سلامة كيلةصبحي حديديصفحات مميزةفايز سارهمنير الخطيبميشيل كيلو

مقالات تناولت أزمة الائتلاف والمعارضة السورية

 

 

الائتلاف ونماذج المرض العضال/ صبحي حديدي
عند نبش بنية «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» في مستوى السطح فقط ودونما حاجة إلى الحفر العميق، يسهل على المرء استنباط ثلاثة نماذج معيارية تشكّل هرم «القيادة»؛ كما أنها، استطراداً، تعكس تمثيلات «القواعد»، إذا جاز الحديث عن وجود هاتين الفئتين فعلياً، وأصلاً!
نموذج أوّل، لعله الأكثر طفواً على ظاهر الوقائع الائتلافية، هو الذي كان ـ قبل الانتفاضة، وخلال أشهرها الأولى ـ حائراً في أمره، بين تفضيل الأمر الواقع (وبالتالي السير في ركاب النظام، مباشرة أو مواربة)؛ وبين الحماس للانتفاضة لأنّ تباشيرها كانت تدغدغ أحلامه، وتعد بتلبية مصالحه، أو تُنذر بأنها لن تمسّ تلك المصالح في أقلّ تقدير. امتيازه، مع ذلك، كان سمة التذبذب التي يتمتع بها، وتتيح له أن يصبح صديقاً للنظام، وحلفاء النظام؛ وللمعارضة التقليدية، وتلك الشبابية الناشئة؛ للعلمانيين والإسلاميين، ولليسار واليمين والوسط، على حدّ سواء؛ وأن يغيّر شبكات ولائه وتحالفاته، بين ليلة وضحاها، بمرونة وشطارة، وبانعدام حياء أيضاً!
نموذج ثانٍ كان قبل الانتفاضة «معارضاً» محترفاً، بمعنى أنه اعتُقل لهذا السبب أو ذاك، سنة أو سنتين أو أكثر؛ ثمّ بنى على ذلك الاحتراف صيتاً يمكّنه من امتطاء ظهر الانتفاضة، والصعود قفزاً إلى المراتب القيادية العليا في مؤسسات المعارضة الخارجية، من المجلس الوطني إلى الائتلاف، مروراً بسلسلة منابر وهيئات ومحاور وجبهات. ولأنه «صاحب مواقف» سابقة، كما يزعم عن نفسه ويروّج لشخصه، فإنه مرخَّص ذاتياً بتغيير المواقف كيفما شاء، متى شاء؛ هو القابض على بوصلة الصواب، وحامل صولجان الحقّ. فإذا فاز، أو أي من حلفائه ورجالاته، في انتخابات؛ أو تصدّر المشهد، في مفاوضات أو مؤتمرات، فإنّ الائتلاف بخير وعافية، و»انتصار الثورة» آت خلال أسابيع. أمّا إذا وقع العكس، فإنّ جام غضبه لا ينصبّ على المؤسسة وحدها، بل على بعض حوارييه وحلفائه في الأمس القريب!
النموذج الثالث، وهو المأساوي أكثر من نظيرَيه، هو ذلك الناشط الذي ظلّ في قلب الانتفاضة الشعبية، داخل البلد، يشارك ليلاً في صياغة الشعار الذي سيتظاهر خلفه نهاراً، وينخرط في التنسيقيات وأشكال عمل المجتمع المدني، على غرار انخراطه السابق في مختلف تكوينات المعارضة الكلاسيكية… حتى قرّر، أو أَجبر على، مغادرة سوريا والانضمام إلى مؤسسة الائتلاف. ولا عجب، عندها، أن ينقلب هذا الناشط/ المناضل إلى أداة بيروقراطية، رهينة أحابيل المؤسسة، يخضع لاشتراطاتها حتى حين تسير على نقيض مبادئه وقناعاته. ولا عجب أن يكون التعبير الثاني عن سقوطه في الأسر، هو انغماسه في الأسفار والمؤتمرات والملتقيات، يسكن الطائرة والفندق أكثر من مبيته في بيته.
وليس جديداً، بذلك، أن تسفر أية انتخابات جديدة، ضمن أيّ من مكاتب الائتلاف، عن سلسلة من الفضائح المشينة، والتراشق اللفظي، وتبادل الاتهامات. فليست الحصيلة، في نهاية المطاف، إلا عاقبة الأخطاء الفاحشة في السياسة والتنظيم والتمثيل، وفي الفساد وسوء الذمة، ومحاكاة سلوك النظام ذاته الذي يزعمون العمل على إسقاطه؛ فضلاً، بادىء ذي بدء، عن جوهر مرض عضال:
عجز مزمن عن التقاط روح الشعب السوري، وتخلّ فاضح عن مطالبه وأهدافه، وإخلال مشين بالحدّ الأدنى من الوفاء لتضحياته.

 

 

المعارضة السورية والظاهرة الباراميسيومية/ منير الخطيب

الباراميسيوم كائن وحيد الخلية، يتكاثر (لا جنسياً) من طريق الانقسام، فيما نواتج عملية الانقسام متشابهة إلى درجة التطابق الكامل، ولا تحمل أي فرق أو اختلاف.

وانقسامات المعارضة السورية التي حدثت، وما زالت تحدث على هوامش الثورة السورية، تذّكر، إلى حد كبير، بانقسامات الباراميسيوم. فهي لا تتضمن جديداً، ولا تشكّل أية بداية جدية لتجاوز وضعية عدم الفعالية وانعدام الوزن، ولا تعدو كونها عملية استنساخ مكررة لتجارب مماثلة.

تتشابه الظاهرة الباراميسيومية الحالية مع الظاهرة الانشقاقية، التي عرفتها الأحزاب الأيديولوجية في النصف الثاني من القرن الماضي، على رغم اختلاف الأسباب. الظاهرتان تعّبران عن انزياح النخب إلى الهوامش. الظاهرة الانشقاقية عن الأحزاب الأيديولوجية كانت، في أحد وجوهها، تعبيراً عن الهامشية الناجمة عن تغّول «الدولة- السلطانية» من جهة، وركود «المجتمع» المطلق في مواجهة الاستبداد المطلق من جهة ثانية. بينما الظاهرة الباراميسيومية، في أحد وجوهها، تعبير عن الهامشية الناجمة عن انفجار قيعان «المجتمع» السوري وتفلّته من ركوده المديد، وتجزؤ الاستبداد الواحدي المطلق إلى مجموعة لا حصر لها من الإرادات المستبدة الجزئية على امتداد الجغرافيا السورية.

وإطاحة الانفجار السوري بجملة من المفاهيم الكلاسيكية، التي يقف في رأسها مفهوم الطليعة أو النخبة، ودورهما الوظيفي في عمليات التحول ذي الطبيعة التاريخية، إنما تجلت في مرحلة الثورة السلمية باستحواذ التنسيقيات والاتحادات ومختلف التشكيلات، التي شكلها الشباب والناشطون في الميدان، على الفعالية المجتمعية المتصاعدة، ما أبقى الأحزاب والشخصيات المعارضة التقليدية على الرصيف. لا بل، إن روح الحراك في هذه المرحلة كان يتعارض مع المنظومات الأيديولوجية الشمولية، بشقيها السلطوي والمعارض. وفي مرحلة التسليح، ازداد منسوب تهميش المعارضات السياسية، لأن السيطرة الميدانية باتت للفصائل الإسلامية العسكرية. كما أن تعدد مصادر التمويل مع تعدد وتعارض المصالح الإقليمية، سهما في تعميق حالة انعدام الفاعلية للمعارضات السياسية.

تمفصلت ظاهرة تشظي الكيانات السياسية المعارضة إلى وحدات صغرى متماثلة ومتشابهة، مع واقعة فوضى الفصائل العسكرية ومحلويّتها وتصادمها واختلاف أهدافها ومصادر تمويلها من جهة، ومن جهة ثانية، مع الانقسامات المجتمعية العمودية التي أفصحت هشاشة «الوطنية» السورية عن مدى عمقها وتجذرها.

وولّد ذلك مناخاً عاماً من سماته التفكك والتفتيت والتعفن. ودعّمت هذه السيرورة من الانفراط، موضوعياً في أحسن الأحوال، نهج النظام في تحطيم السوسيولوجيا السورية، كما تناقضت مع الحاجة الوطنية السورية إلى بناء الدولة-الأمة، التي هي في المحصلة النهائية مجموعة من عمليات التجريد والتوحيد والمركزة، بما يتيح تجاوز واقع التشظي في المجالين الاجتماعي والسياسي.

لقد كثرت، مؤخراً، الدعوات من معارضين سوريين، لتشكيل جسم سياسي بديل عن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، ولا تخرج هذه الدعوات عن مضمون الظاهرة البارامسيومية عينها، لأن تكاثر الفصائل العسكرية والسياسوية الذي تشهده الحالة السورية، يؤكد مبدأ الهوية، وينفي مبدأ الفرق والاختلاف الذي هو أساس عملية التقدم. وتلك الفصائل متهاوية (من هوية واحدة)، فلا يوجد أي اختلاف أو فرق بين داعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وغيرها، كما لا يوجد أي اختلاف أو فرق بين المجلس الوطني سابقاً والائتلاف الحالي والائتلاف القادم. والسوريون لا يحتاجون إلى جسم سياسي جديد، ولا إلى فصيل عسكري آخر، فلديهم الكثير منها، ما يحتاجه السوريون هو البدء في مسار، في عمل تاريخي كبير، ماهيته المركزة والتوحيد، يكون نافياً للعقلية الحزبوية والفصائلية، فوق الأحزاب والفصائل والمذاهب والإثنيات، ويندرج في سياق «السياسة – تاريخ».

فمسار الانقسام والتفتت هو مسار تأكيد الصفات الحصرية والخاصة للفصائل والكيانات والمناطق، في حين أن مسار الوطنية السورية مسار نفي الصفات الخاصة، الإسلامية، العربية، المذهبية، الأيديولوجية… وما يحتاجه السوريون بناء مؤسسة عسكرية وطنية نافية للصفات أيضاً. قد يبدو ذلك، في ظل ارتسام جغرافيا الدويلات الطائفية، ضرباً من طوبى حالمة، لكنه أحد ممكنات الواقع السوري الذي ينزع عن تلك الطوبى صفة الحلم.

* كاتب سوري

الحياة

 

حكاية الأركان/ ميشيل كيلو
عزل المجلس العسكريّ الأعلى في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اللواءَ سليم إدريس من منصبه رئيساً للأركان، وصدر القرار عن وزير الدفاع، العضو في حكومة الدكتور أحمد طعمة المؤقتة. ومع أن القرار لم يكن مفاجئاً، بعد ما وقع للأركان على يد الجبهة الإسلامية، وتنظيمات أخرى غير منتسبة إليها، تزايدت قوتها إلى حدٍّ مكّنها من العمل بمفردها، من دون العودة إليها أو التنسيق معها، فإنه كان له، كقرار، وقع الصاعقة على السوريين، بسبب الأسلوب الانقلابي الذي اعتمد في اتخاذه والطريقة المهينة التي اختارها رئيس الائتلاف في تنفيذه، وأراد لها أن تكون مُذلّة.
أثار هذا الأسلوب موجة استنكارٍ واسعةً، أخافها الشبه بينه وبين أساليب الأسد في تنصيب وإقالة المسؤولين، عسكريين ومدنيين. فاللواء إدريس لم يحضر الاجتماع، ولم يُعطَ الفرصة لعرض وجهة نظره، وما قيل عن مسوّغات عزله كان مسؤولية مشتركة بينه وبين جهات متعددة، بينها رئيس الائتلاف نفسه، والعزل ذاته كان إجراءً شخصياً انتقاميَ الطابع لم تعلن أسبابه، على الرغم من أن تصرفاً منصفاً كان يمكن أن يجعل القرار مقدمة لبناء هيئة أركان حقيقية، غدت الحاجة إليها كبيرة، بسبب تراجع قوة الجيش الحر ومكانته، وتدهور أوضاعه، بدل الاكتفاء استبدالَ رجلٍ برجل.
هذه الفعلة التي تمت لأسبابٍ شخصيةٍ، غطتها تبريرات كلامية وطنية في الظاهر، قدمت إلى الرأي العام باعتبارها توحيدا للأركان، كما كرر الرئيس السابق للائتلاف، أحمد الجربا، في واشنطن، عندما قدم نفسه للكونجرس ودوائر صنع القرار.
قال الجربا: وحّدنا الأركان، وحررنا 85 % من الأرض التي احتلتها داعش، وغدت أمورنا جيدة، إلى درجةٍ يجب أن تجعلكم واثقين من قدرتنا على الحيلولة دون وقوع أي سلاح نحصل عليه منكم في أيد غير أيدي مقاتلينا. بقول آخر: حسّنا أوضاعنا، وحققنا تقدماً كبيراً في توحيد قيادتنا العسكرية وتنظيمها.
هل كان ما قاله صحيحاً؟ لنستمع إلى شهادة رئيس الأركان الجديد، العميد عبد الإله البشير، ونائبه العقيد هيثم عفيسي، أمام الهيئة العامة للائتلاف، قبل أيام، قالا فيها كلاماً لا يحتمل أية التباسات، أو إساءة فهم: ليس هناك أركان، أو هيئة أركان، وليس لنا كضباط أي دور في الصراع العسكري في بلادنا، والذي لا يشارك في قيادته أي ضابط سوري على الإطلاق، ونحن لا نتلقى ولا نوزع أية أموال أو أسلحة أو ذخائر، ولا يسألنا أحد عن رأينا في أي شيء، ولسنا، بكلام العقيد عفيسي، غير ” شهود زور على ما يجري، علماً أنه ليس لدينا حتى مكاتب خاصة بنا”.
لماذا قام الجربا بانقلابه على اللواء إدريس، إذا كان لا يريد توحيد الأركان، بل إلغاءها، بشهادة الضابطين الأرفع رتبة فيها. كان للجيش الحر رئيس أركان، فصار اليوم بلا رئيس ولا أركان، فهل حدث هذا مصادفة، أم كان مبيتاً ومقصوداً؟ وهل حدث لكي ينفرد بالأمر من وصف نفسه في أميركا “القائد”، استكمالاً لتقويض الائتلاف ثم الحكومة، وبالتالي، للمؤسسات التي أنجبتها الثورة، ويعتبر شرطاً لازماً للقضاء عليها؟
لا بد من طرح هذه الأسئلة، إذا كنا لا نريد أن نكون سذجاً إلى حدٍّ نسمح معه لساذج أن يضحك علينا. ولا مفر من مواجهتها بالجدية الضرورية، لكي لا نندم بعد الفوت، فيكون ندمنا أصعب من الموت.
العربي الجديد

 

ميشيل كيلو خط أحمر/ خطيب بدلة
نشر ميشيل كيلو (مع حفظ الألقاب للجميع، وبكل احترام)، في “العربي الجديد”، في يومين متتاليين (12 و13 يوليو/تموز)، مقالتين، تناول بهما الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. كانت الأولى هادئة ورزينة، تحمل عنوان “خيارات هادي البحرة”، وفيها ميشيل كيلو الذي نعرفه، ونتخذه رمزاً للمعارضة السورية، وحجةً في وجوه الذين يزعمون أن الشعب السوري يفكر على نحو ديني أو مذهبي، (أو بشكل عام: إثني).
أما الثانية “ماذا جرى في انتخاب رئيس الائتلاف السوري؟”، فقد بدا فيها غاضباً، خارجاً عن طوره، يسجل سابقةً غريبةً في العمل السياسي، أو الوطني، تتلخصُ في “نشر غسيل” الهيئتين السياسيتين اللتين ينتمي إليهما، أعني الائتلاف والكتلة الديمقراطية، وإخراج مداولاتهما وأسرارهما إلى العلن، بـ(المشرمحي) وبـ(القلم العريض).
أنا أكثر الناس، وأكثر أعضاء الائتلاف قرباً من تفكير ميشيل كيلو، وحباً بشخصيته، وتأثراً بطريقته في التفكير والعمل، واستمتاعاً بحديثه الذي يصحبك في رحاب الذاكرة الوطنية السورية، ولدي، ما تزال، رغبة في أن أجلس معه ساعات طويلة، لكي أستغل ذاكرته في إعداد الجزء الثاني من كتابي “حكايات سورية لها علاقة بالاستبداد”. ولكنني، مع ذلك، مختلف معه بشأن نقاط كثيرة، أثارها في مقالته الثانية.
أولاً- أستغرب انتقاد الأستاذ ميشيل كيلو الكتلة الديمقراطية الموجودة في الائتلاف، منذ سنة، لكونها لم تستطع أن تكون كتلة سياسية، وتحولت إلى (كتلة انتخابية).. سبب استغرابي أن هذه الكتلة، وكما هو معروف للجميع، من تأليف الأستاذ ميشيل كيلو، وتلحينه، وقيادته، وتوجيهه.
وأنا الذي قلت مخاطباً إياه وباقي الزملاء، في الاجتماع الطارئ الذي عقدناه بعد رسوب ريما فليحان وفايز سارة في انتخابات الهيئة السياسية قبل ثلاثة أشهر: هذا نتيجة منطقية لكونكم تعتبروننا أصواتاً في الانتخابات فقط، ثم، وبعد أن تنتهي الانتخابات، ويذهب كلٌّ منا في حال سبيله، تتمثلون قول بطل الفيلم المصري لحبيبته: “كل اللي بيننا انتهى- والحب كان أوهام”! يومها شاركني الرأيَ معظمُ الحاضرين. وبناء عليه، توجه (الشباب) إلى تشكيل الكتلة الحالية التي انسحب منها الأستاذ ميشيل، لسبب سآتي على ذكره بعد قليل.
“عندما وضع ميشيل كيلو ثقته بالجربا، قبل سنة، ربما يكون قد وضعها به نتيجة لحسابات بشرية خاطئة، ولكن الجربا، والكل يعلم، نجح في الانتخابات التالية، نتيجة دعم ميشيل كيلو التام له”
ثانياً- وردت في المقالة عبارة أن زكريا الصقال (مقرب من الجربا)، والجميع يعرف أن الصقال (مقرب من كيلو)! فما الذي استجد في الموضوع؟
ثالثاً- السؤال الوارد في البند (ثانياً) يقودنا إلى القول إننا نحن، أعضاء الكتلة الديمقراطية المقربين من ميشيل كيلو، لم تكن لدينا فكرة واضحة عن شخصية أحمد الجربا قبل سنة، وقد أصبحنا مقربين منه، بناء على إقناع ميشيل كيلو لنا بأنه رجل جيد، وشهم، وديمقراطي التوجه، وسيشتغل في الائتلاف بطريقةٍ ترضينا بوصفنا ديمقراطيين، وتُرضي الشعب السوري الحبيب.
رابعاً- هنا أريد أن أنتقل إلى نقطةٍ أكثر إشكالية وحساسية من سابقتها، هي أن ميشيل كيلو، عندما وضع ثقته بالجربا، قبل سنة، ربما يكون قد وضعها به نتيجة لحسابات بشرية خاطئة، ولكن الجربا، والكل يعلم، نجح في الانتخابات التالية، نتيجة دعم ميشيل كيلو التام له.
خامساً- إن ميشيل كيلو، من دون أدنى شك، لَرَجُلٌ ذو صدقية عالية لدى السوريين. من هنا، من غير الصائب أن يدلي بتصريحاتٍ غاضبةٍ، يستخدم فيها عبارات غير مدروسة، كقوله: (في النهاية، وفي اجتماع ثانٍ، نجح فايز سارة في إرغام أحد عشر عضواً على إعطاء أصواتهم لهادي البحرة). أقول: في الانتخابات النزيهة الديمقراطية التي شاركنا فيها، وميشيل كيلو كان معنا، فاز موفق نيربية بعشرة أصوات (صوت ميشيل وصوتي منها) مقابل تسعة أصوات أعطيت لهادي البحرة. بمعنى أن التسعة الذين صوتوا للبحرة في البداية “بمحض إرادتهم” لم يكن يتطلب الأمر من فايز سارة وغيره (إرغامهم) على التصويت للبحرة مرة ثانية.
سادساً- الآن، وبما أن أسرار الكتلة الديمقراطية بدأت تخرج إلى العلن (قبل مضي 25 سنة على حدوثها بحسب العرف الدولي!)، سأقول إنني كدتُ أتشاجر مع فايز سارة، بسبب ما قاله لميشيل كيلو، فأغضبه، وجعله يقدم استقالته من الكتلة، وقلت له، أثناء ذلك: إن مغادرة ميشيل كيلو تسبب خسارة فادحة لأي تجمع سياسي، يكون فيه، ويجدر بنا ألا نتخلى عنه بسهولة.
إن السبب الذي جعل ميشيل كيلو يقدم استقالته أنه حكى لنا عن تفاصيل لقاءٍ له مع أعضاء بارزين في الائتلاف، وبضمنهم مصطفى الصباغ، اجتمعوا في غازي عنتاب، وتحاوروا في شؤون الائتلاف، وبضمنها الشأن الانتخابي. رد عليه فايز سارة قائلاً: إن نتيجة هذه المداولات لن تكون مُلزمة للكتلة. فغضب ميشيل، وقدم استقالته وخرج. نحن، هنا، أمام خيارين: أن نقول لميشيل كيلو (أنت تمون أبو أيهم وما تريده يصير)! أو نقول له: أسسنا الكتلة لنعمل على نحو مؤسساتي، ومن ثم، إن أي شيء يتفق عليه أيُّ واحد منا غير ملزم لنا، إذا لم نجتمع ونتدارس فيه، ونتفق عليه. بمعنى آخر: كلام فايز سارة لم يكن ليغضب ميشيل كيلو، لو أنه صدر عن غير فايز سارة. وفي كل الأحوال، هذا الكلام لا يستأهل أن يكون رد الفعل عليه استقالة.
سابعاً- يكثر الحديث ضمن الكتلة الديمقراطية عما يسمى الخط الأحمر. وفي المقالة تذكير من ميشيل كيلو للآخرين بأنهم قالوا، في وقت سابق، إن مصطفى الصباغ خط أحمر.
لا أجدني في حاجة لتذكير ميشيل كيلو، وغيره، بأن العمل السياسي، في المعارضة على الأقل، لا يجوز أن تكون فيه خطوط حمر. فإذا كان موقف الديمقراطيين من مصطفى الصباغ مبنياً على كونه (محسوباً على قطر)، ويستعمل المال السياسي، فبإمكان الصباغ، وغيره، أن يعتبر التعامل معنا، نحن الديمقراطيين، على أساس أن بعضنا (محسوب على السعودية)، ويستعمل المال السياسي أيضاً.
الأصح القول، في رأيي المتواضع، إن قطر والسعودية دولتان داعمتان للثورة السورية والمعارضة السورية، والذكاء لا يكون بوضعهما ضمن سياق المشادات والتجاذبات، وإنما في جعلهما تنظران بعين التقدير إلى توجهنا نحو استقلالية القرار الوطني السوري، وهذا ما كنا نريد أن نشتغل عليه، استناداً إلى ورقة ميشيل كيلو التي تبنتها الكتلة، قبل هذا كله. ولو كان لدينا خطوط حمر، لما كنا وافقنا على الذهاب إلى مؤتمر جنيف. كنا جميعاً متفقين على أن خوض معركة جنيف عمل صائب. وهو كذلك بالفعل.
العربي الجديد
صديقي خطيب: تعقيب وتوضيح ومحبة/ ميشيل كيلو
نشر صديقي العزيز، خطيب بدلة، مقالة في “العربي الجديد”، تتصل بمقالتين، كتبتهما حول أزمة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومشكلاته الأخيرة، نشرهما “العربي الجديد” في يومين متتاليين، اعتبر أن ثانيتهما اتسمت بغضبٍ شديدٍ، أملاه ما أسماه “خروجي عن طوري”. هذه المقالة التي تحدثت فيها عما جرى في الائتلاف، قبل وخلال انتخابات الرئاسة الأخيرة، وقدمت فيها صورة أمينةً عما حدث بالفعل، اعتبرها الصديق “سابقة غريبة في العمل السياسي الوطني”، ورأى فيها “نشر غسيل” الهيئتين، اللتين أنتمي إليهما: الائتلاف والكتلة الديمقراطية.
يبدو أن الصديق نسي تاريخنا المشترك في الحزب الشيوعي، حيث كان كل تذكير بأحداثٍ ماضية يُدان باعتباره “نشرَ غسيل”، كما نسي، على ما يبدو، ما درج عليه عدد كبير من أعضاء الائتلاف من “نشر غسيل” بعضهم بعضاً بصورة يومية. يعني تذكير صديقي بهاتين الحقيقتين أنّ من حقي اعتبار نفسي غير “مسؤول عن ابتداع شيء جديد في العمل السياسي الوطني”، كما يقول خطيب، علماً بأنني لم أنشر أي غسيل، بل ذكرت وقائع دامغة يصعب تكذيبها، أو نفيها، لاعتقادي أن تعريف الرأي العام بما يدور في الائتلاف واجب وطني، خصوصاً في المحنة التي نعيشها، وتعود في جزءٍ كبير منها إلى المطابخ السرية، وما تحجبه من معلومات عن الشعب، لكن خطيباً يخبرني أنه نشر “غسيل” غير جائز، وهو ما أختلف معه بكل صراحة فيه.
يقول صديقي بحق: إنني أيدت انتخاب أحمد الجربا رئيساً للائتلاف، وقلت إنه شهم وجيد ويريد العمل في إطار ديمقراطي. كان هذا قبل عام، عندما حملت ريح ديمقراطية الأستاذ الجربا إلى سدة الرئاسة في الائتلاف، وفق برنامج أقرته “القائمة الديمقراطية” التي ضمتهم، ثم الهيئة السياسية، وعد بتنفيذه بالتعاون مع أعضاء الائتلاف، جوهره استعادة القرار الوطني السوري، عبر مأسسة الائتلاف، بطرق تجعله مرتبطاً بمصالح الشعب السوري العليا وثورته، وليس بأي شخص أو تيار، وتأسيس جيش وطني حر على أنقاض الشتات القاتل السائد في الحقل العسكري، وحكومة تنجز مهام تنفيذية رسمية، في المناطق التي أخرج النظام منها.
هل التزم الأستاذ الجربا بما تعهد بتنفيذه؟ وهل سكتُّ عنه بعد انتخابه؟ أرجو أن لا يكون صديقي قد نسي ما قلته في اجتماع “القائمة الديمقراطية”، التي أسستها مع بعض الأصدقاء قبل التوسعة، لأغراض تخدم تصحيح مسار الائتلاف وتوجهه الديمقراطي، على العكس من “الكتلة الديمقراطية”، التي أسسها الجربا، بمعونة الأستاذ فايز سارة، لأغراض تبين أنها محض انتخابية وكيدية، بخلاف ما يقوله خطيب، الذي لا يفرق بينهما. يتذكر أعضاء “القائمة” أنني استعرضت أمامهم ما يفعله الجربا، وطالبتهم بمعارضته، والتنصل العلني منه، وإلا خنّا، مثله، النهج الديمقراطي الذي جاء به إلى الرئاسة، فخانه.
أرجو أن يتذكر خطيب، أيضاً، أن بعض الزميلات والزملاء عارضوني، واعتبروا ما قلته حكماً سابقاً لأوانه على تصرفات رئيس الائتلاف، الذي يجب أن نترك له فرصة تحقيق ما يريده، قبل إعلان القطيعة معه. من جانبي، لم أتراجع عن تقديري، ودأبت، منذ ذلك الاجتماع، على نشر مقالاتٍ، تنتقد الخط الذي يعتمده الجربا، والنتائج التي تترتب عليه، والسكوت حيالها، وسجلت ما أراه كتابة، بينما شرع غيري يقوله في أحاديثه، بعد أن صار جليا أن الأستاذ الجربا فارق الديمقراطية وعالمها، وتنكر لالتزاماته، واستبدلها بخط رئاسي/ فردي، تابعه مع عدد قليل من “الديمقراطيين”، شكل منهم مطبخاً سرياً، حصر كل شيء بيده. قلت عدداً قليلاً من “الديمقراطيين”.
كم كنت أتمنى لو أن صديقي خطيب توقف عند الواقعة المرعبة، وهي أن معركة الرئاسة الأخيرة لم تدر بين شخصين مختلفين في الانتماء والتوجه، بل بين عضوين مـمّا أسموها “الكتلة الديمقراطية”، وأن أحد زعمائها اعتبر أن انتصار الأستاذ، هادي البحرة، ستترتب عليه معركة “كسر عضم” ضد “رفيقه في الكتلة”، موفق نيربية، الذي كانت قد اختارته مرشحاً للرئاسة بأغلبية أصواتها، بينما أسقطت هادي البحرة، الذي افترضنا أنه قبل النتيجة، لكن ضغوط رئيس الائتلاف، الأستاذ الجربا، أدت إلى إلغاء قرار الأغلبية، وفرضت انتخابات ثانية، فاز فيها هادي بأحد عشر صوتاً، ضد لا شيء، فكيف بالله عليك، أستاذ خطيب، تعتبر الانتخابات الثانية شرعية، وأنت من رفض خلال الجلسة ترشيح هادي، وأعلنت أنك لن تلتزم بالتصويت له، كما أعلمنا من كان بصحبتك من الزميلات والزملاء في الاجتماع، الذي لم تتم دعوتي إليه، بحجة أنني مستقيل، لكن رئيس الكتلة وعد بالسماح لي بحضور الجلسة التالية، أي بعد أن يكون قد تم انتخاب هادي، وانتهى الأمر.
لقد قال عني إنني مستقيل، بل وقال لكم عندما قدمت له استقالتي وعارضتموني أنتم: خلوه يستقيل. اعتبرني السيد الرئيس مستقيلاً، على الرغم من أنني تلقيت دعوة رسمية منه لحضور اجتماعاتها على مدى يومي 2 و3 يونيو/حزيران، وأرسل لي بطاقة طائرة، وحجز غرفة في فندق؟ هل يُعامل مستقيل بهذه الطريقة، أم أن “أمر عمليات”– هذا القول محبب جداً إلى قلب الأستاذ الجربا– قد صدر باستبعادي، ليمر انتخاب هادي غير الشرعي؟ أستغرب، صديقي العزيز، أنك لا تفرق بين الانتخابين، وتعتبر الثاني منهما شرعياً، مع أنك عارضته، كما قيل لي، أنت وخمسة آخرون، وبما أنني بقيت وموفق في الفندق، فإن الانتخابات تكون قد مرت، عبر تغيير اثنين من العشرة، الذين صوتوا لموفق موقفهما، نعرف أنت وأنا اسميهما، خصوصاً وأن أحدهما انخرط في موجة بكاء مؤلمة بمجرد عودته إلى الفندق!
نعم، دعمت الجربا، لكنني طالبتكم، بعد قرابة شهرين من رئاسته الأولى، بالتنصل منه ومقاومة نهجه باسم الديمقراطية، ودأبت على انتقاده طوال الفترة التالية، كتابة وليس سراً وفي الكواليس، وفي النهاية، قدمت له كشف حساب علنياً، خمسة عشر يوماً قبل تحالفه مع الأستاذ مصطفى الصباغ، وانتخاب هادي غير الشرعي، في مقالة جعلت عنوانها “عام من الفشل”.
أسألك، الآن، صديقي: ما الخطأ في دعم انتخاب شخص لرئاسة الائتلاف، أعلن التزامه باتفاق أقرّه جميع أعضاء “القائمة الديمقراطية”، التي كان هو نفسه عضواً فيها، جوهره تطبيق برنامج يحول الائتلاف إلى مؤسسة عمل وطني حقيقية، تتحرك موحدةً نحو أهداف الثورة والشعب، وحين تبين أنه لا يلتزم بما انتخب من أجله، دعوت إلى التنصل منه ومعارضته، وشرعت أطبق ما دعوت إليه في كتاباتي، ولم أفوت فرصة، إلا وتناولت سياساته فيها بالنقد والمعارضة؟ يؤسفني، حقاً، أنك نسيت موقفي منه، بعد أسابيع من انتخابه، وكان يعني، لو قبله الآخرون، فك ارتباط “القائمة الديمقراطية” معه، ومقاومة نهجه طوال الأشهر العشرة الماضية، خصوصاً وأنه كان قد بدأ، من جانبه، بفك ارتباطه معها، والتخلي عن نهجها.
أذكر، يومها، أنني قلت لمن اعترض على دعوتي من عضوات القائمة: من الضروري أن نعارض نهج الجربا منذ اليوم الأول، مهما كانت أخطاؤه صغيرة، لأن جميع أخطائنا القاتلة بدأت صغيرة، ثم صارت كارثية!.
بالمناسبة، لست من تحدث عن “خط أحمر”. عندما ذكرت اسم الصباغ، قال لي صوتان، أحدهما للأستاذ زكريا الصقال: الصباغ خط أحمر، ولا يجوز الحوار معه. وعندما أعلن عن الاتفاق بينه وبين الجربا، سئل الأستاذ الصقال عن رأيه، فقال: “نحن نوسع تحالفات (نا)”. لعلمك، صديقي خطيب، هذه الـ”نا” لا تعود إليّ، بل إلى من عقد الاتفاق، الاستاذ الجربا. لذلك اعتبرت قوله دليلاً إضافياً، يؤكد أن الأخ زكريا مقرب منه، وليس مني، كما تقول أنت.
نصل، الآن، إلى استقالتي: قلت إنني استقلت، لأن فايز سارة أعلن رفض الكتلة اعتماد ما أقره اللقاء التشاوري حول التوافق. الحقيقة أن ما جرى كان خلاف ذلك، فقد أخبرت الكتلة أن ما أقر هناك هو عين ما أقر هنا على وجه التقريب. عندئذ، سأل الأستاذ فايز لماذا لم تتم دعوة أحد من كتلة الجربا إلى الاجتماع، فأخبرته أن السبب يكمن في اعتراض الأستاذ الجربا على “الهيئة الاستشارية”، التي تمخض اللقاء التشاوري عنها، ورفضه الاعتراف بها أو بشرعيتها، وأعلمته أنه مدعو، هو نفسه، كرئيس كتلة، تأسست، بعد اللقاء، إلى حضور اجتماعاته، فرفض، وقال: هذه محاولة لتأسيس ائتلاف بديل، وهو لن يشارك فيها، لأن من يشارك يذهب إلى الطرف الآخر، إلى الصباغ. كنت متهماً، إذن، بالخيانة العظمى: الذهاب إلى الطرف الآخر، إلى الحليف اللاحق للأستاذين سارة والجربا، بينما كانت القائمة التي وزعها الأستاذ سارة علينا حول أعضاء الائتلاف تضعني في ما أسمته “القائمة المعادية”، مع أنني كنت مشاركا في اجتماعها.
لذلك، كان بقائي فيها يعد استهانةً حقيقيةً مني بكرامتي، وقبولي بالتحقير الذي يوجه إلي، والسير بعكس ما تمليه علي قناعاتي ومواقفي: كنت في الطرف الآخر بأقوال الأستاذ فايز، المعادي، بتصنيفات المطبخ السري، فماذا أفعل في كتلة لمؤسسها ورئيسها هذا الموقف “الديمقراطي والرفاقي جداً” مني؟
أخيراً، لم يتم اجتماع اللقاء التشاوري في غازي عينتاب، كما ذكرت في مقالتك، أيها العزيز، بل كان في اسطنبول.
مودتي الأخوية والدائمة لشخصك الكريم، وإلى اللقاء في كتاب يجمعنا، يشرّفني أن يكون اسمي إلى جانب اسمك فيه!
العربي الجديد
صراعات الائتلاف من داخله!/ فايز سارة
يجري الحديث في فضاءات متعدّدة ومختلفة عن صراعات في الائتلاف، ويخوض البعض في الحديث عن الصراعات وكأنها قضية كبرى. إذ هي وجه للصراع الدولي والإقليمي على الائتلاف، ويرى البعض أنها تعيق انتصار القضية العادلة للشعب السوري، وأنها ستؤدي إلى انهيار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وربما تدقّ إسفيناً في واقع المعارضة السورية بحيث لا تقوم لها قائمة في ضوء نتائج الصراعات الراهنة في الائتلاف.
وليست هذه التهويمات وحدها هي الدافع إلى تضخيم الحديث عن الصراعات في الائتلاف، بل رغبة البعض في تأكيد نظرياتهم بعجز المعارضة السورية عن الصمود أمام مهمّاتها، والتقدّم نحو أهدافها وإنهاء معاناة الشعب السوري، والبعض يغطي بأخبار الخلافات عن قضايا أخرى تتعلّق بتمدّد “داعش” وممارسات نظام الأسد، وتقصير المجتمع الدولي في معالجة القضية السورية، ورغبة وسائل الإعلام في توفير مادة إعلامية فيها شيء من “الإثارة” وإبراز بعض الشخصيات على حساب الثورة السورية.
وبغض النظر عن الأسباب السابقة، فإن الصراعات في الائتلاف الوطني ليست خارج السياق الموضوعي، ولا هي جديدة. ذلك أن أي تحالف سياسي يملك أساساً للصراع داخله، لأنه ائتلاف من قوى وشخصيات إيديولوجية وسياسية واجتماعية، توافقت في حدود معينة، وهي تختلف في أشياء كثيرة، وهذا حال الائتلاف، فالصراعات فيه طبيعية، وهي ليست جديدة، إنما هي موجودة منذ تأسّس الائتلاف، وسوف تستمرّ فيها بهذا القدر أو ذاك.
في واقع الحال نعم هناك صراعات في الائتلاف بين الكتل والشخصيات. لكن هذه الصراعات في حدّها الأدنى منذ أن تأسّس الائتلاف، والمؤشر في ذلك يكمن في ثلاثة أمور. أولها أن للائتلاف اليوم قيادة تتمثل فيها تقريباً كل الكتل والشخصيات السياسية باتجاهاتها المختلفة بما فيها كتلة القرار المستقل التي كانت اختارت لأسبابها البقاء خارج القيادة طوال عام مضى، إضافة إلى تحالف الكتلة الديمقراطية وكتلة المجلس الوطني الكردي وكتلة الجيش الحرّ الذي انضوى مع الأولى في تحالف هو الأوسع في تاريخ الائتلاف، ويضمّ في عضويته نحو سبعين من أعضاء الائتلاف، يشكلون قوة تحالف برنامجي وانتخابي كبير، قادر على رسم وتنفيذ سياسات فاعلة ونشطة.
والأمر الثاني أن للائتلاف برنامجاً سياسياً، يكاد يكون واحداً ومتوافقاً عليه حسب ما قدّمه المرشحون لرئاسة الائتلاف أمام هيئته العامة، وما بيّنته نقاشات أعضاء الهيئة من المرشحين، وملامحه الأساسية مأسسة الائتلاف وتعزيز بنيه التنظيمية وتفعيل دوره في المستويين الداخلي والخارجي وخاصة من خلال تعديل النظام الأساسي والنظام المالي وإقرار مخطّط العلاقة الناظمة بين الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة، ومعالجة ترديات أدائها في خلال الفترة الماضية، وجعلها أقدر على القيام بمهمّاتها الإغاثية والتنموية على السواء، ومعالجة أوضاع الجيش الحرّ بمأسسته، وجعله قوة منظمة وفاعلة تحت قيادة الائتلاف.
والأمر الثالث أن الحديث عن الصراعات محصور ومحدود، ويكاد لا يجد من يرد عليه، ليس عجزاً بمقدار ما أنه “افتراضي” ولا يملك حيثيات تستحقّ الرد، ولدى الائتلاف، ما يصرف إليه النظر والجهد في معالجة واقع الائتلاف ودفعه نحو أهدافه.
لقد آن الأوان لتغيير النظرة إلى الائتلاف الوطني ومشكلاته وإلى ما يجري داخله، وما يحيط به. ليس فقط لأن الائتلاف، يتغير وهذا أمر واقعي مهم، بل لأن ثمة حاجة ملحة للحفاظ على الائتلاف وتطويره وتطوير مكانته وقدراته ودفعه على طريق تحقيق أهداف السوريين في تغيير عميق للواقع خاصة في ظل ظروف تحيط بالقضية السورية، يتزايد تعقيدها داخلياً وإقليمياً ودولياً، وبذل كل الجهود من أجل إنهاء مأساة الشعب السوري والسير به نحو السلام وإقامة نظام ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة للسوريين.
المدن

 

الثورة السورية وقناع “الشياطين”/ نارت عبدالكريم
يُشارُ عادة إلى الثورة على أنها تمرد ضد سلطة قائمة، ذات هياكل وبنى ورأس، تتحكم بمفاصل الدولة وأجهزتها، ويسعى القائمون بها للحلول محل من هم في قمتها، كما لو أنها مجرد قبعة قديمة وبالية يراد استبدالها بأخرى جديدة وحديثة أو ذات لون مختلف.
ولا يخلو ذلك التصور البسيط من سذاجة ما عادت تليق بأطفال عصرنا الذين أداروا ظهورهم لآبائهم وأمهاتهم وولوا وجوههم شطر التكنولوجيا الحديثة واختراعاتها المتوالية. فما عاد طفل اليوم يسأل أباه عن ماضيه وماضي أسلافه ولا عن الجنس وأسراره، فما بالك بباقي التفاصيل.
لكن الحذر واجب أيضاً حيث تقول الحكمة الشعبية: احذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة. في حين يقول رولان بارت في نصه الرائع «السلطة واللغة»: تتحدث البراءة الحديثة عن السلطة كما لو كانت مفردة، فهناك من بيده السلطة، ثم هناك من لا يملكونها. لطالما آمنا بأن السلطة موضوع سياسي صرف، ثم أصبحنا نعتقد أنها موضوع أيديولوجي كذلك، يتسلل خلسة حيث لا عهد لنا به لأول وهلة، داخل المؤسسات وفي التدريس، ولكننا بقينا نعتقد أنها واحدة وحيدة، لكن ماذا لو كانت السلطة متعددة مثل الشياطين؟
لنتابع إذاً ما بدأنا به حديثنا، بعيداً من الشياطين، حيث كل ثورة تحمل في طياتها تهديداً لمن بيده السلطة، فإذا كان الحامل الاجتماعي للثورة هو جيل الأبناء، فمن الطبيعي أن يشعر الآباء بالتهديد. فهل ينطبق ذلك على جيل الآباء من معارضي النظام السوري العتيد؟
* كاتب سوري
الحياة
التيار “الغربي” في المعارضة السورية/ سلامة كيلة
جزم باراك أوباما بأن المعارضة السورية لا تستطيع إسقاط بشار الأسد، فهي معارضة عاجزة ما دامت تتشكل من فلاحين وأطباء أسنان. وهذا ما يشكّل صدمة لأطراف أساسية في المعارضة بنت كل إستراتيجيتها على “حب” أميركا، ودورها التدخلي.
لهذا كان علينا أن نحلل “حالة العشق” التي نشأت منذ عقدين ونصف حيال أميركا، حالة عشق يبدو أنها انتهت بقسوة.
ليست الدعوات الجديدة لـ “التصالح” مع الدولة الصهيونية والتنازل عن الجولان المحتل هي أول مظاهر تبعية تيار في المعارضة السورية. ربما كان الكلام الصريح والمباشر وفي الإعلام هو الجديد في الأمر، لكن كان ما يطرح الآن هو جزء من طرح وتناول تيار “عريض” كان “يثرثر” في كلام كثير كهذا.
ولتوضيح الأمر، لا بد من القول بأن “تيارا عريضا” في المعارضة كان يميل منذ البدء لتسليم الأمر للتدخل العسكري الأميركي من أجل إسقاط النظام. ولقد وضع كل سياساته انطلاقا من رفضه النظام، وكان يطرح ما يكمل ما قد بدأه النظام حين كان يدفع لانتصار الليبرالية الاقتصادية، التي كانت تعني الربط مع الرأسمالية العالمية بالضرورة، حيث إن سياسة الانفتاح الاقتصادي تعني التكيف مع العلاقات التي يفرضها السوق الرأسمالي العالمي.
وكان يظهر بشكل واضح أن سياسة تلك المعارضة مبنية على تبني سياسة معاكسة لسياسة السلطة، وطرح أفكار وتصورات معاكسة للخطاب الذي تطرحه السلطة. وليس من أي منظور آخر، ولا من أي “أيديولوجية” أخرى. ولا حتى نتيجة تمثّل ديمقراطي، و”اعتناق” القيم الغربية. فقد كانت هذه تتكرر في خطاب هؤلاء لكنها كانت كاذبة، وسطحية، ولم يظهر استيعاب لها.
لقد جاءت هذه السياسة كردّ فعل على ما اعتقد هؤلاء أنه خطاب النظام الحقيقي، وليس الخطاب “الأيديولوجي” الذي يهدف إلى التعمية، والذي كان يقول بمعاداة الإمبريالية والتحرر، وتحرير فلسطين والجولان، والقومية العربية، وقد كان هذا هو خطاب السلطة في مرحلة سنوات 1970- 2000، حيث كانت “الاشتراكية” هي الاسم المعطى لدور الدولة الاقتصادي، الذي كان يتعرض للنهب المريع.
وإذا كانت المعارضة وحتى سنة 1991 تركز على مسألة الديمقراطية، في إطار خطاب معاد للإمبريالية عموما، ولكنها انقسمت بعد هذا العام، بعد أن كانت السلطة قد سجنت خيرة كوادرها، ودمرت معظم أحزابها، وظهر من يعمل “كوبي بيست” (نسخ ولصق) بشكل مخالف لتوجهات السلطة، بمعنى تبني خطاب مناوئ لـ “القومية العربية” ومع “الوطنية السورية”، ومع أميركا والغرب عموما، ومع كل خطابه الأيديولوجي، وكل سياساته كذلك.
كان انهيار الاتحاد السوفياتي مفصلا في هذه النقلة التي بدأت مع الحرب الأولى على العراق سنة 1991، وجرى تحوّل كبير في صفوف اليسار، جعل كتلة مهمة منه تصبح “ليبرالية” و”غربية”، ومع العولمة التي أصبحت تطرح كقدر عالمي، وبالتالي مع كل سياساتها الاقتصادية (الانفتاح الكامل وإنهاء دور الدولة الاقتصادي)، وحتى العسكرية.
هذه المسألة الأخيرة هي التي جعلت التدخل العسكري “حاجة موضوعية” لهؤلاء، بالتالي وجدنا أن كتلة مهمة من النخب السياسية والثقافية قد باتت تعتبر أنها “جزء من أميركا”، و”الحليف الطبيعي” لها، والمردد لأفكارها والداعم لسياساتها، والذي يدعوها بشكل متكرر للتدخل العسكري ضد النظام لإسقاطه.
ولقد ركزت على شعار الديمقراطية واللبرلة، والانخراط في “التحالف الغربي”، وكانت ترى أن “القطاع العام” هو قاعدة الاستبداد، لهذا لا بد من الحرية الاقتصادية لكي تنجح الحرية السياسية.
ومسار الحرية الاقتصادية هو الذي تسارع بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة، والذي انتصر نهائيا سنة 2007، في الوقت الذي كان جزء مهم من المعارضة يطالب بالتدخل العسكري الأميركي لتغيير النظام.
إذا كانت الديمقراطية كمطلب تطرح في مواجهة نظام مستبد شمولي، فقد كان مسار نخب السلطة (رجال الأعمال الجدد)، وهذه المعارضة يسيران في الاتجاه ذاته: التعلق بـ “الغرب”. فاللبرلة تفرض التشابك مع الاقتصاد العالمي المسيطر عليه من قبل الطغم الإمبريالية، وهذا ما كان يدفع السلطة الجديدة بعد موت حافظ الأسد إلى “فتح خطوط” مع أميركا، ومحاولة ترتيب العلاقة معها، وتحقيق الشراكة الاقتصادية مع الرأسمال الخليجي، ومن ثم التركي (أكثر من الإيراني).
ولا شك في أن “الطموح الأميركي” الأبعد من تحقيق تشابك هو الذي فرض القطيعة مع النظام السوري (بين 2005 و2009). فقد كانت سياسة أميركا تقوم على تغيير النظام لترتيب نظام “طائفي”، تحت مسمى تمثيل الأغلبية (المنظور لها دينيا)، وليكون أساس “نظام ديمقراطي طوائفي”.
هذه الصيغة بالضبط هي التي اصطدمت بوجود النظام الذي على ضوئها يجب أن يرحل.
ولكن هذه الصيغة هي التي أصبحت مطلب تلك المعارضة، والصيغة التي تسعى إليها. حيث بدأت في تعلُّم وتكرار المصطلحات التي أدخلها الاحتلال الأميركي إلى النظام السياسي والمجتمع العراقيين (مثل المكونات، والتكوين الطوائفي، والفيدرالية…..). وباتت تنتظر لحظة التدخل العسكري الأميركي، خصوصا بعد اغتيال رفيق الحريري أوائل سنة 2005.
وإذا كانت لم تثق لحظة بإمكانية الشعب السوري للثورة، وكانت تنظر إليه من منظار تحقيري، في الوقت الذي قد أصبحت تعرف أنها عاجزة، وأن كل القدرات الداخلية عاجزة، عن إسقاط النظام. وبالتالي كانت تعاني من عقدة “نقص” تحتاج تحليلا نفسيا.
وقد دفعتها الثورة غير المتوقعة للشعب إلى الركض لرسم سيناريو “التدخل الخارجي”، خصوصا بعد أن حدث ذلك في ليبيا خلال فترة نشوب الثورة السورية. وعلى هذا الأساس تشكلت معارضة الخارج، التي تبلورت في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول سنة 2011 في المجلس الوطني السوري، واحتضنها الغرب، وتحركت انطلاقا من حضنه واعتمادا على التبعية له، وكان همّها هو استجرار التدخل العسكري، وهو ما بنت على أساسه خطابها “السياسي” (الذي قام على شتم السلطة، والندب على القتلى واستجداء التدخل).
وبالتالي فإن الدعوة الراهنة لـ “التحالف” مع الكيان الصهيوني هي استمرار لهذا السياق، الذي يريد أن يستجلب القوى الإمبريالية نكاية بالسلطة القائمة، وشعورا بالعجز المفرط عن إسقاطها. لكن إذا كان هناك من ينطلقون من “النكاية” فقط، وأسسوا كل تصوراتهم انطلاقا من رفض خطاب متقادم، وسياسات متقادمة للسلطة، فإن هناك “مافيات” تريد الاستفادة من الثورة للقفز إلى السلطة لكي تنهب هي بدل آل الأسد وآل مخلوف وغيرهم.
هناك “رجال أعمال” ينتظرون تغيير النظام لكي يتحصلوا على مشاريع إعادة الإعمار، وليكونوا جزءا من السلطة. ويصاغ الائتلاف لكي يمثل هؤلاء بالتحديد، عبر تدخلات خارجية وصراع بين فئات مختلفة، كما أنه أيضا يمثل “الغرب”، ويُطرح كحليف له (مقابل السلطة التي تبدو كحليف لروسيا).
ولقد وضع ذاته هنا لأن منطقه كان يجعله هنا، و”هوسه” الغربي هو الذي جعله يركض لكي يستعين بـ “الغرب”، دون أن يفهم الواقع العالمي (التحولات العالمية التي كانت تضعف هذا الغرب)، وأن يفهم بأن هذا الغرب كما “الشرق” (روسيا والصين) لا ينظر بارتياح للثورات، وهو يدعوه لدعم ثورة في الأخير. ولهذا بات مجال مساومات بين إمبرياليات، أميركا وروسيا، وربما يصبح جزءا من حل تفرضه هي. وهو حل بالضرورة ضد الثورة، وضد التغيير الذي يطلبه الشعب.
لقد أضرت سياسة المعارضة بالثورة منذ بدايتها لأنها أخافت من “وضع عراقي” في سوريا، أي أخافت قطاعات مجتمعية (و”أقليات”) من تدخل عسكري يقود إلى حرب طائفية وقتل وفوضى، هذا قبل أن يعمم النظام عنفه وقتله. وهو ما أخّر توسع الثورة بالضرورة، وبالتالي إعطاء السلطة زمنا مهما لكي تحافظ على تماسكها، وخصوصا أن الدعوة إلى التدخل ارتبطت بخطاب طائفي كان يعني سيطرة قوة طائفية معينة (الإخوان المسلمون) للمجتمع ثارات معها.
وإذا تجاوزنا هذا الأمر مؤقتا فإن هذا الضرر الذي حققته لم يغط بتدخل خارجي يسقط السلطة، فقد ظهر بوضوح شديد أن فهم هذه المعارضة للعالم وظروفه الراهنة خاطئ ومبني على تحليل بات متقادما بعد الأزمة المالية العظمى التي تعرضت لها الولايات المتحدة سنة 2008. وبالتالي بات يتحكم في العالم عنصران، الأول هو الضعف الأميركي، ومن ثم العجز عن التدخل (وأوروبا وحدها عاجزة عن التدخل)، والثاني أننا في وضع ثورات شعبية كبيرة، وفي هذه الوضعية تخاف الرأسمالية من الثورات أكثر مما تخاف من نظم مافياوية تختلف معها (مثل النظام السوري)، لهذا كان الأمر يتعلق بتدمير الثورات وليس بانتصارها.
كل هذه أوهام انساقت خلفها معارضة الخارج، اكتملت بالمراهنة على دور الكيان الصهيوني، الكيان الذي كان مرتاحا لاستمرار سلطة نظام الأسد، ومقتنعا بأنه يستحيل أن تأتي الأخطار من جبهة الجولان مع وجوده.
كما أن هذا الكيان لا يريد راهنا الفوضى في سوريا، ويعرف بأن المعارضة عاجزة عن توفير “الأمن”، وعن تشكيل سلطة قادرة على الحكم. وبات يريد سلطة قادرة على الحكم باستمرار الأسد أو بدونه، وهي في كل الأحوال غير قادرة على لعب دور دون موافقة أميركية (إلى الآن على الأقل). لكن طرح مسألة التخلي عن الجولان كانت تظهر إلى أي مدى أوغل بعض المعارضين في “بيع الوطن”، وفي السعي للوصول إلى السلطة.
المسألة هنا ليست وطنية بالمعنى الساذج أو السطحي، أو الذي ينحكم لمنظور “وطني ضيق”، بل إنها تتعلق بخيار معاكس للثورات أصلا، فالثورة تريد تغييرا عميقا في النمط الاقتصادي من أجل حل مشكلات البطالة (وقد كانت في سوريا 30%) والفقر الشديد، والأجر المتدني، وكل ذلك يستلزم تجاوز اللبرلة التي أوجدتها. وتجاوز اللبرلة يفرض الصراع مع الرأسماليات بالضرورة التي تكرسها، والصراع مع الكيان الصهيوني الذي لا يريد التطور لسوريا ولمجمل المنطقة.
الثورة تريد قلع كل ما بني من ارتباط وتبعية في العقود الماضية، انطلاقا من فرض نمط اقتصادي ريعي، وهؤلاء يريدون تكريس السيطرة الرأسمالية الإمبريالية، والاقتصاد الريعي. بالتالي نجد أن هؤلاء يستعينون بـ “الغرب” لفرض اقتصادهم ضد الشعب الذي ثار من أجل تغيير الاقتصاد الذي أسّس للارتباط بالرأسمالية.
إن التيار “الغربي” هو ذاك الذي يريد أن يكرس ارتباط الاقتصاد بالرأسمالية، ويكرس التبعية، على الضد من الثورات التي لا تنتصر دون تغيير كلية النمط الاقتصادي.
الجزيرة نت
أين يسير الإئتلاف السوري بعد انتصارات داعش؟/ إبراهيم درويش
لندن- «القدس العربي»: أين هو موقع الإئتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة من الأحداث الحالية الجارية في سوريا والعراق؟ سؤال تحتاج الإجابة عليه النظر في مجمل الأهداف التي قامت عليها فكرة تأسيس التجمع السوري أو المظلة الجامعة لقوى المعارضة السورية في إطار واحد يمكن للقوى الداعمة للثورة السورية التحاور معه، وبالتالي يمكن لهذه القوى تنسيق جهود الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. فقد جاء تأسيس الإئتلاف كمطلب إقليمي ودولي من أجل ان يكون للثورة عنوانها الذي يذهب إليه كل من يدعمها، وكي يكون للسوريين ممثل في جهود الحل الدبلوماسي الذي ظل حيا حتى نهاية مؤتمر جنيف-2، فعملية التسوية ظلت ناقصة من جهة الداعمين خاصة مجموعة «أصدقاء سوريا» التي لم يعد يسمع لها صوت في الآونة الأخيرة.
ولعل أهم هدف بعيدا عن الضغوط الإقليمية والتجادلات الخارجية في المسألة السورية كان إلغاء معادلة خارج/داخل في الثورة والقضاء على الخلافات بين فصائل المعارضة السورية التي تحولت إلى عبء على الثورة بدلا من أن تكون سندا لها وعونا. وهناك هدف آخر وهو منع صعود الجماعات الجهادية وملئها الفراغ حال انهيار النظام، والتحكم بالملف الأمني في المناطق المحررة وبناء مؤسسات حكم محلي قادرة على توفير الخدمات للسكان المحليين.
وفي جردة حساب للإئتلاف وما حققه منذ الإعلان عنه في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 نخشى القول أن الإئتلاف يسير في الطريق الذي سار فيه سلفه المجلس الوطني السوري الذي ظل يكافح من أجل الحصول على التمثيل والإعتراف وجمع الطيف السوري المعارض للأسد. وكانت اجتماعات المجلس المنقسم لتيارات غالبا ما تنتهي بشجارات وخلافات وتبادل إتهامات. ولا يخلو جو الإئتلاف من خلافات كهذه، فبعد إستقالة رئيسه الأول معاذ الخطيب، وتولي أحمد الجربا الرئاسة لولايتين ها هو الإئتلاف ينتخب رئيسه الثالث هادي البحرة. ويتولى البحرة رئاسة الإئتلاف في فترة حرجة من عمر الثورة السورية التي دخلت عامها الرابع، وتواجه تحديات عسكرية وسياسية وإنسانية. فعام 2013 لم يكن عاما جيدا بالنسبة للثورة السورية فقد خسرت فيه المعارضة المسلحة مواقع لها في حمص ودمشق والقلمون والرقة وكسب، ولم يعد بيدها زمام المبادرة كما كان الحال في عام 2012 حيث كانت الولايات المتحدة والدول الحليفة لها تتوقع سقوط النظام في مدى قصير.
وتواجه الفصائل معركة فاصلة في حلب حيث تتقدم قوات النظام نحو مناطق المعارضة، فيما يواجه المقاتلون واقعا جديدا فرضته إنتصارات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» على مسار الثورة السورية، فهذا التنظيم المعزز بالعتاد المتقدم والمقاتلين بات يجذب إليه مقاتلين من فصائل الجيش الحر الذي واجه معركة وجودية في الشمال لو نجح النظام بحصار أحياء حلب.
ونجح داعش في استعادة ما خسره أمام تحالف الجبهة الإسلامية في سوريا وجبهة ثوار سوريا في بداية العام الحالي مما يعني في النهاية تشرذما أكثر للجيش السوري الحر أو تحوله لكيان لا أهمية له. فالوضع الميداني هو تحد يواجهه البحرة في رئاسته للإئتلاف في ظل تدن لمعنويات المقاتلين في الفصائل «المعتدلة» وهجرة عدد من المقاتلين للفصائل الجهادية أو هجرة بعضهم لتركيا محبطا، فيما لم تعد جبهة النصرة لأهل الشام ممثلة القاعدة في سوريا والتي كانت على خلاف داعش تنسق وتخوض معارك ضد النظام مهتمة بقتاله.
وكما أوردت تقارير صحافية فهي مهتمة اليوم برسم حدود «إمارة» إسلامية في جنوب سوريا. وعليه فما قام الائتلاف لأجل تحقيقه لم يتحقق، بل ووقع في المحظور وهو تقوية سلطة الجهاديين وبالتحديد داعش المتهم بالتعاون مع النظام سواء كان هذا التعاون تكتيكيا أم فعليا. ففي الوقت الذي توقف فيه زحف داعش والجماعات السنية المتحالفة ضد حكومة نوري المالكي في العراق، إلا انه يتقدم في مناطق المعارضة السورية ويستعيد ما خسره أمام أعين الجيش الحر وفصائله التي تعاني من نقص في المال والسلاح.
فعلى ما يبدو لم تنجح سياسة الولايات المتحدة في تعزيز «المعتدلين» والتي تقوم على إختيار مجموعات بعينها بعد التأكد من ملفاتها الأمنية بتحقيق إنجازات على الأرض، وعلى ما يبدو فما تطرحه الولايات المتحدة وما تحدث عنه الرئيس باراك أوباما في خطابه في الأكاديمية العسكرية في «ويست بوينت» هو خطة طويلة الأمد، وطلبه الأخير من الكونغرس إقرار 500 مليون دولار أمريكي لن تمرر إلا في بداية العام المقبل وهذا بسبب الآلية التي يعمل من خلالها الكونغرس ولجانه المتعددة.
ومشكلة أوباما والدول الغربية مع سوريا ليست مشكلة تسليح بل ربط الحرب الأهلية السورية بمنظومة قتال الإرهاب الإسلامي، ولم يكن خافيا أن ميزانية أوباما لدعم السوريين كانت من صندوق دعم الحرب على الإرهاب الذي اقترحه في خطابه الأخير. كما كان واضحا حرص الولايات المتحدة على تجنيد المعارضة ومعها الإئتلاف في الحرب على الإرهاب عندما طلب جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في جدة السعودية مع زعيم الإئتلاف السابق الجربا المساعدة في ضرب داعش، وجاء الطلب مباشرة بعد إعلان أوباما، وكأن كيري يتوقع من الجيش الحر خوض معارك خارج حدود سوريا. كما لم تنجح حتى الآن سياسة الولايات المتحدة باقناع دولها الحليفة في المنطقة، خاصة الأردن المشاركة علنا ببرامج تجنيد وتدريب المقاتلين السوريين.
صحيح ان الولايات المتحدة قدمت بعضا من العتاد العسكري المتقدم المضاد للدبابات ولكنها ترددت بتزويدها بالصواريخ المضادة للطائرات القادرة على تغيير ملامح اللعبة، فما قدمته لحركات مثل حزم وجبهة ثوار سوريا كان رمزيا، ومع أن مطلب التسليح كان واحدا من أهم بنود زيارة الجربا لواشنطن في أيار/مايو هو الدفع بهذا الإتجاه لكن ما حصل عليه من أوباما لم يتعد رفع التمثيل الدبلوماسي للإئتلاف الوطني، وهي خطوة مهمة لكنها رمزية ولا تساعد على تغيير ميزان القوة على الأرض.
يحظى الإئتلاف الوطني بدعم عدد كبير من الدول باستثناء روسيا وإيران ولكنه لم يستطع حتى الآن الحصول على تمثيل كامل للسوريين ولم يحصل على مقعد سوريا في الجامعة العربية بنفس الطريقة التي حاول فيها المجلس الوطني الحصول عليها، مع أن الإئتلاف يظل أحسن حظا من المجلس الذي ظلت الإتهامات توجه إليه بسبب تأثير الإسلاميين عليه. وعموما فما حققه الإئتلاف الوطني على الصعيد الدولي وهو متواضع لم يرفق بجهود ميدانية، فالحكومة المؤقتة التي استقال رئيسها الأول غسان هيتو نتيجة لإعتراضات إقليمية وعين أحمد طعمة بدلا منه ظلت غائبة عن الساحة، وجاءت إستقالة وزير الدفاع أسعد مصطفى الذي بررها بأنه لا يريد أن يكون شاهد زور على تدمير سوريا، لتعطي فكرة عن الدور الذي تضطلع به الحكومة المؤقتة. وكما أظهر تقرير نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» فمحاولات تشكيل وحدات شرطة محلية تابعة للفصائل تواجه مشاكل بسبب تشرذم فصائل المقاتلين وإنتشار عصابات الإجرام التي استفادت من الفراغ الأمني. ووصف ناشط هرب من سوريا لتركيا نقلت عنه صحيفة «فايننشال تايمز» رحلته بأنها تمت عبر أربع دول – في سوريا- داعش ونظام الأسد والأكراد وعصابات فصائل المعارضة. كما وينسحب نفس الأمر على المجلس العسكري الأعلى للثورة السورية فـ «الإنقلاب» على سليم إدريس وتعيين العقيد عبدالإله البشير النعيمي بدلا عنه، لم يؤد لفرض المجلس سيطرته على الوضع الداخلي، وظل الحديث عن حملة الجنوب لتعزيز سطوة الجيش الحر هناك نظريا بل ودخلت جبهة النصرة المنطقة مع أن حضورها لم يكن بارزا هناك.
في ظل غياب أفق الحل العسكري، ونهاية الحل السياسي بعد فشل جنيف، ورحيل الأخضر الإبراهيمي دون وداع، محبطا لعدم نجاحه في إقناع أطراف النزاع بجسر هوة الخلافات بينها، وقيام النظام بتنظيم انتخابات رئاسية كرست للمرة الثالثة الأسد رئيسا، تقف المعارضة اليوم على مفترق طرق قد يقود لتحللها لمعارضات متعددة او إصلاح البيت وبناء جسور مع الداخل. من سوء حظ السوريين والإئتلاف السوري انهم رهنوا معركتهم منذ البداية بتدخل خارجي لم يأت، مما أدخل ثورتهم في التجادلات الإقليمية أو الصراع بين المحور الإيراني والسعودي، فالحرب الأهلية في سوريا خرجت من يد السوريين وأصبحت حروب وكالة ساحتها سوريا يدفع المدنيون الثمن الباهظ فيها ويمحى فيها التراث الحضاري والإنساني.
القدس العربي
معارضون سوريون من باريس: الإئتلاف عنوان لحالة فشل ومسؤول عن انتصارات الأسد/ محمد واموسي
باريس-«القدس العربي»: أجمع معارضون سوريون على أن قيادة الإئتلاف الوطني السوري المعارض الجديدة تنتظرها تحديات داخلية كبيرة تفوق تلك المتعلقة بمصير سوريا بعد ان حقق نظام بشار الأسد انتصارا واسعا في العديد من المناطق بسبب تشرذم المعارضة وإتساع الهوة بين قادتها وهيئاتها.
وتعرض الإئتلاف الوطني السوري خلال الفترة الماضية لانتقادات واسعة من شخصيات عديدة بينها قياديون في الأئتلاف نفسه بلغت حد اتهامه بالمسؤولية عن النصر الــكبــير الذي حــققــته قوات بشار الأسد على الأرض، واتهامه بالمتاجرة في بعض المساعدات العسكرية التي وصلت إليه من بعض الدول في مقدمتها تركيا.
وفي تقييمها لأداء الإئتلاف الوطني السوري قالت لمى الأتاسي الأمين العام للجبهة السورية المعارضة لـ «القدس العربي» إن «الإئتلاف هو عنوان لحالة فشل لم يعد من الممكن إنقاذها، بعد أن بات همه الوحيد تغيير الأشخاص على رأسه وتغييب أي نية إصلاح حقيقية» متهمة قيادته بالمسؤولية عما أسمتها «فقدان الشعب السوري المساندة الدولية التي كان يتمتع بها في بداية الثورة ضد نظام بشار الأسد نتيجة سوء الإدارة واستشراء الفساد».
وتساءلت قائلة «بماذا ينفع تغيير أشخاص وتبادل أدوار بين أعضاء في الإئتلاف فقد الشارع السوري ثقته فيهم تماما؟». مؤكدة أن التنظيم الذي كان يفترض أن يتحدث باسم الشعب السوري ويوحد المعارضة لا يمتلك قرارا حقيقيا ولا يتوفر على القدرة على رسم استراتيجية خاصة لإخراج سوريا من وضعها الحالي، وأكثر من ذلك فان أعضاءه لا يبدون أي اعتراض على خطط خفية لتقسيم سوريا على غرار الخطط التي تتربص بالعراق لسبب بسيط هو ان سوريا ووحدتها ومصير شعبها لم يعد لهما أهمية عندهم وأكثر من ذلك لا يبذلون أدنى جهد لحماية الثورة السورية من التطرف، ومن لا يفعل ذلك بالنسبة لنا لا يخاف على سوريا ولا يحمل رؤية واضحة لتحقيق أهداف الثورة».
وأتهمت الأمين العام للجبهة السورية المعارضة بعض أعضاء الإئتلاف بمراكمة مكاسب مالية على حساب الثورة السورية ظهرت عبر «شكل لباسهم الذي تغير ومظاهر الغنى التي بانت عليهم، وأصبح من كان يعمل معلما في التعليم الإبتدائي يركب أفخم السيارات ويرتدي لباسا لا يشبه إمكانياته المادية ويمتلك العقارات كالبنايات والمحلات التجارية والمطاعم والحسابات المصرفية». ورفضت لمى الأتاسي توجيه الإتهام بالمسؤولية عن الفوضى والتقصير في عمل الإئتلاف لبعض الدول التي تدعم المعارضة كقطر والسعودية وتركيا كما يفعل البعض، بل يجب توجيه اللوم على ما يجري إلى الإخوان المسلمين ومعهم إعلان دمشق وقيادات الإئتلاف التي أوصلت القضية السورية إلى وضع مسيء لها، مؤكدة ان الشعب السوري حين أنتفض ضد النظام فعل ذلك بهدف النصر عبر ثورة إنسانية وحضارية راقية، وليس من أجل دفع رواتب شهرية لبعض من وصفتهم بـ»المرتزقة». وأضافت :»أتحدى هؤلاء بأن يأتوا للعيش داخل مخيمات اللاجئين السوريين في الاردن أو لبنان أو تركيا حتى يتذوقوا بعضا من معاناة شعبنا، عوض تلقي إمتيازات ورواتب شهرية بما لا يقل عن 10 آلاف دولار باسم دماء الشعب السوري».
وفي تبريرها لرفضها العمل من داخل الإئتلاف الوطني السوري وتأسيسها رفقة معارضين آخرين تنظيما جديدا تحت اسم «الجبهة السورية» تقول لمى الأتاسي «نعم أطلقنا الجبهة السورية منذ بضعة أشهر لسبب بسيط هو أننا نؤمن بسوريا أولا وبثورة شعبنا ولأننا نرغب في إحياء صوت الشعب السوري، العمل من داخل الإئتلاف غير مجد وقد تلقينا دعوات عدة كجبهة بالإنضمام إليه لكننا اعتذرنا عن ذلك لأن بعض أعضاء هذا الائتلاف عقليتهم لا تختلف عن عقلية بعض رموز النظام، بمعنى أنهم يعتبرون الشأن السوري ملكا خاصا لهم ومن يعمل فيه يعتبرونه منافسا لهم في مواردهم المالية، نحن لا نرفض العمل مع أي أحد لكننا نرفض مسألة تمويل الأفراد ومدهم بمعاشات ولا نقبل التلاعب بالمساعدات المالية والعسكرية كما نصر على إبعاد المقاتلين الأجانب والإعتماد فقط على مقاتلين سوريين متفرغين ومتطوعين ومستنفرين بشكل جدي من أجل قضيتهم ومبادئهم وأخلاقهم ونرفض بتاتا الفكر الإقصائي والإستفراد بالقرارات».
وفي ردها على سؤال «القدس العربي» عن إمكانية عمل الجبهة السورية مع الإئتلاف قالت: «نحن نرى أن الائتلاف هو إطار يمثل فقط الدول ورجال الأعمال وبعض المنظمات كالإخوان المسلمين التي قبلت فكرة التدخل في الشأن السوري والتصارع على النفاد فيه ودعمه..الإئتلاف على علله موجود وواقع لكن توجد أيضا إطارات أخرى تحمل هم القضية ولا تملى عليها خططها من الدول تحت ضغط التمويل المالي فيما يشبه لعبة العصا والجزرة، إختلافاتنا مع الإئتلاف واسعة خاصة فيما يتعلق بالرؤية والاستراتيجية، لكن مع ذلك لو دعيــنا للعمـــل معـــهم ربما نقبل مكرهين لأننا نريد الخير لشعبنا وننــتقي ما هو صالح له منهم». وأضافت «لك مثلا مسألة الحكومة الإنتقالية، نحن لسنا على قناعة بهذه المهزلة حيث ان وزاراتها لا تعدو أن تكون وزارات وهمية لا سلطة ولا أرضية ولا مناخ لها لتعمل، ولن نتردد أبدا في إبداء وجهة نظرنا بشأن الكثير من المبادرات التي نصفها بالوهمية أطلقها الإئتلاف».
من ناحيته حمل ميشال كيلو العضو البارز في الإئتلاف في تصريح لـ»القدس العربي» مسؤولية ما آل إليه الوضع في سوريا إلى قيادة الإئتلاف السوري، مؤكدا ان قيادته هي المسؤولة عن ما حققه النظام السوري من انتصارات على الأرض. وقال «لو تأملنا العام الماضي وحده لوجدنا سلسلة من الهزائم المخيفة في كثير من المناطق السورية تسببت فيها عقلية استأثرت بالقرار وانفردت به، عقلية ليست لديها رؤية استراتيجية ولا خطة سياسية وتقوم على فكرة التصارع والتطاحن والإنشقاقات والخلافات الخ، هذه العقلية يجب أن تنتهي نهائيا إذا أراد الائتلاف أن يكون خادما حقيقيا للشعب السوري».
وأضاف «علينا كمعارضة وكائتلاف أن نخرج من وضع الهزيمة المتتالية منذ عام وحتى هذا اليوم بخطة استراتيجية حقيقية، وليس بأموال توزع هنا وأخرى توزع هناك وهي غالبا لا تصل إلى أصحابها، وإن وصلت تصل متأخرة ويسرق الكثير منها ويضيع الكثير ولا أحد يسأل عنها، النظام يسير في طريق سيقوده نحو هزيمة الثورة وعلينا أن ننجز مراجعة جدية عميقة وطنية ومسؤولة للمسار الذي أدى من جانبها إلى مساعدته على تحقيق هذه الإنتصارات، المطلوب ان يكون هناك بديل للخيارات الفردية للأشخاص، ان يكون هناك جهاز عبارة عن مؤسسة عسكرية وسياسة وطنية مقاومة حقيقية تتضمن كل ما يلزم لمؤسسة عسكرية وليس استبدال شخص بشخص، لأن هذا لن يفعل شيئا ولن يعطي أي نتيجة، لا يكفي أن نعقد اجتماعا هنا ثم آخر هناك وننفق أموالا هنا وأخرى هناك ثم نقول انتهينا لقد وحدنا الجيش وبات جاهزا لا هذا لن يفعل شيئا».
أما عمار القربي أمين عام «تيار التغيير السوري المعارض» فقد وصف الائتلاف السوري بأنه «جسم أجنبي غريب عن الثورة وجاء بالفرض والغصب من دول إقليمية وغربية».. مطالبا الشعب السوري بـ»انتفاضة ثانية على النظام والمعارضة معا». وقال «الائتلاف جسم أجنبي غريب عن الثورة السورية وجاء بالفرض والغصب من دول إقليمية وغربية، حيث جاءت كل دولة بجواسيسها وفرضتهم ممثلين عن الشعب السوري الذي لم يستفد من درس المجلس الوطني أو حتى من دروسه مع النظام فانبرى مهللا مطبلا للشكل الوليد لدرجة أن أول رئيس ائتلاف معاذ الخطيب هو من نظم تلك الأهازيج وطلب من السوريين تردادها في أول خطبة له وبشكل مبتذل (يا أوباما لا تخاف.. كلنا مع الائتلاف)».
وبخصوص تصوره لحل الأزمة الحالية والجمود الذي تتخبط فيه المعارضة يرى القربي أن «الشعب السوري مطالب بـ»انتفاضة» ثانية على النظام والمعارضة لأنهما اتفقا على الشعب سوية وتقاسما المكاسب والغنائم، وأصبح واضحا أنه لا يمكن توحيد المعارضة ولا يمكن توحيد أهدافها، ليس لأن السوريين من طينة أخرى بل لان هذه المعارضة تمثل أجندات ومصالح الدول التي عينتها وسمتها معارضة، وطالما أن قطر وتركيا من طرف وبريطانيا وفرنسا وأمريكا من طرف آخر وروسيا وإيران في المقلب الآخر لها صراعاتها البينية ومن ثم لن تكون المعارضة الحالية موحدة الجسم والهدف، أما المعارضة الحقيقية فهي مثل الشعب السوري مغيبة المصدر».
القدس العربي
الائتلاف السوري وسط زوبعة الإنتقادات وصورة قاتمة لمستقبله/ سليمان حاج إبراهيم
ينظر الكثير من السوريين بتشاؤم إلى التطورات الأخيرة التي تشهدها ساحة المعارضة على إثر الخلافات التي دبت في جسد الائتلاف، وكثيرون يتوجسون من تبعات الإنتخابات الأخيرة التي جاءت بهادي بحرة رئيسا له. ويرى البعض أنه إذا بقيت الأمور على هذه الشاكلة، فإن ذلك سيزيد من توقعاتهم بانحلاله التدريجي، إذ أن الائتلاف بما وقع فيه من أخطاء، وفق آراء بعض المحللين نقل إلى المجتمع السوري أمراضه وخلافاته وتنافساته، وأصبح عبارة عن كتل متصارعة على مناصب وهمية، في حين يتصاعد الهجوم العسكري للنظام السوري وحلفائه على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، ويوميا تخسر الثورة مناطق جديدة. بداية هذه الأزمة العاصفة بمستقبل المعارضة، حملتها التصريحات التي أثارها عضو الائتلاف السوري المعارض ميشيل كيلو بهجومه العنيف على الرئيس السابق للائتلاف أحمد الجربا، والرئيس الحالي هادي البحرة والتي أثارت جملة تساؤلات حول الوضع الحقيقي لبيت المعارضة ومستقبل التنظيم الذي يحارب في الوقت الحالي على عدة جبهات، ويعاني من تجاذبات إقليمية تشل حركته، وتؤثر على أدائه في حالات كثيرة، وتبعده أكثر عن فئات الشعب السوري، حسب وصف بعض المعارضين.
وتزامنت تصريحات كيلو التي خرجت للعلن بعد ساعات من تسمية البحرة رئيسا وكان لها وقع كبير على عدة مستويات. وجمعت «القدس العربي» آراء وانطباعات بعض الفاعلين في المعارضة والمتابعين والمحللين للشأن السوري من العاصمة القطرية الدوحة التي كان لها دور في وقت سابق في جمع أطياف المعارضة قبل أن تخرج إلى العلن لبلورة تصورات واضحة حول مسار نضالها ضد النظام. ويؤكد رئيس «مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سوريا» الدكتور عوض السليمان، أنه لا يعول شخصياً على الائتلاف وانتخاباته، وهو رأي يرى أنه يشاطره فيه كثير من السوريين في الداخل.
ويضيف «يؤسفني القول إن الائتلاف منفصل عن واقع الشعب السوري ولم يستطع أن يرتقي إلى مطالب مختلف فئاته، كما لم يستطع التعبير عنه في المحافل الدولية، وبالتالي لم تعبر إنتخاباته عن إرادة الثوار في المدن السورية، وإنما عكست مصالح وتجاذبات إقليمية ودولية مختلفة. وقد غصّت وسائل الإعلام بالحديث عن تأييد قطر للصباغ ومن قبله لمعاذ الخطيب، وتأييد السعودية للجربا ومن بعده لهادي البحرة». ويشدد الأستاذ في مركز رؤية للإعلام والباحث في الشأن السوري أن «القوى غير السورية التي شكلت الائتلاف لا تبحث عن مصلحة الشعب ورغبته في الحرية والتخلص من الإستبداد، وإنما تفتش عن مصالحها الاقتصادية والسياسية، فمن فريق يرغب في تقوية العلمانيين، إلى آخر يعمل على تولية الإسلاميين السلطة، وثالث يدعم رجال الأعمال». ويكشف المعارض للنظام أن «الطريقة التي تم بها إنتخاب هادي البحرة، والفضائح التي زكمت الأنوف، والتي أخرجها للعلن أعضاء الائتلاف أنفسهم، تدل على أن المصالح الضيقة هي التي تتحكم في المسار من بدايته حتى النهاية». ويشير الدكتور عوض إلى أنه يجب التذكر دوما «كيف أن العديد من أعضاء الائتلاف سعوا بكل قوة لإيقاف معركة الساحل، علماً بأن تلك المعركة كانت ستقلب الموازين الدولية في سوريا، بالإضافة إلى أنها ستضعف مراكز إنطلاق الشبيحة وتدمر الأسلحة المخزّنة هناك». ويكشف المعارض أن «أعضاء الائتلاف كانوا يعلمون أن الولايات المتحدة لن تتدخل في سوريا بأي طريقة كانت، ولن تحمي منجزات الثورة الميدانية، وهذا ما أعلنه السفير الأمريكي السابق في دمشق فورد أثناء إنتخابات المجلس الوطني التي انعقدت في الدوحة، إلا أنهم أخفوا تلك المعلومات وأدعوا على الدوام، أن أمريكا ستسلح الثوار السوريين في القريب العاجل، هذا القريب الذي لم يصل حتى اليوم».
ويدق الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حمزة المصطفى ناقوس الخطر بالتأكيد على أن الائتلاف يمر بأسوأ مرحلة في تاريخه منذ تأسيسه، فهو لا يحظى بقبول وشرعية داخلية بسبب عجزه البنيوي والمؤسساتي عن مجاراة ظروف الثورة السورية الصعبة والتعامل معها، وأصبح في نظر شريحة كبيرة من السوريين، عبارة عن جسم يحظى بإعتراف خارجي شكلي، تتنافس فيه كتل متصارعة على مناصب وهمية، في حين يتصاعد الهجوم العسكري للنظام وحلفائه على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، ويوميا تخسر الثورة مناطق جديدة سواء لصالح النظام أو لصالح تنظيم داعش. وحول ظروف انتخاب هادي البحرة رئيسا جديدا للائتلاف يؤكد الباحث في المركز الذي يتخذ من الدوحة مقرا له، أن الأمر لم يعكس تجاذبا إقليميا بمقدار ما عبر عن مناكفات وإستقطابات وإنقسامات داخل الائتلاف وكتله المختلفة، فالاهتمام الدولي بالأزمة السورية تراجع في الفترة الأخيرة ولاسيما بعد فشل جنيف 2 وعجز القوى الراعية عن القيام بجهود بناءة لإعادة إحيائه، وبناء عليه فإن الائتلاف لم يكن يواجه استحقاقات دولية تفرض بقاء قياداته ولذلك كان الإهتمام الاقليمي والدولي بانتخابات الائتلاف في أدنى مستوى منذ تأسيسه. وعلى العكس، عكس التحالف الانتخابي الذي قاد هادي البحرة إلى رئاسة الائتلاف ونصر الحريري إلى الأمانة العامة، توافقا بين كتلتين كبيرتين تحسبان على دولتين عربيتين فاعلتين في الأزمة السورية. ويضيف أن انتخابات الائتلاف لم تجر في أجواء صحيحة وصحية، بل على العكس فإن اللجوء إلى مبدأ الانتخاب بدلا من التوافق، عكس بشكل أو بآخر مدى حدة الاستقطاب. ويكشف أنه في 19- 20 حزيران/يونيو الماضي اجتمعت شخصيات فاعلة ممثلة للقوى المكونة للائتلاف في اسطنبول وأجمعت على قيادة جديدة للائتلاف تكون محل رضا جميع القوى، وكانت جميع الترجيحات تصب في صالح رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب لمنصب رئيس الائتلاف، وعضو القائمة الديمقراطية موفق نيربية لمنصب الأمين العام. ويضيف أن قوى بعينها معنية برئاسة الائتلاف نسفت هذا الإتفاق، فبعد ترشيحها نيربية للمنافسة على منصب الرئيس والأمين العام، قامت القائمة الديمقراطية في الائتلاف وبضغط من رئيس الائتلاف السابق أحمد الجربا بإعادة الانتخاب من جديد، لتسفر النتائج وكما أراد الجربا (عبر الولاءات والضغوط) عن فوز مرشحه. ويؤكد الباحث الذي شارك في إنجاز العديد من البحوث والدراسات أن «انتخابات الائتلاف الأخيرة جاءت لتوسع الشرخ داخل معسكر القوى المعارضة للنظام السوري، وتعمق من حالة الوهن التي تمر بها الثورة السوريّة والقوى الممثلة لها، لاسيما بعد أزمة الأركان الأخيرة، والأزمة بين الحكومة المؤقتة وقيادة الائتلاف السابقة على مسألة الأحقية في حل مجلس «الثلاثين» العسكري الذي يمثل الأركان». ويستخلص المصطفى الذي ساهم رفقة أكاديميين من المركز في إصدار دراسات مرجعية عن مجريات الثورة السورية، أن «الائتلاف ينتظره مستقبل مظلم إذا ما أستمر في هذا النهج، ولم يرتق بعمله ليكون على قدر المسؤولية، بحيث ينتقل إلى العمل المؤسساتي المحترم ويبتعد عن المهاترات والتنافسات والصراعات الحزبية الداخلية، ويضع استراتيجية عسكرية لتوحيد قوى الثورة أو على الأقل التنسيق فيما بينها لمواجهة التحديات القائمة».
وحول الائتلاف الوطني ومستقبله، يؤكد الدكتور حازم نهار أن الائتلاف لم يتعامل منذ تأسيسه وحتى اليوم كمؤسسة سياسية حقيقية، وما زال يعاني من إشكالات عديدة، على المستوى التنظيمي والإداري والإعلامي، وكذلك على مستوى العلاقة مع الثورة من جهة والعلاقات الدولية من جهة أخرى.
ويضيف أنه «إذا بقيت الأمور على هذه الشاكلة، وهو الأرجح، فـــإنني أتوقع انحلاله تدريجياً». وفي تحليله لمجريات الأوضاع يرى المعارض السوري أنه «منذ بداية الثورة وحتى اللحظة كانت نقطة الضعف الرئيسية فيها هي عدم وجود أو تبلور قوى سياسية تؤدي الوظائف الثلاث المطلوبة: الأولى، إيصال رسالة إلى العالم الخارجي بأن سوريا تتوافر على بديل ناضج ورصين، قادر على القيام بإدارة المرحلة الانتقالية بعد رحيل النظام. الثانية، إيصال رسالة إلى الثورة وأهلها بأن هذه المعارضة تستطيع أن تقود العمل السياسي والإعلامي اللازمين خلال مرحلة ما قبل رحيل النظام. أما الثالثة، فهي توفير الاطمئنان على المستقبل عند المحايدين والخائفين والموالين من الشعب السوري عبر تقديم خطاب وطني جامع. لكن للأسف، فإن ذلك لم يحدث».
ويشير الدكتور حازم إلى أن «رهان النظام السوري كان بشكل رئيسي يعتمد على تفسخ المعارضة، إذا لم تتوافر فيها بعض العناصر الأساسية، أو عوامل النمو والبقاء والاستمرارية. وعلى رأسها وجود مركز ناظم أو بوصلة لتوجيه الحركة والخطاب والفعل». ويؤكد أن «الائتلاف الوطني حصل خلال العامين الماضيين، على فرص كافية ولم ينجح، بل على العكس، فقد خلق كل ما من شأنه دفع عملية التفسخ نحو الأمام، ونقل إلى المجتمع السوري أمراضه وخلافاته وتنافساته، وقدم حالة غير مطمئنة للسوريين والمجتمع الدولي حول مستقبل البلد». ويستخلص الباحث السياسي والناقد أن «السوريين لم يعودوا ينتظرون شيئاً من المعارضة برمتها، لأنها صرفت جل وقتها في الهيكلة وإعادة الهيكلة، وكانت نقاشاتها منصبة فحسب على القضايا التقنية والتنظيمية وتوزيع المقاعد، فيما كانت القضايا والاستحقاقات السياسية غير موجودة فعلياً على جدول أعمالها. ولذا كانت التبدلات في قياداتها غير مؤثرة على الحصيلة العامة، وكانت أعمالها فترة ضائعة ومجانية لم تقدِّم شيئاً سوى إضافة شخصيات جديدة واستبدالها بأخرى بشكل متكرر». وبعد الانتخابات الأخيرة وما صاحبها من جدل كشفه صراع الأطراف داخل الائتلاف عجت مواقع التواصل الاجتماعي بمواضيع كثيرة تشير إلى خطورة هذه التطورات التي تهدد مستقبل الثورة السورية، ووجه سوريون من الداخل ومن الخارج انتقادات كثيرة لمعارضي النظام بتأزيم الوضع في بيت المعارضة وتحويل صراعها إلى قضايا هامشية. ويرى فتحي بيوض رئيس تحرير صحيفة «زمان الوصل» الإلكترونية والتي تنقل أخبار الثورة السورية أنه أسلف الحديث في مقال سابق له عن المعلومات التي ظلت الصحيفة تنشرها لفترة طويلة عن ما تعتبره أخطاء وقعت وبالأسماء ليعرف القراء حقيقة أين موقع الثورة في قلوبهم ولسيادة مبدأ المحاسبة بعد الشفافية، لرسم مخطط قابل للتنفيذ في بلد حر، لكنه وبعد كل تلك الحقائق الموثقة لم يحدث أي شيء أو تحرك للمحاسبة.
ويضيف أنه عندما تأسس الائتلاف الوطني، «كانت أحلامنا أكبر منه بكثير، فأرسلت طلبا رسميا إلى قيادته لترخيص «زمان الوصل» كجريدة يومية سورية مستقلة، فقط لنتكامل مع هذه المؤسسة وتعطينا ونعطيها صفة الرسمية والناظمة للنشر الثوري، وكما كل شيء في الائتلاف، مر طلبنا مرور الكرام وانتهى الأمر بعدم الرد، وأحمد الله الآن على هذا، وإلا كنا تورطنا في أفعال الائتلاف كمؤسسة لم تستثمر حتى الإعلام الوطني، وركضت وراء بعض الوسائل العربية والعالمية تستجدي منها خبرا أو تقريرا أو تعديلا لمصطلح». ويتساءل بيوض «هادي البحرة أصبح رئيسا لهذه المؤسسة، لكن ماذا يستطيع أن يقدم في ظل كل هذه العلامات من الإستفهام حول استقلالية قراره والتي يجب أن يثبتها للرأي العام السوري ثم العربي والأجنبي، فهذه هي الفرصة الأخيرة للائتلاف كي يكون حقا للسوريين، وليس لبعض أعضائه». سؤال يراود ذهن الكثير من السوريين الذين يترقبون أن تكون معارضتهم قدر التطلعات التي علقوها عليها لتحارب ممارسات النظام الذي حاربوه لأجل سيادة قيم الحق والعدل.
القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى