صفحات سورية

مع من وعلى ماذا ستحاور السلطة السورية؟

 


محمود عباس

لا يعقل، خروج السلطة السورية من بيئتها الإملائية والتي لا تقبل الردود أو حتى التعقيب على أسئلتها، أن تظهر الآن وتبسط للآخر فسحة للحراك وتفتح مجالاً للأسئلة! أو ربما أجوبة على ما سيملى عليهم في القادم من الأيام. وكالعادة الحوار سيكون في المكان والوقت المناسبين للسلطة!.

وعندما أنتقد الرئيس بشار الأسد الممارسات الآمنية وأعتبرها خاطئة، لم يكن يعني بأنه لا يريدها بهذا الإتجاه الإجرامي، بل قصد بأنهم لم يؤدوا المهمات الملقاة على عاتقهم بالشكل التام، كان يأمل أن تكون الممارسات عالية القدرة في تسكيت الشارع، يقصد لماذا الإحتجاجات والإنتفاضات والثورة لا تزال تتوسع وتتعمق في المدن السورية؟ قصد، بأن القتل لم يكن بالمستوى الذي كان يجب أن يرهب الشعب والشباب الثائر، ويوقف المسيرات، القصد بأن الإعلام السوري الرسمي لم تكن تلفيقاتها وإدعاءاتها بالمستوى الذي كان يجب أن يؤدي إلى إقناع العالم الخارجي بما تقوله السلطة عن الشارع.

هذا التزامن بين إنتقاداته وطرح المحاورة مع الشعب، تثبت عدم مصداقية الرئيس والسلطة وشريحتهما في الوصول إلى نتيجة سليمة. الكل على قناعة تامة بأن هناك خطوات أولية يجب أن يقدمها الرئيس بشكل عملي قبل البدء بالمحاورة مع الشرائح المختلفة، وتلك الخطوات معروفة للجميع.

ثلاثة مجموعات رئيسية من الشعب تجابه السلطة السورية، والتي تحاول عن طريق محاورة أحدهم أن تتجاوز الدماء التي أريقت في شوارع المدن السورية وتخفي ورائها مئات الشهداء وتعتم على المقابر الجماعية التي أكتشفت مؤخراً في جنوب درعا الباسلة.

المجموعة الأولى… هي القوى المعارضة في الخارج ” بإستثناء المجموعات الملتزمة بأحزابها في الداخل السوري ” ترفض التحاور من كل أطرافها ولها القدرة على رفع أعلى سويات الشعارات إلى حد المطالبة بتغيير السلطة بكل أجهزتها وحتى تقديمها للمحاكمة وحل حزب البعث الحاكم، وهي قوى ملغية من سجلات السلطة كطرف للتحاور.

معظم القوى المعارضة في الخارج ترى بأن المبادرة ” الإستفهامية ” للتحاور من طرف السلطة التي لم تكن تقبل سوى صيغ العدمية والإنكارية للآخر، ومن ضمنهم الشعب نفسه، يخلق الشك المطلق بنواياه، ويشحذ العقل ليس فقط بإلغاء الثقة بمصداقية التحاور بل بالإنزياح نحو تثبيت التهمة في إمكانية كون المحاورة تدبير آخر من قبل قادة الإجرام وزعماء القتلة، لضرب الشارع السوري بخبث أدق واسلوب أفظع وتحت سرية وكتمان أعلامي أوسع.

من سيكون المبصر أو الأعمى في المحاورات المطروحة جدلاً؟ والمقبولة من زعامات سياسية حزبية كانت حتى البارحة في حكم العدم بالنسبة للسلطة، والحالمة أبداً بمثل هذه المبادرة في التحاور مع السلطة السورية، والتي هي مرفوضة بالمطلق من أرواح الشهداء والذين يمثلهم الشباب الثائر في ساحات الوطن وبلا جدال، والملغية من جداول التعامل منذ سقوط أول شهيد في الوطن من قبل أغلب القوى المعارضة السورية في الخارج. هم…

المجموعة الثانية… وهي القوى السياسية الحزبية الكردية والعربية التي لا تمتلك القوة أو الجرأة في رفع شعار ” التغيير ” أو ” اسقاط السلطة ” كانت شعاراتها، منذ البداية وحتى الآن، قبول ” الإصلاح ” علماً بأن البعض شددوا من لهجتهم من مجرد عمليات الإصلاح لبعض القطاعات الى اصلاح شامل، مع مطاليب أدق، طرقت أبواب السلطة وهيبتها، كتغيير الدستور والتدقيق على بعض مواده، إلا أنها بقيت في حدود الإصلاح، لهذا لم تقم بأية جرأة في النزول الى الساحات ولم ترفع غير هذا الشعار، علماً بأن بعض الفصائل الحزبية الكردية دفعت بمجموعات من شبابها الى الشارع ولكن بشكل خجول ربما لإمتصاص غضب الجماهير.

من المنطق التذكير بأنه توجد للأحزاب الكردية أسباب خاصة قد تبرر هذا الموقف المتذبذب، بعكس القوى والأحزاب العربية في الداخل، وذلك من خلال تاريخهم ومسيرتهم أو صراعهم مع هذه السلطة والتي لسنا بصدد العودة إلى تحليل تلك المسيرة وتبيان سلبياتها وإيجابياتها. لذلك فهم كانوا من أسرع القوى بقبول عملية المحاورة، لكنهم كما توضح، ومن خلال بعض بياناتهم، قدموا بعض الشروط الأولية حتى ولو كانت غير جريئة وبعيدة جدا عن الواقع الجاري على الساحة، والتي لن تؤدي إلى حصولهم على أي تنازل من قبل السلطة، لهذا فالحوار فاشل جملة وتفصيلاً، إذا حصل، بعكس الأحزاب العربية في الداخل والتي لم تملك يوماً مواقف متكاملة صامدة تجاه السلطة، لكنني أرى بأنهم الأكثر استفادة من السلطة من الناحية الإعلامية على الأقل عند قبولهم هذه المحاورة، ومن الجهة الأخرى ستخسر الأحزاب الكردية اللحظة التي كان من الممكن فيها إعادة ثقة الشارع بهم، بعد أن خسروا الكثير منها أثناء إنتفاضة الشعب الكردي في عام 2004، علماً بأنهم قبل اسابيع قدموا على خطوة مهمة، وفي فترة قياسية نادرة، تجمع قياديي12 حزباً في ندوة جماهيرة مصغرة، كانت ستعتبر أنجح خطوة في مسيرة الحركة الكردية السياسية لولا الشكوك العديدة المحاطة بأسباب التجمع، والقوى التي تقف وراء إقامتة وبهذا الشكل المختصر السريع؟!.

لا يمكن القبول بمنطقهم، من المهجر حيث الظروف الملائمة لقول الكلمة الحرة وإبداء الرأي دون مواربة، كما وليس من المنطق المقارنة بينهم وبين الشباب الثائر الذي تلذذ بطعم الكلمة الحرة و الأفكار التنويرية من خلال الشبكة الإنترنيتية.

لو أنجرفنا إلى منطقهم في التعامل السياسي مع السلطة… لكنا مع ال ” نعم ” بمطلقه…ولرفعنا شعار النعم من كل جوانبه… نعم للإصلاحات الشاملة… نعم لقليل من الديمقراطية وبعض الحرية ونفحات من الإنسانية الحقيقية وصفحات من مسيرة نظيفة خالية من الفساد والنهب في هذا الوطن ومفاهيم ثقافية خالية من ألغاء الآخر…. نعم لنفي نزعة السيادة والطغيان… نعم لإيقاف هدر الدماء الطاهرة… نعم لمحاسبة كل من لطخت يده بدم الأبرياء من الشعب… نعم لتقديم كل من دنسوا قدسية وكرامة الإنسان، يوم هدروا دماء أمهاتنا على أرض الوطن، إلى المحاكم الشعبية…نعم للحوار الذي يسبقة أطلاق سراح جميع سجناء الرأي في سوريا والكف عن القتل والحد من تدخل قوى اللاأمن في المسيرات السلمية وتبيان حقيقة الشبيحة والكشف عن العمليات الإرهابية المتنوعة التي جرت في درعا وحمص وبانياس بيد مافيا السيد ماهر وطاقمه من العائلة الأسدية والمخلوفية…

كما وعلى الأحزاب الكردية والعربية التأكد من عدة خطوات مسبقة قبل الجلوس على طاولة التحاور، إذا كانت هناك فعلاً طاولة للتحاور؟ منها:

هل تشكلت لجان سياسية للمحاورة، أم السلطات الأمنية هي المكلفة بالقيام بالمهمة؟ هل هناك لجان مخولة فعلاً تملك الصلاحيات الكاملة من السلطة أو بالأحرى من الرئيس بشار؟.

وهل محاوراتهم ستقبل من قبل السلطة وسوف لن تلغى البنود بعد فترة أستقرار ذلك الشارع التي أرغمت السلطة على التحاور؟ من سيضمن الشريحة الطاغية الفعلية في سوريا عن عدم أستعمال الهمجية وممارسة العنف الممنهج ثانية لإسكات الشعب.

إذا أرادت أن تحاور بجدية، عليها أطلاق سراح الشخصيات السياسية من السجون الذين لايمكن للقوى الحزبية الوحيدة، الموجودة على الساحة، التي تقبل التحاور مع السلطة، الذهاب إلى طاولة التحاور بدون قادتها المسجونين. النزاهة والمصداقية تبدأ بأطلاق سراح المعتقلين السياسيين جميعاً، والكثير منهم قياديون في الأحزاب، أي تجاهل لوجودهم في السجن من قبل أحزابهم هو أهانة للقيم الحزبية والمبادئ السياسية.

هل هناك قيود على نقاط مسبقة وخطوط حمراء على جداول التحاور؟ رغم أن الأحزاب الكردية قبل العربية تدرك بأن السلطة لا تحتاج الى حوار بل تحتاج إلى خطوات عملية واضحة، وهي بينة للسلطة كما هي للشعب، وتعلم بأنه على السلطة تنفيذها ومن ثم تطلب التحاور، علها تخرج من المأزق الذي فيه، مع ذلك ستقدم على الخطوة الخاطئة معها.

كيف ستكون موقف الشعب من الأحزاب عندما تتبين بأن السلطة تناور على محاور متعددة منها تشتيت المعارضة وإخلاء الشارع السوري لكسب الزمن لصالحها إلى أن يتفتق ذهن مخططي السلطة لتدابير أخرى تكتم الشارع وتهدء الرأي العام العالمي، أو كما يظنون بأنها محنة آنية وستزول مع الزمن؟

من المهم جداً أن تدرك هذه الأحزاب بأنها لا تمثل الشعب السوري، لا الكردي ولا العربي، وأية محاورة بدون إسقاط السلطة تعتبر ملغية بحكم الجدلية التاريخية الآتية على إنهاء عصر الطغاة، والتي وقودها ويقودها جيل الشباب، وبعض الشرائح الإجتماعية المشاركة معهم. وهؤلاء هم…

المجموعة الثالثة والأساسية… وهي القوى الحقيقية التي تنزل الى الشارع، أصحاب الثورة الذين قدموا ويقدمون حتى الآن الشهداء من أجل الحرية وإعادة الكرامة للشعب، وسكبوا الدماء سخياً من أجل الوطن ولهم يعود كل الحق بقبول أو رفض هذه المحاورة وبالتأكيد. فقد بلغوا بسقف مطالبهم الغاية القصوى، إسقاط السلطة وتغيير كيانه، مع المطالبة بمحاكمة رؤوس عصابات الإجرام ومعظمهم من عائلة الرئيس نفسه.

السلطة السورية التي خلقت مفاهيم ثقافة الطاعة، الذي أعد بموجبه الشعب مسؤولاً أمامه في تنفيذ كل ما يقال لهم، يود الآن أن يفتح مجالاً لدخول تياراً من أسئلة الشارع إلى أروقة قصوره! متناسياً أن أفظع الأسئلة ستنهار عليه والتي ستنبثق من عقول شباب آمنوا بالنقد مبداً وبالتجديد عقيدة، ولا تنازل سوى لحكم وجلال العقل الإنساني، سيكون السؤال الوحيد، البسيط والهام، متى سترحل من هذا الوطن ياسيادة الرئيس ومعك حاشيتك، مخيراً، قبل أن تتلقفك والعائلة محاكم النزاهة القادمة؟.

على السلطة السورية أن تعي بأن الإنبثاق الهائل للثورات الشبابية، تعد مرحلة من مراحل التطور الديالكتيكي للتاريخ، مهدت لظهورها إندماج متناسق وكامل للظروف الذاتية والموضوعية. ليست هناك قوة لإيقاف هذه المسيرة، وما على السلطة السورية ورئيسها سوى الرضوخ التام لثورة الشباب ورغباتهم الجادة والصادقة في البناء الجديد الصحيح المتكامل، وعلى السلطة الإقتناع بذلك، وأن لا تخدع نفسها بالأوهام التي تبثها الحاشية الفاسدة من حول الرئيس.

لا بد وأن الثورة في سوريا مثل الثورات السابقة ستظهر فيها بون واضح بين القوى السياسية والمعارضة في الداخل والقوى الشبابية المحركة للجماهير ولسوف تتمكن هذه القوى السياسية الحزبية المتنوعة، القومية والدينية، المتقدمة على التحاور، من ركب مسيرة الثورة لفترة حتى تكتمل التشكيلات الأساسية للشباب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى