صفحات العالم

أسسوا “المنطقة الآمنة” في تركيا أو الأردن


    سركيس نعوم

دعا السيناتور الجمهوري الاميركي جون ماكين، بعد لقائه رئيس “حزب القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع قبل يومين في معراب، الى “دعم الجيش السوري الحر بالأسلحة” والى “توفير منطقة آمنة له كي يتمكن من تنظيم شؤونه”. طبعاً لا تُلزِم هذه الدعوة الإدارة الاميركية الديموقراطية. فهي لا تزال تتعاطى بكثير من الحذر مع الأزمة السورية بل الثورة السورية على نظام الرئيس بشار الاسد. ولا تزال ترفض رسمياً على الأقل تزويد الثوار الأسلحة اللازمة تلافياً لنشوب حرب أهلية ومذهبية داخل سوريا. ولا تزال ترفض القيام بعمل عسكري لاسقاط النظام المذكور، وتدعو في الوقت نفسه الى تنحّي بشار الاسد وسقوط نظامه. علماً انها تعرف ان ذلك من الصعوبة بمكان إذا لم تُشن حملة عسكرية نظامية ومنظمة على النظام المذكور. كما انها لا تزال تأمل في احتمالات عدة قد لا يكون حصولها سهلاً مثل تغيير من داخل النظام، او مثل انهيار جيش النظام بفعل توسّع حركة الانشقاق عنه وشمولها ابناء العصبية الاقوى التي يعتمد عليها الاسد وهي الطائفة العلوية.

لكن ذلك كله يجب ان لا يدفع لبنان وشعوبه الى الاطمئنان. ذلك ان الادارة الاميركية ورغم موقفها الرسمي السلبي تغضُّ النظر عن تزويد حلفائها العرب والاتراك ثوار سوريا السلاح اللازم، وعن تدريبهم المنشقين عن الجيش والمتطوعين في “الجيش الحر”. وهذا يعني ان الادارة قد تغضُّ النظر ايضاً عن تحويل او بالأحرى عن محاولة تحويل شمال لبنان المتاخم لسوريا منطقة آمنة لـ”جيشها الحر” أي قاعدة عسكرية وتدريبية ولوجستية له، وفي الوقت نفسه مستشفى لافراده المصابين ومقراً للنازحين قسراً عن بيوتهم في سوريا. علماً ان بعض هذه الامور يحصل في الشمال المذكور، ولكن على نحو فوضوي وغير منظم حتى الآن وربما غير خطر، سواء بسبب أوضاع لبنان المتردية او بسبب غياب القرار النهائي عند الاسد من جهة وعند اعدائه العرب والمسلمين والدوليين. ومصلحة لبنان بل مصلحة شعوبه كلها رغم تفاقم العداء في ما بينها تقتضي رفض تحويل لبنان ساحة مكملة لساحة الثورة السورية والقمع الأسدي لها. إذ من شأن ذلك، وبسبب اصطفاف نصف اللبنانيين مع نظام الاسد ونصفهم الآخر مع الثائرين عليه، وقبل هذا بسبب عداواتهم التاريخية الضاربة عميقاً في التاريخ، تدمير البلاد على رؤوس الجميع. وهذا الموقف يجب ان يُبلِغه الجميع في لبنان الى اميركا “الديموقراطية” اليوم والتي قد تصبح “جمهورية” مطلع السنة المقبلة. وما أدراك ما الجمهوريين بالنسبة الى الاسد وحلفائه في المنطقة، والى حليفتها تركيا والى اشقائه في المنطقة. ويجب ايضاً ان يقولوا لها ان المنطقة الآمنة في لبنان و”للجيش السوري الحر” تعني نشوب حرب اهلية فيه، وتعني دخول جيش سوريا الى قسم من اراضيه من جديد، والى تدخل اسرائيل عسكرياً فيه. ذلك ان دولته تنحلّ ومؤسساته منقسمة فعلياً وعاجزة عملياً وشعوبه متناحرة على السلطة، في حين ان لدى اميركا خيارات اخرى مضمونة اكثر بالنسبة الى المنطقة الآمنة، اولها تركيا الدولة الكبرى صاحبة الجيش القوي والعضو في حلف شمال الاطلسي، وثانيها الاردن المتماسك اكثر من لبنان على الاقل وصاحب الجيش القوي والحماية الاميركية، وعند الضرورة الاسرائيلية.

طبعاً لا يعني ذلك اننا مع نظام الاسد، فنحن مع التغيير نحو الديموقراطية الحقة في سوريا وضد القمع الذي يمارسه على شعبه. ولا يعني اننا مع استمرار انفلات السلاح والمسلحين في لبنان وضد قيام الدولة الواحدة العادلة الديموقراطية القوية صاحبة السيادة على الأرض والشعب والمؤسسات. ولا يعني ايضاً اننا نتهم اميركا باستعدادها لاستعمال لبنان اذا احتاجت اليه في معركتها وحلفائها مع نظام الاسد. علماً ان مصالحها قد تدفعها الى ذلك ولا سيما عندما تثبت شعوب لبنان المتناحرة للمرة الالف ربما عجزها عن التفاهم، وعن بناء دولة، وديمومة ولاءاتها الى الطوائف والمذاهب و”الخارج” الحامي لها وإن على حساب الولاء للوطن وجاهزيتها للانتحار في سبيل “اجنداته” المتنوعة.

في اختصار اذا كان السيناتور ماكين يريد إنهاء مأساة شعب سوريا عليه بإقناع ادارته باعتماد الخيار العسكري المباشر، او بالتوصل مع سوريا الى حل لكل القضايا الخلافية بينها وبين اميركا. علماً ان معلومات قريبين من المحور السوري – الايراني تفيد ان اتفاقاً بين موسكو وواشنطن تمّ على مرحلة انتقالية من سنتين “يرحل” بعدها الاسد ويقوم نظام سوري جديد، وعلماً ايضاً ان “شائعات” تُرمَى في واشنطن عن بحث جديّ في اتفاق كهذا.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى