صفحات العالم

“مسؤولية الحماية” في سوريا


جيمس بي. رودولف

إذا ما كانت ثمة حاجة في يوم من الأيام إلى استعمال المبدأ القانوني الدولي المعروف بـ”مسؤولية الحماية”، فلا شك أنها حاجة ماسة هذه الأيام في المأساة التي تتكشف فصولها تباعاً في سوريا. ذلك أن آلاف الرجال والنساء والأطفال يتعرضون بشكل ممنهج لإطلاق النار والتعذيب والقتل على أيدي قوات الحكومة السورية، وذلك في محاولة منها لقمع ما تعتبره انتفاضة خطيرة وغير شرعية ضد نظام الحكم. صحيح أن مبدأ مسؤولية الحماية، في هذه المرحلة من تطوره، ليس ركناً قانونياً قائماً بذاته، غير أن وضعه كقاعدة صاعدة في القانون الدولي بات يحظى بقبول واسع.

وبالطبع، فإن السياسيين في الولايات المتحدة وبلدان أخرى مترددون في الانخراط في جولة أخرى من التدخل العسكري. فقد جادل وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن دمبزي، يوم الأربعاء الماضي أمام لجنة القوات لمسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، بأن أي تدخل عسكري يمكن أن يزيد من أعباء جيش أميركي يعاني أصلاً من الإجهاد، وأنه قد يؤجج الوضع بشكل كبير على الأرض في سوريا عبر إشعال حرب أهلية. وإضافة إلى ذلك، فإن سوريا تمتلك على ما يقال خمسة أضعاف ما كانت تمتلكه ليبيا من حيث الدفاعات الجوية، لذلك فإنه يمكن تفهم لماذا تربك فكرة مزيد من “الجنود على الأرض” الناسَ. غير أنه رغم هذه التحديات، فإن الواجب الأخلاقي الذي تأسس عليه مبدأ “مسؤولية الحماية” مازال يُرغم العالم على الرد والتحرك.

“مسؤولية الحماية” مفهوم جديد نسبياً في القانون الدولي، حيث يعود ظهوره لأول مرة في صيغته الجنينية إلى تصريحات أدلى بها أمين عام الأمم المتحدة السابق بطرس بطرس غالي في عام 1992. ورغم أنه انتُقد لاحقاً لعدم تحركه بخصوص الإبادة الجماعية في رواندا، إلا أن تصريحاته الأولى اعترفت بترابط النظام الدولي، بحيث أن أي فظاعة داخلية تحدث في أي مكان من العالم يمكن أن يكون لها تأثير في كل مكان: “الحروب الأهلية لم تعد أهلية، والمذابح التي تتسبب فيها لن تترك العالمَ غير مكترث بعد اليوم”.

وواصل خلفه الأمين العام كوفي أنان توسيع هذا المبدأ وترسيخه من بعده.

وظهر التجسيد الحالي لـ”مسؤولية الحماية” في تقرير اللجنة الدولية حول التدخل وسيادة الدول، وهي لجنة أُنشئت في 2001 تحت رعاية الحكومة الكندية، لكنها تضم أعضاء آخرين من الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكانت المشكلة المركزية المطروحة تتعلق، من جهة، بفكرة جد مترسخة هي السيادة (وهو حق يتفوق ويسمو على ما سواه من الحقوق الأخرى تقريباً) ومن جهة أخرى، الرغبة العفوية والتلقائية في التدخل باسم مجموعة محاصَرة من الناس.

وهكذا كان على التقرير أن يجد حلاً وسطاً، لكنه لم يفعل ذلك عبر قلب القانون الدولي رأساً على عقب، وإنما عبر إعادة تعريف السيادة حتى تشمل عنصر المسؤولية، أي أن السيادة مازالت تتعلق بالسيطرة الحصرية على تراب محدد، لكنها باتت اليوم تشمل أيضاً المسؤوليةَ الرئيسية للدول في حماية مواطنيها مما يسمى الفظاعات الجماعية، مثل المذابح والجرائم ضد الإنسانية. وإذا لم تستطع دولة ما أو لم ترغب في القيام بهذه المسؤولية الأساسية، فإن المبدأ التقليدي المتمثل في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول يتراجع إلى الخلف، ويصبح من مسؤولية المجتمع الدولي الرد والتحرك. ويبدأ هذا الرد بأقل التدابير “تطفلاً”، مثل الضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية. غير أنه إذا ما وُجد أن هذه التدابير غير مجدية، فإنه يمكن وينبغي استعمال تدابير أكثر شراسة، ومن ذلك استعمال القوة العسكرية.

وفي حالة سوريا، تقوم حكومة الأسد على نحو متعمد باستهداف مواطنيها بالقصف والأسلحة الرشاشة والحصار وقطع الإمدادات عن البلدات التي يُنظر إليها على أنها غير موالية للنظام. وفي حي بابا عمرو في مدينة حمص، على سبيل المثال، تحاول القوات الحكومية إزالة و”تطهير” كل أشكال المقاومة التي يأتي جزء كبير منها من مئات المنشقين العسكريين والمواطنين العاديين الذي ضاقوا ذرعاً بما يعتبرونه وحشية من قبل النظام واعتداءاته على شعبه.

وفي حالة “انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة”، فمن الواضح أن تذرع سوريا بالسيادة هو أمرٌ غير موفق وفي غير محله. لذلك، يتعين على المجتمع الدولي اليوم أن يتحمل المسؤولية التي تخلت عنها سوريا على نحو سافر، بعبارة أخرى، يتعين على مجلس الأمن الدولي، وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استعمال القوة في وجه أي تهديد للسلام أو خرق له، أن يتحرك نيابة عن شعب سوريا المحاصَر.

محامي أميركي مهتم بالقانون الدولي وحقوق الإنسان

ينشر بترتيب خاص مع خدمة “كريستيان ساينس مونيتور”

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى