل متسارع وواضح. وخارجيا، سواء عربيا أو غربيا، فإن التصعيد الدبلوماسي مستمر، ويكفي الإشارة إلى التصريحات المتضاربة، والمتناقضة تجاه الأوضاع في سوريا، والصادرة من حليف النظام الأسدي الوحيد إيران. فتلك التصريحات توحي بوضوح أن طهران نفسها لم تعد متأكدة مما إذا كان نظام الأسد قابلا للاستمرار، أم أن عليها التمهيد لمرحلة ما بعد الأسد. ويكفي تأمل الخبر الذي نشرته وكالة أنباء «فارس» الإيرانية نقلا عن نائب أمين حزب الله، حيث ينفي تماما تدخل الحزب في سوريا، بل ويعتبره اتهاما باطلا وظالما، رغم أن نصر الله، إلى قبل أسابيع، كان يفاخر بعلاقته مع النظام الأسدي، وضرورة الحفاظ عليه. فصحيح أن حزب الله يستغل تصريحات البطريرك بشارة الراعي، ولكن ليس دفاعا عن النظام في دمشق، وإنما لكي لا يبدو الوحيد الذي دافع عن النظام الأسدي. لذا يستغل الراعي وتصريحاته.

ملخص القول أن جميع المؤشرات تقول إن المنطقة كلها باتت تتأهب لمرحلة ما بعد الأسد، ومهما قال الروس.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى