صادق عبد الرحمنصفحات الناس

معارك ريف إدلب: المسار العسكري والسياق السياسي/ صادق عبد الرحمن

تمكنت قوات النظام السوري والميليشيات المساندة لها من السيطرة على بلدة أبو الظهور جنوب شرق إدلب في التاسع والعشرين من كانون الثاني 2018، وجاءت هذه السيطرة استكمالاً لسيطرتها على مطار أبو الظهور العسكري قرب البلدة قبلها بنحو أسبوع، وبهذا تكون قوات النظام قد أنهت مرحلة من مراحل معاركها في إدلب، ولا يبدو واضحاً ما إذا كانت هذه المرحلة هي الأولى من بين مراحل تالية لها، أم أنها ستكون الوحيدة والأخيرة تنفيذاً لاتفاقات أستانا.

كان الاتفاق على منطقة خفض التصعيد في إدلب قد تم في محادثات أستانا 6 أواسط أيلول الماضي، دون الإعلان عن خطواته التنفيذية، ولا تزال مضامينه غامضةً على الرغم من التسريبات التي جاءت مجرياتُ الأحداث متوافقةً مع جزء منها. إذ في الأيام التالية لانتهاء أعمال أستانا 6، بدأ الحديث عن سكة القطار التي تعبر سنجار ثم أبو الظهور جنوب شرق إدلب قادمة من حماة، باعتبارها ستكون خطاً فاصلاً بين مناطق سيطرة ونفوذ، لكن معنى هذا لم يكن واضحاً، ولا كيفية تنفيذه. والمنطقة التي يشار إليها بإدلب في هذا السياق، تضم محافظة إدلب، وريف حلب الغربي، ومناطق ريف حلب الجنوبي الخارجة عن سيطرة النظام، ومناطق ريف حماة الشمالي والشرقي الخارجة عن سيطرة النظام.

في أوساط تشرين الأول الماضي دخلت أرتال من الجيش التركي بمرافقة من هيئة تحرير الشام، وتنسيق مع حركة نور الدين الزنكي، وتمركزت في عدة نقاط محاذية لعفرين بريف حلب الغربي، وبدا هذا غير مفهومٍ في البداية، إذ كان متوقعاً أن الهدف من دخول القوات التركية، بموجب أستانا، سيكون تفكيك هيئة تحرير الشام. وبالتزامن تقريباً مع انتشار القوات التركية، بدأت قوات النظام السوري محاولاتها للتقدم من ريف حماة الشمالي الشرقي بتجاه ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وتصدت لها هيئة تحرير الشام وفصائل الجيش الحر لأسابيع طويلة، ولكن على نحو مفاجئ، ومنذ أواخر العام 2017، بدأت قوات النظام بالتقدم بشكل سريع ودون مقاومة تذكر على طول سكة القطار، وكان الهدف المعلن لهذا التقدم هو السيطرة على مطار أبو الظهور العسكري.

سيطرت قوات النظام والميلشيات المساندة لها على عشرات القرى والبلدات غرب وشرق السكة، فيما بدأت دفاعات هيئة تحرير الشام تنهار سريعاً على وقع الغارات الروسية المتلاحقة. وبالتزامن مع تقدم قوات النظام، كان عناصر داعش يخوضون معارك ضد هيئة تحرير الشام ويتقدمون على حسابها في مناطق شرق السكة المعروفة بقاطع البادية، أي في مناطق موازية تماماً لمناطق تقدم قوات النظام على طول السكة. وتنبغي الإشارة إلى أن قوات داعش هناك هي نفسها التي كانت متمركزة إلى جنوب شرق طريق أثريا خناصر الذي تسيطر عليه قوات النظام، وكانت قد عبرت في وقت سابق باتجاه ريف إدلب الجنوبي الشرقي من منطقة وادي العزيب دون أي ممانعة من قوات النظام.

تمكنت قوات النظام من السيطرة على سنجار في السابع من كانون الثاني 2018، وواصلت تقدمها السريع باتجاه أبو الظهور، وهو ما أثار حالة من الخوف في عموم ريف إدلب، وأدى إلى نزوح عشرات الآلاف من أبناء ريف إدلب الجنوبي والشرقي باتجاه مناطق متفرقة من إدلب وريف حلب الغربي، وتوزعهم على خيام مؤقتة وفي الشوارع والطرقات، في ظروف إنسانية بالغة القسوة.

كان مصدر الخوف الأساسي هو الانهيار السريع لدفاعات هيئة تحرير الشام، وعدم تدخل بقية الفصائل في المعركة، وما بدا أنه تقدمٌ لقوات النظام خارج ما يشاع عن ضوابط اتفاق أستانا، ما فهمه عموم السكان على أنه حملة قد لا تنتهي بغير السيطرة على كل إدلب أو معظمها. لكن في الحادي عشر من كانون الثاني الجاري، بدأت فصائل الجيش الحر معارك «رد الطغيان» باتجاه القرى والبلدات التي سيطرت عليها قوات النظام غرب السكة جنوب إدلب، ونجحت في استعادة مناطق عديدة وقتل وأسر العشرات من عناصر النظام. استمرت هذه المعارك بين كر وفر عدة أيام، لكنها توقفت بعد أن بدا أنها فرضت خطوط فصل جديدة، تُلزِمُ قوات النظام بالبقاء قرب سكة الحديد وعدم التوسع غرباً، وهو ما يمكن تفسيره على أنه سعيٌ لإلزام قوات النظام بمخرجات أستانا.

بالتزامن مع معارك «رد الطغيان»، بدأت هيئة تحرير الشام تقاوم قوات النظام بقوة في مطار أبو الظهور ومحطيه، قبل أن تضطر للانسحاب منه جراء القصف العنيف، ثم حاولت الدفاع بقوة أيضاً عن بلدة أبو الظهور نفسها قبل أن تنسحب منها أيضاً. وبوصول قوات النظام إلى أبو الظهور، والتقائها شرقه مع قواتها المتقدمة من ريف حلب الجنوبي، تكون قد حاصرت مساحة واسعة من قاطع البادية شرق السكة، الذي بات بمعظمه تحت سيطرة داعش.

وبالتزامن مع هذه التطورات، كانت القوات التركية قد بدأت قصفها ومعاركها في منطقة عفرين بمساندة من فصائل درع الفرات، وهو ما يمكن تفسيره بدوره على أنه تنفيذٌ لمخرجات أستانا الغامضة أيضاً، والتي لا يبدو أي من الأطراف، بما فيه المعارضة السورية نفسها، معنياً بإعلانها أو شرحها لعموم السوريين، ضحايا هذه الاتفاقيات وخطوات تنفيذها الدموية.

كانت معارك رد الطغيان مصدر ارتياح لدى عموم سكان إدلب، إذ جرى تفسيرها بأن تقدم النظام غرب السكة هو خط أحمر سيتم إلزامه باحترامه، لكن هذا الارتياح تلاشى مع تصاعد حملة قصف روسي واسعة النطاق في ريف إدلب خلال الإيام الماضية، وخاصة في سراقب التي لا تزال تتعرض لغارات جوية يومية تستهدف المرافق المدنية فيها على وجه الخصوص، فيما بدا رداً روسياً على رفض معظم المعارضة حضور سوتشي.

ربما تكون حملات القصف تلك ضغطاً دموياً لإجبار المعارضة على الذهاب في المسار الروسي للحل، وربما تكون تمهيداً لمراحل جديدة من عمليات النظام العسكرية في إدلب، لكن ما يبدو واضحاً أن هناك خلافات بين تركيا وروسيا وإيران حول آليات تنفيذ الاتفاقات، إذ دخل رتل عسكري تركي مساء التاسع والعشرين من كانون الثاني 2018 إلى ريف إدلب متوجهاً نحو ريف حلب الجنوبي لتثبيت نقاط هناك، لكن المنطقة المفترضة لتمركزه تعرضت لقصف مدفعي قِيلَ إن مصدره مليشيات مرتبطة بإيران في منطقة الحاضر جنوب حلب، وهو ما دفع الرتل التركي إلى التوقف وعدم متابعة طريقه، ثم العودة باتجاه ريف حلب الغربي، ليتعرض هناك في اليوم التالي لاستهداف بعبوة ناسفة أسفرت عن مقتل متعاقد مدني مع الجيش التركي وفق مصادر تركية، وإصابة مدنيين وعسكريين أتراك آخرين، وليس ثمة أخبار مؤكدة حول عودة الرتل كله أو جزء منه باتجاه الأراضي التركية.

لا يبدو واضحاً مصير إدلب وريفها، لكن المؤكد أن جميع الأطراف تناور في هوامش الاتفاقات غير الواضحة وغير المعلنة، فيما يواصل السوريون نزف دمائهم في معارك لا يتحكمون بمساراتها.

موقع الجمهورية

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى