صفحات العالم

مسؤولية المجتمع الدولي تجاه الأزمة السورية

 

علي الغفلي

يمكنك أن تمعن التفكير في مسار الأزمة السورية خلال العامين الماضيين، ولن يكون بمقدورك أن تجد جانباً واحداً يسير في الاتجاه الصحيح من هذه المأساة المتواصلة . بدأت انتفاضة الشعب السوري سلمية، ولكن سرعان ما تسبب عنف النظام في تحويلها إلى حرب أهلية طاحنة . ومارس المجتمع الدولي سياسة التريث المشوب بالحذر إزاء الثورة، ويجد هذا المجتمع نفسه الآن يائساً بعد أن تحققت مخاوفه بأن يطول أمد الصراع الدامي وينتقل لهيبه من سوريا إلى خارجها . وقررت كل من روسيا والصين وإيران الوقوف في الجانب الخاطئ من الصراع السياسي في هذا القطر العربي، وتبددت الآمال بأن تراجع هذه الدول سياساتها حتى بعد أن اتضحت التكاليف البشرية الضخمة التي يفرضها الصراع العسكري الذي لا يعلم أحد متى ينتهي .

لقد تجاوزت الأزمة السورية كافة الخطوط الحمر، البشرية والسياسية والقانونية . وتوشك حصيلة الضحايا السوريين أن تصل إلى مئة ألف قتيل، وهو رقم ضخم بكل المقاييس عند الحديث عن محاولة شعب دولة استبدال نظامه السياسي القائم بنظام آخر لا يعلم أحد طبيعة مكوناته الدستورية والمؤسسية . واستمر نظام الأسد يتخذ أشكال المواقف السياسية الخاطئة كل في تعامله مع انتفاضة الشعب السوري منذ بدأت قبل عامين وإلى اليوم، ولا يبدو هذا النظام مكترثاً لفداحة سياساته القمعية التي لا تحقق شيئاً سوى صنع القناعة الدولية بعدم صلاحيته لممارسة الحكم في أية ترتيبات مستقبلية في سوريا . لا يقيم الصراع في سوريا وزناً للاعتبارات القانونية التي ينبغي أن تحكم العلاقة بين الحكومة والشعب، أو الحدود التي يتعين على الفرقاء السياسيين الالتزام بها في إدارة الصراع السياسي، ولم تتردد نزعة تجاوز المحرمات في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين الأبرياء .

لقد حذر المجتمع الدولي نظام الأسد من مغبة سياساته الحالية أو المحتملة، ولا يتردد هذا النظام في تحدي التحذيرات الموجهة إليه، دافعاً بالجميع إلى حالة القنوط من الوصول إلى تسوية معقولة للأزمة السورية . يشعر المجتمع الدولي بضرورة القيام باتخاذ إجراء من نوع ما من أجل التدخل لإنهاء الصراع في سوريا، ولكنه لا يعلم على وجه التحديد طبيعة الإجراء المطلوب، ويخشى من تحمّل التبعات الاستراتيجية التي قد تترتب على أي تدخل يمكن أن ينتج مضاعفات غير محسوبة . وعبثاً تحاول القوى التي تشكل المعارضة السورية أن تبدو متماسكة إزاء الوقوف وراء أهداف وسياسات موحدة في التصدي لنظام بشار الأسد، ولا يعجز المرء عن فهم الأسباب التي تجعل كلاً من نظام الأسد وحلفائه الدوليين غير عابئين بكل ما تقوله وتفعله هذه المعارضة التي تعاني كثيراً من أجل توحيد صفوفها وحمايتها من التآكل المستمر .

وعلى الرغم من أن الشعب السوري يدفع النصيب الأعظم من تكاليف الصراع الدموي الممتد في بلاده، إلا أن مضامين هذا الصراع كانت، ولاتزال غير نقية، بعدما تشوهت إرادة الشعب السوري بتغيير نظامه السياسي، وهذا شأن داخلي بحت، بالعديد من اعتبارات التحالفات الدولية، وهي شؤون خارجية بعيدة تماماً عن مجال اهتمام الشعب السوري المهتم بتحقيق الاستقرار السياسي والتنمية في المقام الأول . هذا أمر مؤسف كثيراً، إذ يصعب تصور أن استمرار وتيرة عشرات الآلاف من القتلى والنازحين أسبوعياً هو الثمن الذي يتعين على الشعب السوري دفعه من أجل احتفاظ هذه المجموعة من الدول بعلاقات التحالف مع دمشق، أو سعي تلك المجموعة من الدول إلى إضعاف خصومها الدوليين من خلال تفكيك العلاقات التي تربط دمشق بحلفائها .

إن مسألة الأزمة السورية تائهة ولا يبدو أنها قادرة على الحصول على الاهتمام الفاعل من قبل أية جهة قادرة على القيام بكل ما يلزم، من أجل السير بها في طريق التسوية المستقرة . فبعد أن تورط كل من نظام الأسد والقوى المعارضة في دائرة محكمة من العنف العسكري المتبادل، فإن كل من هذين الطرفين بعيد كل البعد عن القدرة على التخلص من هاجس الحسم العسكري لمصلحته على حساب الطرف الآخر . وبعد أن اصطبغت مواقف معظم الدول المؤثرة بمعالم الانحياز الداعم لجهة نظام الأسد، أو المؤيد لجهة المعارضة السورية، صار من الصعب قبول صلاحية معظم هذه الدولة من أجل القيام بأدوار التوسط من أجل السير بالصراع إلى ضفاف التسوية السلمية المستقرة .

لقد تبدت فداحة الثمن البشري الذي يصنعه الصراع العسكري في سوريا، ولا يجد الرافضون لفكرة السماح بتصدير السلاح إلى المعارضة صعوبة في تبرير موقفهم تجاه هذه المسألة، وهذا أمر تدرك كل من لندن وباريس أبعاده الكاملة بعد أن اصطدمتا بممانعة الاتحاد الأوروبي رفع الحظر عن تزويد المعارضة بالسلاح . ولا يبدو موقف حلف الناتو مختلفاً اليوم عن موقفه المعلن منذ نشبت الأزمة السورية، ويتحدد هذا الموقف بتفضيل خيار عدم التدخل بأي شكل عسكري مباشر في الحرب الأهلية في سوريا، ليضعف بذلك احتمال تكرار سيناريو تدخله العسكري في يوغسلافيا في شهر مارس/ آذار من العام 9991 من أجل معالجة حرب كوسوفو، على الرغم من إمكانية أن يكتسب هذا الاحتمال أسباباً متزايدة للحياة في المستقبل، في ضوء إدراك القوى الكبرى عدم إمكانية السماح للأزمة السورية بالاستمرار إلى ما لا نهاية .

لا يخلو الموقف الدولي من التضاربات، ولا شك في أن تردد المجتمع الدولي في تزويد المعارضة السورية بالسلاح من جهة، واحتمال اضطراره في نهاية المطاف إلى التدخل العسكري في سوريا على غرار الأزمة اليوغسلافية من جهة أخرى، يجسد بعداً حرجاً من أبعاد الخيارات المحيرة التي تفرضها تعقيدات الأزمة السورية على المجتمع الدولي المنقسم على نفسه . رغم ذلك، يتعين على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته بشكل كامل . واقع الأمر هو أنه من المحتمل أن يتقدم خيار التدخل العسكري الدولي في سوريا إلى الواجهة بشكل أسرع مما يمكن تصوره، ويتطلب هذا الأمر أن يتكفل المجتمع الدولي قبل ذلك بمجهود صياغة مبادرة دبلوماسية تضع ترتيبات التسوية السلمية للأزمة السورية، ويعمد إلى التمهيد إلى فرضها على النظام والمعارضة، مستخدماً كافة الوسائل الممكنة من أجل إنفاذها، بما فيها التدخل العسكري إن تطلب الأمر ذلك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى