صفحات العالم

معركة القصير السورية: تبعات تدخل حزب الله اللبنانية والاقليمية

 شفيق شقير

أكد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته بتاريخ 30 إبريل/نيسان 2013 أن انغماس حزب الله عسكريًا في الوضع السوري يعبّر عن توجه استراتيجي هدفه عدم السماح بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد(1)، وهذا يضع أعباء إضافية على الحزب الذي عليه أن يعيد تموضعه لبنانيًا وإقليميًا كجزء من استراتيجية تسمح له بالتكيف مع التغيرات التي يتعرض لها عمقه الحيوي السوري والمنطقة(2)، فضلاً عن استعداده الدائم لحرب متوقعة مع إسرائيل، كما عليه في الوقت عينه أن يواجه التطورات الميدانية المتسارعة في الضفة السورية، ووفق إيقاع دقيق يتلازم مع السياسة الإيرانية الكبرى في منطقة المشرق العربي.

معركة القصير.. الظروف والأبعاد

أعلن حزب الله في وقت مبكر تحفظه على “الثورة السورية” وتبنى خطاب النظام السوري في انسجام مع الموقف الإيراني الذي كان أكثر وضوحًا في دفاعه عن النظام السوري. ومع تعاظم حجم وقوة المعارضة السورية في مواجهة الرئيس الأسد، كان وقوف حزب الله إلى جانب النظام في تصاعد مواز حتى بلغ ما بلغه مؤخرًا، من الوقوف معه عسكريًا جنبًا إلى جنب في أكثر من موضع على الأراضي السورية، لاسيما حسب المعلن، حول المقامات الدينية هناك لحمايتها، ولحماية المناطق التي يوجد فيها لبنانيون وتحديدًا على الحدود مع منطقة الهرمل اللبنانية في ريف القصير السوري وهم من “الشيعة”، لأن الدولة اللبنانية يتعذر عليها الوصول للأراضي السورية وحمايتهم وحماية أملاكهم لأسباب شتى.

واتخذت المعركة في ريف القصير منحى تصعيديًا كبيرًا حيث سيطر حزب الله على أغلب القرى السورية التي تقع غرب نهر العاصي، وسقط له فيها قتلى بأعداد أكثر من الوتيرة السابقة (بغضّ النظر عن أعدادهم التي تقدرها مصادر المعارضة السورية بالعشرات، وذهب أمين عام حزب الله السابق صبحي الطفيلي بعد معركة القصير إلى أنهم 138 قتيلاً(3)) ليصبح في مواجهة مدينة القصير، ما يؤشر إلى تعاظم دور الحزب العسكري ميدانيًا في هذه المنطقة؛ الأمر الذي تطلب من السيد نصر الله إطلالة مبكرة في نهاية إبريل/نيسان -وكان من المقرر أن تكون في 9 مايو/أيار(4)- ليوضح فيها عاجلا سبب هذا التطور.

ولمعركة القصير صلة بالأوضاع الأمنية الآخذة في التدهور في دمشق وكذلك في معظم المناطق الحدودية الأخرى مع لبنان، والسيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن ينقطع التواصل الجغرافي الآمن بين لبنان وسوريا ما سيؤثر على خطوط التنسيق والإمداد بين حزب الله ودمشق، كما سيضعف من الصلة بين قوى 8 من آذار ونظام الرئيس بشار الأسد. في هذا السياق يمكن قراءة “معركة القصير” بلغة حزب الله على أنها “إجراء وقائي” شبيه بذاك الذي كان في بيروت في 7 مايو/أيار 2008 “لحماية المقاومة”(5) أي حزب الله، واستعادة المبادرة لضخ الأمل مرة أخرى في قوى 8 آذار اللبنانية التي لا يزال النظام السوري فاعلاً أساسيًا فيها(6).

وأحد أهم التداعيات المباشرة على الأرض السورية لتدخل الحزب الأخير، هو المزيد من الاستدعاء من قبل المعارضة السورية للجماعات الإسلامية الموصوفة بالتشدد –كما لغيرها من مسلحي المعارضة- في مواجهة تمدد حزب الله، كي تخلق توازنًا عسكريًا معه في تلك المنطقة على وجه الخصوص، كما فعلت مع الجيش السوري النظامي في مناطق عدة من الجبهات المشتعلة. وهذه الحالة قد يقال: إنها تُغذّى لأسباب لها صلة بالضغط على المجتمع الدولي ووضعه أمام خيارين: تعزز نفوذ “الجماعات المتطرفة” في سوريا أو العمل على نجدة الشعب السوري لقطع أسباب “التطرف”، لكن تبقى هذا الحالة بالدرجة الأولى مطلبًا ضروريًا للمعارضة السورية لتمتين جبهتها المسلحة، لأن هذه الجماعات -إلى جانب حركات إسلامية أخرى- لا تزال تمثل العمود الفقري للمعارضة في أكثر من جبهة، وهي الأشد ثباتًا في الميدان. وهذه الصورة ستكون إحدى أبرز صور النزاع الطائفي في المنطقة “حربًا ضروسًا بين إسلاميين: سنة وشيعة”، وربما ستكون القصير أيضًا البقعة الجغرافية التي قد تغض القوى الغربية البصر عن تسرب “جماعة النصرة” ومثيلاتها إليها، في مقابل تدخل حزب الله لتكون المعركة بين “إرهابيين”.

لبنان ومرحلة ما بعد القصير

استقالت الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي(7) في 22 مارس/آذار 2013، وانكشف المشهد اللبناني على أزمة تشكيل حكومة جديدة برئاسة تمام سلام، وأزمة إيجاد قانون انتخابي يرضي جميع الأطراف وذلك قبل أن تنتهي المهلة التشريعية للمجلس النيابي في 19 مايو/أيار، حيث يجب على المجلس النيابي أن يقر قانونًا انتخابيًا قبل هذا التاريخ أو أن يمدد لنفسه، وقد لا يسلم هذا التمديد من الطعن القانوني فيه؛ لذا تتصاعد الأصوات المحذرة من الفراغ.

جاءت معركة القصير في هذه الظروف الشبيهة بالفراغ إذا لم يكن الفراغ عينه، وكأن سقوط حكومة ميقاتي إيذان بسقوط آخر ما تبقى من “سياسة النأي بالنفس” التي كانت الحكومة المستقيلة تتخذها شعارًا لها، ولتفتح الباب أمام معادلة جديدة يبادر حزب الله ومن معه لتشكيلها تقوم على أساس جديد في ما خصّ الشأن السوري جوهرُها أن وقوف اللبنانيين إلى جانب النظام السوري، هو مطلب وطني لبناني ومسألة حيوية “للمقاومة” في وجه إسرائيل، وأن وقوفهم إلى جانب الطرف المقابل أي المعارضة السورية، هو وقوف في وجه “المقاومة” -أي حزب الله- وهو لا يزال يتسامح إزاء القوى اللبنانية المؤيدة للمعارضة السورية –خاصة في الجانب العسكري- لأسباب تتعلق بأمن لبنان وظروفه. والمطلوب بالمقابل من الأطراف الأخرى تفهّم حاجة حزب الله هذه وتوفير الضمانات لها في صيغة التشكيل أي للحكومة الجديدة أو في طريقة إدارتها أو من خارجهما وإلا سيتعثر تشكيل الحكومة.

والجدير بالذكر أن إعلان حزب الله عن دوره المتصاعد في سوريا جاء متدرجًا سياسيا، فكان ينفي التدخل المباشر في الأحداث بسوريا، ثم اعترف “بدعم لبنانيين” شيعة في مناطق حدودية سورية مع لبنان للدفاع عن أنفسهم والبقاء في أرضهم، إلى أن اعترف بالتدخل المباشر و”الدفاع عن المقامات الدينية الشيعية” هناك ثم الوقوف إلى جانب الرئيس الأسد، وتبنى خطابا مذهبيا عالي الأدلجة ضد الثوار بوصفهم “إرهابيين” ضد الشيعة، ما ساهم في إقناع شرائح من جمهوره لتكون معه في حربه هذه، فضلا عن تهيئة ما أمكنه من القاعدة الشيعية وكذلك بعض نخبها لتتفهم دوافعه، ومن المحتمل جدًا أن يكون مقدمة لتدخل عسكري أكبر في سوريا، لأنه لم يعهد من الحزب أن يتبرع بالمعلومات حول نشاطاته -خاصة تلك التي يعرف سلفًا أنها ستجعله أكثر عرضة للإحراج- إلا لتصعيد يليها.

وفي مقابل ذلك، خرجت دعوات بالمقابل من الشيخ أحمد الأسير في مدينة صيدا الجنوبية والشيخ سالم الرافعي في مدينة طرابلس “لنصرة الثوار” في القصير والتطوع لمواجهة “الاعتداءات التي يقوم بها حزب الله” والجيش السوري النظامي ضد الشعب السوري، وتبنى كل منهما خاصة مؤيدو الشيخ الأسير كما هي عادتهم، خطابًا مستنسخًا من خطاب حزب الله في بعض صوره، مفاده أنهم يسعون “لحماية اللبنانيين في سوريا والدفاع عن المقدسات لاسيما المساجد التي تُسوّى بالأرض” كما وزعوا شريطًا مصورًا يظهر الشيخ الأسير إلى جانب مقاتلين في القصير وذلك في سياق التصعيد الإعلامي بين الطرفين.

والموقف الذي أعلنه الشيخان اللذان يشكّلان مرجعية محدودة في الشارع السني حتى الساعة، قياسًا إلى الشعبية والنفوذ اللذين يحظى بهما حزب الله في الطائفة الشيعية، لن يلقى إلا تجاوبًا محدودًا فيما خص المشاركة العسكرية إلى جانب “الثورة السورية”، لكنه قد يساهم راهنًا في إرباك خطاب حزب الله وخلق عراقيل محلية في مواجهة قراره التدخل العلني والواضح في الأزمة السورية. وهذا لا يمنع أن موقف الشيخين يلقى ترحيبًا عامًا من قبل السنة في لبنان “كخطاب تصعيدي” ما قد يمهد لعسكرة الطائفة السنية على المدى المتوسط، خاصة إذا لم تستطع القوى السنية التقليدية ذات الخطاب العابر للطوائف، أن تنجح في ضبط حزب الله ووجهة بندقيته.

هذا المشهد بجملته سيكرس استراتيجيات مذهبية في لبنان، وإذا أضيف إليه أن الخلاف حول الثورة السورية ليس محصورًا بالشأن المذهبي إنما يشهد أيضًا انقسامًا سياسيًا بين قوى 8 و14 آذار وعلى أسس وطنية، سيجعل من الانقسام مركبًا ما بين السياسي والمذهبي وسيجعل مواجهة أي استحقاق سياسي في لبنان -مثل تشكيل الحكومة، الانتخابات البرلمانية، وما إلى ذلك- بحاجة لاتفاق شبيه باتفاق الدوحة 2008(8) الذي سقط بسقوط حكومة الرئيس سعد الحريري في 12 يناير/كانون الثاني 2011؛ حيث أثبت الواقع اللبناني منذ الانسحاب السوري من لبنان، أنه لا يوجد ضامن لأي اتفاق بين اللبنانيين لانعدام الثقة بينهم، ولتداخل الإقليمي مع المحلي بصورة عضوية ومباشرة.

دور حزب الله الإقليمي

إن تصاعد العقوبات الدولية على إيران وتعدد محاور عزلها عن العالم أو التهديد بضربها، جعلا طهران أكثر تمسكًا بالأوراق القوية التي تملكها في المنطقة في العراق واليمن وسوريا ومنها لبنان، وعلى صعيد هذا الأخير من الملاحظ أن حزب الله بعد حرب عام 2006 أصبح أكثر اتساقًا في خطابه وأدائه مع خطاب ومتطلبات إيران في المنطقة، وذلك بغض النظر عن التبريرات التي يحاول أن يعطيها أبعادًا تتصل بالمقاومة ومواجهة إسرائيل ومن معها.

إن تعرض الجبهة -سوريا وإيران- التي ينتمي إليها حزب الله للحصار واحتمال ضربها عسكريًا، يتطلب منه التمسك بدوره الإقليمي ولو على حساب الواقع اللبناني أو على حساب علاقاته التاريخية مع نظرائه السنة من الإسلاميين، لأسباب أصبحت مفهومة تتعلق ببنيته “ومشربه المذهبي الخاص” والمرن-الشبيه بمرونة الخطاب الإيراني وقدرته على عكس البعد المذهبي والإسلامي والوطني وفق التحديات- ذي القدرة الفائقة على استثارة الخطاب المذهبي والقفز فوق الإسلامي والوطني عند الحاجة، وكذلك لأنه بنى “مقاومته” نفسها على معادلة إقليمية معقدة جوهرها قراءة إيرانية متعددة الأبعاد، تقوم في بعدها العقائدي الأيديولوجي على ولاية الفقيه، وفي بعدها الجيوسياسي على ظهور عُلو يد إيران على من سواها في الإقليم، وذلك سواء “بالشراكة” مع العرب كما هي علاقتها التاريخية مع النموذج “السوري” أو بدونهم كما هي علاقتها المتوترة غالبًا مع “دول الخليج”.

والترابط الإيراني-السوري ومن ورائه تحالف حزب الله مع الرئيس بشار الأسد ليس بالضرورة سيستمر بنفس القوة الراهنة خاصة إذا ما تغيرت الظروف لاسيما وأن طهران تملك مساحة للمناورة. فهناك رؤية إيرانية أخرى في ثنايا خطابها التقليدي تفترض وجود معارضة إصلاحية سورية ضد النظام، وأن إيران حريصة على وقف الدم السوري كي لا يغرق الجميع بحرب أهلية طويلة الأمد؛ لذا هي تقول: إن أبوابها مفتوحة لأي حوار بين المعارضة والنظام لإيجاد حل سياسي، وتأمل أن تفتح في ظل هذا الخطاب علاقات مع أطياف سورية عدة مرشحة لأن تكون فاعلة إذا ما انتهت حقبة الأسد، وتكون أكثر تقبلاً للتحالف معها عند الحاجة.

لكن حاليًا يأتي تأكيد المرشد علي خامنئي المتكرر على أن ما يجري في سوريا هو حرب على إيران نفسها وعلى قوى الممانعة وأن المعارضة المسلحة “تُدعم من الصهيونية وأميركا وبعض دول الخليج”، ليحسم الجدل في أن التحالف الاستراتيجي في الظروف الراهنة مستمر حتى آخر بقعة سورية يلجأ إليها الرئيس بشار الأسد ويرفع عليها العلم السوري.

وفي هذا السياق المتعدد للخطاب الإيراني تتموضع معركة القصير إقليميًا، وتعيد الحديث عن إيجاد جغرافيا آمنة لنظام الرئيس بشار الأسد في حال تدهور الأوضاع في دمشق وانعدام الأمن فيها فضلاً عن سقوطها، وهي المنطقة الممتدة ما بين حمص واللاذقية، وبهذا تكون مطلبًا إيرانيًا وسوريًا وهمزته الواصلة هو حزب الله والقرى الشيعية الحدودية في ريف القصير أو قُل: غرب نهر العاصي، لأن تعثر الصلة بين القاعدة الخلفية لحزب الله في منطقة الهرمل اللبنانية وجوارها والامتداد السوري، ستخلق أوضاعًا لوجستية صعبة لحزب الله، لمواجهة أية تطورات خلال هذه المرحلة الراهنة على الأقل التي قد تتطلب منه مددًا مستمرًا من السلاح، لاسيما في حال تجدد المواجهة العسكرية مع إسرائيل بشكل واسع لأي سبب، وكذلك في حال تعرض إيران لأية ضربة عسكرية قد تتطلب من الحزب أن يكون جزءًا من الرد، فضلاً عن استمرار قوى التحالف الإيراني-السوري في لبنان، أي قوى 8 آذار.

وجاء تقدم حزب الله نحو ريف القصير لما يؤمّنه من حاضنة شيعية خالصة وقاعدة ولو محدودة لحزب الله داخل الأراضي السورية تعزز قدرته على المبادرة، ولما قد يوفره من الدعم المتبادل مع النظام السوري إذا ما استقرت المحاور العسكرية بين النظام والمعارضة لتصبح حربًا أهلية طويلة، فيحافظ الحزب على مكاسبه السياسية واللوجستية في لبنان، ويصبح الانقسام اللبناني في هذه الحالة مشدودًا بالكامل إلى الانقسام السوري.

كما أن التقدم نحو القصير يشكّل استجابة لضرورة المرحلة إذا ما كانت المنطقة الحدودية اللبنانية السورية مقبلة على التدويل، بما يقطع الصلة بين لبنان وسوريا على حزب الله ومؤيديه، وهناك سيناريوهات متعددة قد تشبه بنتائجها -وليس بالضرورة بأسبابها- ما أسفرت عنه حرب 2006 مع إسرائيل وتم بموجبها إبعاد حزب الله إلى ما وراء شمال نهر الليطاني (9)، وبالتالي إبعاده في هذه الحالة بعيدًا عن الحدود مع سوريا.

استنتاجات

إن كل الاحتمالات التي قد تؤول إليها الأزمة في سوريا تتقاطع عند حزب الله بضرورة الإسراع بإعادة التموضع عسكريًا في لبنان مع محاولة الاحتفاظ برصيده السياسي مع حلفائه وكذلك الحفاظ على حاضنته الشعبية، والتركيز على زيادة مخزونه العسكري في لبنان وتطوير دوره العسكري في سوريا بطرق مختلفة، لثقته بأن الاضطرابات في سوريا ستستمر طويلاً سواء أسقط نظام الأسد أم صمد لمدة أطول، بنى دويلة أم لجأ لجغرافيا آمنة، بقيت سوريا موحدة أم تقسمت، والعراق شاهد على هذا التحليل فهو أكثر تماسكًا من سوريا القادمة ولا يزال مضطربًا وساحة لكل الأطراف.

ولكن هناك احتمال واحد يستبعده حزب الله ومن ورائه إيران، وربما هو الوحيد الذي يحد من دورهما الفاعل في سوريا، ألا وهو قيام دولة سورية متماسكة من جديد بصيغة ما أو باتفاق دولي أو إقليمي ما، دون أن يكون لهما يد فيه، وهو ما يؤكده حزب الله مرارًا بأن الحل في سوريا هو سياسي ولن نتخلى عنها، أي يجب أن نكون جزءًا من الحل ورعاته.

والخلاصة من معركة القصير أنها افتتحت دورًا إقليميًا جديدًا لحزب الله في سوريا، سيضعه في سياق جبهتين عسكريتين الواضح منهما: أن إحداهما دفاعية في مواجهة إسرائيل ولا تخفى مبرراتها الوطنية اللبنانية، وأخرى هجومية ضد المعارضة السورية، وهي تختزن أبعادًا وحسابات طائفية -لبنانية وإقليمية- رغم كل الحديث عن وجود أبعاد أخرى قد تتصل “بالمقاومة” ودورها في المنطقة.

وأضافت هذه المعركة لبنانيًا معضلة أخرى ووظائف أخرى لسلاح حزب الله في لبنان؛ فمشروعية سلاح حزب الله بعد معركة القصير لم تعد مرتبطة بحماية لبنان من إسرائيل أو بحفظ أمن اللبنانيين من عدوانها فقط، بل بأمن “الشعب اللبناني” في سوريا أو حيث تتخلف الدولة عن حمايتهم، وعلى الاستراتيجية الدفاعية اللبنانية المطروحة بين قوى 8 و14 آذار أن تلحظ ذلك.

إن قدرات حزب الله العسكرية حيث تتوجه فإنها تكرس أعرافًا سياسية جديدة ستزيد من صعوبة التحاور بين الأطراف اللبنانية المتنازعة، وستزيد من ربط الأزمة اللبنانية خاصة إذا ما توسع مفهوم “حماية المقاومة” بالأزمات في الإقليم، بدءًا من سوريا مرورًا بالعراق وصولاً إلى إيران.

___________________________________

شفيق شقير – باحث متخصص في المشرق العربي والحركات الإسلامية

الهوامش

1- قال السيد حسن نصر الله في خطابه هذا بكل وضوح: إن “أصدقاء سوريا، الإقليميين والدوليين، لن يسمحوا بسقوطها بيد أميركا أو إسرائيل أو الجماعات التكفيرية”. ويمكن العودة لخطابه على الرابط أدناه:

http://www.youtube.com/watch?v=wGsGF0CJ5tE

2- حول إعادة تموضع الحزب لبنانيًا وإقليميًا، انظر: حزب الله: الدور في سوريا وانعكاساته اللبنانية، 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، مركز الجزيرة للدراسات.

http://studies.aljazeera.net/reports/2012/11/201211881910626271.htm

3- ذهب الأمين العام السابق الشيخ صبحي الطفيلي، والذي على خلاف مع السيد نصر الله، في مقابلة متلفزة بتاريخ 24 إبريل/نيسان 2013 إلى أن خسائر حزب الله في سوريا تصل إلى 138 قتيلاً. يمكن الاطلاع على المقابلة على الرابط أدناه: http://www.youtube.com/watch?v=_ArI6SdQDJ8

4- أوساط حزب الله أعلنت مسبقًا أن السيد نصر الله التقى خامنئي في إيران وأنه سيكون له إطلالة على جمهوره في 9 مايو/أيار احتفاء بذكرى تأسيس وسيلة إعلامية تتبع للحزب. انظر موقع النهار نت على الرابط التالي: http://www.naharnet.com/stories/ar/80214

5- شهد لبنان في 7 مايو/أيار 2008 انتشارًا عسكريًا واسعًا سيطر من خلاله حزب الله على أجزاء واسعة من بيروت وضواحيها بهدف حماية شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله “وحماية المقاومة”.

6- التقى الرئيس بشار الأسد وفدًا يمثل “الأحزاب اللبنانية” وتحديدًا قوى 8 آذار في 21/4/2013، وذلك بالتوازي تقريبًا مع التصعيد العسكري في ريف دمشق والقصير.

7- انظر استقالة الحكومة اللبنانية، موقع الجزيرة نت،

http://www.aljazeera.net/news/pages/91809f9a-441a-4b51-a31b-5343527412c4

8- أفضى اتفاق الدوحة الذي عُقد بين 16-21 مايو/أيار 2008، بقوى 8 و14 آذار اللبنانية إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد، قائد الجيش ميشال سليمان، وإقامة انتخابات برلمانية جديدة، وإلى تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري. يمكن الاطلاع على بعض وثائق الاتفاق على  الموقع الرسمي له، على الرابط الآتي:

http://www.qatarconferences.org/lebanon/

9- انتهت حرب يوليو/تموز 2006 بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي نص فيما نص عليه إضافة إلى “إنهاء العمليات القتالية”، أن تنسحب قوة حزب الله إلى شمالي نهر الليطاني وانتشار الجيش اللبناني هناك.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا:

الى الأعلى

 المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى