سعيد لحدوصفحات سورية

معارضة … ومؤتمرات … وشيء آخر


سعيد لحدو

في استانبول مرة أخرى ولكن بإخراج مختلف ، اجتمعت أطراف المعارضة السورية لتقول كلمة في شأن الوطن الذي بات دريئة لطيش وسادية نظام أهوج يعيش وهم القوة التي تعود استخدامها عشرات السنين لتحقيق رغباته على حساب كل شيء. لكن هذا الوطن رغم البربرية والوحشية المفرطة التي التجأ إليها هذا النظام ، لم ييأس من تحقيق حلم الحرية التي يتقدم تجاهها خطوة في كل يوم وهو يقدم بكل أريحية الثمن الباهظ لذلك التقدم من دم خيرة أبنائه. ومع صرخات الحرية كانت أصوات تنادي لوحدة المعارضة السورية وتعلن الحاجة لتشكيلها هيكلية تنظيمية تستطيع أن تمثل ثورة الشعب أمام المحافل الدولية للدفاع عن قضية هذا الشعب ومحاصرة النظام لإجباره على الرحيل الأبدي.

وبعد محاولات عدة بائسة التأم أخيراً معظم الأطراف الأساسية للمعارضة السورية. وعلى أطرافها وحولها اجتمع عدد أكبر من الساعين تحت مسمى المعارضة للحاق بطائرة المؤتمرات والمجالس التي تتحضر للإقلاع لعلها تحتل مركزاً بالقرب من كابينة القيادة أو على النافذة أو في الذيل أو حتى على الجناح لأن المرحلة حاسمة ومصيرية وقد لا تتاح لهم الفرصة مرة أخرى. وبسبب تزاحم الساعين للمعارضة بمسمياتهم وأحزابهم وتكتلاتهم التي أعلنوا في الآونة الأخيرة عنها اضطر مندوبو الأطراف الأساسية لعقد اجتماعاتهم بعيداً عن الفندقين الذين نزلوا فيهما تلافياً لأي تشويش قد يحدث من اقتحامات الراغبين بالمشاركة بالتضحيات في فنادق الخمسة نجوم . ولكن هل كانت الأطراف الرئيسية تلك أقل رغبة واندفاعاً من هؤلاء نحو تكريس نفسها وبعض من أحاطت نفسها بهم كالقدر المحتوم على الشعب السوري الذي يتطلع للتخلص من هذا النظام بأي ثمن؟ هل كانت تلك الأطراف أقل تشوقاً لتقديم تلك التضحيات غير المكلفة وقبض ثمنها عينياً حصصاً استثمارية في قالب سياسي؟؟

المعارضة كان منها من أفنى سنين طويلة من عمره من أجل لحظة يعيشها بأمل حقيقي للخلاص والانعتاق إلى فضاء الحرية. ومنهم من استيقظ ذات صباح ربيعي على نداء الحرية المفاجئ بالزمان والمكان فهرع إلى الشارع حاملاً روحه على كفه لتلبية ذالك النداء مقدماً نفسه مشروع شهادة قد يتجسد في كل لحظة. ولكن منهم أيضاً من تردد طويلاً على أبواب سفارات النظام حتى وجد نفسه في لحظة صحوة ضميراستثنائية، وقرر أن يلتحق ببازار السياسة كمشروع وجد فيه احتمالات الربح أكثر من احتمالات الخسارة. وبناء عليه فقد وظَّف كل رصيده السابق من حنكة وخبرة وعلاقات ليشتري له مقعداً في الطائرة المقلعة إلى مواعيد التحولات الكبرى التي بدأت ترتسم معالم خطوطها في سماء المنطقة.

ولأن هذه النزعات الفردية المسيئة إلى صورة المعارضة كموقف وطني تحولت إلى ظاهرة مرضية تميز طيفاً واسعاً من أولئك المعارضين فإنه ليس من المجدي تسمية الأفراد في هذه الحال وإبعادهم عن الحراك المعارض لأن آخرين لهم النزعات ذاتها سيحلون مكانهم. وبالتالي لن نكون قد أنجزنا شيئاً مهماً. لذلك فإن التركيز على الظاهرة بحد ذاتها ومحاولة التداوي منها عبر تجسيد مبدأ الشفافية والديمقراطية في أي نشاط معارض قادم ربما سيعمل على تحييد هذه الظاهرة المرضية وصولاً في المستقبل إلى الشفاء النهائي منها.

ولأننا بشر فإننا لسنا منزهين عن ميول الأنا وتبعاتها المرضية. إلا أنه من المفترض أن تفرز الجماعات البشرية أيضاً أفراداً لهم من الخصال ماتجعلهم مختلفين عن الآخرين وقادرين على أن يعوضوا عن نقائص أولئك الآخرين بما ينهجونه من سلوك قويم يصحح مسار الرحلة ويعدل بوصلتها باتجاه طموحات الشعب الثائر وأهدافه التي قالها بكل وضوح، جمعة بعد أخرى وعلى مدى سبعة أشهر ونصف.

إنها حكاية الراعي والذئب التي قد تصدق هذه المرة. ولكن هل سيصدِّقُ الشعبُ الذي لُدِغَ من الجحر ذاته أكثر من مرة، حكاية الراعي هذه، حتى ولو أقسم له بأغلظ الإيمان؟

لقد حضرتُ واستمعتُ وشاركتُ على أمل أن يمنحَ الشعبُ هذا الراعي الذي خيَّب الآمال مرات ومرات، هذه الفرصة الأخيرة لعلها تصدق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى