صفحات سوريةميشيل كيلو

معضلة روسيا وإيران/ ميشيل كيلو

 

 

يغلط كثيرا من يظن أن روسيا انتصرت في سورية، أو أنها قريبة من الانتصار. ويغلط جدا من يظن أن سيطرتها على الصراع العسكري مع المعارضة حاسمة، بعد تبدل شروطه نتيجة ما نراه من خطوات غربية/ إسرائيلية لمواجهة ملالي طهران، المتهمون بتجاوز أحد أدوراهم في استراتيجية واشنطن الخليجية، عنيت إخافة نظمه إلى حد جعلها ترتمي بلا تحفظ في أحضان البيت الأبيض. يكرّر الملالي غلطة الشاه الذي أطيح، لأنه قرّر أن يكون شريك أميركا في مغانم النفط والبترودولار، فأسقطته ثورة شعبية استولى عليها الخميني وأتباعه الذين أغراهم هوس مذهبي/ قومي بالاستيلاء على جوارهم، في غلطةٍ فادحة الثمن، نظرا إلى وجود إسرائيل، ولأنه ليس في برامجها السماح لطهران بالوصول إلى الحدود مع سورية.

سيظهر ما أنجزته روسيا في سورية على حقيقته، بعد بدء المعركة الوشيكة ضد إيران، وممارسة الغرب ضغوطا عليها كي تتخلى عنها، علما أن قادتها يرون في خسارتها تهديدا جسيما لنظامهم. في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى أحداث وقعت في الشهر الأخير، اعتبرها المراقبون اختبارا للقوة الروسية، أهمها ضربات بطائراتٍ من دون طيار، دمرت طائرات عديدة في قاعدة حميميم، وكذلك الخدع الإلكترونية التي أوهمت وحدات الدفاع الجوي الروسية أنها تتعرّض لهجوم، فأطلقت 12 صاروخا على أهداف ظهرت على شاشات راداراتها، ثم تبين أنها مجرد إشارات إلكترونية كشفت تخلف عتادهم “المتطور”، الذي يباهي بوتين به العالمين.

من المستبعد أن تسمح روسيا لنفسها بخوض مواجهة مع الغرب في ظل وضعٍ كهذا، خصوصا وأن الشهر الأخير شهد تطورات سياسية هي بمثابة جزرة مدت للكرملين على عصا هذه الضربات والخدع، تتضمن القبول بقواعدها العسكرية في سورية، وتقديم دعم مالي لإعادة إعمار ما دمرته قواتها ومرتزقة الأسد وإيران، والاعتراف بها دولةً تتمتع بشيء من الندية مع دول الغرب الكبرى، بما يقتضيه ذلك من حلول لمشكلاتها الأوكرانية والجورجية والسورية، ولمصاعبها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، في علاقاتها مع الغرب أو على الصعيد العالمي. هذا العرض السخي الذي هدفه إبعاد الكرملين عن طهران، سبقته ضربة عسكرية حملت رسائل شتى إلى موسكو، منها أنها لا تستطيع حماية الأسد، وأن الغرب لن يكون بحاجةٍ إلى قرارات دولية في حال قرر القيام بأعمال عسكرية في سورية، وأن الحل السوري دولي، لن يترتب على ميزان القوى بين روسيا والمعارضة، بل على موازين القوى بين أميركا ودول الغرب الرئيسة وبين موسكو، مع العلم أنها ليست لصالح بوتين وسياسات القوة التي يتبناها، والبرهان: الخدع الإلكترونية التي فضحت حقيقة صواريخه، والطائرات بلا طيار التي هاجمت مرّات متكررة قاعدة حميميم، وعجزت هذه عن صدّها.

هل ستتمسك روسيا بعلاقتها مع إيران أم ستفيد من الجزرة كي لا تضرب بالعصا؟ هذه هي المسألة التي ستحدد مصير التطورات السورية في الأشهر القليلة المقبلة، وستقرّر ما إذا كنا ذاهبين إلى حقبة مفتوحة من صراع دولي سيأخذ صيغة عمليات عسكرية من المحتمل ألا ترقى إلى مستوى حربٍ شاملةٍ ضد طهران، سيقوّض تصاعدها دور روسيا ونفوذها العسكري والسياسي في سورية، أو إلى تفاهم روسي/ غربي سيفتح باب السلام، بقدر ما سيغلق باب الوجود الإيراني في وطننا، بما أن إغلاقه سيسهل إيجاد حلول لمشكلة الأسد ونظامه.

قال رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، في واشنطن، إن حل المسألة السورية مرتبط بحل المشكلة الإيرانية. هذا الحل صار البدء به وشيكا!

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى