بمثابة تحية إلى نساء سوريةرشا عمرانصفحات مميزة

مقاطع من بانوراما الموت: رشا عمران

رشا عمران  

 554211_10151220425692656_2075468340_n

        -1-

كان علي أن أتكور كجنين في رحم جاف
أن أرفع رأسي قليلا كي أتدرب على مواجهة الفراغ
أن أرسم بعيني عقارب تدلني على وقت لا أعرف عنه شيئا
أن أشغل يديّ على الجدران الملتصقة بي علني أخترع حيزا يقيني من الإنكماش
كان علي أن أمسح الغبار عن خيالات من سبقوني كي لا أعتاد على وجهي
وأن أصغي إلى ترجيع أنينهم جيدا كي لا أصاب بالصمم
كان علي أن أنتظر قطنة تدخل من شق موارب أسفل الباب وأمسح بها جلدي كي لا أصاب بالحقد
كان علي ان أعتاد ملمس الحشرات كلما بدأت لملمة ما يتساقط من شعري عن بنطالي الباهت
وأن أعتاد على ملمس الرمل في جلدي كواحد من تمارين الانوثة
كان علي أن أصدق كل هذا وأحفظه كما لو كان جملتي المفضلة
كي أكتشف كل لحظة أنني: أنا هي …

في
زنزانتها المنفردة ………..

               -2-

ذهبوا جميعا
البنات
البنون
الزوج الصالح
رضا الوالدين
صور عتيقة للسلف
بضعة ألعاب مازالت مبللة بلثغة طفولة ما
بسط وطراريح ومفارش مبقعة بآثار الأحاديث اليومية
ذهبوا جميعا
لم يبق شيء

غير رائحة شايهم الأخبر
وغير مرآة تعكس دروب رحيلهم
في الشاحنات الفاجرة

                   -3-

لم يأت أحد ذلك اليوم ….
إنتظرتهم طويلا
هيأت لهم المكان
فرشت ذاكرتي سجادة على الدرج
علقت قلبي على الباب كي لا يتوهوا
لكنني انتظرتهم طويلا
ولم يأت أحد منهم ذلك اليوم
كان علي أن أنتبه إلى الحيز الذي استثمره الدود في روحي
كي أخادع الانتظار
كان علي أن أردد : هم أضاعوا جهتي
كي أنتظرهم في الأيام القادمة

          -4-

يداها اللتان كانتا تحضران الصباح
يداها اللتان كانتا ترتبان تفاصيل اليوم
اللتان كانتا تلقيان بالدمع المخبأ تحت الوسائد من النافذة
اللتان كانتا تحصيان الأدعية وتوزعانها بلمسات الدفء على الوجنات الصغيرة
واللتان كانتا تنتشلان خيوط الحاجة من البيت الحميم
يداها اللتان تحضنان صورة عائلية هي آخر ما تبقى في البيت الحميم
يداها الآن
تلملمان ما انفرط من حبات قلبها

تحت الركام

          -5-

وكنت أراقبهم ..

يأتون إلي من أول الليل ..

يقتحمون صمتي كما الحجيج..

أعرفهم من أحزمتهم البيضاء ..

من الحناء الكالح على أجسادهم ..

أميز ظل الخوف في عيونهم و الذهول على أفواههم الفاغرة ..

يأتون إلي من أول الليل ..

لا شيء معهم غير ترجبع طقطقة عظامهم وهي تئن تحت الركام

وغير مفاتيح لغرف يخبئون فيها مؤونتهم من الموت

        -6-

لا يقفون !!

ناديتهم بأعلى صوتي ..

قرأت لهم قصة الجميلة والوحش …

أخبرتهم حكمة الهندي العتيق …

فردت لهم ما خبأته من الدلائل والاشارات ..

لكنهم كمثل نمل يسير في طريق مستقيم مروا أمامي

تاركين لي خطا طويلا من التمتمات

ألاحقها كي لا أسقط في موتي الوحيد

               -7-

ثمة رأس في الدرج الأول

ثمة جذع في الدرج الثاني

وساقان في الثالث

وتحت السرير ثمة يدان كاملتان

وثمة فائض من الدم على جدران الغرفة ….

وحده ذلك القلب الحار تسرب من النافذة

شبه المفتوحة

 اللوحة للفنانة سلافة حجازي، وهي تشارك بلوحاتها في محور: بمثابة تحية إلى نساء سورية.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى