صفحات الناس

مقالات تناولت الحملة ضد الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين في لبنان

“في سوري رفع راسي وراسك”.. لبنانيون ينبذون العنصرية

دمشق – جفرا بهاء

ما بين لافتة حملتها صبيّة لبنانية “أهلاً بكم في لبنان”، وتصريح أطلقه وزير المغتربين اللبناني جبران باسيل عن اللاجئين السوريين بلبنان “لا مكان لهم بيننا”، ما بين عنصرية لبنانية ولا عنصرية لبنانية اتجاه السوري، تختصر حكاية شعب هرب من بلده خوفاً من القصف والدمار، ونزح لبلد عاش حربه الأهلية لسنوات وعانى من تبعات الطائفية هو الآخر، ولكن ما سمّاها اللبنانيون “العنصرية اللبنانية” طفت على السطح في وجه النازحين السوريين، ليتصدى لها لبنانيون أيضاً ويطلقون “الحملة الداعمة للسوريين بوجه العنصرية”.

يقول السوريون “إن خليت خربت”، وبعد كل التضييق الاجتماعي والمادي الذي يلقاه السوريون في لبنان، أطلق مجموعة من الناشطين والناشطات صفحة على الإنترنت “الحملة الداعمة للسوريين بوجه العنصرية” وصل عدد أعضائها حوالي 6500 بعد 3 أيام فقط من إطلاقها، في 21 مارس/آذار، اليوم العالمي لمكافحة التمييز العنصري.

وفي عرضها لرأي منشئيها كتبت الصفحة: “رفضا لكل محاولات التضييق والعنف التي تطال السوريين، ورفضا لكل الخطابات السياسية العنصرية وما يرافقها من تحريض إعلامي”.

عدا عن اللوحات التي نشرت على الصفحة والتي حملت شعارات باللهجة المحكية اللبنانية، فإن شبابا وفتيات عبّروا عن رأيهم بالوقوف ضد “العنصرية” تجاه السوريين بفيديو طرحوا من خلاله آراءهم حول الوضع اللبناني وعبروا عن ضرورة تحمل حكومتهم مسؤولياتها بدلاً من إرجاع التقصير للاجئ السوري، ويأتي الفيديو ضمن عدة فيديوهات ناقشت وضع اللاجئين السوريين بلبنان، ما بين أشخاص عبّروا عن انزعاجهم الشديد من الوجود السوري، وما بين آخرين عبروا عن تضامنهم مع السوريين وتفهمهم للوضع المأساوي الذي فرض عليهم.

يشارك شباب سوريون بحمل اللافتات المناهضة لأي عنصرية، والمذكرة بأن الشعبين عانا من النظام على حد سواء.

“تعلمنا منكم الكثير في ثلاث سنوات… ع الأقل نرد الجميل بحمايتكم وعائلاتكم من براميل ونيران المجرم. أهلاً وسهلاً بكم في لبنان”، كتبت زينب على لافتتها المتقاطعة مع عبارةٍ، كتبها سلام، جاء فيها: “مرة في سوري رفع راسي وراسك”.

استذكار حرب تموز ونزوح اللبنانيين إلى سوريا واستقبال الأخيرين لجيرانهم وفتح البيوت لهم هو ما عبّرت عنه زينب باللوحة التي كتب عليها: “تعلمنا منكم الكثير في ثلاث سنوات… ع الأقل نرد الجميل بحمايتكم وعائلاتكم من براميل ونيران المجرم. أهلاً وسهلاً بكم في لبنان”، نزيه درويش كتب الجملة الأشهر سوريا بعد الثورة “لأني انسان ماني حيوان.. وهالعالم كلها متلي.. لا للعنصرية”، فعلقت Lamisse Farhat على لوحته: “أرجوكم خلص. مش قادرة اتصور انو في ناس عم تضطر تذكر غيرا انها (مش حيوان). لوين وصلتوا؟ ولك استحوا. السوري فتحلكن بيتو وعطاكم من اكلاتو وكان يطلع راسو من الشباك إذا شاف نمرة سيارة لبنانية ويقلكن (كلنا معكن ويا رب تنتصروا) بحرب تموز. هيك بتردوا الجميل؟.

“مرة في سوري رفع راسي وراسك” رفعها سلام، ولافتة عمر أكدت المعنى ذاته في كرامة السوريين وثورتهم التي رفعت رأس الشعبين: “مرة واحد حمصي انتفض لكرامته قبلي وقبلك”.

شاب سوري John Hamdosh يتابع الصفحة، كتب تعليقاً ليذكر الشعبين بأن ابتلاءهم واحد بالنظام السوري: “صدقاً هذه المبادرة جعلتني أشعر مرة أخرى أن الشعب اللبناني والشعب السوري واحد… فليتذكر بعض الإخوة اللبنانيين أن ما فعله النظام الأسدي بلبنان دمر نسيجها الوطني وساعد طرفا ضد الآخر بشكل طائفي لا علاقة للشعب السوري به وذلك اتضح تدريجياً خلال الأزمة السورية”.

رفعت صبية لافتة مكتوب عليها: “هو هرب من الموت، مش ليموت من الذل عندك.. لا للعنصرية”، ومن ألطف العبارات التي رفعها المشاركون في الحملة: “عزيزي النازح، فيك تعمل “ترافيط” و”حزك مزك” قد ما بدك، على قلبنا أحلى من العسل، بكرا لما يروق الوضع بسوريا جايين نعمل “ترافيك” و”حزك مزك” عندكم”.

العربية نت

عنصريتكم.. لن نتركها تمرّ!/ روجيه عوطة

لا فعل يؤاتي بعض اللبنانيين، كي يتغاضوا عن هوان عيشهم وعجزه، أكثر من العنصرية. فمِن كُره اللاجئين السوريين والحقد عليهم، يستمد هؤلاء قوتهم، أو لنقُل حضورهم في واقعٍ، ليس في استطاعتهم أن يقرروا أي شأن متعلق به. لذا، وبكل ما لديهم من جهل، معطوف على مباهاة وقحة، ينظرون إلى الهارب من براميل البعث، على أنه مسبِّب أزماتهم، ومبدِّل أحوالهم نحو الأسوأ.

إثر هذا النظر، يخرج واحد منهم، كاتباً على جدار من جدران بيروت :”إلى كل حقير سوري إرحل”، وسيذهب آخر إلى فتح صفحة فايسبوكية، يسميها :”الحركة النازية اللبنانية ضد الوجود السوري في لبنان”. ومع هذا وذاك، يجتمع  وزير عوني، يدعى نقولا صحناوي، مع رفيقه في “التيار الوطني الحر”، المهندس زياد عبس، كي يقترحا، خلال مؤتمرهما الصحافي، “شحن” السوريين إلى بلادهم، أي طردهم إلى المجزرة.

 إلا أن هذه الأفعال، وغيرها، “لن تمر”. ففي 21 آذار، اليوم العالمي لمكافحة التمييز العنصري، أنشأ عدد من الناشطين والناشطات اللبنانيين، صفحة  “الحملة الداعمة للسوريين بوجه العنصرية” في “فايسبوك”، “رفضاً لكل محاولات التضييق والعنف التي تطاول السوريين، ورفضاً لكل الخطابات السياسية العنصرية، وما يرافقها من تحريض إعلامي”، حسبما جاء في تعريفها. وعليه، انطلقت الصفحة في نشر صور، يظهر فيها المتضامنون مع اللاجئين السوريين، بينما يرفع كل منهم ورقة ً، يكتب عليها عبارة ً، تساعده في إيضاح موقفه، وتعيين رأيه ووجهته، التي يدل عليها هاشتاغ #لا_للعنصرية.

  لم يتعد عمر الصفحة الـ48 ساعة، حتى أعجب بها حوالي ستة آلاف شخص، إذ تبدو أنها على نشاط متزايد من ساعة إلى أخرى، لا سيما مع تلقيها كمّاً من الصور، التي سرعان ما تحضر على الجدار الأزرق الواحدة تلو الأخرى. وهنا، من الضروري الإشارة إلى أن هذه الحملة الفايسبوكية لم تتقيد بخطاب إنساني تقليدي، يعمد إلى تجهيل السبب، الذي دفع السوريين إلى ترك بلادهم، بحجة الحياد أو الموضوعية، بل أنها لا تتردد في اتهام القاتل، وتحديده بوضوح: اللاجئ فر من الجريمة، التي يواصلها بشار الأسد بحقه. فـ”هو هرب من الموت مش ليموت من الذل” في لبنان، على ما ذُكر في لافتة إحدى المتضامنات. بالتالي، لا تتوقف الصفحة عند حدود الإدانة الإنسانوية، على العكس، تدخل في سجال سياسي، محاولة ً دحض مقولات العنصريين على اختلافها.

 “تعلمنا منكم الكثير في ثلاث سنوات…ع الأقل نرد الجميل بحمايتكم وعائلاتكم من براميل ونيران المجرم. أهلاً وسهلاً بكم في لبنان”، كتبت زينب على لافتتها المتقاطعة  مع عبارةٍ، كتبها سلام، جاء فيها :”مرة في سوري رفع راسي وراسك”. أما، عمر، فسجل في ورقته المصوَّرة: “مرة واحد حمصي انتفض لكرامته قبلي وقبلك”، مثلما رفع كامل جملة: “اللبناني العنصري بشوف حاله على النازح السوري، بالقليلة السوري عامل ثورة، أنت شو عامل غير تحتك؟”. والحال، أن هذه العبارات وغيرها، تقبض على خرافة رئيسية من خرافات السلوك العنصري، أي “الفرادة”، التي يرددها بعض اللبنانيين عن أنفسهم، ظناً أنهم الأفضل والأكثر فطنة ً بالمقارنة مع باقي المجتمعات في الشرق الأوسط.

ومن هذه الناحية، تبدو عنصرية هؤلاء كأنها رد فعل عنيف على انهيار “فرادتهم” و”امتيازهم” على وقع الثورات العربية، السورية على وجه الدقة. ذاك أن السوري، الذي كانوا يتوجهون إليه باستخفاف، استطاع الإنتفاض في وجه الطاغية، أما هم، فما كادوا يخرجون من أزمة، حتى دخلوا في أخرى، ما يفاقم ضعفهم ويعطل اجتماعهم مع الآخرين.

 في سياق مرتبط، ومن خلال الصور، التي تنشرها على جدارها، تنتقد الصفحة السلوكيات اللبنانية، التي تؤدي بأصحابها إلى أخذ مواقف عنصرية، كـ”البريستيج”، والإذعان للسلطات الحزبية، وغيرهما. فقد كتب أحد المتضامنين مختصراً بعض التنميطات اللبنانية: “السوري الحمصي مش حمار، والمصري ريحتو مش طالعة، والأثيوبية مش سيرلنكية، والحق مش ع الطليان. الحق على يلي خلاك تصير هيك وضحك عليك”. يُضاف إلى ذلك، أن “الحملة” تتوجه إلى السوريين، مذكرة ً إياهم بأن النظامين اللبناني والسوري عملة ً واحدة، العنصرية والظلم أدواتهما. نحيي شجاعتكم، ونخجل بخضوعنا”، حسبما كُتب على لافتة “الحركة الطلابية البديلة LAU”.

هذا، ويذكر بعض المتضامنين بتموز 2006، يوم لجأ النازحون اللبنانيون إلى سوريا، حيث استُقبلوا بطرق لائقة، ولم يجرِ التعامل معهم كأنهم “غرباء”، مثلما لا ينسى المتضامنون أن يوجهوا إعتذاراً إلى اللاجئين، علّه يكون سبيلاً إلى الإنتهاء “مما فعله العنصريون منا”. ذاك، أن اللبنانيين والسوريين يجمعهم مشترك راسخ، أشارت إليه ريان في لافتتها بعبارة “حريتنا واحدة”….نعم، حريتنا واحدة، و”كلنا لاجئون” في وجه العنصرية الممارسة ضدكم!

المدن

ثقافة العنصرية/ عمر قدور

حسناً فعل مطلقو “الحملة الداعمة للسوريين بوجه العنصرية”، والتي نالت صفحتها في فايسبوك تشجيعاً كبيراً جداً بالمقارنة مع نقيضتها “الحركة النازية اللبنانية ضد الوجود السوري في لبنان”. مع ذلك يؤمل من هذه الحملة ألا تنحدر إلى المستوى الذي وصلته “الحركة النازية” أو إلى المستوى العنصري الذي وصلت إليه تصريحات بعض السياسيين اللبنانيين، فنشر لافتات من قبيل “اللبناني العنصري عم يشوف حاله على النازح السوري، بالقليلة السوري عامل ثورة أنت شو عامل غير تحتك!”؛ عبارات من هذا القبيل لن تؤدي إلى توعية الجمهور المستهدف بقدر ما تثير حفيظته وربما تزيد في عنصريته وتطرفه.

التحلّي بالواقعية سيكون مفيداً أكثر على صعيد طرح قضية النازحين، بدلاً من الإعلاء من شأن ما هو سوري نكاية بأولئك الذين يحطون من شأنه. لقد اختبرنا في سوريا وضعاً مشابهاً غداة الهجرة الكثيفة للعراقيين فوصلت أرقامهم إلى ما يُقارب ثلاثة ملايين نازح قبل حوالى عشر سنوات. التعاطف الإنساني لم يمنع شيوع التذمّر في الأوساط السورية المتضررة، فإيجار العقارات ارتفع أو تضاعف مرات في أحياء عديدة من دمشق، وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية فضلاً عن الازدحام المتفاقم. حينها راحت بعض الأعين تراقب الشريحة الثرية من اللاجئين القادرة على دفع إيجارات عالية، والموجودة بشكل شبه يومي في المطاعم الفخمة والملاهي السورية، وكان منظرها يؤثر على التعاطف مع قضية العراقيين ككل وعلى أولئك البؤساء منهم. حينها أيضاً كان المثقفون العراقيون لا يغادرون مقاهي الشام، بل صاروا أغلبية روادها، وكان من السهل على أي سوري اتهامهم بشتى أنواع الاتهامات في مقدمها الانفصال عن قضيتهم. أما ظاهرة العهر في أوساط اللاجئين، وإبرازها كأن العهر ظاهرة دخيلة، فلم تغب عن أحاديث السوريين الشفاهية، ولم تغب حتى عن العالم الافتراضي حيث راحت بعض المواقع تعرض خدماتها من النازحات بأسعار متهاودة.

الواقعية أيضاً لا تقتضي التعويل على الحس والاستجابة الإنسانيتين على أهميتهما، فالجميع يعلم مقدار الانقسام السياسي اللبناني إزاء الحدث السوري، والتعرض للنازحين ليس بريئاً دائماً من شبهة الانحياز إلى النظام السوري. في كل الأحوال، ينبغي عدم التغاضي مطلقاً عما يتحمله اللبناني جراء قتال حزب الله في سوريا. لبيان الكلفة الحقيقية علينا أن نسترجع التصريح الشهير لأحد قادة الحزب، الذي أعلن فيه أنه لولا تدخل الحزب لكانت دمشق قد سقطت بأيدي المعارضة. على صعيد مشكلة النزوح، من المنطقي قراءة التصريح السابق على أنه لولا تدخل الحزب لما شهد لبنان تدفقاً للاجئين، أقله بالأعداد الضخمة التي وصلت. على العكس كان يُفترض لو سمح الحزب بوقوع دمشق وغيرها تحت سيطرة المعارضة أن يعود النازحون إلى بلدهم، وعلى فرض وجود حالات هرب من شبيحة النظام فهي لن تكون بالكثافة التي نشهدها اليوم هرباً من ميليشيات الحزب وقوات النظام.

الرد الخجول الذي يأتي من خصوم الحزب لا يرقى سياسياً إلى المستوى المطلوب، فهو يحصر المسألة في جانبها الإنساني فقط، ويساهم تالياً في التغطية على المتسبب الرئيسي. بين هجوم حلفاء الحزب على اللاجئين، وحتى على البيئة الاجتماعية اللبنانية المتعاطفة معهم، وبين الرد القاصر لخصومهم يربح الأولون لأنهم يدغدغون مشاعر اللبنانيين المتضررين من الوجود السوري، والذين يعايشون يومياً ظاهر المشكلة وقد لا يكون من شأنهم التفكير في أسبابها وجذورها. من المؤسف أكثر أن أطرافاً لبنانية كانت قد ركّزت على ما تسبب به حزب الله من أزمة نزوح كبيرة للبنانيين عام 2006، باستهدافه جنوداً إسرائيليين والتسبب بحرب تموز، وهي أزمة أقل عدداً وكلفة من الأزمة الحالية، ويُفترض أن آثارها الاجتماعية كانت أخف وطأة بالمقارنة مع النزوح الكبير للسوريين.

لغة الأرقام تقول إن عدد النازحين إلى لبنان المسجلين رسمياً سيرتفع هذه السنة إلى مليون ونصف وفق وتيرة الحرب الحالية، وهذا مرشح للتصاعد إذا ما تصاعدت العمليات العسكرية. الحل الذي يقترحه حلفاء الحزب هو إغلاق الحدود وتمكين النظام من قتل أولئك بدل تحويلهم إلى نازحين، وهو حل قد يلقى رواجاً بما أن الحل العقلاني الذي يقضي بخروج الحزب من سوريا غير مطروح بقوة من قبل المجتمع والنخبة السياسية في لبنان، إذ لطالما رأت هذه الجهات نفسها أضعف من مواجهة الحزب على الصعيدين السياسي والشعبي.

اختصار المسألة بالزجل المعهود، أو بعبارات يكتبها عنصريون على الجدران ثم يقوم آخرون بشطبها، لن يكون مفيداً الآن أو مستقبلاً. القول بأن تدخل الحزب يجلب الإرهاب إلى لبنان هو بمثابة تأكيد مضمر على رواية الحزب وادعائه الحرب على الإرهاب. هذا القول يجرد الحزب فقط من ادعاءات النصر، لكنه لا يطعن في روايته من أساسها. مناشدة الدول والمنظمات الدولية أن تقوم بدورها في حل أزمة اللاجئين لا تعني سوى محاولة تصدير الأزمة، وفي جانب منها تنصل من مسؤولية قسم من اللبنانيين عنها، ولن يكون مرجحاً على أية حال أن تلقى استجابة باستثناء جلب بعض المعونات الإضافية.

لعلنا لا نبالغ أخيراً إن طالبنا باستغلال هذه المناسبة للتركيز على تجريم العنصرية قانونياً، وهو مطلب لا يخص لبنان وحده بل يجب تعميمه في المنطقة كلها لأن انتظار المبادرة والوعي الذاتيين لا يكفيان لمحو آثار ثقافة عامة غير بريئة أصلاً من شبهة العنصرية.

المدن

‘مرة واحد حمصي إنتفض لكرامته قبلك وقبلي

رداً على الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين.. جدران بيروت وفيسبوك تحتضن النازحين وترحب بهم’

لندن – القدس العربي من ريما شري: في وقت يتفنن فيه السياسيون وبعض المؤسسات الإعلامية اللبنانية في خطابهم العنصري ضد اللاجئين السوريين في لبنان، تحتضن جدران شوارع بيروت لافتات تنبذ العنصرية وترحب بالنازح السوري في قلب العاصمة.

أهلا باللاجئين والعمال السوريين في لبنان وعذراً على ما يفعله العنصريون منا هذا ما حمله جسر الكولا الذي أصبح سقفه يحتضن مجموعة كبيرة من النازحين الذين افترشوا ترابه في وضع انساني مزرٍ .

لافتة أخرى توسطت احد الاتوسترادات في بيروت كتب عليها: لن ننسى موقف الشعب السوري في مساندة الشعب اللبناني في حرب 2006 في محاولة لرد الجميل للشعب السوري الذي رحب بالنازحين اللبنانيين خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان.

هذه اللافتات التي توسطت بعض شوارع العاصمة، رغم تواضعها، سرعان ما تحولت إلى لافتات افتراضية تربعت على جدران موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك عبر صفحة اطلقها نشطاء لبنانيون بعنوان الحملة الداعمة للسوريين بوجه العنصريّة وصل عدد المشتركين فيها الى 7,250 بعد مرور 4 أيام على اطلاقها في 21 آذار/ مارس ، اليوم العالمي لمكافحة التمييز العنصري.

وتعرض الصفحة مئات اللافتات التي تنقل ترحيب اللبنانيين باللاجئين السوريين باللهجة العامية اللبنانية في محاولة لمحاربة العنصرية المقيتة نعرض منها:

النازح السوري مش عدوك، عدوك اللي كان سبب نزوحه

هيدا الإنسان عندو بيرسينغ (ثقب الجسم للتجميل) وتاتوس (وشم) وبيحكي إنكليزي، بس سوري .. لا للعنصرية

هاد الإنسان لبناني بس.. مانو عنصري (وهي لافتة حملها مشترك سوري)

عزيزي النازح، فيك تعمل ترافك وحزك مزك قد ما بدك، على قلبنا أحلى من العسل. بكرا لم يروق الوضع بسورية جايين نعمل ترافك وحزك مزك عندكم

طلو حبابنا طلو ونسم يا هوا الشامي

مرة في واحد سوري رفع راسي وراسك

90 من بيوتنا عمروها سوريين، كمل عنصريتك وفل من بيتك

وفي عرضها لرأي منشئيها كتبت الصفحة: رفضا لكل محاولات التضييق والعنف التي تطال السوريين، ورفضا لكل الخطابات السياسية العنصرية وما يرافقها من تحريض إعلامي.

يذكر أن وزير المغتربين اللبناني جبران باسيل كان قد صرح إلى وجوب ترحيل النازحين السوريين والفلسطينيين من لبنان، قائلاً إنهم يأخذون مكان اللبنانيين، وحضّ على بحث ترحيلهم إلى دول الجوار مثل الأردن وتركيا والشطر التركي من قبرص.

وقال: عندما نقول لا نريد نازحين سوريين وفلسطينيين يأخذون مكاننا، هو أمر يجب تكريسه بالفعل وليس بالقول فبوجودهم وبعملهم وبعيشهم يأخذون مكان اللبناني.

من جهة أخرى، تضمنت بعض الأعمال الكوميدية اللبنانية نظرة عنصرية ضد السوريين كالفقرة التي تضمنها برنامج ما في متلو على قناة MTV حيث تفاجأ الممثلة رولا شامية بعطل في سيارتها، فتفتح غطاء الموتور لتجد نائماً بداخله زميلها عادل كرم، ليتبين أنه نازح سوري لم يجد مكاناً له لينام فيه سوى في موتور السيارة، وعندما تسأله عن سبب نومه في السيارة يجيبها بأنه يشعر بالبرد ويريد الدفء، فتطرده متسائلة شحاد ومشارط .

وفي حلقة أخرى، يعرض سكيتش عنصري آخر كيف حلت الكارثة بتلميذ لبناني يحمل الحقيبة المدرسية على ظهره، ترافقه والدته إلى مدخل البيت وتحثه بلغة فرنسية على أن يكون مؤدباً وعلى قدر المسؤولية (tu dois etre sage)، ثم تلاطفه باللغة نفسها قبل أن تودعه بـقبلة.

يعود التلميذ من مدرسته. تستقبله والدته بالفرنسية ذاتها، لكن هذه المرة مطعمة بكلمات عربية، ثم تسأله كيف كانت الإيكول (المدرسة) اليوم؟. فجأة تتبدل معالم وجهها لحظة يجيبها إبنها تمام يامو. تطلب منه أن يوضح ما قاله شو قلت؟. يتابع الصبي تمام تمام يامو، لعبت طمامة أنا ورفقاتي بالمدرسة. تسأله الأم طمّامة؟ قبل أن يلفت نظرها بلهجة سورية أن الطمّامة هي الغميضة باللبناني.

وتعرب الأم عن صدمتها فتحاول أن تعرف ما الذي حصل : ماما ليش عم تحكي هيك؟، فيأتيها الجواب: شنّو كل رفقاتي بالمدرسة هاي السنة عم يحكوا هيك.

وفي حين يبذل فيه مبدعو الكوميديا في لبنان أقصى جهودهم للتعبير عن عنصريتهم المقيتة، محولين معاناة اللاجئين السوريين، والفلسطينيين في مناسبات أخرى، إلى تجارة كوميدية تضحك لها الأفواه في بيوتها الآمنة، يحاول نشطاء كثر نبذ العنصرية عبر ترحيبهم باللاجئين السوريين في بيروت وغيرها من المناطق اللبنانية التي، رغم ضيق مساحتها، يتسع قلبها لكافة النازحين على أمل أن تكون العودة إلى احضان الوطن قريبة.

القدس العربي

سوريون في لبنان… الشفقة عنصرية أيضاً/ بيسان الشيخ

بين «الحركة النازية اللبنانية ضد الوجود السوري في لبنان»، وحملة «لا للعنصرية ضد السوريين» التي انطلقت في مواجهتها، جهل متبادل بين أطياف اللبنانيين أنفسهم، وقواسم مشتركة غير مدرَكة بمعزل عن المستهدفين من كلتا الحملتين، أي السوريين المقيمين في لبنان، لاجئين كانوا أو نازحين أو مستثمرين أو مجرد زائرين.

ومع التسليم بفظاظة تسمية الحملة الأولى، وضرورة وصواب مواجهتها بالثانية، يبقى أن ضيق فئة من اللبنانيين، والمسيحيين تحديداً الذين عبر عنهم الوزير نقولا صحناوي خير تعبير، لا يرقى إلى كونه عنصرية أو نازية! ذاك أن الحملات العنصرية الفعلية تتخذ أشكالاً عنفية متسعة النطاق، وغالباً ما تكون ممنهجة وسرية ريثما تتحدد معالمها في سياسة واضحة، وهو ما كادت تظهر له مؤشرات مقلقة في بداية التوافد السوري إلى لبنان قبل أن يعاد ضبطها. أما حملة «فايسبوكية» ألغيت فور انطلاق حملات مضادة (فايسبوكية أيضاً)، واعتلاء وزير منبراً إعلامياً ليطرح منه أفكاراً بائدة في التعامل مع أزمة نزوح، فلا يعدو كونه تخبطاً طائفياً محلياً يعكس واقع التيار السياسي الذي ينتمي إليه صحناوي نفسه. فذلك هو ضيق العونيين ومأزقهم في «تحالف الأقليات» الذي يجمعهم بـ «حزب الله» المقاتل في سورية، وخوفهم من «بعبع» سنّي متعاظم عددياً، ويحظى داخلياً بغطاء من الفريق السياسي الخصم. فكأن صحناوي يقول مواربة لحلفائه: إنا ضقنا ذرعاً بما يجنيه قتالكم علينا، وانعكاس ذلك في التركيبة الداخلية لا يصب في مصلحتنا، محاكياً وعياً مسيحياً أبعد من محازبيه المباشرين ومحسّناً شروط التفاوض على حصة فريقه. أما لو شعر العونيون، واستطراداً تلك الفئة التي ينسحب عليها مزاجهم، بالحد الأدنى من السلطة والقدرة على تطبيق اقتراحات الوزير بترحيل السوريين وإخراجهم من شققهم لإفراغ المناطق المسيحية منهم لسعوا إلى تطبيقها من دون الحاجة للإفصاح عنها والتهديد بها.

وللسخرية، قد يكون في ذلك العجز ما يطمئن السوريين (وإن أزعجهم عملياً) ويقلق اللبنانيين الراغبين في تغيير أحوالهم. ذاك أن الخوف الطائفي داخل التركيبة الضيقة، يجعل صحناوي وصحبه أضعف من تسديد اللكمات لخصم سياسي «سنّي» قد تظهر الحاجة إليه عند منعطف انتخابي قريب، فيستعيضون عنه بسيل من الكراهية الخطابية ضد «محظييه» السوريين، على أن يدفع اللبنانيون لاحقاً فاتورة تقلبات السياسة.

وبالعودة إلى الحملتين المعادية والمتضامنة، فالهوة الاجتماعية أعمق من حملة «فايسبوكية» وكلام لوزير. ذاك أن الجهل المتبادل يكمن أولاً في رفض شريحة واسعة من اللبنانيين الاعتراف بحق شريحة أخرى بالخوف والامتعاض والقلق. وهو خوف مشروع ومبرر أحياناً، وواجب النقاش سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، إذا ما اتخذ أشكالاً أخرى في التعبير وتناول هموماً أكثر واقعية. فمتى تجاوز البحث سطحية الحساسية «سوري – لبناني»، وما تخلفه من فرط عداء أو فرط تضامن، بات ممكناً الحديث فعلياً عن عبء يشكله مليون ونصف مليون لاجئ (مسجل) هم أكثر من ثلث السكان، على بلد مفكك ومحدود الموارد.

والواقع أن حملة التضامن، على صدق مشاعرها، وقعت في فخ مزدوج. فهي بنضاليتها، أنكرت وجود أزمة، وقطعت بالتالي الطريق على إمكانية البحث عن حلول. ومن جهة أخرى، حولت قضية اللاجئين السوريين إلى مسألة إنسانية فقط تستدعي فيض المشاعر الداعمة والمتعاطفة، فيما هي كانت ولا تزال معركة سياسية وانتفاضة شعبية ضد نظام جائر، وبذلك وحده تستحق الدعم والمؤازرة في أشكال مختلفة، وبأساليب ضغط متنوعة. ومتى جُزِّئت تلك القضية إلى عناوين فرعية خسرت أحقيتها تلقائياً. وبهذا لا يمكن أن يأتي الرد على مخاوف المسيحيين (أو غيرهم ربما ممن لم يفصح عن مكنوناته) بالهجوم المضاد عليهم، وإنما بإعادة الأمور إلى نصابها والتذكير الدائم بالموقف السياسي وبمعركة خاضوها ذات مرة ضد النظام السوري ووجوده العسكري في بلدهم. البحث عن قواسم مشتركة بين فئة الخائفين وفئة المتعاطفين مسؤولية لبنانية بالدرجة الأولى. فعندما ينجح اللبناني كفرد في تلخيص الإجابة عن سؤال «لماذا يقبل بتوافد اللاجئين السوريين إلى لبنان» وبالرد على صحناوي وغيره بأنها مسؤولية أخلاقية ومعركة سياسية وواجب قانوني لكون لبنان وقّع على معاهدات دولية بهذا الشأن وهو ملزم بتطبيقها وقبول المساعدات الدولية المرافقة لها، يكون عندئذ قد خطا خطوة أكبر من توجيه تهم العنصرية على الخائفين وتعميق خوفهم وكراهيتهم.

وإلى ذلك، فالشعارات التي رفعتها الحملة بحسن نية وصدق مشاعر من قبيل «السوري عمر بيتك» أو «في سوري رفع راسي وراسك» أو حتى «مش كل سوري مجرم، ومش كل لبناني بريء»، وغيرها ما يحيل السوريين إلى سوية واحدة، وينفي عنهم حق دعمهم في ما لو لم يعمروا بيوتنا. إنهم مرة أخرى هؤلاء العمال «الأدنى شأناً» الذين لم نتوقع منهم الإقدام على أي شيء شجاع، فإذا بهم يقومون بثورة ترفع رؤوسنا… وهم (للمفارقة) كغيرهم من الشعوب فيهم الصالح وفيهم الطالح! إنه للأسف، تكرار للتنميط الذي سبق وألحقته فئات واسعة من اللبنانيين بالمجتمع السوري حين شملته كله بقوات الردع. وهو الشعور العميق بالفوقية والسلوك غير المدرك الذي يعتمده الطائفي المتنصل من تلك الشبهة بأن يؤكد مراراً وتكراراً أن له أصدقاء مقربين من طوائف أخرى… فما بالكم أن يكونوا أيضاً سوريين؟!

* كاتبة وصحافية من أسرة «الحياة»

الحياة

الرهاب والإرهاب/ روجيه عوطة

قال وزير عن أزمة تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان، إن الحلول التي سيطرحها، ليست عنصرية بل “وطنية”. يظن أنه يُمسك بوصف مضاد لحاله. هو يعتقد أنه، بإدراجه أفعال المنع والطرد والشحن، التي طالب بتطبيقها في حق السوريين، يبرئ نفسه من تهمة كره الآخر. لكن الوزير لم يُصب في اعتقاده. فالعنصرية التي يحاول الإبتعاد عنها، ليست طارئة، بل تنم في الأساس عن الوطنية التي تتشكل ممارسته السياسية منها. فلا طريق أخرى للمكوث أكثر في “وطنه” الإيديولوجي والمؤسساتي الماضي، الذي خسرته طائفته المسيحية، بسوى تهديد الغير، والسعي إلى إلغائه.

على هذا الفعل، يشعر الوزير، والتيار الذي ينتمي إليه، أنه على قيد السياسة في البلاد، فيهبط إلى الواقع، حاملاً معه الخرافات، التي تعينه على تركيب صورة الآخر، لكي يستمد ذاته منها، ويبرر انغلاقه أمامها. بالحقد على الغير، تتوهم “العونية” أن السلطة التي فقدتها المسيحية السياسية، قد عادت إليها، وأن الجماعة التي تمثلها، قوية للغاية، مثلما كانت قبل عقود من الزمن، عشية الحرب اللبنانية على وجه التحديد. تالياً، هي في حاجة مستمرة إلى الهجس في أن آخر ما يعتدي عليها، ويهدد كيانها، كي تبلغ وطنها السابق، وتقيم داخله منفصلة عن واقعها الحاضر. في هذا المعنى، تتألف الهوية المسيحية- العونية فانتاسمياً، حتى يصبح فعلها العنصري ركيزة من ركائز وجودها، وأساساً من أسس وطنيتها. في السياق نفسه، تصير الأشرفية وطن المسيحية السياسية، الذي يظل كياناً طوائفياً بمحاربة السوريين الحاضرين في داخله. هم، وفق هذا الفانتاسم، حولوا منازلهم “ثكنا” متوزعة على “مراكز استراتيجية” مقلقة، ما يعني أنهم مجرد “إرهابيين”، لا يقاتلون لبنانيي الأشرفية، والمدور، والرميل، والصيفي، بالسلاح فحسب، بل بمزاحمتهم على فرص العمل أيضاً.

في تركيبها هذه الصورة عن الآخر، تبدو “العونية” كأنها تواصل الحرب، التي خاضتها الأحزاب المسيحية ضد “الغريب”، الذي كان ذات مرة فلسطينياً، واليوم، أصبح سورياً. في الحالين، هو مسلم سني، فضلاً عن كونه يذكّر بالاحتلال البعثي للبنان. فـ”الوطنية”، التي قال الوزير إنه يتكلم بلسانها، تختصرها مواصلة الحرب هذه بالذات، وما يلحقها من خطاب، يجمع بين الإحباط والخوف من جهة، والتفاخر والإحتقار من جهة أخرى. خطاب المهزوم، العالق في الماضي، الذي سرعان ما يتغير إلى ثقب أسود، نتيجة الهجس العصابي في المفقود، من سلطة وجماعة، داخله.

يخرج الكلام من هذا الثقب، وفيه تتحول الأطروحات الإلغائية للآخر أفعالاً وطنية. لذا، لن يستقيم البحث في العنصرية اللبنانية، بنسختها العونية، بدون الوقوف على مضمونها الهوياتي، وهذا يعني أن مواجهتها تكون بالإعتراض على الوطن الذي تؤلفه، والهوية الجماعاتية التي ترسخها. فالفصل بين الوطنية والعنصرية يشبه إلى حد بعيد التمييز التبريري، الذي تعتمده شلل اليسار الممانع، بين خرافة “مقاومة” “حزب الله” وواقع قتله السوريين في بلادهم. الفعلان، الفصل والتمييز، لا يصحان البتة، لأن طرفي كل منهما مرتبطان، فلا وطن بدون كره السوريين، ولا مقاومة فيه بدون قتلهم. كما لو أن الإرهاب الطائفي لـ”حزب الله” امتداد للرهاب العنصري للمسيحية-العونية: الأول، يُمارس خارج الحدود الوطنية، والثانية داخلها. الإرهاب شقيق الرهاب في هذا “الوطن”. ذلك، كي يدرك العونيون، ومعهم باقي العنصريين، أن الأشرفية ليست كيانهم السياسي المفقود، وأن اللاجئين السوريين الساكنين فيها، ليسوا أعداء، بل لجأوا إلى كل المناطق اللبنانية، هرباً من براميل الطاغية بشار الأسد. فلهؤلاء تبقى التحية، وإليهم يلحّ الإعتذار.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى