صفحات سوريةهنادي زحلوط

معركة الساحل:”معركة الجسد الواحد” كيف نتداعى لها/ هنادي زحلوط

منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها معركة الساحل، كان التضخيم الإعلامي السمة البارزة للأخبار التي ترد، فبينما بدأ الناشط “عمر الجبلاوي” تقريره لقناة العربية في معرض رده على سؤال المذيعة حول ما يجري من معارك في الساحل بقوله” والله يا أختي لا أدري ماذا أقول لك”، كناية عن عظمة المعركة المسماة “معركة الجسد الواحد”، فقد نقلت كثير من المواقع الموالية للنظام أخبار عديدة عن اعتقال مئات من الأطفال والنساء والشيوخ ومجازر ترتكب هنا وهناك بحق المدنيين، دون أي معلومات دقيقة حول ذلك.

وبالطبع فإن معركة الساحل هي جزء آخر من مشهد ارتجالي طويل للجيش الحر، لا تبدو جميع الأيدي المحركة له من خلف الستار، فبينما يحكى عن كون الكتائب التي فتحت لواء الساحل مرتبطة مباشرة بالسيد مصطفى الصباغ، الأمين العام للائتلاف الوطني السوري، وتتلقى تمويلها وتسليحها منه، فإن أخبارا ما تزال ترد عن دعم شخصيات من قيادة الأركان لفتح هذه الجبهة، كما من الاخوان المسلمين أنفسهم، الذين قال السيد ملهم الدروبي وهو أحد قياداتهم بأن أهل الساحل عليهم أن يذوقوا ما ذاقه الداخل، وأن “على المجرمين ألا يبقوا بمأمن”، بينما قال السيد جورج صبرا عن العملية أنها” عملية تطهير الساحل”.

وبعد أسبوع من “المعارك” التي كان مسرحها إعلاميا أكثر مما كان ميدانيا، توالت الأخبار عن وقف هذه العملية “عملية الجسد الواحد”، بالعذر الاعتيادي للانسحاب التكتيكي ألا وهو توقف تدفق الذخيرة والعتاد، ليترك الجيش الحر قرى بكاملها تحت نيران النظام تتعرض للقصف العشوائي الشديد، فهل هي عملية تطهير للساحل من النظام أم من سكانه الأبرياء؟

بالطبع فإن الساحل السوري كان ومنذ بداية الثورة السورية خزانا بشريا لجيش النظام الرسمي والتشبيحي، ولكن هذا الأمر ترافق بمجزرة قاد النظام أبناء الطائفة العلوية إليها، لم تنتهي بموت  خمسين ألفا منهم، حسب التقديرات، لكن مؤشرات نضوب هذا الخزان تبدو عبر استعانة النظام بمقاتلي “الباسيج” الإيراني، وحزب الله “الشيعي” اللبناني، في القصير وما بعد القصير، وذلك عبر معسكرات تدريبية أقيمت في سوريا لهؤلاء مع عناصر من النخبة السورية من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وصولا إلى نخبة من المقاتلين، وإن كانوا مختلفين مذهبيا فهم متجانسون عقائديا، أسندت لهم المجازر التي  حدثت في سوريا في فترات متلاحقة ومناطق عديدة، حسب عسكريين منشقين، بينما بقي العسكريون الذين نجوا من المجزرة يستخدمون لأغراض قتالية أخرى تستلزم مستوى أدنى من “العقيدة” ومن الخبرات التقنية، أي في المناطق الهامشية.

ديموغرافيا فإن الساحل السوري قد فقد شبانه اليافعين، وازداد عدد الأطفال والنساء فيه أيضا وأيضا، بسبب نزوح عائلات الضباط وصف الضباط إلى الساحل مع بقاء أزواجهم في أماكن اقامتهم في المحافظات الأخرى، والساحل السوري كان كذلك ملاذا آمنا لكثير من الأسر النازحة من جميع المحافظات السورية وبخاصة من حمص وحلب وادلب، والتي تنتمي لجميع الطوائف، وبينهم الموالي، كما بينهم المعارض للنظام، وهؤلاء وجدوا في الساحل أماكن للسكن بتكلفة منخفضة وأمانا حرموا منه،  بالإضافة لوصول تهديدات من بعض رجالات “المافيا” في الساحل بإطلاق النار على النازحين في حال تركهم لقراهم الموالية القريبة  من القرداحة، هذه كلها أمور لم تؤخذ بعين الاعتبار في الخطاب الاعلامي المرافق لمعركة الساحل التي تحدثت عن التطهير وعن جبهة مفتوحة مع معقل النظام وشبيحته وجيشه، فأي جبهة يفتحها الجيش الحر على مناطق أغلب سكانها من الأطفال والنساء والنازحين؟

خصوصا مع معرفة من يشنون هذه الحرب على الساحل بأن مراكز ثقل النظام السياسية والعسكرية والاستراتيجية تقع خارج الساحل، وتبقى القيمة الرمزية للقرداحة بوجه خاص والتي أعتقد أنها لا تعني للنظام أكثر مما يعنيه القصر الجمهوري في المزة أو المهاجرين أو المالكي، ولن يتردد لحظة في قصفها كما قصف درعا وداريا وحلب من قبل فلم يبقي ولم يذر.

هذا بالطبع ليس اعتراضا على أولوية فتح جبهة الساحل، فهذه الجبهة كان يجب أن تفتح منذ أمد طويل، ولكنها يجب أن تفتح بأدوات وطنية، ويقود هذه الجبهة، قرارا وتمويلا واعلاما رجال وطنيون، نظرا لحساسية هذه المنطقة، ولكون الحرب فيها هي حرب مع عقلية الموالاة أكثر مما هي حرب رصاص ورصاص مضاد، وقصف وقصف مضاد.

المعركة في الساحل، كما في أي منطقة سورية أخرى، اختبار حقيقي لأخلاقيات الجيش الحر، وهذا يحمل المقاتلين هناك، مسؤولية أكبر تجاه سلوكهم هناك، والمعركة في الساحل أيضا تحتاج خطة وطنية لأن الانزلاق هناك إلى مستنقع الطائفية سيكلف البلاد هناك عشرات السنوات من القتل والدمار، ولن يبقى هنالك بعدها من يكبّر ويدّعي الانتصار.

نحن بحاجة إلى فرق سلام سوريّة وطنية وشخصيات وشباب، يرافقون كتائب الجيش الحر في جميع القرى التي يدخلونها للحوار مع أهلها، التي يجب أن نكون حريصين على عدم نزوحهم، أو بالأحرى الذين سيكون نزوحهم صعبا بين الداخل الملتهب، والشاطىء المطلّ على المجهول.

مزيدا من المسؤولية يا أبناء بلادي، لا نريد معركة تنتهي للمرة الألف بمناطق تحت القصف، ونازحين، ولاجئين.

ولا نريد تصريحات، نريد عملا وطنيا!

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى