صفحات العالم

مقالات تناولت الموقف الأميركي من الثورة السورية

 سوريا.. الآن أوباما تحت الحصار!

طارق الحميد

مع إعلان الإدارة الأميركية الأخير عن امتلاكها لأدلة على استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، ولمرتين على الأقل، في مواقع مختلفة، يكون الرئيس الأميركي نفسه هو المحاصر، وليس بشار الأسد المختفي بأحد الأقبية في دمشق، أو خارجها.

الرئيس أوباما هو من أعلن بنفسه عن أن تحريك أو استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل الأسد يعني تغييرا في قواعد اللعبة، وتجاوزا للخطوط الحمراء، وأنه سيترتب عليه تدخل أميركي، وللتدخل بالطبع أشكال مختلفة.. الآن فعلها الأسد حيث حرك الأسلحـــــــة، واستخدمها، وليس وفق المعلومات الأميركية فحسب، بل والمعلومـــــات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية، وكذلك الأدلة التي قدمتها المعارضــــــــة السورية، ولا ننسى بالطبع حين تبجح النظام الأسدي بأن المعارضـــــــة هي من استخدم تلك الأسلحة وليس هو، هذا فضلا عن رفض النظــــــــام السماح لفريق الأمم المتحدة بالدخــــــــول لسوريا والتحقق من خلفيات استخدام الأسلحة الكيماوية!

الآن وقع المحظور، وتجاوز الأسد كل الخطوط الحمراء، وفقا لمقاييس الرئيس أوباما نفسه، علما أن القتل هو القتل سواء بطائرة أو قنبلة، ونظام الأسد ارتكب بحق السوريين كل أنواع الفظائع، فما الذي سيفعله الرئيس أوباما حيال الأسد حيث تغيرت قواعد اللعبة، وتجـــــاوز الأسد الخطوط الحمراء؟ هل يواصل الرئيس الأميركي التردد، ويحاول تجنب اتخاذ مواقف حاسمة تجاه جرائم الأســــــــد ويفقــــــــد بذلك مصداقيته؟ وهل تعي الإدارة الأميركية خطــــــورة ما فعله الأســـــــــد، سواء كان حجم المستخدم من الأسلحة الكيماوية قليــــــــــــلا أو كثيرا؟ وقد يقول قائل إن صـــــــدام حســــين فعلها من قبل تجاه الأكراد، ولم يعاقب حينها! وهذا صحيح، وكانت جريمة بكل المقاييس، لكن لو عوقب صدام لما تجرأ الأســـد اليوم، كما أن ظروف المنطقة الآن تعقدت جدا، خصوصا مع سعي إيران لتملك الأسلحة النووية، وخلافها، مما يشي بجحيم قادم.

وللأسف، فإن الثابت الآن أن من امتلك هذه الأسلحة من أنظمة المنطقة لم يستخدمها ضد عدو، بل ضد شعبه، هذا ما فعله صدام، وهذا ما يفعله الأسد الآن، وهذا ما ستفعله إيران غدا في حال تم السماح لها بامتلاك الأسلحة الكيماوية أو النووية. والأخطر هنا، وهو أمر وارد جدا، أن يقوم نظام الأسد الآن بتزويد إحدى الجماعات المحسوبة عليه بشيء من الأسلحة الكيماوية ليتم استخدامها ثم يقول إن «جماعة إرهابية» تقف خلفها، على غرار بيانات «القاعدة»، أو بيان «أبو عدس» بعد اغتيال رفيق الحريري!

ولذلك فإن ما فعله الأسد لم يغير قواعد اللعبة في سوريا فحسب، بل في كل المنطقة، خصوصا أنه قد ثبت للرئيس أوباما شخصيا خطورة الأسد، وخطأ التردد حيال الأزمة السورية، ولذا فإن الضغوط تتزايد الآن على الرئيس أوباما لضرورة التحرك جديا وفعليا، وإلا يكون قد فقد مصداقيته، وعرض أمن المنطقة ككل للخطر. وعليه، وإلى أن يتحرك أوباما، فإنه هو الواقع تحت الحصار وليس الأسد طاغية دمشق.

الشرق الأوسط

اوباما مرتبك.. لكن التدخل وارد

رأي القدس

من يتابع تصريحات المسؤولين الامريكيين والبريطانيين حول الاسلحة الكيماوية السورية، واستخدام النظام ‘المحدود’ لها ضد معارضيه، ويقارنها بنظيراتها التي صدرت قبيل ارسال عشرات الآلاف من الجنود لغزو العراق واحتلاله، يخرج بانطباع واضح بان هناك مخططا امريكيا جاهزا للتدخل عسكريا في سورية بصورة مباشرة او غير مباشرة.

الرئيس باراك اوباما يتقمص هذه الايام دور سلفه الرئيس جورج بوش، بل ويكرر تصريحاته نفسها ولكن تجاه سورية هذه المرة، في تعبئة واضحة للرأي العام الامريكي لدعم خطوته العسكرية القادمة.

البيت الابيض قال بالامس انه يملك ادلة قاطعة على استخدام النظام السوري اسلحة كيماوية ضد شعبه، وسارعت الحكومة البريطانية الى تأكيد امتلاكها لادلة اقوى جرى التوصل اليها من تحليل عينة للتربة من موقع قرب دمشق، ومن فحص اصابات بعض الضحايا من قبل باحثين متخصصين.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول السيناريو الذي ستتبعه الادارة الامريكية وحلفاؤها لتجريم النظام السوري اولا، والتأكد من انه اخترق ‘الخطوط الحمراء’ ثانيا وطبيعة التدخل العسكري واحتمالاته ثالثا.

من الصعب علينا التكهن بطبيعة هذا السيناريو، والجانب العسكري منه على وجه الخصوص، لكن ما يمكننا التأكد منه ان اجهزة الاستخبارات الامريكية والبريطانية بارعة في فبركة الادلة والاسانيد حول اسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيماوية، مثلما هي بارعة في تسويقها الى الرأي العام العالمي، ولنا في تجربة العراق خير مثال.

توني بلير رئيس وزراء بريطانيا وقف امام البرلمان ملوحا بملف يدعي فيه انه يملك ادلة على قدرة النظام العراقي على تجهيز اسلحة الدمار الشامل في اقل من 45 دقيقة، اما كولن باول وزير الخارجية الامريكي الاسبق فوقف في مجلس الامن ملوحا بصور معامل النظام العراقي الكيماوية المتحركة لنكتشف ان الاثنين يكذبان، ولم يتردد الثاني عن الاعتذار عن اكذوبته، بينما ما زال الاول يكابر.

بالامس قال اوباما ان استخدام النظام السوري اسلحة كيماوية سيغير قواعد اللعبة، وقال انه لا يمكن الوقوف مكتوفي الايدي والسماح بالاستخدام الممنهج لاسلحة مثل الاسلحة الكيماوية.

اوباما متردد، فتارة يقول المتحدث باسم البيت الابيض ان الادلة قوية حول استخدام النظام لاسلحة الدمار الشامل، وتارة اخرى يقول هو بنفسه انه يريد تحقيقا شاملا للتوصل الى نتائج حاسمة. وهذا التردد مبعثه الخوف من النتائج.

الرئيس الامريكي يدرك جيدا ان النظام السوري لا يقف وحده، وان هناك قوى كبرى تدعمه، بعضها اقليمية مثل ايران، وبعضها دولية مثل روسيا والصين ودول البريكس، والتدخل العسكري ليس مضمون النتائج.

لم يفاجئنا قول خبراء عسكريين في سورية في تصريحات لهذه الصحيفة بان الرد السوري على اي تدخل امريكي او اسرائيلي سيكون بضرب تجمعات وقواعد امريكية في الاردن بالصواريخ المتوسطة المدى، فالنظام السوري يدرك جيدا ان رأسه هو المطلوب ولذلك لن يتورع عن استخدام كل ما في جعبته من اسلحة ضد من يريدون اطاحته.

في جميع الاحوال الازمة السورية تنزلق الى هاوية الحرب وبسرعة اكبر مما تتوقع اطرافها.

القدس العربي

اوباما و”النأي بالنفس

محمد ابرهيم

سياسة “النأي بالنفس” التي يتبعها الرئيس الاميركي باراك اوباما إزاء الأزمة السورية وصلت الى “مفترق حاد”. والامر لا يتعلق اساسا بالمعلومات الاستخبارية الاميركية حول استخدام النظام للسلاح الكيميائي في مواجهة المعارضة. فهذه المعلومات قابلة للأخذ والرد، وما سمّاه اوباما، قبل سنتين، خطا (كيميائيا) احمر يمكن تلطيف الوانه.

المفترق هو انتقال النظام من الدفاع الى الهجوم بعد اطمئنانه الى الدعم الخارجي الروسي- الايراني، وبعد استقرار قاعدته الداخلية، على معادلة الانقسام شبه المتعادل بين الاقليات من ناحية، والسنة من ناحية ثانية. هجوم يعتمد اسلوب التركيز الجغرافي والعمل على تحطيم قوى الخصم موقعا إثر موقع.

الى ذلك يوظّف النظام حقائق لم تعد في عالم الغيب بالنسبة الى مآل انتصار الثورة، ربطا بنتائج “الربيع العربي”، من حيث الغلبة الاسلامية والعجز عن لململة الكيانات “الجديدة”. اضافة الى خصوصية سورية تتمثل بالامتدادين المذهبيين المباشرين العراقي واللبناني للنزاع.

تتوجه سوريا في مستقبل ليس ببعيد نحو “لحظة بنغازية” شبيهة بما حصل في ليبيا عندما كانت قوات العقيد القذافي تتوجه لحسم المعركة مع المعارضة في بنغازي. مع فارق كبير في مواقف الاطراف الدولية. فلا موقف روسيا من الاسد يشبه موقفها من القذافي، ولا فرنسا وبريطانيا على استعداد لتصدّر مواجهة عسكرية، فيما يكتفي الاميركي بتقديم دعم “لوجيستي”.

احتدام الصراع في سوريا وميله لمصلحة النظام يضع اوباما امام تحدٍ لم يواجهه منذ وصوله الى الرئاسة قبل اكثر من اربعة اعوام. فإنجازاته الشرق الاوسطية، حتى الآن، تمثلت باتمام الانسحاب من العراق وترتيب الانسحاب من افغانستان ولعب دور ثانوي في الازمة الليبية، وادارة ناجحة لـ”النأي بالنفس في سوريا. والانسجام مع مضمرات هذه السياسة الخارجية يفترض إما غضّ النظر عن الانكسار التدريجي للمعارضة السورية، وإما استباق ذلك بالتفاهم مع روسيا لتحديد الخسائر، وانقاذ ماء الوجه بعملية سياسية لا تغيّر الكثير.

اما الخيار الآخر، خيار المواجهة على طريقة سلفه جورج بوش، فإنه لا يفتقد فقط الى “بطله”، وانما ايضا الى الأمل بأن يؤدي ذلك الى نتيجة مغايرة لما شهدته المنطقة منذ غزو العراق عام 2003.

لكن حتى اذا قرّر بوش اطالة امد المواجهة بدعم القرار الفرنسي- البريطاني بتسليح المعارضة، فإن ذلك لن يؤدي الى اكثر من التعادل، داخل سوريا. فـ”المعسكر” الآخر مصمم على منع الهزيمة لاعتبارات باتت اكبر من الصراع على سوريا. والتعادل يعني عبثية استمرار الكارثة في سوريا، مثلما يعني انه لا مفر من الوصاية الدولية مخرجا لسوريا ومَن حولها.

النهار

سباق ميداني قبل القمة الأميركية الروسية وإدارة أوباما أمام التحدي الكيماوي

    روزانا بومنصف

ترك اعلان البيت البيض في رسالة الى عدد من اعضاء الكونغرس عن ان تقويم الاستخبارات الاميركية يشير بدرجة ما من الثقة الى ان النظام السوري استخدم اسلحة كيماوية على نطاق محدود في سوريا الباب مفتوحا امام تساؤلات حول ما قد تعتزم الولايات المتحدة القيام به في شأن سوريا بناء على تحذيرات الرئيس الاميركي منذ اب الماضي بان استخدام النظام للاسلحة الكيماوية هو خط احمر. ذلك ان بريطانيا وفرنسا سبقتا الولايات المتحدة علنا ثم عمدت الامم المتحدة الى الاعلان عن امتلاكها دلائل على استخدام السلاح الكيماوي في الوقت الذي ارسل الامين العام للامم المتحدة بعثة تحقيق تمركزت في قبرص من اجل زيارة سوريا والتحقق من استخدام هذا السلاح فلم يتجاوب النظام لرغبته في حصر مهمة البعثة في خان العسل حيث يتهم هو المعارضة باستخدام السلاح الكيماوي من دون السماح لها بالتحقق من اماكن اخرى. وانضمت اسرائيل الى لائحة الدول التي اكدت استخدام النظام لهذه الاسلحة. وبحسب مصادر ديبلوماسية عليمة فان الموقف الاميركي يضع الرئيس اوباما امام تحد كبير تحت وطأة المس بصدقية موقف ادارته واضعافها في حال صح استخدام النظام للاسلحة الكيماوية من دون ان يقدم على اتخاذ اي خطوات كما وعد. الا ان ذلك يتوقف ايضا على بضعة امور او اسئلة من بينها هل ان استخدام الاسلحة الكيماوية على نطاق محدود وفق ما جاء في تقويم الاستخبارات الاميركية امر يمكن قبوله ما دام لم يتوسع الى نطاق اكبر ام ان هذا الاستخدام مرفوض بالمطلق؟ وهل هناك اثباتات نهائية حاسمة في شأن ذلك نظرا الى ان الرئيس الاميركي لا يود ان يكرر تجربة سلفه جورج دبليو بوش في الحرب على العراق وقد ثبت عدم صحة وجود سلاح الدمار الشامل في العراق في الوقت الذي لم تسمح سوريا بالتحقق من استخدامها الاسلحة الكيماوية ميدانيا مما يبقي الشكوك كبيرة في هذا الاطار؟ وفي حال كانت الاثباتات اكيدة وليست حاسمة ما هي الخطوات التي يمكن ان تتخذها الادارة الاميركية مع استبعاد خيار الدخول او التدخل عسكريا بعد تجربة سحب الجيوش الاميركية من العراق وافغانستان؟ كذلك هل ان هناك اثباتات تم التعتيم عليها في وقت سابق من اجل استبعاد وضع الادارة الاميركية في موقف محرج بناء على رسم الرئيس الاميركي خطا احمر لاستخدام السلاح الكيماوي؟

من الصعب بالنسبة الى المصادر المعنية رؤية تدخل عسكري اميركي او غربي من دول الناتو في سوريا. فالامر لن يكون واردا في اي حال نتيجة اعتبارات متعددة باتت معروفة في السياسة الخارجية التي يعتمدها الرئيس اوباما. الا ان ذلك لا يعني عدم ورود احتمالات اخرى ستطرح بقوة. فمن جهة ترجح المصادر المعنية ان يلعب هذا العامل اي استخدام السلاح الكيماوي في مصلحة الادارة الاميركية في ظل استمرار ارادة اوباما في الحوار مع الروس والاتفاق معهم على حل للازمة السورية على رغم التصلب الذي اظهره نظيره الروسي فلاديمير بوتين حتى الان في موضوع الرئيس السوري بشار الاسد ما لم تضغط المسألة داخليا على الرئيس الاميركي للتحرك بقوة بمعزل عن الروس في هذا الاطار وما لم تكن المخاطر حقيقية ومن غير الممكن التساهل ازاءها. وفي هذه الحال الاخيرة من غير المستبعد اتخاذ الاميركيين والغرب اجراءات لا تؤدي الى التدخل العسكري المباشر بل قد تقيد تحرك الالة العسكرية الجوية للنظام في شكل اساسي. فالمسؤولون الروس سبق ان قدموا بانفسهم الضمانات للاميركيين عن وجود السلاح الكيماوي الذي يمتلكه النظام تحت المراقبة والحماية. واستخدام النظام للسلاح الكيماوي سيحشر الروس ويقوي اوراق الرئيس الاميركي ازاء اي اجراء يتخذه كما في المفاوضات معهم خصوصا ان المسألة تساهم في تقويض منطق الروس في استمرار دعم النظام منذ بدء الازمة تحت وطأة الخشية كما قالوا من وصول الاسلاميين الى السلطة في حين ان المخاوف باتت راهنا من سيطرة المتطرفين والاصوليين وعلى رأسهم تنظيم القاعدة وسرقته الثورة السورية من ابنائها. اذ يبدو وفق التطورات الاخيرة ان الكثير من الاوراق يتم رميها او استخدامها تعزيزا للمواقع قبل القمة الاميركية الروسية المرتقبة في حزيران المقبل ومن هذه الاوراق محاولة النظام السوري استعادة السيطرة على قرى ريف دمشق والقصير بمساعدة “حزب الله” ومجاهرته بمحاولة وضع القمة امام امر واقع جديد. كما استفاد النظام ومعه روسيا ايضا من توظيف الانفجارين الارهابيين اللذين وقعا في بوسطن من اجل تسويق وجهة نظرهما حول الارهاب وانتشاره. الا ان ذلك لا يعني ان الافرقاء الاخرين لن يستخدموا الاوراق المتوافرة لديهم في المقابل.

ومن الاحتمالات التي تغلب ايضا ان يستخدم الاميركيون والغرب عموما هذه الادلة عن استخدام النظام الاسلحة الكيماوية من اجل حشره وارغامه على القبول ببعثة التحقيق الاممية لكي تزور المناطق التي تم فيها استخدام هذه الاسلحة في حلب ودمشق وسواهما في المرحلة الاولى ومن اجل الضغط عليه من اجل القبول بالجلوس الى طاولة الحوار والموافقة على الانتقال السياسي تحت وطأة تعرضه لاجراءات اخرى نظرا الى عدم امكان الادارة الاميركية تجاهل تحذيراتها في هذا الاطار ويفترض بها الحصول على نتائج من موقفها التحذيري السابق.

النهار

تشاؤل كيري

يزن كنفاني

  هذه ليست المرّة الأولى التي تقدم فيها الولايات المتحدة على وضع جدول زمني ضبابي لعمليّة التسوية. فما قاله وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قبل أيام، عن مهلة العامين للوصول إلى “سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين”، سبقه إليه عدد من الرؤساء والمسؤولين الأميركيين في مراحل الحراك الجدّي الذي شهدته عملية التسوية. حتى أن الرئيس الأميركي الحالي، باراك أوباما، سبق أن قدّم مثل هذا الجدول، حين وقف على منبر الأمم المتحدة في العام الأول من ولايته الأولى، ليقدم ما يشبه الوعد، بأن تشهد الجلسة التالية للجمعية العامة ولادة دولة فلسطين. غير أن الأمور لم تسر وفق المشتهى، والدولة الفلسطينية لا تزال في الانتظار.

 مع ذلك، ها هي الإدارة الأميركية تخوض المغامرة نفسها. ورغم اختلاف الظروف والمعطيات، وحتى شكل الجدول الزمني، إلا أن “التفاؤل المفرط” يبقى السمة العامة، ولا سيما في ظل التعقيدات المرافقة لقضايا الوضع النهائي، والتي يحتاج حلها إلى جلسات طويلة من المفاوضات، التي لم تبدأ بعد.

 لكن ما قدمه كيري يحمل في طياته جديداً قد يعطيه بعداً آخر، ويضعه جديّاً على طاولة التشريح، وخصوصاً أنه لم يكتف بالجانب التفاؤلي في تصريحه، بل أرفقه بتحذير مبطّن يحمله الإسرائيليون على محمل الجد، وهو ما تم التركيز عليه في الأيام الماضية في الصحف العبرية، أكثر من الحديث عن الجدول الزمني.

 الإسرائيليون قرأوا كثيراً في الشق الثاني من التصريح الأميركي، الذي يتحدث عن إقفال الفرص بالنسبة إلى حل الدولتين بعد هذين العامين، والانسحاب الأميركي لـ “الاهتمام بأمور أخرى”. فكيري أراد وضع صفة “الفرصة النهائية” لجهود التسوية التي يقوم بها حالياً، فاتحاً الباب أمام عواقب، أخذت الجزء الأكبر من حيز الاهتمام الإسرائيلي، أكثر من الحديث جدياً عن إمكان التوصل إلى تسوية فعليه خلال العامين المقبلين.

 القلق الإسرائيلي انصب بالدرجة الأولى على فكرة “الانسحاب الأميركي” ومعانيها، ولا سيما في ظل المساعي الفلسطينية، المجمد حالياً بفعل الضغوط الأميركية، لنيل الاعتراف بدولة كاملة العضوية في المجتمع الدولي. عند هذه النقطة توقف المحللون الإسرائيليون كثيراً ووضعوها في خانة الضغط المؤثر من الولايات المتحدة على حكومة بنيامين نتنياهو لتليين موقفها من العملية السياسية، وتلبية على الأقل الحد الأدنى من الشروط التي يطالب بها الفلسطينيون.

 وفق هذه النظرة، فإن تصريح كيري حمل رسالة مباشرة إلى إسرائيل، مضمونها أن عدم التجاوب الإسرائيلي مع المساعي الأميركية، سيدفع واشنطن إلى الانسحاب من دور “الراعي المنحاز” لعمية التسوية وتعليق ضغطها لمنع نيل فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وبالتالي فرض حدود “الدولة الفلسطينية” على إسرائيل، خارج إطار التفاوض وتبادل الأراضي والاستيطان والضمانات الأمنية، وربما لاحقاً مواجهة خيار الدولة الواحدة، التي ستخسر فيها إسرائيل ديموغرافيّاً.

 التحذير لم يقف عند حدود الجانب الإسرائيلي، بل كان موجهاً أيضاً إلى الفلسطينيين. فعدم التجاوب أيضاً مع المساعي الأميركية سيؤدي تلقائياً إلى إغلاق باب المساعدات الاقتصادية، في ظل الأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية. لكن رغم ذلك، بقيت القراءة الفلسطينية أكثر إيجابية من نظيرتها الإسرائيلية، واهتمت بالجزء الأوّل من التصريح الخاص بالجدول الزمني للحل، وهو ما تضعه السلطة ضمن أحد الشروط المسبقة للتفاوض.

 ما بين القراءتين، يبدو أن مساعي الإدارة الأميركية الحالية ستحظى بفرصة ما لتجربة حظها في إيجاد حل سياسي للقضيّة الفلسطينية. فرصة بدأت تتضح من التسريبات عن “إجراءات بناء الثقة” التي تسعى إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى تبادل تقديمها تمهيداً لاستئناف التفاوض أو اللقاءات الاستشرافية. فإسرائيلياً يجري الحديث عن تجميد غير معلن للاستيطان وإطلاق بعض الأسرى الفلسطينيين، فيما تعهدّت السلطة، بحسب التسريبات، بتجميد كل مساعي الاعتراف بالدولة وتعليق فكرة التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية.

 إذن، فإن تصريح كيري لم يكن متفائلاً أو متشائماً بالمطلق، بل حمل صفة “التشاؤل”، الذي ستحدّد معطيات الأيام المقبلة وجهته للسلب او الإيجاب.

المدن

ازدواجية في مواقف الدول الكبرى: وقف للعنف في نيويورك وتسليح في اسطنبول

    خليل فليحان

الهوة كبيرة ولافتة بين البيان الذي صدر عن مجلس الامن في شأن الازمة السورية وما تقرر في الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية دول “مجموعة اصدقاء سوريا” في اسطنبول.

الاجتماعان عقدا الاسبوع الماضي بفارق زمني لا يتجاوز الـ 48 ساعة. اصدر المجلس بيانا دعا فيه الى وقف العنف فورا، مستنكرا هول المعارك ونتاجها، ليس فقط بالنسبة الى الضحايا من قتلى وجرحى، بل ايضا الى ملايين النازحين من ضراوة المواجهات والمطاردات العسكرية.

والنزوح على نوعين، داخلي وخارجي، ولبنان هو الاكثر تأثرا، اذ انه يستقبل يوميا 3000 شخص يتوزعون على مناطق مختلفة من اراضيه. وهو لا يقفل حدوده كما فعلت الاردن وتركيا. اما القرار البارز في اجتماع الـ”المجموعة” في تركيا فكان التسلح ودعوة دول الاتحاد الاوروبي الى رفع الحظر الذي فرض عليها. وقد قررت الولايات المتحدة تقديم اسلحة “دفاعية” لمقاتلي المعارضة بقيمة 130 مليون دولار، من بينها مصفحات واجهزة اتصال وستر واقية، واللافت ان واشنطن احدثت تطورا في نوعية الاسلحة، قسمتها “دفاعية”، بعدما كانت “غير قتالية”، وهذا يعني بتعبير آخر انها قتالية ليدافع المسلحون المعارضون عن انفسهم خلال الاشتباكات مع قوات النظام. كما ان بريطانيا قدمت عربات مدرعة، وسيشدد وزيرا خارجيتي فرنسا وبريطانيا نهاية الشهر المقبل في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في بروكسيل على رفع الحظر المفروض على مقاتلي المعارضة ومدهم بأسلحة للصمود في وجه تلك التي يستعملها النظام للقضاء عليهم، ومن بينها صواريخ مضادة للطائرات. وطلب رئيس “الائتلاف” معاذ الخطيب من واشنطن تزويد المقاتلين صواريخ باتريوت، ولم تتجاوب، بل قررت امداده بأسلحة سمتها “دفاعية”.

ولفتت مصادر رسمية الى “ازدواجية المواقف للدول الكبرى ذات العضوية الدائمة لدى المجلس، كأميركا وبريطانيا، ففي نيويورك هما مع وقف القتال فورا، اما في اسطنبول فقررتا تسليم المعارضة اسلحة “دفاعية” لاستخدامها ضد ما يوجه اليها من نيران من الجيش النظامي.

ورأت ان الموقف المزدوج للدولتين المذكورتين “لن يساعد على وقف الاقتتال، بل سيزيده ضراوة وسيطمح المقاتلون الى اهداف جديدة في دمشق لانتزاع مؤسسات رسمية ما زالت تحت سيطرة النظام. وتوقعت المصادر ان يؤدي هذا القرار الى مزيد من سفك الدماء السورية والى خراب اوسع في الممتلكات والمصانع ونزوح بأعداد كبيرة وتدمير للاقتصاد والمرافق الحيوية وتفويت الفرصة على اي هدنة يمكن ان تكون فرصة للحوار بين الطرفين المتخاصمين.

واستغربت عدم سعي السلطات الى مواجهة التداعيات السلبية على لبنان، ومن اعراضها، ليس فقط النزوح، بل محاولة فتح جبهة عسكرية بين الدولتين في الهرمل.

صحيح ان المتقاتلين قوتان غير رسميتين، لكن ذلك لا يعفي الحكومة من مسؤولياتها. ودعت الى التنبه للمخاطر التي تتضاعف يوميا، امنيا سواء على الحدود او في الداخل حيثما يحل بعض النازحين. يضاف الى ذلك بعض الامراض التي ظهرت لدى عدد من الاطفال، كما ان الاعداد الكبيرة للنازحين تسببت بارتفاع الايجارات واسعار المواد الغذائية.

وخلصت الى ان “التشاطر في كسب حقائب وزارية امر تسعى اليه القوى السياسية على اختلاف انتماءاتها، لكن ذلك يجب الا يعفيها من تحمل مسؤولياتها الى جانب الهيئات الرسمية في مواجهة الخطر غير المحدود من الازمة السورية على البلاد”.

النهار

الحرج الأميركي

    رندى حيدر

اثارت التصريحات التي ادلى بها رئيس شعبة التخطيط في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في شأن استخدام الجيش السوري السلاح الكيميائي في حربه ضد الثوار السوريين، لغطاً بين الأميركيين والإسرائيليين حول مدى صحة ودقة هذه المعلومات الخطرة. وسارع وزير الخارجية الأميركي الى الاعلان ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي الذي تحدث معه في هذا الصدد لم يؤكد صحة المعلومات.

 ومما لا شك فيه ان هذا الكلام أحرج الأميركيين الذين سبق لرئيسهم ان حذر من انه يعتبر استخدام نظام بشار الأسد السلاح الكيميائي بمثابة خط أحمر لن يقبل بتجاوزه وسيرد عليه. لذا فان تشكيك الأميركيين في المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية، شكل دليلاً آخر على رغبة الإدارة الأميركية في عدم التورط مباشرة في النزاع في سوريا حتى لو تجاوز النظام السوري الخط الأحمر الذي وضعه الأميركيون له.

ما جرى في اليومين الاخيرين طرح عدداً من الأسئلة: هل يعقل ان يكون المسؤول في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في صدد نشر معلومات مغلوطة عن استخدام الجيش السوري النظامي غاز السارين من اجل احراج الولايات المتحدة ودفعها الى التدخل في النزاع السوري وتغيير موازين القوى السائدة حالياً؟ وبماذا يخدم هذا الكلام المصلحة الإسرائيلية التي تقول حتى الآن انها لا تريد التدخل في ما يجري وان مصالحها الامنية هي المحافظة على الهدوء على الحدود ومنع التنظيمات الجهادية من السيطرة على المناطق المتاخمة لها؟ وهل من المحتمل ان يكون من الاهداف الإسرائيلية اختبار مدى التزام الأميركيين التعهدات التي يقطعونها، واختبار استعدادهم لتنفيذ تهديداتهم باستخدام القوة العسكرية في المنطقة؟

تعكس هذه الأسئلة امرين اساسيين: فهي تظهر العقبات التي تعترض المساعي التي يبذلها الأميركيون من اجل توطيد تعاونهم مع الإسرائيليين في هذه المرحلة الحرجة التي تجتازها المنطقة. كما انها تعزز شكوك فئة من المسؤولين الإسرائيليين الذين يرون ان سياسة الإدارة الأميركية الحالية هي عدم الدخول في مواجهة عسكرية في المنطقة، وتاليا فان كل الكلام الأميركي عن منع إيران من الحصول على السلاح النووي بكل الوسائل، هو مجرد كلام لن يتحول افعالا، وكما لا ينوي الأميركيون التدخل في النزاع في سوريا، فهم ايضاً لا ينوون مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية اذا فشلت المساعي الديبلوماسية.

إسرائيل ليست خائفة على الشعب السوري وانما خائفة من وقوع السلاح الكيميائي في أيدي التنظيمات الجهادية، وهي لا يهمها تأديب الأميركيين لنظام الأسد، بقدر ما يهمها معرفة جدية التعهدات الأميركية التي اعطيت لهم لعدم السماح للإيرانيين يتجاوز الخط الأحمر الذي وضعه نتنياهو لهم.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى