صفحات المستقبل

مشهد جديد؟

 

مازن السيّد

 تحوّلات في العمق تشهدها بنية المعارضة السياسية وارتباطاتها الدولية والإقليمية، لا تشكلّ استقالة معاذ الخطيب منها سوى القليل الطافي فوق سطح الماء. وفيما تتجلى هذه التبدلات الآن في السياق السياسي والدبلوماسي، إلا أنها قد انطلقت حقيقةً مع تبوء السعودية موقع الصدارة في قيادة رفع مستوى تسليح المعارضة السورية، وبشكل خاص في الجبهة الجنوبية التي تحمل مفاتيح أكثر الملفات حساسيةً في الإطار السوري، من الحدود مع اسرائيل إلى الامتداد الأمني والعسكري داخل الأردن، إضافةً إلى الطريق الواصلة بدمشق.

تقول مصادر مطّلعة على الحراك الداخلي للجسد السياسي المشرذم للمعارضة السورية، إنّ الأميركيين مارسوا ضغوطاً كبيرة في الآونة الأخيرة، وخاصة في مؤتمر اسطنبول ل”الاصدقاء” -حيث اختارت واشنطن بالاتفاق مع روسيا وبحجة “الالتزام باتفاق جنيف” أن تمارس دوراً غير مسبوق من حيث الانخراط والتأثير- باتجاه العودة خطوة إلى الوراء في سياق الحكومة الانتقالية المعارضة التي لم نرَ منها حقيقةً سوى رئيسها غسان هيتو الذي تبرأ من دعمه القطريون والسعوديون و”الإخوان” من اللحظة الأولى، وكأنه أسقط من السماء.

والخطوة إلى الوراء تعني عملياً إلغاء هذه الحكومة من أساسها، في عملية قد تبدأ على الأرجح بحجب الثقة بشكل مباشر أو غير مباشر عن هيتو الموصوف بأميركيته منفىً وعلاقات. ويبدو أنّ السعودية التي قدمت سيولةً ضخمةً في الآونة الأخيرة ل”الجيش الحر” والمجالس العسكرية، قد تمكنت من “إقناع” جماعة “الإخوان المسلمين” السورية بالوقوف وراء خيار التخلّص من هيتو.

ويثير البعض تساؤلات حول ما إذا كان ذلك يندرج في تخفيف التأثير القطري داخل الإطار السوري، مقابل رفع مستوى السيطرة السعودية على حيثيات الخريطة الميدانية والسياسية. وتحمل القراءة المتأنية لدور البلدين وعلاقاتهما في الآونة الأخيرة، إشارات إلى أنّ التحولات الأخيرة لا تتعدى كونها تعديلاً في توزيع الأدوار بينهما، إلا أن بعض المصادر ترى في ذلك توجهاً أميركياً واسرائيلياً نحو التركيز على الرافعة السعودية، خصوصاً في ظلّ مواقف الدوائر المقربة من قطر والتي اتخذت موقفاً قد يوصف ب”المهادن” ازاء التنظيمات الإسلامية المسلحة في سوريا، وهي تنظيمات لا تخيف المدنيين والعلمانيين وما يسمى ب”الأقليات” فحسب، بل تهدد أيضاً مصالح اسرائيل التي تفضل على حدودها مجالس عسكرية تحوز على رتبة “معتدل” من واشنطن، وقد تتولى في المستقبل دور التخلّص من المجموعات الإسلامية أو بشكل عام تلك التي تحمل نزعات راديكالية في نظرتها للولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

 وفي هذا المشهد تأتي دعوة “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” برئاسة يوسف القرضاوي، جبهة النصرة إلى العودة ل”دائرة الجيش الحر” حفاظا على وحدة “الثورة” السورية، مؤشراً إلى أنّ دائرة التأثير القطري تقف الآن في موقع بينيّ لا يندرج تماماً ضمن التوجه الأميركي-السعودي الجديد، ولا يعاديه طبعاً.

وشدد الاتحاد على “مخاطر بيعة جبهة النصرة التي اعلنتها لتنظيم القاعدة”، معتبرا انه “من المعلوم ان من مألات هذه البيعة مخاطر داخلية وخارجية، وآثارا خطيرة على الثورة، حيث أدت إلى تمزيق وحدة صف المجاهدين”.

 لكن أسئلة كثيرةً تبقى بدون إجابة في هذا المشهد المرتسم حديثاً، أبرزها يأتي بالتزامن مع موافقة الاتحاد الاوروبي على شراء النفط السوري من المعارضة، فإذا كان التوجه نحو التخلص من الحكومة الانتقالية، من سيكون الطرف السوري الذي يدير عملية التصدير وجني الأرباح؟ لا يمكن القول إن المهمة هذه ستوكل إلى “الائتلاف” الذي لا يتمتع فعلياً بأي وجود على الأرض، بل ربما ستمنح هذه العائدات إلى المجالس العسكرية الحاصلة على الغطاء الأميركي-السعودي، بما سيؤدي حتمياً إلى اصطدامها بأطراف فاعلة أخرى على الأرض على نموذج ما بدأ فعلاً في مناطق دير الزور الغنية بالنفط.

سؤال آخر لا يقلّ اهمية: إذا كانت السعودية بالتعاون مع الأردن والولايات المتحدة قد توّلت القطاع الجنوبي في سوريا من الناحية الميدانية، فلماذا توقفت حملة “التحرير” التي شنتها كتائب المعارضة في درعا وتمكنت من إقامة “منطقة عازلة” بعمق ملموس؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى