صفحات سورية

مقالات تناولت زيارة كمال اللبواني الى اسرائيل

 

 

 

الصراع على السوريين.. وقبولهم أيّ شيء/ سمير العيطة

من الواضح أنّ سوريا دخلت فصلاً جديداً من التدخّلات الخارجيّة أقسى وأخطر ممّا عرفته في فترة أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، بُعيد الاستقلال. إنّ ما كان في بداية عهد الاستقلال «صراعاً على سوريا» أضحى اليوم «صراعاً على السوريين» وعلى أذهانهم.

بالتأكيد يبقى الصراع على الأرض جزءاً أساسيّاً من الصراع اليوم. السلطة القائمة تبطش للهيمنة على القرى والأحياء مهما كانت الكلفة البشريّة، في حين كانت تقمع بشتّى الوسائل محاولات التظاهر السلمي للسيطرة بشريّاً على الساحات العامّة. والحرب انفتحت في ريف حلب صيف 2012 لتحوّل طبيعة المواجهة إلى «تحرير» عسكريّ للأرض من قبل معارضة مسلّحة منظّمة في ألوية. هذه الحرب غدت عبثيّة بحيث من المستحيل أن يتمّكن أيّ من الأطراف تغيير المعطى الجغرافيّ على الأرض بشكلٍ جذريّ. ثمّ برزت أخيراً استراتيجيّة «داعش» للهيمنة الكاملة على منطقة في منظور إعلان دولة. قرابة ثلاثة سنوات ونصف سنة من الصراع على الأرض كان السوريّون وقوده، في حين بقيت خلفيّاته جيوستراتيجيّة إقليميّة ودوليّة.

المعركة الكبرى لم تكن على الجغرافيا ولكن أوّلاً وأساساً على أذهان السوريّون.

قامت الثورة أصلاً ضدّ الاستبداد والقمع وطالبت بالحريّة والكرامة لجميع المواطنين. إلاّ أنّ دولاً بعينها، مناهضة للنظام أو مناصرة له، عملت على تحويلها في الأذهان إلى صراعٍ بين أغلبيّة وأقليّة. والفارق جوهريّ بين الإثنين. إذ بدل أن يكون صلب الخلاف هو استئثار زمرة صغيرة بالسلطة وهيمنة أجهزة أمن على الشعب والدولة، وما كان ممكناً معالجته بآليّات سياسيّة وبحراك مدنيّ، حوّلت تلك الدول جميعها الأمر إلى صراعات طائفيّة وإلى تحزّبات في التحالفات الإقليميّة. هكذا تحوّلت ثورة الحريّة إلى صراعات لا يمكن أيجاد حلولٍ لها في أمدٍ منظور بإطار التجربة التاريخيّة للدولة السوريّة.

بالتأكيد لم يكن همّ القوى المتدخّلة في سوريا الإبقاء على الأسد في منظومة سياسيّة أكثر انفتاحاً ولا على العكس انتصار ثورة ورحيله كي يتمّ صنع دولة لجميع مواطنيها. كان الهدف هو إدخال السوريّين أنفسهم في الذهنيّة التي تمّ ترسيخها في لبنان والعراق. تلك الذهنيّة هي بالتحديد العامل الأساس لخلق تيّارات ضمن الرأي العام للسوريّين، تضمن نفوذ القوى الإقليميّة المعنيّة لأمدٍ طويل. ولقد كانت تجربة تشكيل «المجلس الوطني السوري» أوّل بناء سياسيّ في منظور تحوّل الذهنيّات.

لم يتمّ الاكتفاء بذلك بل تمّ العمل على تدمير مقوّمات الماضي، أي إرث الوطن السوريّ ومؤسسات دولته. هكذا تمّ أخذ السوريين إلى الحرب، بدل مقاومة الاستبداد. والفرق أيضاً جوهريّ بين مقاومة الاستبداد، بما في ذلك المقاومة المسلّحة منها، والحرب. خاصّة أنّ هذه الحرب تقودها تنظيمات عسكريّة ذات طبيعة طائفيّة متجذّرة على الجانبين، وانتصار أيّ طرف يلغي الآخر. وكانت المفارقة الأساسيّة أنّه تمّ رفع لواء «الجيش الحرّ» من قبل ما سمي معارضة، في حين تمّ بالضبط عزل الضبّاط المنشقّين عن مؤسّسة الجيش الوطنيّة، الوطنيّة بالتعريف. حتّى لا يكون جيشاً بالمعنى الدقيق ولا يكون حرّاً. كذلك تمّ عزل كلّ من كان يعمل في مؤسسات الدولة. والأنكى أنّ استراتيجيّات الحرب لم تنبثق عن أيّ كيانٍ سياسيّ لمعارضة حقيقيّة.

بالنتيجة تجذّرت ذهنيات ولّدتها الحرب. بحيث أضحى سوريّون ينخرطون طوعاً في تنظيمات مرتبطة بـ«القاعدة» وآخرون يعاملون كلّ من انتفض ضدّ الاستبداد على أساس أنّه «تكفيريّ». وذلك بتمويل وتسليح وبتلاعب عقائديّ خارجيّ على الطرفين.

ثمّ يأتي فصلٌ أخير، يهزّ ما بقي من ثوابت وطنيّة. زيارة رسميّة لمعارضٍ «مشهور» لإسرائيل وإطلاق النقاش بين السوريين حول حقّه في ذلك أو عدم حقّه. وبالتالي فتح المجال واسعاً لأجهزة المخابرات الإسرائيليّة لتحليل إلى أيّ مدى فقد السوريوّن بوصلاتهم وثوابتهم ليقبلوا بأيّ شيء.. أيّ شيء.

السفير

 

 

 

هل حمل اللبواني رسالة المعارضة إلى إسرائيل؟/ سليم بشارة

في خطوة تشبه زيارة أنور السادات لإسرائيل في السبعينات، حضر السيد كمال اللبواني، الذي اشتهر بمواقفه الحديّة أو التكويعية، مؤتمرا عالميا لمكافحة الإرهاب عقد اخيراً في هرتسيليا بإسرائيل. ونظرا الى ما لهذه الخطوة من حساسيات تتميز بها السياسة السورية تجاه اسرائيل وتتطابق فيها مواقف النظام الرسمية مع مواقف المعارضة والشارع السياسي السوري بشكل عام، انهالت على اللبواني دفعة متوقعة من المواقف التخوينية والفرضيات بالتآمر، وعاد الحديث عن الدور الإسرائيلي المفترض الذي أصبح ككرة من اللهب يتقاذفها النظام مع المعارضة على أساس أن كلا منهما يخدم مصلحة إسرائيل.

برر اللبواني زيارته بأنه لا يريد أن يكون الشعب السوري غير ممثل في المؤتمرات التي تخصه، وقال إن المساعي الدولية لضرب الإرهاب يجب أن تجري بالتنسيق مع الشعب السوري المعتدل بطبعه والموجود على أرضه ويحارب إرهاب النظام وإرهاب الجماعات المتطرفة ويسعى للسلام. هذه المبررات تشبه إلى حد كبير الخطاب الرسمي السوري عن ضرورة تنسيق الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب بالتعاون مع النظام الذي يواجه الإرهاب على الأرض السورية بحسب وليد المعلم وفيصل مقداد وبثينة شعبان، الأمر الذي يزيد في حيرة السوريين ويشوش توقعاتهم للأحداث المقبلة على بلدهم، ويثير سؤالهم حول اللاعبين الحقيقيين على أرضهم وعن دور اسرائيل في هذه الحرب.

فرسائل السوريين إلى اسرائيل مستمرة، وأولها تصريح رامي مخلوف منذ وقت مبكر بأن النظام السوري مهم لأمن إسرائيل وصولا إلى زيارة اللبواني الذي لم يشرح كيف أنه يمثل الشعب السوري على الرغم من أنه ترك اخيراً الائتلاف الذي يعتقد الكثيرون أنه بالذات لا يمثل ضمن تركيبته الحالية كل الشعب السوري. وإذا فهمنا أن التحركات السياسية تأتي بالضرورة لمصلحة معينة، فإنه من الصعب جدا تخيل فوائد تلك الزيارة للشعب السوري، إن من حيث إقناع إسرائيل بضرورة إعادة الأراضي السورية المحتلة وتطبيق القرارات الدولية بهذا الشأن وقد بلغ ضعف الدولة السورية هذا المبلغ، أو بالإيحاء لها أن المعارضة السورية بوضعها العسكري الحالي هي شريك معتدل في مستقبل المنطقة وعملية السلام، خاصة أن الفصائل التي تقاتل النظام على الأرض كالجبهة الإسلامية وأحرار الشام والكثير من الفصائل العسكرية التي تنسق وتحارب مع “جبهة النصرة” المصنفة عالميا كمنظمة إرهابية والتي خطفت اخيراً الجنود الدوليين في الجولان، تحمل شعارات سياسية ودينية تقلق الشعب السوري نفسه قبل أن تقلق دولة إسرائيل. هذا إضافة الى أن اللبواني بالذات قال منذ أشهر عدة إنه من الطبيعي أن يتدفق مقاتلون سنّة من جميع أنحاء العالم لقتال النظام السوري وحلفائه الذين يستهدفون الغالبية السنيّة.

هل حمل كمال لبواني رسالة من المعارضة السورية لإسرائيل ؟ بالتأكيد الجواب هو لا، فالمعارضة السورية التي خرج منها اللبواني ولم يتحملها أو لم تتحمله، لا تستطيع الاتفاق على رسالة من هذا النوع وهي غارقة في مشاكلها الداخلية وهروبها المستمر إلى الأمام من دون مراجعة لأخطاء الماضي، وتحاول الآن تلمس أجزاء جسدها لمعرفة هل بقيت مرتبطة بهذا الجسم المريض أو انفصلت عنه وتشرذمت.

 

معارض سوري مقيم في هولندا

النهار

 

 

 

 

كمال اللبواني الذي وحّد السوريين/ عمر قدور

بمعزل عن التوظيف السياسي، والاستثمار الكيدي بين الموالاة والمعارضة وضمن المعارضة نفسها، يمكن القول بأن زيارة المعارض السوري كمال اللبواني إلى إسرائيل وحّدت الجميع ضده. ويمكن الزعم بأن الأصوات التي نافحت عن حريته في التوجه إلى إسرائيل، على صفحات التواصل الاجتماعي، قليلة ولا تملك تأثيراً كبيراً ضمن نشطاء المعارضة. يمكن القول أيضاً بأن الزيارة أدّت مفعولاً يعاكس المتوخى منها، “لبوانياً” وإسرائيلياً، فهي أكّدت على حجم العداء الذي يكنّه السوريون لإسرائيل.

كان متوقعاً من جهة إسرائيل أن تُلتَقط تصريحات اللبواني منذ أشهر عن قيام تحالف بينها وبين المعارضة السورية، مع معرفة الإسرائيليين بأن صاحبها لا يمثّل ثقلاً في المعارضة، وعدم رغبتهم أصلاً في قيام مثل هكذا تحالف، فضلاً عن رضاهم المعلن عن الحرب المستمرة في سوريا. لذا لا تتجاوز دعوة اللبواني إطار الاستثمار الإعلامي، وجزء منه استثمار في ردود الأفعال عليها للتأكيد على كراهية السوريين لإسرائيل واستحالة صنع السلام معهم. ألّا يمثّل اللبواني سوى نفسه؛ أمر يرضي نسبة غالبة من الإسرائيليين، ويرضي صناع القرار الذين يميلون حتى الآن إلى الإبقاء على نظام الأسد باعتباره أفضل الخيارات إسرائيلياً. من هذه الجهة، ربما قدّمت زيارة اللبواني خدمة لإسرائيل وللنظام معاً.

لقد سبق للمعارضة أن استثمرت تصريحات رامي مخلوف “القريب المقرب للأسد”، عن المصلحة الإسرائيلية ببقاء النظام، فيما عُدّ مع بداية الثورة أول غزل شبه رسمي وعلني من قبل نظام الممانعة. ثم انتفت الحاجة إلى إثباتات من هذا القبيل مع انخراط حلف الممانعة كله في الحرب على السوريين، ومع اكتشاف حزب الله أن اليهود هم سوريو يبرود، وأن الطريق إلى القدس تمر من “القصير”. في الواقع انتفت الحاجة إلى إسرائيل وخرجت مع الاستثمار اللفظي أيضاً، ولم يعد هناك من يصدّق أكذوبة حلف الممانعة، بمن فيهم أنصار الحلف أنفسهم. بهذا المعنى، الضجيج حول زيارة اللبواني يكرر جدالاً ممجوجاً لأنه يقوم على تقاذف الاتهامات المتبادلة السابقة، مع عدم تقديم أي جديد في النقاش حول آليات الصراع مع إسرائيل سلماً أو حرباً.

أسهل ما قيل في مناسبة الزيارة أن اللبواني لا يمثّل سوى نفسه، فهو قول يعفي الجميع من أي كلام لاحق، ويُضمر وجود اتفاق عام على كيفية التعاطي مع إسرائيل، على رغم أن السوريين لم يُظهروا خلال السنوات الأخيرة أي اتفاق يُبشّر بنهاية الصراع فيما بينهم. من جوانب السهولة في هذا القول المرسل التكلم نيابة عن السوريين، أو نيابة عن وجدانهم، وهذا ما ظهر أيضاً في بيان ائتلاف المعارضة الذي تحدث عن مواقف السوريين، متحاشياً الإشارة إلى النظام الذي حكم البلاد طوال نصف قرن، والذي تحدث باسم السوريين مانعاً إياهم من التحدث أصالة عن أنفسهم عبر صناديق الاقتراع. في الواقع، لم يتجرأ منتقدو اللبواني من كافة الأطياف على القول بأن العلاقة مع إسرائيل، سلماً أو حرباً، يقررها السوريون في صناديق الاقتراع عبر حكومة منتخبة، ومن هذه الجهة لا يحق للبواني الزعم بامتلاك حيثية تمثيلية، مثلما لا يحق لأحد سواه الدفع بزعم مشابه خارج صناديق الاقتراع.

ثمة وجدان وطني وأخلاقي يحكم نظرة الكثيرين إلى إسرائيل، وهو الذي يؤسس لحاجز نفسي. هذا أمر لا شك فيه، لكنه غير قابل للقياس على صعيد الفعل السياسي المباشر. ربما تأتي انتخابات سورية مأمولة بحكومة معادية لإسرائيل، وربما يحدث العكس، لكن الواقعية السياسية تقتضي من السوريين رؤية ما آلت إليه أحوالهم، وما آل إليه الصراع مع إسرائيل في عموم المنطقة. ففي الواقع، ومع نهاية العام الحالي، ستقترب الخسائر الاقتصادية السورية من حافة 400 مليار دولار أميركي، وإذا أخذنا في الاعتبار ما لا يقل عن ثلاث سنوات قادمة من الحرب، بحسب الخطة الأميركية للحرب على داعش، لن يكفي الناتج القومي السوري لعشر سنوات لاحقة لتغطية الآثار الاقتصادية للحرب الحالية. وإذا كان مأمولاً من البعض أن تنهال المساعدات في حال سقوط النظام فهي لن تأتي من جهات تضع العداء لإسرائيل في أولوياتها. الواقعية تقتضي القول بأن السوريين خرجوا من الصراع على المنطقة، وأن أي نظام سوري، بما في ذلك النظام الحالي، لن يكون قادراً على إزعاج إسرائيل ضمن الأمد المنظور.

ينبغي أيضاً الاعتراف بأن محور الممانعة يدافع عن نفسه في سوريا، لأن خريطة جيوسياسية جديدة ستُبنى في المنطقة بناء على نتائج الصراع في سوريا، وهذا ما لم يعد ممكناً التراجع عنه. ذلك لا يعني انتهاء الصراع مع إسرائيل، وهو ما ينبغي أن تقرر شعوب المنطقة طبيعته وأسلوب إدارته، إنما ليس على أرضية الشعارات التي أودت بأوطان بدل العمل على استرجاع الأراضي المحتلة. توحّد السوريين ضد اللبواني ينتمي إلى ذكرياتهم المشتركة ضد إسرائيل، لا إلى رغبة جادة في بناء وطنية سورية جامعة، ولو كان هذا كافياً أو مؤثراً حقاً لما تجرأ هو نفسه على القيام بزيارته.

المدن

 

 

 

لماذا ؟/ د. كمال اللبواني

سمعت الكثير من الانتقادات التي وجهت لي بسبب زيارتي لإسرائيل ، وهي في أغلبها مفهومة ومقبولة بل محقة من الجانب الذي نظرت منه للموضوع ، ، ويجب أن تسمع وتؤخذ بعين الاعتبار … لكن مناقشة موضوع الزيارة يمكن أن يتم أيضا خارج النظريات والأيديولوجيات، أي ضمن ميزان عام للضرورات والظروف، وتقييم إجمالي منطقي ومحسوب بدقة وعقلانية..

أولا الزيارة استطلاعية أكاديمية ، شخصية وليست رسمية أو بالنيابة عن أحد، ضمن حالة الفراغ القانوني والسياسي في الدولة السورية الفاشلة أو لنقل الزائلة مع زوال حالة الاستقرار إلى غير رجعة للخريطة السياسية الحالية في الشرق الأوسط .. وضمن حالة خلط الأوراق الكبير الذي جعل جيش سوريا عرين الأسد يقتل شعبها ابناء القائد الرمز… مما شوش مفهوم الوطنية والنمط التقليدي للعداوات، والأهم أنها بسبب الحالة الحرجة والاستثنائية لمعظم الشعب الذي يعاني مما لا طاقة له عليه ويسألنا استكشاف مخارج وحلول لما هو فيه.

عادة أنا لا أهتم بالانتقادات تأتي من باب أيديولوجي، لأنه لي الحق في تبني أي أيديولوجيا أريد، ولست ملزما أو ملتزما بأحد .. فلي موقف واضح وصارم من النظام السوري لا يرى أي امكانية لأي حل سلمي من دون رحيل النظام بأي وسيلة كانت، ولي مواقفي المعروفة من المعارضة، ولي وجهة نظري المختلفة في التعامل مع الشعب اليهودي ودولة اسرائيل ، ولي طريقتي المختلفة في خدمة القضية الفلسطينية التي هي جزء لا يتجزأ من قضية المنطقة ككل، و التي لا تتناقض مع رؤية منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وعدد من الدول العربية… وهي موضوعات مطروحة على الفكر السياسي العربي منذ عقود وما تزال… فالموقف والرأي السياسي حق طبيعي لا يُستجدى ولا أقبل مناقشة حق ابداء الرأي والتعبير ، لأنني أمتلكه ممارسة، وهو ما جعل مني حرا في زمن الاستبداد الذي سجن جسدي فقط، وأنا أستطيع أن أفعل ما أنا مقتنع به، ولا أرضى غير ذلك… ولي الجرأة لأقوم به علنا ومن دون تورية ولا مجاملة…

لكن هذا بالتأكيد لا يعفيني من ضرورة عدم التسبب بالضرر السياسي للقضية والشعب الذي أنتمي إليه وأكافح من أجله، وهذا يمكن نقاشه طويلا وتفصيلا بكل رحابة صدر وامتنان.

وبالنظر لموقف النظام المخادع الذي يعلن شيء ويقوم بفعل عكسه من تحت الطاولة( يعلن شعار الممانعة والمقاومة للمشروع الصهيوني الامبريالي ، ويحمي الحدود ويجري التفاهمات والتنسيق عمليا معهم)، وبالنظر لما مارسه هذا النظام بحق شعبه . فهو ساقط من حساباتي تماما، ولا يهمني رأيه ولا موقفه في ما أنا ذاهب إليه، بل إنني أميل لمعارضته في كل شيء كرها وحقدا. فهو قد أسقط شرعيته بنفسه وسلوكه .

وبالنظر لموقف المعارضة السورية المؤتلفة على مصالح أفرادها، ومصالح من وكلها ومولها ورتب شؤونها، وبسبب غيابها العملي عن القيادة والتمثيل الفعلي الصادق، ثم عدم التزامها بأي وثيقة وقعت عليها، أو بقواعد العمل المؤسسي، وسلوك قادتها المزاجي والشخصي، فهي أيضا قد حررتني من أي التزام أو مشاورات، ناهيك عن أنها تقوم بما قمت به وأكثر، ومنذ زمن لكن بشكل سري جبان، ولمصالح شخصية من دون مشروع وطني …

بقي الرأي العام الذي يهمني وأتعمد مخاطبته وهو ما أحترم فيه ذكاءه وسرعة بديهته الملفتة للنظر، وهو من أتوجه إليه في خطابي هذا، ولا أحد سواه ممن لا يهمني موقفهم، بل أفضل أن ينتقدوني ويبتعدوا عني ما استطاعوا، لأنهم بنظري وبنظر الكثيرين مجرد شيء مقزز ينشر رائحة الفشل والفساد والتجيف أينما حل.

لكل ما سبق… وبسبب الحال الذي عليه الثورة السورية، وتنامي ما يسمونه الارهاب على حسابها، وبالنظر لتغاضي المجتمع الدولي المقصود عن ارهاب النظام، وتركيزه على ارهاب المعارضة، كان لابد من العمل في هذا الصعيد، لتجنب انزلاق المجتمع الدولي والقوى الفاعلة جماعة نحو التعاون مع النظام، لضرب الارهاب! والمعارضة بالتالي، التي لم تستطع التمايز عنه، بدليل تحول الكثير من أبنائنا وثوارنا من الولاء لمؤسسات المعارضة للولاء لغيرها من المنظمات المتطرفة، والتي تصنف تباعا بأنها ارهابية، ذلك الذي الذي حدث بسبب هزالة وتفاهة المعارضة …

لذلك كان من واجبنا التواجد حيث يصنع القرار، ومع صانعيه، لتقديم أفكار وحلول لا تتناقض مع مصالح شعبنا واحتياجات العالم للأمن والسلام. ولقطع الطريق أمام تحالفهم مع النظام وايران، لأن بقاءنا وراء خطاب العداء التقليدي للغرب الذي تتمركز مصالحه وتتقاطع مع دولة اسرائيل، هو ما سيضمن للنظام فرصة النجاة والبقاء وسحق الشعب، ويضمن لإيران التمدد والسيطرة تحت علم المشاركة في محاربة الارهاب، وهي استراتيجيتهم الوحيدة المتبقية بعد فشلهم العسكري في هزيمة الشعب السوري والعراقي واللبناني، الذي طور أساليب قتال مذهلة في معركته، لكن بكل أسف سقطت تحت زعامة وقيادة الدولة الاسلامية بدل أن تكون منسجمة مع العصر ومخلصة للشعب، الذي فرض عليه رأس مزيف ومصطنع ومعطل هو الائتلاف، فقامت الدولة الاسلامية بما كان يفترض فيه القيام به، ونظمت وأدارت وعملت بشكل متكامل ومنهجي، مما أظهر مدى قدرة وامكانية عدد محدود من شبابنا لو نظموا، وهو ما تلهت عنه المعارضة طيلة أربع سنوات من العقم والفساد والعته السياسي والاداري.

وعليه فإن وجودي في هذا المكان صحيح سياسيا، بل وضروري، ومن دون توافق دولي داعم للمعارضة المعتدلة التي تمثل الشعب ، فالشعب إما يبقى مشردا أو يعود للخنوع و الانتقام الحاقد من النظام ، لأن الثورة ذاهبة لخسارة حتما اذا بقيت بقيادة الاسلام المتشدد، وهناك إظلاق لحلف دولي موحد بين شرقه وغربه على الحرب ضدها.

ما نقوم به هو تشجيع موقف دولي داعم للشعب وقوى الاعتدال القادرة لو نظمت، وهذا يتطلب الاستثمار في الادارة والقيادة والتحكم، لذلك أطلب من الشعب أيضا تفهم الموقف واظهار رغبته، لأن رأي عام داعم مهم وضروري لإقناع الدول بفائدة مشاركة الشعب والاعتماد عليه، كلاعب أساسي يقوم هو بتنظيم أموره وملء الفراغ والتحرير والبناء المتلازم تباعا في المناطق، وبدءا من مناطق محددة يقدم لها كل الدعم العسكري والاداري والتنظيمي والمعيشي لتستعيد الحياة، ولتنطلق منها ديناميكية الحياة الوطنية، القادرة على فعل الكثير وأهمه اسقاط النظام والتغلب على ظاهرة الارهاب واستعادة أبناءنا من منظمات التطرف لحضن المجتمع المعتدل، بدل تركهم للموت بقصف الطيران الدولي والحصار الرهيب أو التشتت في أصقاع العالم حيث الدول الفاشلة ومناطق الحروب… وهذا الهدف النبيل يستحق منا تجاوز الشكليات التي تأسرنا وتمنعنا من التواجد حيث يجب وحيث يفيد، والذي يعطينا أفضلية على النظام وقبول دولي يفوق القبول به …

فالشعب المحاصر والمشرد، والمقاتلين العراة، يستحقون منا أن نقدم لهم ما يحتاجونه من برامج وسياسات تدعم امكانات وفرص حقيقية لكسب المعركة… لا أن نخدرهم بالوعود الكاذبة والشعارات الرنانة والمزاودات والخطابات ثم نسرق قوتهم ونبيع دماء شهداءهم في صفقات مشبوهة مع قاتلهم..

هناك مقاربات عديدة عسكرية وأمنية لضرب الارهاب وهناك وجهة نظر عقلانية ترى ضرورة معالجة هذه الظاهرة بشكل حكيم يسمح باستعادة الشبان من جبهة التطرف إلى جبهة الاعتدال بدل ملاحقتهم وقتلهم ، إذا فهمنا الظروف والأسباب التي دفعتهم لذلك وهذا موضوع يهمنا كثيرا بالنظر لوجود السوريين والعرب الذي جاؤوا لمساعدة الشعب السوري بنوايا حسنة لكن بوسائل غير مقبولة … وعليه فالعمل ليس عسكري فقط وليس للقتل والقصف… بل بناء وتطوير واحترام حقوق وكرامة الشعوب .. وعدم دفعها لليأس .

فالحملة الدولية على الارهاب التي ستنطلق حتما وقريبا، وهي عسكرية سياسية اقتصادية شاملة، لو تمت من دون تواجدنا ومشاركتنا في تصميمها ووضع وسائلها وأهدافها، ستكون حتما في خدمة النظام الذي أعلن مباركته ومشاركته سلفا وهو ما خطط له مسبقا وهي بالنسبة له حبل النجاة … وهو ما استوجب مني أن أفعل ما أفعل لقطع الطريق عليه، وبإمكانات محدودة وبسيطة، لكن بالتعاون والتنسيق والتشاور الدائم مع شريحة واسعة من الشعب الثائر .. ومع ادراكي أن هذا العمل ليس فيه بطولة ولا مجد بل ضرورة موجبة وواجب ثقيل وتحمل للمسؤولية في أقسى وأصعب الظروف،        والله أعلم بالنوايا ..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى