صفحات العالم

مفاوضات سورية تحت نقطة الصفر في صراع صفري/ ماجد كيالي

 

 

انتهت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف السورية – السورية، والتي تجري بين النظام والمعارضة، منذ أربعة أعوام، من حيث بدأت الجولة الأولى، أي من تحت نقطة الصفر، بمعنى أن المسألة لا تتعلق بفشل جولة واحدة، كما لا تتعلق بإخفاق هيئة تفاوضية معيّنة.

وبكلام أكثر تحديدا فإن هذه المفاوضات، في جولاتها الثماني، التي بدأت في العام 2014، واستهلكت، حتى الآن، ثلاثة مبعوثين دوليين (كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستافان دي ميستورا) كانت مجرد صورة أو مجرد منبر سياسي وإعلامي، للطرفين المعنيين، كما للمبعوثين الدوليين الذين يعبّر وجودهم عن إرادة، أو لا إرادة، المجتمع الدولي بشأن وضع حد للصراع السوري الدامي والمـدمر، بعد التوافق على بيان جنيف 1 (في العام 2012)، الذي وضع تصورا دوليا أو خارطة طريق دولية، لحل هذا الصراع.

هكذا، فإن هذه المفاوضات أو الجولات التفاوضية، لم تشهد في حقيقة الأمر، أي عملية تفاوضية، إذ لم يجلس الطرفان المعنيان، أي وفدا النظام والمعارضة، ولا مرة على طاولة المفاوضات، ولم يتقابلا وجها لوجه، ولم يتبادلا أي أوراق أو وجهات نظر، ما يعني أن هذه المفاوضات اقتصرت على مجرد التواجد في جنيف، وإجراء المناقشات وتبادل الآراء مع المبعوث الدولي، وفريق عمله، وهو ما حصل تحديدا في فترة ستافان دي ميستورا، وخاصة في الجولات الخمس التي أدارها في هذا العام (من الجولة الرابعة إلى الجولة الثامنة).

ومعلوم أن دي ميستورا، حاول في تلك الجولات، أي طوال عام كامل، أن يدفع المفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة، نحو خطوات ملموسة، ولو على صعيد تبادل وجهات النظر، خاصة مع الاقتراحات التي قدمها لتدوير الزوايا وتليين مواقف الطرفين، والمتمثلة بطرحه ما بات يعرف بـ“السلال الأربع”: الحوكمة أو مبادئ عملية الانتقال السياسي، وصوغ الدستور، وإجراء الانتخابات، ومحاربة الإرهاب (وهذه النقطة الأخيرة فرضها وفد النظام)، هذا إلى جانب صوغه نوعا من “اللاورقة”، التي تحدد المشتركات بين الوفدين بخصوص تصورهما لسوريا المستقبل.

في مقابل كل ذلك فإن وفد النظام لم يقبل إطلاقا الدخول في أي نقاش تفاوضي مع وفد المعارضة، وهو ما وضحه أو ما أفصح عنه، المبعوث الدولي قبل أيام، بعد أن سكت عن ذلك طوال الفترة الماضية، بإعلانه أن وفد الحكومة هو المسؤول عن فشل المفاوضات.

ومعلوم أن وفد النظام ظل طوال السنوات الأربع الماضية يبرر تهربه من أي نقاش تفاوضي بذريعتين: الأولى تقول إن الأولوية يجب أن تكون لمحاربة الإرهاب، وأن لا مفاوضات قبل الانتهاء من الإرهاب.

والثانية تتعلق بأهلية تمثيل وفد المعارضة، والدعوى بوجود منصات أو أطراف أخرى في المعارضة غير متمثلة بالوفد التفاوضي لها، مثل منصتي القاهرة وموسكو، وهو ما تم إلزام المعارضة به، على النحو الذي جرى في اجتماع الرياض 2 الذي تمخضت عنه الهيئة التفاوضية الجديدة التي تمثل المعارضة.

أما المعارضة فقدمت، من جهتها، تنازلات كثيرة، أو أبدت مرونة كبيرة، فهي أولا، رضيت بمفاوضة النظام الحاكم بعد أن كانت ترفض ذلك جملة وتفصيلا، لا سيما مع رفعها شعار “إسقاط النظام”.

وثانيا، قبلت بمبدأ إنشاء هيئة حكم انتقالية، أو حكومة مشتركة، مع النظام، يشارك فيها بعض أركانه من الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء، وهو ما تجلى في تصور الحل الانتقالي الذي كانت قدمته الهيئة العليا للمفاوضات، برئاسة رياض حجاب (سبتمبر 2016). وثالثا رضخت لمطلب توسيع المشاركة في وفدها، بضمها ممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو، علما أن الثانية هي أقرب للنظام، ويمكن أن تكون ضمن وفده بدلا من وفد المعارضة.

على أي حال فإن إخفاق العملية التفاوضية هو تحصيل حاصل للصراع الضاري في سوريا وعلى سوريا، وهو يؤكد عدة حقائق أولاها، أنه لم تكن هناك أي عملية مفاوضات، لا من الناحية النظرية ولا من الناحية العملية، طوال السنوات الماضية.

وثانيتها أن النظام، الذي لجأ إلى الحل الأمني تحديدا، وإلى الصراع على الوجود، أو إلى الصراع الصفري، بدلا من الصراع السياسي، هو المسؤول عن استعصاء العملية التفاوضية، وتاليا استعصاء عملية الانتقال السياسي. وثالثتها أن التفاوض الحقيقي في الواقع إنما يجري بين الدول الكبرى المنخرطة في الصراع السوري، أي الولايات المتحدة وروسيا، وبدرجة أقل إيران وتركيا.

ورابعتها، أن المعارضة السورية، في ضعفها وهشاشة كياناتها وارتهاناتها الخارجية، ومع انحسار المناطق التي تسيطر عليها الفصائل العسكرية المعارضة، لم تعد تملك أوراق قوة تستطيع الضغط بها لفرض مطالبها أو للمناورة، الأمر الذي يضعها أمام تحديات ومخاطر حقيقية سواء استمرت بالمفاوضات، بكافة مساراتها، أو توقفت عن ذلك.

طبعا لا تستطيع المعارضة، أو لا تملك ترف، الانسحاب من العملية التفاوضية، على الرغم من تحولها إلى مجرد مشهد مسرحي، ذلك لأن هذه العملية مفروضة من قبل الأطراف الدولية والإقليمية والعربية، ولا يمكن إلا مسايرتها، لكن شرط ذلك أولا إدراكها حدود هذه اللعبة وغاياتها.

وثانيا الاستثمار فيها لتعزيز موقف المعارضة وتوضيح ذاتها مع شعبها وأمام العالم. وثالثا لتخليق وتطوير نوع من مشتركات وتقاطعات بين أهداف المعارضة وبين المجتمع الدولي، بحكم حاجتها إلى ذلك للتعويض عن الخلل الفادح في موازين القوى.

كاتب سياسي فلسطيني

العرب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى