صفحات العالم

مقالات تناولت الموقف التركي من الأزمة السورية

هبوط تركي آمن في إيران/ سميح صعب

من الواضح ان تركيا هي الاسرع اقليمياً في التقاط اشارات مرحلة التحول السياسي الكبير في المنطقة. وهي تلجأ الى الرافعة الايرانية كي تعيد ترتيب أولوياتها والتكيف مع التغييرات التي ستترتب على التوصل الى الاتفاق النووي بين مجموعة دول خمسة زائد واحد وايران في 24 تشرين الثاني الجاري في جنيف.

وبما ان العقدة السورية تعتبر أبرز ما يعترض التحاق تركيا بالمتغيرات الجارية، فإن طهران هي الكفيلة بضمان الاستدارة التركية وجعل أنقرة لا تبدو أنها خسرت كل رهاناتها على الساحة السورية باعتبارها من أكثر الدول تشددا في الملف السوري وكانت من دعاة الحسم العسكري في سوريا وعدم القبول بأي حل لا يكون حده الادنى اسقاط النظام وتقديم رموزه الى المحاكمة. وقد عملت انقرة للوصول الى ذلك من طريق توفيرها الدعم السياسي والعسكري للمعارضة السورية، حتى باتت اسطنبول عاصمة “الثورة السورية”، لتكتشف أنقرة ان المعارضة غير قادرة على الحسم العسكري ضد النظام وان سوريا ليست ليبيا. واكثر من هذا كله استفاقت تركيا من احلامها لتجد ان “القاعدة”باتت تحدها من الجنوب.

وبعدما وجدت تركيا نفسها في مأزق كبير نتيجة تعثر كل الخطوات التي اقدم عليها رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في الاعوام الثلاثة الاخيرة، ها انها ترى في مناخ الوفاق الذي يوفره الاتفاق النووي بين ايران والغرب، مخرجا لاعادة النظر في سياساتها الاقليمية، وخصوصاً بعدما تبين ان النظام السوري قد صمد في وجه المعارضة وانتقل الى الهجوم. وقبل عام من الآن كانت الدعوة الى حل سياسي في سوريا تعني بالنسبة الى الاتراك خيانة للشعب السوري. أما اليوم فإن من يسمع وزير الخارجية التركي داعياً الى وقف النار حتى قبل انعقاد مؤتمر جنيف – 2 في 22 كانون الثاني 2014، يصاب بصدمة، فهل هذا هو داود اوغلو نفسه الذي كان يرفض قبل اشهر حتى الحديث عن هدنة مع نظام كان يبدو له ان أمامه أياماً قبل السقوط؟

تركيا تعيد النظر في سياساتها، بعدما سقطت رهاناتها. وهي تلجأ الى ايران والعراق وروسيا من أجل هبوط آمن من السقف العالي لرهاناتها التي اعتقدت لوهلة ان في امكانها ان تعيد اليها مفاتيح الشرق. لكنها نسيت انه ليس بالضرورة ان يعيد التاريخ نفسه، وخصوصاً اذا كانت الولايات المتحدة نفسها تتغير وتعزف عن المضي في خوض حروب الآخرين. وكانت سوريا المثال الاسطع على ذلك حتى قبل الاتفاق الكيميائي والاتفاق النووي. فهل يتعظ سائر الاطراف الاقليميين من الانعطاف التركي؟ ان هجوم “جيش الاسلام”على الغوطة الشرقية لدمشق لا تنبئ بذلك!

النهار

تحولات تركية/ مصطفى زين

أسابيع قليلة تفصلنا عن مؤتمر جنيف 2. كل الأطراف تحاول تحسين موقعها، تمهيداً للمفاوضات. المعارضة السورية المسلحة تشن هجمات غير منسقة على مواقع الجيش السوري، أملاً بإحداث تقدم توظفه في جنيف، لكنها في كل مرة تكتشف عجزها عن تحقيق ما تريد. والأسباب كثيرة. أهمها أن خططها غالباً ما تكون مرتجلة، فضلاً عن أنها غير موحدة، يتوجس بعضها من بعض. والأهم من ذلك، الخلاف وتباين الرؤى بين داعميها الإقليميين والدوليين، واشتداد هذا الخلاف بعد الاتفاق النووي الأميركي – الإيراني. اتفاق رأت فيه دول مؤشراً إلى تحول عميق في سياسة البيت الأبيض قد يفضي إلى التسليم بدور إيران ونفوذها في المنطقة، وهي تحاول مقاومة هذا التوجه، بعدما راهنت وعملت بكل قدراتها على تغيير النظام السوري لمصلحتها. وصنفت إيران عدوها الأول، تخوض معها صراعاً سياسياً يتفجر في العراق ولبنان، وسورية بطبيعة الحال.

لكن هذه الدول، بعد الاتفاق النووي الأميركي – الإيراني، وبعد الاتفاق بين موسكو وواشنطن على حل سياسي للأزمة السورية، بدأت تبحث عن مخارج، وتحالفات جديدة. بعضها، مثل تركيا، تخلى عن خطابه الحربي، واستدار في اتجاه الرياح عله يجد مكاناً في «الشرق الجديد» الذي يولد من رحم المأساة السورية، ومن الخريف العربي العاصف.

مستفيدة من الفراغ الذي خلفه انهيار النظام العربي، حاولت تركيا مد نفوذها إلى مصر وسورية والعراق، من خلال تبنيها مشروع «الإخوان المسلمين»، مستخدمة أيديولوجيتها الإسلامية وتاريخ السلطنة. لكنها فشلت حيث فشل «الإخوان» في القاهرة، وبدت الإرادة الشعبية المصرية معادية لأي تدخل خارجي، حتى أن الحكم الجديد اتخذ قراراً بمعارضة الولايات المتحدة، على رغم المساعدات التي يتلقاها من واشنطن، ما اضطر وزير الخارجية جون كيري إلى القول إن «الإخوان خطفوا الثورة».

سورياً، وجد الأتراك أن رهانهم على «الإخوان» لم يكن في مكانه فالجماعة ليست في مستوى الشعبية ولا التنظيم الذي اشيع عنها في بداية الأحداث، ووجدوا أن تمسكهم بالخيار العسكري سينقلب ضدهم بعدما تحرك الأكراد على حدودهم، وفشلوا في اجتذابهم عبر محادثات مع حزب «العمال الكردستاني».

عراقياً، حاول الأتراك اللعب بورقة إقليم كردستان، بواسطة حاكم الإقليم مسعود بارزاني ونجحوا في جذبه إليهم، وما زالوا يراهنون عليه، كما أنهم نصَبوا أنفسهم حكماً بين العراقيين فقدموا اقتراحاً عجيباً لحل خلافاتهم. ينص الاقتراح على تحويل أموال النفط المصدر من الإقليم إلى احد مصارفهم على تتولى لجنة متفق عليها توزيع العائدات بين بغداد وأربيل. لكنهم من جديد اصطدموا برفض عراقي قاطع. وهم يحاولون الآن استمالة حكومة المالكي. فوجهوا إليه دعوة لزيارة أنقرة، مهد لها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو.

وفي جعبة الأتراك، في صراعاتهم المستمرة في المنطقة ورقة قديمة أخرى: إعادة تقاسم النفوذ مع إيران. وما ترحيبهم بالاتفاق النووي وزيارة داود أوغلو طهران سوى الجانب الظاهر من هذه المحاولة، فهم يعتقدون بأن إيران العائدة إلى المجتمع الدولي، وبما لها من نفوذ في العراق وسورية، قد تعود إلى التفاهم معهم على تقاسم هذا النفوذ، كما كان الوضع أيام الشاه، عندما حاصرا معاً المد القومي العروبي في سورية والعراق. وعندما كانت إيران شرطي الخليج فيما كانوا هم، مع إسرائيل، شرطي بلاد الشام، خصوصاً أن الاتفاق الأميركي الروسي في ما يتعلق بإيران أصبح واقعاً. وما على الآخرين سوى الاختيار بين الالتحاق به أو البقاء في الجبهة المعارضة وتحمل تبعات هذا الموقف.

هي محاولة تركية جديدة، قبل مؤتمر جنيف 2. محاولة دونها عقبات كثيرة فعهد الشاه انتهى منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وجمهورية أتاتورك لم تعد كما كانت.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى