صفحات العالم

مشروعا “حزب الله” والأسد/ مهند الحاج علي

 

 

مرت ساعات طويلة على خبر اشتباكات قوات “حزب الله” مع جيش النظام في ريف حلب، حتى صدور “النفي القاطع” من الجهات المعنية. كان ذلك الوقت، مرفقاً بإعلان مواقع الحزب عن سقوط الضحايا، كفيلاً بمد الخبر ببعض الصدقية. والاشتباكات “الداخلية”، كما سمتها “لجان التنسيق”، ليست سوى سمة جديدة لهذه المرحلة في الحرب السورية، تُشبه مخاض الحرب الأهلية اللبنانية بعد الغزو الاسرائيلي عام ١٩٨٢.

بعد سنوات على القتال جنباً إلى جنب، تزداد صعوبة التعايش بين مكونات قوات النظام من ميليشيات شيعية وجيش يجمع بين الشعارات القومية والعصبية العلوية اللادينية وعبادة الفرد. وهذه مرحلة تُشبه نسبياً فرط عقد التعايش بين “جبهة النصرة” وحلفائها الاسلاميين كـ”أحرار الشام” من جهة، وبين ما تبقى من فصائل “الجيش الحر” من جهة ثانية.

ومن سمات هذه المرحلة من الحرب السورية، أن الحسم أو التقدم الميداني لم يعد للطرفين بالسرعة التي كان عليها، لأنهما باتا مستعدين للمواجهة، وأقدر على الدفاع عن مناطق محصّنة خاضعة لسيطرتهما. ولو واصل النظام وحلفاؤه تقدمهم الحالي، وهذا غير محتمل، فإن معركة كحلب أو الغوطة قد تستغرق عاماً أو أكثر بكثير. حتى تقدم ما يُسمى بقوات سوريا الديموقراطية بقيادة كردية، مدعوماً بغارات التحالف الدولي، ضد تنظيم “داعش”، قد يستغرق شهوراً طويلة قبل تحقيق نصر يُذكر.

وهذا الوقت والجمود كفيلان بترك أثر على التحالفات الهشة القائمة على الأرض. قوات المعارضة السورية لم تكن أصلاً قادرة على توحيد صفوفها، حتى بين الفصائل الاسلامية نفسها، كما ظهر في مواجهات الغوطة أخيراً. فلماذا يبقى التحالف صلباً بين قوات النظام المدعومة روسياً، وبين ميليشيات شيعية عراقية ولبنانية وأفغانية؟

والحال أن النظام والميليشيات على طرفي نقيض، إذ أن الأخيرة تأكل من نفوذ الأول وقبضته الأمنية، وتدفع باتجاه ديمومة النفوذ الإيراني داخل سوريا، عبر الأقلية الشيعية، بما يجعلها مستقلة عن المركز السوري ولا تخضع لقراره. والأرجح أن تتحول المناطق الشيعية في سوريا، تحت سيطرة “حزب الله” السوري بفصيليه الحمصي والدمشقي، إلى جزر خارجة عن سيطرة النظام السوري، بما يضمن نموها واتساعها.

وهذا الواقع الإيراني الجديد في سوريا، لا بد أن يصطدم بالنظام، ولو بشكل محدود على سبيل رسم الحدود بين “الحلفاء”، ما يُحول الفصائل الشيعية الخاضعة لسلطة طهران طرفاً منفصلاً ومستقلاً في أي مفاوضات مقبلة. وهذه المقاربة تُشبه ما أقدم عليه النظام الإيراني في العراق حيث تفادى حصر دعمه بطرف واحد، بل مجموعة واسعة من الفصائل العراقية الملتزمة عقائدياً بولاية الفقيه، لكنها منفصلة قيادياً عن بعضها بعضاً. عندما قرر “المجلس الأعلى” المضي في سياسة متحالفة لكن مستقلة عن ايران، خرج من رحمها الجناح العسكري “بدر” بقيادة هادي العامري، أحد أبرز رموز “الحشد الشعبي” في العراق. حلفاء إيران أقوياء تحت سيطرتها، وهياكل عظمية دونها.

وللاشتباكات بين الميليشيات الشيعية اللبنانية والسورية والعراقية وبين قوات النظام، جانب عقائدي أيضاً. ليس من يموت تحت راية “البعث” شهيداً، بحسب العقيدة الخمينية. وبالتالي، فإن الفارق بين العصبية المذهبية العلوية أو التشبيح البعثي من جهة، وبين من يموت تحت راية دينية طالباً الجنة، يظهر ميدانياً بين انكسارات النظام قبل تدخل “حزب الله”، وتقدمه بعده. وهذا الفارق بات وعياً يحمل أبعاداً سياسية. يُمكن التقاط اشارات هذا الواقع في انتقاد بعض أفراد “حزب الله” السوري لفشل النظام في حماية المناطق الشيعية من التفجيرات.

في حال نجاح “حزب الله” في الاستقلال عن النظام في غنائمه الجغرافية السورية. سيكون أمام تجربة حكم بعيداً عن قيود “الاستثناء اللبناني”. عندها، سنشهد ظهوراً لمحاكم شرعية وإدارات شيعية تعتمد النموذج الإيراني في الحكم، لكن على الأراضي “العربية السورية”.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى