صفحات العالم

معارضون يقرأون في نتائج مؤتمر “أصدقاء سوريا” ويختلفون: تصعيد في اتجاه العسكرة أم ضوء اخضر لإشراك روسيا؟


بقلم ديانا سكيني

عدم الرضى” عن “مؤتمر الأصدقاء” هو سمة مشتركة بين المعارضات السورية التي تباينت قراءتها لمؤتمر تونس بين من تلمس فيه بدء مسار تصاعدي في التحرك العملي ضد النظام تتزاوج فيه العسكرة (غير المجمع عليها اعلاميا) والخطى السياسية الحازمة، ومن رصد فيه ضوءاً أخضر غربيا لبدء عملية سياسية تشرك روسيا في صناعة “الحل السوري”. في ما يلي أحاديث لـ”النهار” حول نتائج المؤتمر مع عضو الامانة العامة للمجلس الوطني نجيب الغضبان، والمتحدث الرسمي باسم “الاخوان المسلمين” زهير سالم، ونائب المنسق العام لـ”هيئة التنسيق” هيثم مناع، وعضو المنبر الديموقراطي السوري حازم نهار.

لا يصعب على من تابع تصريحات عديدة لأعضاء بارزين في المجلس الوطني السوري قبيل مؤتمر تونس تبيّن حجم التعويل المسبق على نتائجه، من توقُّع لاقرار خطة الممرات الانسانية الآمنة التي دُرست طويلا في الشهر الماضي، الى دعم دولي لتسليح المعارضة، وصولاً الى اعتراف ناجز بالمجلس الوطني. وإن لم يقصد هؤلاء الأعضاء ان ما يعوّلون عليه محسوم، فهذا على الأقل ما بلغ شرائح واسعة من الجمهور المؤيد لهم، سرعان ما شعرت بخيبة مما أقرّ، حيث بقي حتى ايصال المساعدات الانسانية يحتاج الى آلية تنفيذية مفقودة، لا بد للنظام ان يوافق عليها ان وجدت. ووصلت الترددات السلبية لنتائج المؤتمر الى بنية المجلس مع اعلان 20 معارضاً تشكيل كيان مستقل داخله برئاسة هيثم المالح احتجاجاً على “أداء مكاتبه التنفيذية”. هذا فيما كانت تقارير غربية تؤكد وجود جهاديين يقاتلون الى جانب “الجيش السوري الحر” تُرفع في وجه المعارضين والدول المطالبة بتبني تسليح المعارضة. اما الاعتراف التام  بالمجلس الوطني، فمن بين ما جعله متعذرا راهنا، في التبريرات القانونية الدولية المقدمة، “عدم وجود مدن واسعة يسيطر عليها الثوار وعدم حصول انشقاقات ديبلوماسية كما في الحالة الليبية”. هذا ما يقوله، عضو الامانة العامة في المجلس الوطني واستاذ العلوم السياسية في جامعة اركنساس الاميركية نجيب الغضبان الموجود في تونس لـ”النهار” في سياق شرحه لطبيعة الاعتراف الذي ناله المجلس: “هو اعتراف سياسي هام جداً سيمكننا من فتح مكاتب في الدول المعترفة بالمجلس كاطار شرعي تمثيلي للمعارضة والمناط به التحضير للمرحلة الانتقالية، والذي إليه قد ينضم معارضون آخرون مستقبلاً”. لكن ألا يتناقض الاعتراف بالمجلس الوطني كـ “ممثل للسوريين الطامحين الى التغيير السلمي”، كما ورد في البيان، مع دعم المجلس لـ”الجيش السوري الحر”؟ يجيب الغضبان ان “الجيش الحر ليس جزءاً من المجلس الوطني، وليس لهذا الجيش هيكل تنظيمي واضح بعد. نحن سنستمر راهنا بدعم عمله في حماية المدنيين والدفاع عن المتظاهرين السلميين، ولم نؤيد شنه العمليات الهجومية، لكن اذا تطورت الامور في المرحلة المقبلة يمكن ان نغير موقفنا. وبالتالي فان مبدأ حماية المدنيين لا يتناقض قانوناً مع مبدأ الرغبة في التغيير السلمي”.

“الاعتراف بالمجلس” هو أحد الإيجابيات التي يسجلها الغضبان للمؤتمر، مضافة الى “انه يجسد أول تجمع دولي مخصص لسوريا، وهو تقدم في معالجة قضايا أساسية كالإغاثة والتحول السياسي ودعم خطة عمل الجامعة العربية”.

اما  الاوجه السلبية للمؤتمر فتكمن في وقوعه في اللحظة التي كان “لدى الناس توقعات أكبر لنتائجه نتيجة ما تتعرض له حمص، فحصل حديث عن وقف العنف ومساعدة الناس دون آليات عملية للاغاثة وايصال المساعدات بشكل عاجل”. وينتقد الغضبان ضعف الكلمات الافتتاحية في المؤتمر والتي “لم تراع اهميته كحدث اعلامي”. ويعزو عدم قوة البيان “الى التباينات بين الدول المشاركة”.

في هذه اللحظة السياسية، يعتقد الغضبان انه يتعين العمل على “تحييد ايران والتركيز على روسيا لاقناعها بتغيير موقفها آخذين في الاعتبار ان خلفياتها لا تتعلق حصرا بمصالح لا تعوض مع النظام بل بملفات مصالح اخرى شائكة مع الغرب كالدرع الصاروخية وغيرها”. ويرى ان تذبذبات الموقف الاميركي بالحديث تارة عن مخاوف من “القاعدة” واخرى عن ابقاء كل الاحتمالات مفتوحة في سوريا يعود الى ما يسميه  الاسلوب السياسي الاميركي في توزيع الادوار، لكنه يؤكد “وجود نَفَس تصاعدي في الموقف الاميركي رسالته القوية هي عدم القبول باستمرار تحدي النظام السوري للمجتمع الدولي”.

“الاخوان المسلمون”

النظرة التشاؤمية لحصاد المؤتمر كانت واضحة في كلام المتحدث الرسمي باسم “الاخوان المسلمين” في سوريا زهير سالم الذي قال لـ”النهار” ان “من يقرأ البيان الختامي للمؤتمر يخيّل له انه كتب من قبل أصدقاء النظام السوري وليس الشعب السوري”، مستدركا: “لكن في الوقت نفسه يوجد في المعارضة من يقول أن اي شيء افضل من لا شيء”. ويضيف ان “الناس كانت تنتظر حلولا عملية لوقف القتل، فاذا بالمجتمعين  يرفضون الخيار الليبي والبوسني لكن يرتضون الراوندي فيتركون مجموعة من الناس تقتل فئة ثانية من شعبها، مضيفا “عمليا المجتمعون مددوا مهلة السماح بالقتل للنظام، خصوصا ان تصعيدا نوعيا للعمل العسكري حصل في الايام  التي سبقت المؤتمر، فكأن الذين اجتمعوا اعلنوا قبولهم هذا الواقع من خلال الاحتجاج اللفظي فقط”. هل تشعرون أن الغرب خدعكم؟ يجيب سالم: “لا نريد ان نذهب بعيدا في نظرية المؤامرة، لكننا نعتقد ان القرار النهائي حول اسقاط النظام ليس متخذا بعد في تل ابيب”.

لكن أليست التقارير عن تسلل “القاعدة” الى المعارضة المسلحة هي ما ادى الى تريث الغربيين؟ يرد: “التصريح الاميركي عن القاعدة جاء وكأنه استجابة لاستدعاء من النظام،  ولنتذكر انه خلال العقد الماضي العلاقة لم تكن تصادمية بين القاعدة والنظام السوري”. نسأله: هل سيصب “الاخوان” جهدهم على الميدان والسلاح بعد الدعم السعودي للتسليح؟ فيجيب: “تنظيم الاخوان موجود على الارض وله جماهير، لم نقرر حمل السلاح كإخوان. ليس موجودا هذا الأمر الآن. اردناها ان تمر سلمية لكن لا احد ينكر على الناس حقها في الدفاع عن نفسها ونحن ندعم هذا الحق”. وماذا عن الحرب الأهلية المترتبة عن حمل السلاح؟ “لا اريد التهويل لكن الحرب الاهلية واقعة. هناك فئة من السوريين تشن حربا حقيقية على فئة اخرى”.

“تغطية اميركية”

موقف “هيئة التنسيق” المعارضة من المؤتمر انطلق من عاملين اساسيين: الأول تمثل في الاجواء التحضيرية التي سبقته عبر تشكيل تكتل الـ11 دولة التي عملت على صوغ اوراق عمل المؤتمر. في هذه المرحلة كانت روسيا مستثناة ما ادى تلقائيا الى رفضها المشاركة، التي كان من شأنها في قراءة الهيئة ان تنتج مقررات اكثر عملية وقابلية للتنفيذ. والعامل الثاني كمن في البندين 12 و13 من البيان الختامي للمؤتمر واللذين تضمنا اعترافا بالمجلس الوطني السوري كجهة ممثلة للمعارضة تناط بها مهمة التحضير للمرحلة الانتقالية وضم باقي الاطر والشخصيات المعارضة اليها، وفق صيغة انضمامية. وهو ما دفع الهيئة الى الانسحاب من المؤتمر.

نائب المنسق العام للهيئة هيثم مناع قال لـ”النهار” من تونس ان “فشل المؤتمر سبق اعلان الخلاصات حيث اخفقت العملية التحضيرية التي استثنت اطرافاً دولية اساسية في الحل السوري”. واذ يقلل من اهمية ما حصل من اعتراف بالمجلس، يشير الى انه “تم الالتفاف على خطة العمل العربية التي كانت نصت في احد بنودها على عقد مؤتمر سوري عام للمعارضة، فاذا بالمؤتمر يلجأ الى منحى الاقصاء وفرض ممثلين على الشعب السوري وفق رؤية دول ممولة لها اجندتها التي ترتاح الى فئة من المعارضين الذين تم اختيار الاعتراف بهم، اما نحن فيعرفون اننا لا ندخل في سياسة المحاور ولا نوافق تلك الاجندة ولهذا ليس مرغوبا بنا، وعلى سبيل المثال احدهم قال: كيف لنا ان نمول من يدعم المعارضة السعودية؟”.

وفي تعليقه على عدم حماسة الغرب لتسليح المعارضة، يقول مناع ان جهات غربية طلبت من المجلس الوطني خلال المؤتمر العمل على طرد الجهاديين الذين يتعاونون مع الجيش السوري الحر، وذلك قبل اي حديث عن تسليح المعارضة. كما يشير الى ان “موضوع الجهاديين جعل من الولايات المتحدة تنضم الى روسيا في تغطيتها لضرب حمص”.

 في النتيجة العامة لما بعد المؤتمر، يرى مناع انه “بدأ الآن النقاش السياسي بعد تبلور قناعة بعدم امكانية ادارة محور بشكل منفرد للملف السوري”، مضيفا ان “الهيئة تدعم عملية سياسية شاملة فيما الطرف المعارض الآخر يريد ان يشتغل بالسياسة والعسكرة معتقدا انه يمكن الافادة منه­ا بالسياسة، اما نحن فنراها فخاً”.

صورة مجهولة

من جهته، يقول المعارض المستقل حازم نهار انه “كان متوقعا ان يخرج المؤتمر بخطط عملية للاهداف المعلنة، الا ان ما خرج من شجب لممارسات النظام لا يثمر شيئا على ارض الواقع”.

ويضيف ان هناك عدة عوامل ساهمت في تكوين الموقف الدولي في تونس ابرزها “وضع المعارضة وشرذمتها وعدم بلورتها لخطة سياسية لما بعد النظام، وهذا رسم صورة مجهولة عن المستقبل بالنسبة لكثيرين. اضافة الى الفيتو الصيني والروسي الذي هو بمثابة سيف مصلت على اي تحرك دولي” مشيراً الى انه “ما لم  يتجه اصدقاء سوريا للتفاهم مع الروس، سوف تبقى القرارات في الاطار النظري”.

حول ارتدادات المؤتمر أيضاً، يعتقد نهار ان الموقف السعودي الداعي لتسليح المعارضة مثّل “شكلاً من اشكال الضغط على مجموعة الدول المجتمعة لتخرج ببيان اكثر قوة من الصيغة التي خرج بها. كما ان المملكة لها تجارب عديدة مع النظام السوري تدعها تستنتج انه لا يلتزم بالعهود وهي ترغب باختصار الوقت في هذه الازمة”. ويضيف “لا نتفق مع موقف الرياض من تسليح المعارضة لأننا نرى خطر التسلح على المجتمع وعلى مستقبل سوريا”. ويخلص قائلاً: “لا نرى بديلا من تطوير اساليب المقاومة الشعبية والاستمرار في النضال السلمي المدني وتوحيد المعارضة والافادة من الضغوط السياسية الدولية على النظام”.

على صعيد المجلس الوطني، يرى نهار ان ما جرى “ليس اعترافا رسميا به وربما يحصل الامر بعد ثلاثة اسابيع في اسطنبول”، لكنه يعتبر ان “الخطوة لو حصلت في ظل هيكلية ورؤية المجلس الوطني الحاليتين ستكون كارثية على المعارضة  لأن المجلس فيه تشرذمات وتباينات كثيرة، ولم ينجح في تقديم الخطاب الجامع للسوريين والذي لا يكون الا بانضمام كل اطراف المعارضة اليه بعد اعادة النظر في نظامه”.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى