صفحات مميزة

مقالات تناولت مفاوضات جنيف

 

وثيقة دي ميستورا تضع أربع خطوات لـ “الانتقال السياسي”… وتضبط بحث “الإرهاب”/ إبراهيم حميدي
حدد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في وثيقة سُلّمت إلى وفدي الحكومة السورية والمعارضة وحصلت «الحياة» على نصها أمس، أجندة مفاوضات جنيف في أربع نقاط تتضمن البحث في تشكيل «حكم ذي صدقية غير طائفي، وبرنامج صوغ مسودة لدستور جديد، والإعداد لانتخابات حرة وعادلة بموجب الدستور الجديد، ومبادئ رئيسية للانتقال السياسي وما بعده». وكان لافتاً أن الوثيقة، التي لم تتضمن برنامجاً زمنياً، أحالت بحث قضايا أخرى بما فيها «الإرهاب بموجب تصنيف الأمم المتحدة» الذي يشمل فقط «داعش» و «جبهة النصرة» إلى مجموعات العمل وليس في المفاوضات الرسمية، مع طلب دي ميستورا من الوفدين التعاطي مع بعضهما بـ «احترام».
والتقى دي ميستورا وفدي الحكومة و «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة للمرة الأولى في يوم واحد يوم أمس في «تطور إيجابي» بعدما كان يلتقي كلاً منهما في يوم مختلف (منذ بدء المفاوضات يوم الاثنين). وقال بعد تسلمه ورقة «الانتقال السياسي» من «الهيئة التفاوضية»: «إننا معجبون بتحضيرهم العميق (…) وآمل أن أحصل على قدر مماثل من الوضوح من الوفد الحكومي»، مضيفاً انه يجب بدء البحث في «الانتقال السياسي» ومعرفة موقف الحكومة من «انتقال سياسي ممكن».
وكان رئيس وفد الحكومة بشار الجعفري قدّم ورقة تضمنت ثماني نقاط تتعلق بمبادئ عامة و «أسس الحل» تضمنت التأكيد على وحدة سورية واستقلالها وعلمانيتها وسيادتها وضبط حدودها ومحاربة الإرهاب والسلام والأمن الإقليميين، في مقابل تقديم وفد «الهيئة التفاوضية العليا» ورقة من أربع صفحات تضمنت محددات «هيئة الحكم الانتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة» والانتقال السياسي وإعادة هيكلة وإصلاح الجيش والأمن و «تفكيك» بعضها، إضافة إلى «رفض أي ترتيبات مستقبلية» تخص الرئيس بشار الأسد.
وأقر دي ميستورا بأن «المسافة بين الطرفين لا تزال كبيرة» بين تركيز المعارضة على «الانتقال السياسي» وتركيز الحكومة على «المبادئ» وإجراءات التفاوض. لكنه أكد أن البحث مستمر عن «قواسم مشتركة».
ولعب دي ميستورا خلال لقائه أمس وفداً نسائياً سورياً ووفداً آخر من معارضة الداخل المقبولة من النظام دور «المستمع إليهم». وقال مصدر لـ «الحياة» إن المبعوث الدولي أبلغ دولاً معنية بالملف السوري، أنه لن يلتقي وفد معارضة الداخل الذي تشكل بعد زيارته القاعدة العسكرية الروسية في اللاذقية غرب سورية سوى مرة واحدة.
وإلى خطوة لقائه وفدي الحكومة والمعارضة في يوم واحد، مضى دي ميستورا خطوة إضافية لدى تسليمه الوفدين وثيقة من صفحتين عن تصوره للمفاوضات تحت عنوان «ملاحظات للعملية السياسية». وجاء في الوثيقة التي حصلت «الحياة» على نصها باللغة الإنكليزية، أن «الأساس للمفاوضات» هو القرار ٢٢٥٤ وبيانات «المجموعة الدولية لدعم سورية» و «بيان جنيف» للعام ٢٠١٢ وأن «الهدف من المفاوضات» هو الوصول إلى «حل دائم للأزمة الراهنة عبر عملية بقيادة سورية وانتقال سياسي يلبي تطلعات الشعب السوري». وزادت: «هذا سيتحقق عبر انتقال سياسي وتنفيذ كامل لبيان جنيف وبيانات فيينا» نهاية العام الماضي.
وتحت عنوان «مبادئ رئيسية»، أفادت الوثيقة أن مجلس الأمن وبيانات «المجموعة الدولية» وضعت «مبادئ للانتقال السياسي» ما شمل «وحدة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها وطبيعتها غير الطائفية واستمرارية مؤسسات الحكومة وحماية حقوق السوريين بعيداً من الأبعاد الدينية والقومية» على أن تسري هذه المبادئ «خلال المرحلة الانتقالية وبعدها».
وبالنسبة إلى «المشاركين»، فإن دي ميستورا يستند إلى القرار ٢٢٥٤ للقول إنه بالإضافة إلى وفد الحكومة، «سيؤسس هدف جمع أوسع طيف من المعارضة المختارة من السوريين» بما يشمل «ممثلين من اجتماعات الرياض (نهاية العام الماضي) وممثلين من اجتماعي موسكو والقاهرة ومبادرات أخرى. وهناك أيضاً أفق لإجراء استشارات مع المجتمع المدني والنساء» بما يضمن «انخراطاً دائماً» مع الجميع.
ويختلف هذا الموقف نسبياً عن مضمون القرار ٢٢٥٤ ونص الدعوات اللذين أكدا أن «التفاوض» هو بين وفدي الحكومة و «الهيئة التفاوضية» بالتزامن مع «تشاور» مع شخصيات أخرى. وكان هذا التغيير محط قلق من «الهيئة» التي طلبت إيضاحات رسمية.
وبموجب الوثيقة، ستكون المفاوضات «غير مباشرة» وسيضع دي ميستورا «آليات ومعايير» كل جولة من الجولات انسجاماً مع الأجندة العامة للمفاوضات وقد يطلب «أجوبة خطية» من المشاركين عبر أسئلة وطلب تعليقات، مع الإشارة إلى أن القرار ٢٢٥٤ يحض «ممثلي الحكومة والمعارضة على التفاوض بإخلاص». وباعتبار أنه يحق لكل طرف أن يقدّم أفكاره، يملك المبعوث الدولي صلاحية اختيار توقيت نقلها إلى الطرف الآخر بعد موافقة الطرف الأول «مع اشتراط استعداد كل طرف للانخراط في الإجابات». كما أشار إلى أن المفاوضات ستتكيف وستعدل صيغتها بحسب التقدم فيها وعندما «نكون محكومين بالشرط المناسب».
أجندة… و «خط أحمر»
وبالنسبة إلى «الأجندة»، تضمنت الوثيقة أن جدول الأعمال وُضع في القرار ٢٢٥٤ ونص على التفاوض لتشكيل «حكم ذي صديقة غير طائفي، وبرنامج صوغ مسودة لدستور جديد، والإعداد لانتخابات حرة وعادلة بموجب الدستور الجديد، ومبادئ رئيسية للانتقال السياسي وما بعده». وكانت الحكومة السورية حددت ١٣ نيسان (أبريل) المقبل موعداً للانتخابات البرلمانية ضمن «احترام الآليات الدستورية» وفق دستور العام ٢٠١٢، الأمر الذي قوبل بتحفظ ضمني من موسكو وعواصم أخرى لأن الانتخابات المقبلة «جزء من القرار ٢٢٥٤» ومفاوضات الحكومة والمعارضة والتفاهم الأميركي – الروسي.
وبعد حديث دي ميستورا الجمعة عن أن أجندة المفاوضات تشمل «انتخابات برلمانية ورئاسية» علماً أن القرار ٢٢٥٤ تحدث فقط عن «انتخابات» من دون تحديد، قال وزير الخارجية وليد المعلم السبت إن الأسد «خط أحمر» وهو يخص السوريين.
وإذ أكد دي ميستورا أن المفاوضات ستغطي النقاط الأربع السابقة، أشار إلى أنه يمكن التفاوض على أمور أخرى في «مجموعات العمل عبر آليات وضعها المبعوث الدولي»، لافتاً إلى أن «الانتقال السياسي» في المفاوضات يمكن «استكماله بإجراءات إنسانية وقضايا تخص ملف المعتقلين والمخفيين والنازحين واللاجئين والمصالحة وخطوات دولية لمحاربة الإرهاب بحسب تعريف مجلس الأمن».
كما تواصل مجموعتا العمل المنبثقتان من «المجموعة الدولية» في شأن وقف العمليات القتالية والمساعدات الإنسانية اجتماعاتهما الدورية في كل أسبوع. ويهيمن الجانبان الروسي والأميركي على تنفيذ الهدنة والحد من الخروقات مع تطور واضح في آليات الرقابة والاحتواء، فيما يشارك في اجتماعات «المجموعة الإنسانية» برئاسة يان ايغلاند معظم أعضاء «المجموعة الدولية»، حيث بحثت أول من أمس في إدخال مساعدات إلى أكثر من مليون سوري محاصرين. وقال ايغلاند إن تحقيق هذه الخطة يرتكز في شكل أساسي على دمشق التي لم تسمح بعد بوصول قوافل الأمم المتحدة إلى 6 من أصل 18 منطقة محاصرة في البلاد. وبحسب دي ميستورا، فإن التقدم «بطيء» في الملف الإنساني، لكنه شدد على أنه «ما من أعذار» لعدم توزيع المساعدات الإنسانية. وعلم أن ممثل إيران اقترح العودة إلى الصيغة الثلاثية، الحكومة السورية والأمم المتحدة وإيران لتقديم مساعدات، لكن الطلب رفض.
وتضمنت وثيقة دي ميستورا إلى الوفدين «قواعد العملية» التفاوضية، بينها وفود الوفود في جنيف خلال كل جولة وأن يخاطب كل طرف الآخر عبر المبعوث الدولي على أن تعرض عليه قضايا تهدد الانسحاب من المفاوضات وحصر المداخلات بالأجندة المقترحة من المبعوث الدولي وبحث «خطة العمل» المقدمة و «تبادل الاحترام» بين المشاركين و «احترام سرية وثائق هذه العملية». ومن المقرر أن يبحث وزراء خارجية «المجموعة الدولية» الموسعة بعد ضم اليابان وهولندا وأستراليا، نتائج هذه الجولة بعد انتهائها في ٢٤ الشهر الجاري.
ونقلت وكالة الأنباء السورية «سانا» عن الجعفري قوله أمس في فيينا إن وفد الحكومة السورية أجرى «محادثات مفيدة» مع دي ميستورا تركزت «على ورقة العناصر الأساسية للحل السياسي» التي قدمها الوفد في اجتماعه الأول مع الموفد الدولي يوم الاثنين. وأضاف: «نعتقد أن إقرار هذه المبادئ التي سميناها العناصر الأساسية سيؤدي إلى حوار سوري سوري جاد يسهم في بناء مستقبل بلادنا، كما أن إقرار هذه المبادئ سيفتح الباب على حوار جدي بين السوريين بقيادة سورية ومن دون تدخل خارجي ومن دون طرح أي شروط مسبقة».
اما سالم المسلط (رويترز) المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات فقال الجمعة إن ملايين اللاجئين السوريين يريدون العودة إلى ديارهم وسيفعلون ذلك إذا نجحت محادثات السلام في جنيف وتوقف القتال. وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن ما يربو على 4.8 مليون سوري لاجئون في دول مجاورة لسورية بينما تقدم 900 ألف آخرين بطلبات لجوء إلى أوروبا لا سيما إلى ألمانيا منذ أن بدأت الحرب قبل خمس سنوات.
وقال المسلط «الحقيقة لو سألت أي شخص ما المكان الأفضل له فسيقول بيته». وأضاف: «مع تقديرنا لما فعلته الدول الأخرى باحتضانها الشعب السوري والمهجرين السوريين. لكن وجودهم موقت في هذه الدول. لا بد من أن يعودوا وسيعودون في اللحظة التي يجدون فيها بيتاً آمناً في سورية… عندما يقف هذا القصف وعندما يقف هذا القتل في سورية سيعودون على الفور». وتابع: «ينتظرون اللحظة التي تحقق لهم ذلك وينتظرون ما تنتج منه هذه المفاوضات. إن كانت النتائج إيجابية فالجميع سيحزم حقائبه باتجاه سورية».
الحياة
السريالية بأسوأ أشكالها/ باسل العودات
دعا بشار الجعفري، رئيس وفد النظام السوري في مفاوضات جنيف، لإرغام المعارضة على الالتزام بتحرير الأراضي السورية في هضبة الجولان المحتلة من إسرائيل كجزء من تسوية الأزمة السورية وشرط لها، ولم يكتف بذلك المطلب السريالي الذي لا يصلح لهذا المقام ولم ولن يكون بنداً من بنود هذه المفاوضات، بل طالب كبير مفاوضي وفد المعارضة محمد علوش بـ (حلاقة لحيته) كشرط آخر لبدء محادثات مباشرة بين وفدي النظام والمعارضة.
لسنا بصدد الرد على الجعفري فهذا شأن المعارضة السورية ومهمتا، لكن ما يثير بالموضوع أن الرجل تناسى أن أحداً لم يمنع طوال أربعين عاماً النظام الذي يُمثّله من تحرير الجولان بل تاجر بها طوال عقود، كما تناسى أنه هو نفسه لديه لحية لم يُطالبه أحد بحلاقتها.
لربما يصحّ القول أن هذه السريالية والانفصال عن العقل (وليس الواقع) ليست صفة للرجل وحده، بل باتت سمة من السمات التي يحرص غالبية رجالات النظام السوري على التمسك والتوصف بها، وتصريحات الجعفري ليست إلا جزءاً من كل وساقية من بحر، ففي عجالة استعراضية لبعض هذه السريالايات يمكن أن ننتقل من موضوع سياسي إلى موضوع من مواضيع الكوميديا السوداء.
منذ مطلع الثورة وبزمن تظاهراتها الشعبية السلمية الأولى، تحدّث مسؤولون في النظام السوري ـ وهم بكامل وعيهم ـ عن مجسمات للمدن والبلدات السورية تم إنشائها في قطر بهدف تصوير تظاهرات وترويجها إعلامياً على أنها تجري في سورية، ثم تحدثوا عن توزيع حبوب (كبتاغون) للمتظاهرين كمكافأة لمشاركتهم في التظاهرات، وعرض إعلام النظام أكياساً لتلك المادة المخدرة موسوم عليها شعار قناة (الجزيرة) قال إنها صودرت مع المتظاهرين قبل توزيعها، وكذلك تحدث مسؤولون سوريون عن “غواصات في نهر الفرات” و”(فلاشات) فيها أسرار الثورة” وعن “قرار رئاسي باسترجاع الأندلس”، وتتالت بعدها السريالية بأسوأ أشكالها.
بعد أسبوع من بدء التظاهرات في الشهر الثالث 2011، وفيما كان السوريون من كل الطوائف والأديان والمنابت الطبقية يتظاهرون مطالبين بـ (بعض) الحرية والكرامة، وقبل مطالبتهم بإسقاط النظام أو بالتغيير السياسي، فاجأت بثينة شعبان مستشارة الأسد السوريين بتصريح سريالي لم يكن ليخطر على بال أحد، وقالت إن ما يجري في سورية “هو مشروع فتنة طائفية”، وكان تصريحها هذا بمثابة إذن لمؤيدي النظام للتعامل مع الأزمة من منطلق طائفي، بعد ذلك، وفي الشهر الخامس، قالت أيضاً “إن الأخطر قد مرّ وأصبح وراءنا، وسيطرنا على كل شيء، وسنحاسب من تسببوا به”، وهذا التصريح السريالي مرّ عليه الآن 58 شهراً، وهناك الكثير من هذه النوعية من التصريحات.
سريالية وزير الخارجية وليد المعلم تحتاج لمقال مستقل، بدءاً من شطبه أوربا من الخارطة بعد ثلاثة أشهر من بدء الثورة حين قال “سننسى أن هناك أوربا على الخارطة” رغم أنه زارها غير مرة بعد ذلك، وتأكيده بعد ذلك على أن سورية “ستُقدّم دروساً في الديمقراطية!!!!” ـ إشارات التعجب لي وليست له ـ وقوله أيضاً “إن سورية ستدافع عن سيادتها ولن تسمح لأحد بدخول أراضيها” وهو ما نفّذه النظام حرفياً باستثناء سماحه للإيرانيين والروس واللبنانيين والعراقيين والأفغان وبعضاً من الحوثيين بانتهاك السيادة، ثم قوله أيضاً “لا وجود لنفوذ إيراني أو روسي في سورية والنفوذ فقط للشعب السوري”، وكذلك تأكيده على أن “واشنطن تُنسّق مع النظام”، وغيرها الكثير من التصريحات فوق السريالية.
في مقابلات وخطب متعددة خلال الأربع سنوات الماضية، طرح الرئيس السوري الكثير من الأفكار الذي قالت عنها المعارضة السورية إنها سريالية أو بدقة (منفصلة عن الواقع)، منها قوله “هناك من يتقاضى أموالاً ليخرج في تظاهرات” و”هناك شباب بسن المراهقين أعطوا ألفي ليرة لقتل كل شخص”، لكن أكثرها غرابة ما قاله في الشهر الرابع 2014، “نحن أمام عشرات الآلاف من الإرهابيين السوريين (وصف يُطلقه على مقاتلي المعارضة)، وخلف هؤلاء هناك حاضنة اجتماعية… يعني نتحدث عن مئات الآلاف وربما الملايين من السوريين” واضعاً ملايين السوريين (شعبه) دفعة واحدة في سلة الإرهاب، ثم عاد بعد سنة ونصف تماماً لينفي تصريحه وقال “إن تنظيم الدولة الإسلامية ليس له حاضنة في سورية”.
في نفس هذا السياق، يمكن استذكار مفتي الجمهورية أحمد بدر حسون الذي قال مرّة “أقسم لكم بالله أنني لو عرفت أن بشار الأسد أمر بقصف المدنيين لوقفت في وجهه”، وقوله أن “الرئيس حافظ الأسد مات ولم يملك سوى بيتاً في القرداحة…. وبشار الأسد لا يملك شيئاً”، وكذلك صدمة وزير الإعلام عمران الزعبي من قمع تركيا لبعض اتظاهرات السلمية وقوله “إنه أمر غير واقعي” متناسياً كيف فرّق نظامه تظاهرات السوريين، وبالعودة للبدء يمكن استرجاع رد الجعفري على سؤال حول صور الـ 11 ألف معتقل ماتوا تحت التعذيب في سجون النظام حين قال “إنها أخطاء فردية”.
من السهولة بمكان استعراض صفحات من أقوال المسؤولين السوريين ممن يُشكّلون أعمدة النظام، لكن بما أن البعض يحلّ محل الكل، كافية هذه العيّنة من تصريحات رجالات السلطة في سورية، صغيرهم وكبيرهم، بسرياليتهم أو ما تقول عنه المعارضة السورية انفصال عن الواقع أو مكابرة أو جهل أو قصر نظر، ويمكن للسوريين أن يتوقعوا بسهولة النتائج التي يمكن أن تتمخض عن مفاوضات جنيف مع مثل هؤلاء الرجالات.
المدن

جنيف السوري والغموض المقصود/ حسين عبد العزيز
أخرجت الهدنة العسكرية في سورية من النقاش عملية الخلط بين المستويين العسكري والسياسي، فحيّدت مطالب النظام المستمرة في ضرورة إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب، إلا أن الهوامش الكثيرة والعبارات الفضفاضة في الوثائق الدولية حول التسوية السياسية أعطت فسحة واسعة للنظام للتحرّك فيها. ولم يتم الفصل في ثلاث مسائل رئيسية بوضوح، لا في قرارات الأمم المتحدة، وبيانات مجموعة العمل الدولية الخاصة بسورية (جنيف 1، بيانا فيينا، بيان ميونخ).
شكل الحكم: تؤكد المعارضة على إنشاء هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، فيما يصرّ النظام على حكومة وحدة وطنية، والفرق أن منظومة الحكم في الحالة الأولى تكون مطلقة الصلاحيات ومرجعيتها هي نفسها. وفي الحالة الثانية، تكون صلاحياتها محدودة، وفقاً للدستور الحالي الذي يصر عليه النظام، ومرجعيتها تتبع الرئاسة.
في بيان جنيف لعام 2012، جرى التأكيد على هيئة حكم انتقاليةٍ، ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، ثم جاء القرار الدولي 2118 أواخر 2013 ليؤكد ذلك في تأييد الفقرة 16 إنشاء هيئة حكم انتقالية، تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية، لكن بيان فيينا الأول في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي يتراجع، لأول مرة، عن هيئة الحكم هذه، واستعاض عنها بتشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية، بدلاً من هيئة حكم انتقالية. ثم جاء بيان فيينا الثاني في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، ليؤكد على “بيان جنيف 1” والقرار 2118 وبيان “فيينا 1″، لكنه لا يتحدّث عن هيئة حكم ولا عن حكومة، وإنما عن إقامة حكم شاملٍ ذي مصداقية وغير طائفي. وجاء قرار مجلس الأمن 2254 في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ليشرعن بيان فيينا الثاني، حيث أكد، في الفقرة الرابعة، على إقامة حكم ذي مصداقية يشمل الجميع. وزاد من تعقيد المسألة أن القرار 2254 تبنّى مخرجات “جنيف 1” وفيينا 1/2، وبيان ميونخ، ما جعل كل طرف يتمسك بما يراه لصالحه: تتمسك المعارضة بجنيف الأول، ويتمسك النظام بمخرجات “فيينا 1”.
الانتخابات: لها شقان. الأول متعلق بتاريخها، هل تكون ضمن المرحلة الانتقالية، أم في نهايتها؟ بحيث تشكل نهاية لمرحلة انتقالية، وبداية لمرحلة سياسية جديدة. الثاني: هل تكون على مستوى البرلمان، أم على مستويي البرلمان والرئاسة؟ لا تسعف الوثائق الدولية في توضيح المسألة، وجاءت حمّالة أوجه بشكل مقصود، فالقرار الدولي 2254 الذي يشكل المرجعية الأساسية للعملية السياسية لم يوضح المسألة. وبناء على الفقرة الرابعة أيضاً “.. يعرب مجلس الأمن كذلك عن دعمه انتخابات حرة ونزيهة تجري، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة، وأعلى المعايير الدولية، من حيث الشفافية والمساءلة”. لم يوضح القرار، ولا الوثائق السابقة (فيينا 1/2، ميونخ) ما إذا كانت الانتخابات تشمل البرلمانية والرئاسية معاً أم أحدهما. والمرة الوحيدة التي تم الحديث فيها عن هذه النقطة كانت تصريحات مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، حين قال إن انتخابات رئاسية وتشريعية ستجري في سورية بإشراف الأمم المتحدة في غضون 18 شهراً.
مصير الأسد: أكثر المسائل غموضاً، لأن جميع القرارات والتفاهمات الدولية لم تتطرّق إليها، وتركتها مؤجلةً إلى ما بعد الاتفاق على تفاصيل المرحلة الانتقالية (نظام الحكم، الدستور، الانتخابات). وليس معروفاً متى ينتهي دور الأسد، في بداية المرحلة الانتقالية أم في نهايتها؟ وماذا عن صلاحياته، إذا بقي في الفترة الانتقالية؟ ثم ما هي الآلية التي سيخرج بها من المعادلة السياسية؟ وهل سيشارك في الانتخابات؟ لا أجوبة على هذه الأسئلة. لكن، يبدو من التوجهات الدولية على الأقل أن الأسد سيبقى إلى ما بعد الفترة الانتقالية، وسيشارك، على الأغلب، في الانتخابات، وتصريح دي ميستورا واضح، حيث قال، أخيراً، إن السوريين هم الذين يقرّرون مصير الأسد، ولا تعني كلمة مصير هنا عن طريق أصوات المدافع، وإنما صناديق الاقتراع.
سيؤثر هذا الغموض في الوثائق الدولية سلباً على مسار المفاوضات، في ظل رغبة المعارضة في إجراء تغيير سياسي كبير وسريع، يمهد لانتقال ديمقراطي، على عكس النظام الذي يسعى، في كل مرة، إلى التهرّب من الاستحقاق السياسي.
العربي الجديد

الحل المؤجل إلى ما بعد “جنيف 3”!/ فايز سارة
أعلن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا استئناف أعمال مؤتمر «جنيف3» لحل القضية السورية في هذا اليوم، مؤكًدا عدم حدوث أي تغيير على الدعوات التي كانت وجهت في الجولة السابقة، واقتصار الحضور على وفد يمثل النظام وآخر يمثل المعارضة التي تقودها الهيئة العليا للمفاوضات، آملاً مشاركة طرفي الصراع السوري الفاعلة من أجل إحراز تقدم في العملية السياسية.
ولا يرتبط ما جاء في إعلان المبعوث الدولي بحدوث تطورات مهمة بالبيئة المحيطة بالقضية السورية، حيث ما زالت الأسس، التي تمت الدعوة إلى «جنيف3» ذاتها، وهي القرار الدولي 2254 ومحادثات فيينا، والإشارة الخجولة إلى بيان «جنيف1»، التي أكدت المسارات العملية في الجولة الأولى، وتصريحات دي ميستورا ومسؤولين دوليين آخرين، تجاوز بيان «جنيف1» وقرارات مجلس الأمن حول القضية السورية ولا سيما القرار 2118 القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات التنفيذية بما فيها السلطة على الجيش والأمن، والاستعاضة عنها بتشكيل حكومة انتقالية تحافظ على النظام، وتقوم بعمليات تجميل فيه، بدل إقامة نظام جديد، وبديل لنظام الأسد، كما هي النتائج المرتقبة لهيئة الحكم الانتقالي.
التبدل الوحيد، الذي حدث في الفترة ما بين توقف محادثات «جنيف3» في الماضي واستئنافها أواسط الشهر الحالي، كان الهدنة السورية، والتي جاءت نتيجة التوافق الأميركي ­ الروسي. غير أن هذه الهدنة جاءت ملغومة، وحملت متغيرات ميدانية، بدلت توازنات القوة على الأرض وفي السياسة. فعززت موقع نظام الأسد، وحلفائه من الروس والإيرانيين والميليشيات التابعة لهم بما فيها حزب الله اللبناني، وأضعفت المعارضة السورية بجناحيها العسكري والسياسي، وحلفاءها الأقرب، وخصوًصا تركيا.
وكان الأهم فيما صاحب الهدنة الملغومة، تواصل عمليات القصف الروسي، التي وإْن انخفض عددها، فقد تكثفت أهدافها ومساراتها وتعاونها مع قوات النظام في المناطق الحرجة، وأدت إلى حدوث مجازر في كثير من الأماكن وتغييرات ميدانية، ولا سيما في إدلب وريف حلب الشمالي وفي محيط دمشق من أجل تحقيق هدفين؛ أولهما زيادة مساحات سيطرة النظام في ريف دمشق، والقوى المعادية للمعارضة في حلب مثل قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والثاني فرض الحصار على حلب، وقطع طرق تواصلها وريفها مع تركيا، التي تمثل عمقًا سياسيًا وعسكريًا للمعارضة في الشمال السوري.
والنقطة الثانية، فيما رافق الهدنة السورية، كان موضوع المساعدات، وقد صاحبته التباسات كثيرة، لعل الأبرز فيها، أنها كانت محدودة من الناحيتين الكمية والنوعية، فلم يتم إدخال كميات تناسب احتياجات المناطق المحاصرة، مما يعني أن الحاجة مستمرة للمساعدات الغذائية والطبية، كما جرى منع مرور حليب الأطفال وأغذيتهم، وبعض أنواع الأدوية لاحتياجات مرضية معينة، إضافة لمنع نقل المرضى المحتاجين لعناية خاصة إلى المستشفيات من المناطق المحاصرة، والأهم مما سبق كله، أنه تم استثناء بعض المناطق المحاصرة مثل داريا من المساعدات الطبية والغذائية، بينما كانت الهجمات تتوالى عليها .
وحسب التطورات التي رافقت الهدنة، فإنه يمكن القول، إن بيئة الحل السياسي، ساءت أكثر مما كانت عليه عشية إطلاق مؤتمر «جنيف3»، ولم يتحقق أي من الخطوات، التي أشار إلى ضرورة القيام بها، ومنها قرار مجلس الأمن الدولي 2254، لتحسين بيئة الحل السياسي، وهي وقف العمليات العسكرية، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وإطلاق المعتقلين، الأمر الذي يجعل من استئناف «جنيف3» بلا جدوى، رغم كل الآمال، التي يعلقها على ذلك المبعوث الدولي دي ميستورا والراعيان الرئيسيان روسيا والولايات المتحدة، وهو السبب الذي جعل الهيئة العليا للمفاوضات، تعلن أنها ستذهب إلى جنيف للتفاوض حول هيئة الحكم الانتقالي، وليس لأي هدف آخر.
وسط تلك الوقائع، وما لم تحدث تطورات خارج السياق المتوقع، فإن محادثات جنيف المقبلة محكومة بالفشل المؤكد قبل أن تبدأ، ولن يتمخض عنها أي تقدم أو تطور إيجابي، يدفع عملية الحل السياسي إلى الأمام، مما يعني، أن على السوريين والمعنيين الإقليميين والدوليين بالقضية السورية الاستعداد لمرحلة ما
بعد «جنيف3»، والتي ستشمل استمرار الصراعات العسكرية من جهة، والمزيد من التحركات والمشاورات الدبلوماسية من جهة أخرى.
إن إقلاع قطار الحل السياسي في سوريا، يتطلب وكما كان الحال منذ وقت طويل، تغييًرا في مواقف الدول المعنية بالحل والقادرة عليه، كما يتطلب توفير إرادة وجدية منهم في هذا الإطار، وما لم يتم الأمران، فسوف تظل الجهود المبذولة هنا وهناك، تراوح في المكان بلا فائدة ولا نتيجة عملية.
كاتب وصحافّي سورّي، وعضو الهيئة السيّاسيّة في الإئتلاف الوطنّي لقوى الثورة والمعارضة حاليا ومستشار سياسي واعلامّي لرئيس الإئتلاف
الشرق الأوسط

هل ترتقي جنيف إلى مستوى العذابات والتطلعات؟/ عبدالباسط سيدا
هناك الكثير من المقارنات بين جنيف2 وجنيف3. فبعضهم يرى أن امكانـــات تحقيق اختراق في جنيف2 كانت أقوى، بينما يرى آخرون أن الآفاق مسدودة أمام جنيف3 مثلما كانت في جنيف2، وذلك نتيجة عدم وجود إرادة دولية جادة تركّز على معالجة الأزمة لا ادارتها.
إلا أن اللافت بالنسبة إلى جنيف3 هو التناغم الأميركي- الروسي الذي يوحي بوجود توافق يتجاوز التنسيق الميداني العملياتي. وقد تضمّن بيان فيينا في 30 تشرين الأول (اكتوبر) 2015 الملامح الأولية لهذا التوافق الذي تجسّد لاحقاً في القرار الدولي 2254 الصادر عن مجلس الأمن في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015.
والمنتظر من مفاوضات جنيف الحالية محدود متواضع إذا اعتمدنا تصريحات مسؤولي النظام، لكن أنظارالجميع مع ذلك، متوجهة نحوها.
فعلى المستوى الوطني يتطلع السوريون جميعاً في كل المناطق بصرف النظر عمن يديرها، ومن كل المكونات، إلى حلٍ واقعي يضع حداً لماساتهم ومعاناتهم. أما عن طبيعة الحل، وحدوده، وآلياته، فكل ذلك مما تختلف الأمور حوله وتتباين. ولا نذيع سراً إذا قلنا إن حالة الهدنة، على رغم الاختراقات الكبرى من جانب النظام، جدّدت أمل السوريين، بخاصة لناحية إمكانية استعادة وجه ثورتهم المشرق وروحيتها.
وإقليمياً، باتت مختلف الأطراف مقتنعة أكثر من اي وقت مضى بأن سورية الدولة المفتاحية في المنطقة، وهذا فحواه أن استقرارها هو استقرار المنطقة، والعكس بالعكس. وقد توصل الجميع إلى هذه القناعة بعد اتساع دوائر الهزات المرتدة هنا وهناك، الأمر الذي أشعر الجميع بأن الوضع السوري لم يعد محلياً خاصاً بالسوريين وحدهم.
ويمكننا أن نضع التواصل التركي- الإيراني ضمن هذا السياق، في ظل ما يُروّج حول مستقبل سورية ككيان سياسي، والهدف كما هو معلن التنسيق لمواجهة احتمالات القادم المجهول الذي يُستشف من التوافق الأميركي – الروسي. كما أن مناورات «رعد الشمال» التي شهدتها مؤخراً المملكة العربية السعودية تأتي في نطاق الجهود المبذولة لإيجاد مرتكزات إقليمية بالمعنى الأوسع، تخفّف من حدة الصدمات التي تشهدها وستشهدها المنطقة. وهي صدمات تنذر بتحوّلات بنيوية تعيد تشكيل الكيانات، وتدفع بالمعادلات الإقليمية نحو توازن جديد.
أما دولياً، فجاء الإنسحاب الروسي المفاجئ بناء على المعطيات الظاهرة ليعطي دفعاً للمفاوضات، ويدفع بالأطراف الراعية لها إلى رفع سقف المنتظر منها. كما ان التركيز الإعلامي اللافت على المفاوضات حشر النظام في زاوية ضيقة، قياساً إلى ما كان عليه وضعه قبل اسابيع. فهو يعلم تماماً أن قواعد اللعبة تغيّرت، وأن روسيا بعدما اطمأنت الى دورها في سورية، وبناء على رغبتها في تسوية وضعها أوروبياً، ترى أن من مصلحتها الاستمرار في التنسيق مع الموقف الأميركي من موقع الشريك، حتى لو كان الأضعف، في عملية توزيع الأدوار وترتيبها بينهما. كما أن التفاهم المباشر بينها وبين اسرائيل قد حدّ إلى حدٍ كبير من فعالية المحور الإيراني الذي باتت أوراقه مكشوفة في مختلف الميادين، بخاصة بعد قرارات الدول الخليجية، ووزراء داخلية الدول العربية، وجامعة الدول العربية بخصوص الهوية الإرهابية لـ «حزب الله».
من جهة أخرى، واضح تماماً أن توجه مئات آلاف اللاجئين السوريين نحو الدول الأوروبية أدى إلى تعزيز مواقع اليمين الأوربي المتطرف، وتقوية الحركات العنصرية المعادية للأجانب، بالتفاعل مع ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تعانيها المجتمعات الأوروبية راهناً بفعل عوامل متراكمة، منها أحداث 11 ايلول (سبتمبر) 2001، وتفجيرات باريس في 2015، والتجاوزات السلوكية في كولونيا بألمانيا ليلة رأس السنة، هذا إلى جانب الحملة المركّزة على الإرهاب الداعشي من دون إرهاب النظام السوري. فكل هذه العوامل دفعت بالمجتمعات الأوروبية نحو البحث عن حلٍ واقعي مقبول. هكذا باتت المسألة السورية، في ظل مفاعيل العولمة ومعادلاتها، جزءاً من السياسة الداخلية للعديد من الدول الأوروبية.
إن جولة جنيف3 التفاوضية ما زالت في بداياتها، وستكون محفوفة بالمصاعب والعراقيل والانسدادات. حلفاء النظام ورعاته سيراهنون كثيراً على تشتيت المعارضة، وزرع بذور الخلافات بين أطرافها المختلفة، تارة تحت شعارات تدعو إلى ضرورة ضم أطراف مرتبطة بالنظام إلى وفد المعارضة، وتارة عبر التواصل مع بعض من أمسك العصا من وسطها منذ البدايات، ويبدي الاستعداد للقبول بأي دور.
ولمواجهة كل ذلك، تحتاج المعارضة الوطنية الحقيقية إلى توحيد صفوفها، وتجاوز خلافاتها، وتركيز جهودها على دعم وفدها المفاوض في جنيف ليتمكّن من طرح أوراقه على مائدة المفاوضات بكل قوة وثقة، ويقطع الطريق على أحابيل النظام وحلفائه، ويفضح التزييف العلني الذي يُمارس جهاراً نهاراً.
كما ان التواصل مع الأشقاء والأصدقاء ضرورة قصوى لا غنى عنها، وفي الوقت ذاته لا بد من الاستمرار في التواصل مع أعضاء مجموعة اصدقاء الشعب السوري، خصوصاً الولايات المتحدة والأوروبيين، ووضعهم أمام مسؤولياتهم، ومطالبتهم بالالتزام بتعهداتهم. وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية الديبلوماسية الخلفية، إلى جانب الجهد الإعلامي المتميّز وباللغات المتعددة، لاستقطاب التأييد على المستوى الرسمي والشعبي.
فمعركة المفاوضات ستكون طويلة وشاقة، والمعارضة تمتلك امكانات هائلة، بخاصة بين أبناء الجاليات في مختلف الدول، لكن ما نحتاج إليه هو تأطير هذه الإمكانات ووضعها في مساراتها الصحيحة لتتم عملية الإستفادة منها كما ينبغي.
إن ما يأمله الشعب السوري هو أن تُسفر المفاوضات عن حل مقبول يعادل مستوى التضحيات والتطلعات، ويضمن مستقبلاً أفضل للأجيال المقبلة.
الحياة

فوضى المعارضة وإعلامها في “جنيف3″/ فايز سارة
يختلف المعارضون السوريون في النظر إلى ما يجري في «جنيف3». البعض يرى فيه فرصة للمضي نحو حل سياسي للقضية السورية، وهؤلاء قلة قليلة، يراهنون على ما يظهر في موقف المجتمع الدولي، وبخاصة الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة، بما يعلنونه من مواقف ويبذلونه من جهد لتحقيق حل سياسي، يقوم على ما أنتجه المجتمع الدولي من بيانات وقرارات، صدرت في السنوات الخمس الماضية. وثمة فريق أكبر من سابقه، يرى في «جنيف3».
فرصة لتطوير آليات وحل سياسي، لا تبدو ملامحهما وحدودهما قائمة، إنما يمكن الوصول إليهما عبر توافقات يمكن أن تنشأ في الاتصالات والنقاشات الحالية في «جنيف3» وعلى هامشه بين الأطراف المختلفة. وهناك فريق ثالث، ولعله الأكثر عدًدا، لا يرى فرصة للحل في جنيف، مستنًدا إلى تجربة فشل مساعي الحل السياسي في سوريا في السنوات الماضية بسبب موقف النظام المتعنت، والدعم القوي والعملي الذي يلقاه من حلفائه للاستمرار في وجوده وفي مساعيه لفرض حل أمني – عسكري، واشتراطاته، وخاصة القول إن مستقبل رأس النظام خط أحمر وخارج التفاوض.
وعبر الاختلافات الرئيسية لرؤية المعارضة في احتمالات مؤتمر «جنيف3»، وما يمكن أن يأتي عبره من نتائج. فإن ثمة اختلافات وتباينات داخل كل فريق، تجعل المنخرطين فيه أقرب إلى صورة الاختلافات الحاصلة في الانقسام العام للمعارضة. غير أنه وفي كل الأحوال، يصر الجميع على حضور «جنيف3»،
ليس بحثًا عن دور وموقع له هناك، وفيما يمكن أن ينتج عن المؤتمر من نتائج فقط، بل خوفًا من أن يتم استبعاده لاحقًا من أي جهود وحلول، وهو ما عبرت عنه تحذيرات وتهديدات، صدرت عن أطراف متعددة في المجموعة الدولية، التي تتابع الموضوع السوري.
وسط تلك الصورة من التنوع في رؤية المعارضة لمؤتمر «جنيف3»، حضر إلى جنيف نحو خمسمائة شخصية، القسم القليل منهم تلقى دعوات من المنظمين بوصفهم أعضاء في فريقي التفاوض، وقسم أكبر حضر على الهامش، دعي بصفة استشارية، البعض منهم دعاهم المبعوث الدولي دي ميستورا ليكونوا قريبًا منه، بعد أن تعذر ضمهم إلى وفد المعارضة، وقسم يبحث عن دور محتمل، وقسم أكبر يحضر مراقبًا، آملاً في معرفة ما يجري هناك.
لقد بدا من الطبيعي، وفي ظل هذا التنوع والتعدد والاختلاف في الرأي والموقف ووسط الحضور الكثيف لوسائل الإعلام بتوجهاتها المختلفة، أن يتحول «جنيف3» إلى ما يشبه مسرًحا تتعدد فيه الأصوات دون ضبط أو انسجام، يعكس حالة من الفوضى الإعلامية، ينخرط فيها الحضور بغض النظر عما يمثلونه، وعن إمكاناتهم، وأهدافهم المتناقضة، وعلاقاتهم بالجوهري في القضية السورية باعتبارها قضية شعب، يطالب بالحرية والعدالة والمساواة، وبالانتقال السياسي من نظام الاستبداد والقتل والتهجير إلى نظام جديد، يعبر عن احتياجات السوريين، ويخرجهم والعالم من عمق الكارثة، التي سببها نظام الأسد وداعميه.
ولم يكن الفريق الرئيسي للمعارضة وممثلها في مؤتمر «جنيف3»، أعني وفد الهيئة العليا للمفاوضات، بعيًدا عما يحصل من ترديات سياسية وإعلامية، ولو بقدر أقل من غيره. فعلى هامش حضور الوفد الرسمي حضر بعض «أنصاره» دون وظيفة أو دور محدد، يقومون به وفق برنامج وأهداف محددين، وهؤلاء كما الفريق نفسه، لم يكونوا صوتًا واحًدا ولا موحًدا، بعضهم كان مهادنًا ومرتبًكا، وآخرون ظهروا صقوًرا ومتشددين، وفي الوسط من الطرفين، كانت الكثرة التي لا وظيفة لها إلا الظهور مباشرة أو في خلفيات المتحدثين والناطقين الإعلاميين، بعيدين أن يكونوا تعبيًرا موحًدا عن صوت الهيئة العليا للتفاوض ومطالبها.
والحق، فإن ما حصل ويحصل لجهة فوضى المعارضة وإعلامها في «جنيف3»، لا يبدو طبيعيًا، بل هو محصلة وثمرة سياسات وجهود منظمة، تبذلها أطراف متعددة، ولأهداف متنوعة لا يستبعد منها الطرف الروسي، وهو متدخل رئيسي في القضية السورية من جهة، وطرف في مساعي الحل السياسي في جنيف لجهة أخرى، على ما في الأمرين من تناقض، يرسم مساعيه إلى فرض صورة محددة لحل يتوافق مع الجوهري في الحفاظ على نظام الأسد، الذي لا يمكن أن يحصل إلا في ظل تشتت المعارضة وفوضاها السياسية والإعلامية.
كما أن المبعوث الدولي دي ميستورا طرف آخر فيما يحصل من فوضى في صفوف المعارضة وفي إعلامها، ليس لخصومة معها، إنما لأن الخيارات الرئيسية المطروحة، لا تميل إلى جانبها، وقد أثبت وأكد مرات، أن المواقف والجهود والمعطيات وفق ما يراها، تعمل على فرض حلول تساير الموقف الروسي ورؤيته للحل، الأمر الذي يفرض تعويم موقف المعارضة ووفد الهيئة العليا للمفاوضات، وهذا ما تحققه الفوضى والتشتت، ليس في دائرة الهيئة ووفدها، إنما في دائرة المعارضة كلها، وهو ما يحصل سياسيًا وإعلاميًا في «جنيف3».
وإذا كان وضع المعارضة والمحسوبين عليها، يلعب دوًرا فيما يظهر عليه الوضع من فوضى في «جنيف3»، فإن مسؤولية هؤلاء هي الأهم، لأنهم أصحاب القضية بخلاف الأطراف الأخرى، مما يتطلب تحرًكا سريعًا وعاجلاً، لا سيما من جانب الهيئة العليا للمفاوضات، بتجاوز الأوضاع القائمة عبر ثلاث من الخطوات الممكنة؛ أولاها جمع الصفوف على الرؤية الموحدة، التي أقرها مؤتمر الرياض، ومنع أي تجاوز عليها، وتنظيم الأطراف والشخصيات الحاضرة في إطار جسم داعم، وليس بوصفها أطرافًا أخرى من المعارضة، وتنظيم النشاط الإعلامي عبر فريق، يعمل بالتضامن والتنسيق، ويعبر عنه ناطق إعلامي واحد وفق رسائل محددة ومدروسة، وما لم يتم القيام بذلك فإن فوضى المعارضة وإعلامها في «جنيف3»، ستؤدي إلى خسارات كبرى، لن يكون من السهل معالجتها
الشرق الأوسط

لماذا هذه المؤتمرات الفاشلة بشأن سورية؟/ كرم يوسف
مهما تمت العودة إلى الوراء في ما يخص الأزمة السورية، فإنه يصعب تعداد المؤتمرات التي انعقدت بخصوصها. في أفضل الأحوال، يمكن ذكر أولها، وهو مؤتمر أنطاليا في تركيا، وآخر مؤتمر يتم التحضير له. ثمة مؤتمرات كانت خاصة بالمعارضة السورية وحدها، وأخرى بين المعارضة والنظام، وأخرى عقدت بناء على طلب من حلفاء للنظام أو للمعارضة، ناهيك عن مؤتمرات مصغرة محلية عسكرية أو مدنية في الخارج، أو في الداخل للطرفين.
كانت المؤتمرات الأولى للمعارضة مجمعة على جملة أمور، أهمها الإصلاح السياسي الذي تطور إلى تنحي بشار الأسد ونظامه عن الحكم. وفيما بعد، لم يعد للمعارضة بشكل عام توجه محدد، عدا مطلب تنحي الأسد، حيث أن مطالب بعض القوى العسكرية على الأرض، والتي تتضمن برامج سياسية أيضاً، تعلقت بإقامة دولة خلافة أو إسلامية. وبغض النظر عن عدم تعامل المجتمع الدولي مع هذه القوى، عسكرياً أو سياسياً، واعتباره الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الممثل السياسي الوحيد للمعارضة، فإن ما قالته هذه القوى العسكرية لم يتم التنازل عنه بعد. إضافة إلى هذا، لا يوجد إلى الآن إجماع للمعارضة السياسية على كلمة واحدة تتعلق بمصير سورية.
لعل القول إن المؤتمرات التي عقدها النظام السوري في الداخل، له ولحلفائه، أو مع حلفائه في الخارج وحدها التي كانت مجمعةً، طوال فترة الصراع في سورية، على جملة قضايا محددة، وفي مقدمتها، عدم قبول إزاحة الرئيس بشار الأسد عن السلطة، وقبول مفاوضات لا تؤدي إلى أي نتيجة. ولم تؤد هذه المؤتمرات إلى نتائج لحل الأزمة، على الرغم من هذا الإجماع لديها، كما مؤتمرات المعارضة السورية بكل توجهاتها العسكرية والسياسية والإغاثية والمدنية.
انعدام القواسم المشتركة للحوار، وترقب أي فصيل الانتصار وحسم الأمور في أي وقت، حتى ضمن فترة الإعداد للحوار، بالإضافة إلى العوامل الخارجية المباشرة وما تريده من سورية المستقبل، وتسليح الفريقين وتأثيرها على دفع عجلة الحوار، والتي يتبين أنه لم يتم الإقرار بعد بتحولها إلى جدية، أثرت وتؤثر على مسار أي مؤتمر وحوار سيعقد، وتجعله أمراً صعب التحقيق، ساهمت كل هذه العوامل في انعقاد مؤتمرات منتهية الصلاحية قبل انعقادها.
يضاف إلى هذا ضبابية الرؤية الأميركية في ما يخص الوضع السوري، حيث كانت كل الحسابات الأميركية تنتهي إلى مساعدات عسكرية روسية لجيش النظام في أقصى حد، من دون أن يكون هناك خيار مشاركة روسية في العمليات العسكرية بشكل مباشر. التردد الأميركي حيال الوضع السوري والاكتفاء بالتصريحات الإعلامية المطالبة برحيل الأسد، وعدم شرعيته، والتهديد بأنه لن يكون له دور في مستقبل سورية لم تكن أموراً كافية لإزاحة الأسد عن السلطة، خصوصاً أن الكلام لو كان ينفع لنفعت أصوات الملايين التي خرجت تطالب بإسقاطه، وما كانت هناك حاجة لكلام أميركي.
“إذا قبل الأسد فكرة بناء شكل جديد لسورية، فإن المعارضة التي لم يجعلها حلفاؤها تستفيد من طائرة واحدة في المطارات التي سيطرت عليها، ولم تؤمن لها سلاحاً نوعياً، سترفض هذا المبدأ جملة وتفصيلاً”
ما يجب أن يتم السؤال عنه هو إلى متى سيتم عقد مؤتمرات فاشلة بخصوص الأزمة في سورية، وما الذي يمكن أن يجعلها تأخذ مساراً حقيقياً؟ لا شك في أن قوة الإرادة الدولية، والمتمثلة بأميركا وحلفائها، كانت قادرة فيما سبق على عقد هذا المؤتمر وإنجاحه، أو إسقاط الأسد عسكرياً بتدخل عسكري، لم يكن بالضرورة أن يكون برياً، لكن وجود إيران وحزب الله، اليوم، على أرض المعركة، سيجعل من الصعب الوصول إلى حل سياسي، فإيران لا تقبل مفاوضاتٍ لا تكون هي الرابحة فيها، كما أن لديها القدرة الكبيرة على التمييع السياسي. كما أن روسيا التي زجت بنفسها في الصراع ليس لديها قرار بالسلام، حيث هناك سلاح كاف ليحارب به جيش الأسد وموالوه سنوات، وإن يخسر هؤلاء كثيراً من الجغرافية السورية. ولو افترضنا تخلي إيران وحزب الله عن الأسد، مجازاً، في حربٍ ترى فيها إيران أحلامها تتحول إلى حقيقة، فإن هذا الأمر أيضاً لا يعني وقف الحرب.
لا خطأ كبيراً، لو تم التوجه اليوم إلى بناء شكل جديد لسورية، لتكون هناك محادثات جديّة بشأن السلام، بحسب أولئك، علماً أن الأسد نفسه لا يزال يرفض فكرة التقسيم، لكن نسيانه جبهة الرقة وأقساماً كبيرة من دير الزور، وقبوله وجوداً شكلياً لنظامه في المناطق الكردية في سورية، يجعلان من الممكن أن تصبح فكرة تقسيم البلاد ممكنة. ويمكن القول إن سعي الأسد، ومعه روسيا وإيران وحزب الله، إلى الحصول على أكبر جغرافية ممكنة من سورية تحت سيطرتهم، ليس إلا من باب جعله مفاوضاً قوياً، يفرض شروطه، وليس من باب الإيمان الحقيقي بإعادة سورية إلى ما كانت عليه، فلو كانت هناك القدرة على شيء مماثل، لتمت استعادة الضواحي القريبة من القصر الرئاسي، والتي هي خارج سيطرة النظام أو أجزاء من ريف دمشق على مسافةٍ لا تتعدّى كيلومترات قليلة عن مكان وجود الأسد في دمشق.
إذا قبل الأسد فكرة بناء شكل جديد لسورية، فإن المعارضة التي لم يجعلها حلفاؤها تستفيد من طائرة واحدة في المطارات التي سيطرت عليها، ولم تؤمن لها سلاحاً نوعياً، سترفض هذا المبدأ جملة وتفصيلاً. ولكن، هناك حلفاء للمعارضة يريدون لهذه الحرب أن تستمر، وأن تبقى الأطراف العسكرية التي ترتبط بالقرار السياسي على قيد الحياة، بأن تتوفر فقط على أسلحةٍ غير كافية وفعالة لحسم حرب كبيرة كالتي تجري، الأمر الذي يجعل المتابع يعتقد بأن هؤلاء الحلفاء يعملون على وجود سورية بشكل آخر غير التي كانت عليها، ومساحتها 185 كم مربع، وستكون هناك معارضة تقبل بفكرة تقسيم البلد، وسينضم لها آخرون ممن يتمسكون الآن بوحدة سورية، حينما يجدون أنفسهم مستثنين من أي حل وأي شرعية دولية.
هي مفاوضات لا سبيل لها لأن تنجح، وأحد شروطها ألا يكون الآخر موجوداً بعد المفاوضات، وحين يتم قبول فكرة وجود شكل إداري جديد لسورية، كالفيدرالية مثلاً، سينتهي الشرط المستحيل في هذه الحوارات، وسيكون هناك قاسم مشترك جديد، يمكن العمل عليه وتطويره من جميع الأطراف، لا سيما أميركا على لسان وزير خارجيتها، وما صرحت به عن الخطة (ب)، لو فشلت المفاوضات، وما قاله نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، عن رغبة بلاده بوصول السوريين إلى إنشاء جمهورية فيدرالية.
العربي الجديد
عن المعارضة السورية/ ماجد كيالي
لا يجدر بالمعارضة السورية أن تقف عند حدود الحديث عن الرغبات أو الأمنيات فقط، ولا أن تقول ما ترفضه، أو ما يمكن أن تقبله فحسب، وكأنها في كل ذلك قامت بما عليها أو ما هو مفترض منها.
هكذا، ينتظر من هذه المعارضة، بعد خمسة أعوام من الثورة، أن تقف إزاء ذاتها، لمراجعة ونقد مسيرتها وأشكال عملها وخطاباتها، وبالخصوص أن تكاشف شعبها بما تقوم به، في مواجهة التحديات والتعقيدات التي تواجهها ثورة السوريين. مثلاً، مطلوب منها أن توضّح ما تفعله من أجل بناء كياناتها السياسية والعسكرية؟ وهل تفعل ذلك بالطريقة الصحيحة؟ ما تفعله من أجل تنظيم أو إدارة “مجتمعات” السوريين في الداخل والخارج؟ وما تفعله من أجل بناء نماذج أفضل للسلطة في ما يعتبر “مناطق محررة”؟ وأيضاً ما الذي تفعله من أجل استعادة الثورة لبعدها الشعبي ولخطاباتها المتعلقة بالحرية والكرامة والعدالة والتغيير الديمقراطي؟ وما الذي تفعله من أجل تعزيز مكانة السوريين وفرض حقوقهم ورؤيتهم في أي تصور لبناء سوريا المستقبل، بحيث تكون سوريا لكل السوريين بكل أطيافهم ومكوناتهم؟
من ذلك يمكن الاستنتاج بأن المعارضة ليست مجرد صورة أو صوت أو بيان في الفضائيات، وأن ثورة السوريين مازالت تواجه التحدي الأهم المتعلق بإيجاد كيان سياسي يمثل السوريين وثورتهم، ويعبر عنهم.
هذه الأيام ثمة مساران يمكن للمعارضة السورية أن تستفيد من معطياتهما. الأول يتمثل في عودة الروح إلى مجتمع السوريين في كافة أنحاء سوريا، واستعادة ثورتهم لطابعها الشعبي والسلمي، وهو ما يمكن تبيّنه من المظاهرات التي اندلعت يومي الجمعة الماضيين، بعد تراجع حدة القصف الجوي، نتيجة فعاليات الهدنة، ما يؤكد أن هذه الثورة في جوهرها هي شعبية وسلمية، وأن التوجه لحمل السلاح لم يكن خياراً، وإنما جاء نتيجة دافعين، أولهما، انتهاج النظام لأقصى العنف، وثانيهما، التدخلات الخارجية المضرة. هذا يفيد بأن على المعارضة أن تستثمر في هذا الاتجاه وأن تشتغل على تطويره، وضمنه أن تشتغل على توضيح ذاتها باستعادة خطاباتها الأولى، كثورة من أجل الحرية والكرامة والعدالة والتغيير الديمقراطي.
أما المسار الثاني، فيتعلق بالمفاوضات الجارية في جنيف، خاصة أن المبعوث الدولي، ستافان دي مستورا، أكد بوضوح أنها ستركّز على الحوكمة وصوغ الدستور، وصولاً إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، وأن الملف الإنساني؛ وقف القتال ورفع الحصار، بات محسوماً (طبعا تتبقىّ مسألة الإفراج عن المعتقلين) وأنه لا يوجد مدى زمني لوقف إطلاق النار، وأن المهم تحقيق الانتقال السياسي، وهذا كلام مهم جداً، ولا سيما مع تأكيد ديمستورا أن المفاوضات تجري وفقا لإعلان جنيف 2012. ويستنتج من ذلك أن المفاوضات هي مرحلة مهمة في الصراع السوري، ويمكن أن تفيد بتعزيز الكيان السياسي للمعارضة، عند السوريين، وفي العالم، كما يمكن أن تفيد بالتعويض عن الخلل في موازين القوى، عبر تجنّب الصراع المسلح الدامي والمدمر، والذي لا يفيد إلا النظام وحلفاءه، لأنهم من يملك الطيران والمدفعية والصواريخ وقوة النيران.
الآن، من الواضح، ومع دخول الثورة السورية عامها السادس، إن هذه الثورة التي تعتبر الأكثر كلفة بين ثورات الربيع العربي، لم تبق على براءتها الأولى، كثورة شعب ضد نظام تأسس على الاستبداد والفساد، إذ تواجدت طبقات أخرى.
أولها؛ إدخال أطراف خارجية على خط الصراع، أي إيران وميليشياتها اللبنانية والعراقية.
وثانيها؛ دخول أطراف عربية وإقليمية على الخط، للسيطرة على الثورة والتحكم بتداعياتها، بحيث بتنا أيضا إزاء صراع إقليمي على سوريا.
وثالثها؛ الناجم عن الطبقتين المذكورتين بظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة المحسوبة على “القاعدة” وأخواتها، أي جبهة النصرة وبعدها داعش، وهذه طبقة تم تصنيعها، ولكنها مع الزمن اكتسبت ديناميتها الخاصة.
وطبعا ثمة طبقة رابعة؛ دخول الولايات المتحدة وروسيا على الخط مع اختلاف أجندة كل منهما. على ذلك فإن المشكلة هي أن هذه الطبقات باتت تخنق الطبقة الأولى أي الثورة السورية وتضعف صدقيتها أو شرعيتها، ما يعني أن مهمة المعارضة هي استنهاض هذه الطبقة من الصراع.
*نقلاً عن “العرب”
الأسد خط أحمر.. التفاوض وشاح أسود/ نصري الصايغ
تساؤلات تبحث عن توافقات
أيكون التفاوض على جثة أم على أمة أو وطن؟ خمسة أعوام فاضت قتلاً وتوحشاً. لا براءة لأحد في هذه المقتلة. المفاضلة الوحيدة المنطقية هي بين جحيم هذا وجهنم ذاك. ليس بوسع أحد الادعاء بقوته. القوى المستعارة والمضافة في أرض المعركة ليست سوريّة ولا من سوريا. القول الفصل للقوى الخارجية. الوقود العسكري البشري أكثره من الداخل. ما تبقى من سوريا هو بقايا: بقايا شعب أو شعوب، بقايا ميليشيات وعسكريتاريا، بقايا أرض أو أراضٍ، بقايا مدن وبلدات وقرى وساحات، بقايا آثار دارسة وحضارات إنسانية راقية وقديمة، بقايا مآسٍ وفجائع وضحايا، أو بقايا أشلاء… أيكون التفاوض على أشلاء أمة أم على وطن ممكن بعناية دولية وإقليمية ومحلية؟
مَن يراقب تصريحات المعارضة (المعارضات) يظنّ أنها على قاب قوسين من الانتصار، وأنها ذاهبة إلى جنيف لفرض شروطها المبرمة، أولها، الشرط المستعصي: مصير الرئيس السوري بشار الأسد. ومَن يستمع إلى ما صرَّح به الوزير وليد المعلم، يظنّ أن النظام على مقربة من تحقيق انتصار غير مسبوق، وهو ماضٍ إلى جنيف، ولا ينتظر هناك أكثر من أربع وعشرين ساعة، وليس مستعداً لسماع شيء عن الأسد، فالرئيس خط أحمر.
كأن المعارضة قادرة على كسب ما لم تنله بالمعارك، وكأن النظام قادر على الاحتفاظ برأسه حتى العام 2021، من دون «روتوش» إصلاحي، يختصّ بالصلاحيات والتعديلات الدستورية وطبيعة السلطة الانتقالية. لا المعارضة بالقوة الذاتية قادرة على انتزاع مكتسبات جوهرية، ولا السلطة بذاتها قانعة بتقديم تنازلات، تفرضها عملية تقلُّص سلطتها على الأرض وعلى الشعب. فنسبة الأرض السائبة 60 في المئة، أما السكان، فأكثر من ثلثهم في المنافي وتحت الخيام وعلى الشواطئ. وأكثر من 200 ألف قتيل تضمّهم مقابر مجهولة الإقامة.
يُقال، في التفاوض، لا تثار المسألة الإنسانية إلا في حقل الابتزاز المتبادل. لا قيمة للبشر على الطاولات ولا في الأوطان المفرَغة من الحرية والعدالة والكرامة. لذا، ستكون المسائل المثارة هي نفسها، تلك التي كانت مزمنة، منذ ما قبل «الربيع الدمشقي المغدور»، أي طبيعة السلطة وأنظمة الحكم والتعديلات الواجبة لعودة السلم البارد بين «مكوّنات» (نسمّيها في الحروب المدمّرات) الجموع السورية الطافرة من الدولة وعن السلطة، واللاجئة إلى محاور دولية، ذات الحق الموضوعي، في تدوير الزوايا وفرض التوصيات، والاستعانة بالوقائع، وما ملكت أياديها من قدرة على الإقناع، إما بالقوة العسكرية وإما بالجزاء السياسي والمكاسب السلطوية.
التفاوض، إن بدأ فسيكون متعثراً ومديداً. سيحفل بالألاعيب والعروض الملغومة. خريطة الطريق إلى سوريا الغد، لا يرسمها القرار الدولي. مجلس الأمن وضع إطاراً للحل ولم يكن في وارد الدخول والتدليل على التفاصيل.
فلنفترض أن وفد السلطة استطاع تلزيم الخط الأحمر للجميع للبدء بعملية التفاوض، فماذا عن المشكلات السورية العميقة والشائكة؟ ماذا عما يعود إلى ما قبل الاندلاع، وماذا عما أنتجته الحرب من خراب شامل؟ كم من الضغوط ستُبذل لإقناع السلطة والمعارضة بالتنازلات الضرورية؟ مَن سيستخدم السلالم لإنزال عباقرة المستحيلات عن الأشجار العالية؟ مَن يمثل المعارضة (أو المعارضات)؟ ما حصة الأطراف الخارجية الروسية والأميركية والسعودية والقطرية والإيرانية، ثم ما هي حصة السلطة، الراغبة على ما يبدو، بضم أطراف مرضي عنه إلى حاشيتها؟ أي شكل ستأخذه السلطة التوافقية الانتقالية؟ هل ستكون شكلية وهذا من العبث، من دون صلاحيات ونفوذ في مسائل الأمن والعسكر والسياسة الخارجية؟ هل السلطة الإجرائية الانتقالية، هي لملء فراغات في الوزارات الخدماتية أم هي سلطة المشاركة في القرارات وفي الوزارات «السيادية»؟ مَن سيرسم السياسة الخارجية في بلد المنازلة الكبرى بين محوري طهران والرياض وبين خصمين عنيدين، بوتين وأردوغان؟ هل يكون «الحَكَم» الأميركي حليف إسرائيل الدائم، راعي «السلام الإقليمي» بحدود «السلام الإسرائيلي» حيث لا يُركن «لسلام عربي» أو «لسلام إسلامي»؟
هذه أسئلة البدايات والنهايات، وما بينها أسئلة أخرى: مَن سيقوم بالتعديلات الدستورية ومَن سيتبنى تعديلات جذرية، تنتزع من الرئاسة صلاحياتها، فيتحوّل النظام إلى نظام التشارك البرلماني الشعبي، إلى نظام شبه ديموقراطي، يحترم الحريات ويتبنى العدالة القضائية والإنصاف الاجتماعي؟ مَن سيتولى الديباجة ومتى تعرض على الاستفتاء الشعبي؟
دون ذلك معارك كلامية طاحنة.
ثم، أي انتخابات ستُجرى ووفق أي قانون؟ أكثري؟ نسبي؟ مزدوج؟ يعترف بالتعدد الحزبي، أم بالتعدد الاثني والمذهبي والطائفي؟ ثم، كيف ستجرى والأرض موزعة إلى جبهات قتال (مع «داعش» و «النصرة») وإلى مواقع محصّنة بأسماء السلطة أو المعارضة أو قوى الأمر الواقع العسكرية؟ ثم، أي سوريا ستكون مقبولة: سوريا المركزية أم سوريا الفيدرالية أم سوريا المتعدّدة، تعدد أقوامها وتعدد مذاهبها؟
ثم، ولا ثم أصعب منها؟ ما هو مصير الرئيس الأسد؟ أيكون هو نفسه بالصلاحيات المطلقة، في الفترة الانتقالية وما بعدها؟ هذا من المستحيلات. فالعنوان الأول للحرب، بعد اندلاع المعارك، هو النظام برمّته ورأس النظام معه. وهذا من المستحيلات أيضاً، في ظل موازين القوى الميدانية والعسكرية. وإذا كان المطلوب أن يُقدم الرئيس على تنازلات، فما هي؟ ما حجمها؟ ما تأثيرها؟ عماذا سيتنازل، والحكم رئاسي والانتخابات البرلمانية تمثيلية هزلية لا تقنع مَن يقوم بتمثيلها؟ هل سيكون رئيساً بنصف صلاحيات أو دون ذلك؟ ومتى تجري الانتخابات الرئاسية القادمة؟ هل بعد إتمام ولايته الثالثة أم قبلها؟
أسئلة بعمر السنوات. إذا كانت الحرب قد بلغت الخامسة، فالتفاوض قد يبلغ أكثر. ومَن سمع وليد المعلم يهدّد ديميستورا والمعارضة ويضع خطاً أحمر، عليه أن يضع وشاحاً أسود على طاولة التفاوض. ومَن سمع ما تقوله المعارضة، عليه أن يكون مستعداً لمسلسل من القتال العبثي.
سوريا غداً؟
ما زال الوقت باكراً.
السفير

لا انتخابات سورية في نيسان بالتزام روسي وواشنطن واثقة من جدية موسكو حيال الحل/ روزانا بومنصف
ينقل زوار عاصمة غربية ان واشنطن تبدي ارتياحا لنجاح الهدنة التي ارستها في سوريا بالتعاون مع روسيا والتي اسفرت عن تراجع 80 الى 90 في المئة من العمليات العسكرية كما قال وزير الخارجية الاميركية جون كيري وتبدي ارتياحا اكبر الى صمود الهدنة بما اتاح الانتقال الى استئناف المفاوضات بين النظام ومعارضيه في جنيف. بل ينقل هؤلاء ان واشنطن مطمئنة الى جدية روسيا وصدقيتها ازاء الرغبة في الوصول الى حل سياسي في سوريا استنادا الى القرارات التي تم التوافق عليها لا سيما القرار الاخير لمجلس الامن في 26 شباط الماضي والذي ينص على وقف الاعمال العدائية. وينقل هؤلاء هذا الاطمئنان استنادا الى مؤشرات من بينها توجيه روسيا الرسائل الى الرئيس السوري اولا لوقف اندفاعته من اجل اعادة السيطرة على كل الاراضي السورية ما دامت روسيا هي التي تقود الحرب وليس هو من يفعل، بالاضافة الى اقتناع اميركي بان روسيا واعية ان الحل في سوريا لن يكون عسكريا كما اوحى الاسد بل هو حل سياسي. ويقول هؤلاء ان الروس سيلجمون طموح الاسد الى انتخابات اعلن عن اجرائها في نيسان المقبل. فهذه الدعوة لم يتم التعليق عليها كما لم تعط اي اهمية كونها تشكل مفارقة ساخرة لبلد بات اكثر من نصف اهله مهجرين ولاجئين بحيث يتعذر عليهم المشاركة في الانتخابات ، او لبلد لم تسنح الهدنة الهشة بعد له ان يدفن ضحاياه او ان يضمد اصابات جرحاه لكي يذهب الى انتخابات كما في اي بلد طبيعي كأنه لم يمر عليه خمس سنوات من الحرب التدميرية. لكن هذه الدعوة لم تهمل من زاوية ان الاسد ، كما هي حال الانتخابات الرئاسية التي لجأ اليها في 2014، يمكن ان يعتمد انتخابات مماثلة من اجل ان يأتي بمجلس على صورة المجالس السابقة ليس الا. وبحسب هؤلاء الزوار فان واشنطن تبلغت عبر الاتصالات المباشرة بين وزيري الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف ان روسيا متمسكة بالقرار 2258 الذي ينص على آلية سياسية تبدأ بتأليف حكومة واعداد دستور جديد ثم الذهاب الى انتخابات نيابية ورئاسية بعد سنتين تقريبا وهي في وارد احترام مضامين هذا القرار. وافيد عن تبليغ روسيا موقفها الى بشار الاسد في الوقت الذي تولى الموفد الدولي ستافان دو مستورا تكرار اعلان هذه الآلية عشية موعد بدء المفاوضات السورية بين النظام والمعارضة من اجل توجيه رسالة اطمئنان واضحة الى افرقاء المعارضة خصوصا ان دوميستورا لا يأتي بهذه التأكيدات من عندياته بل اعتمادا على ما يحصل عليه من كيري ولافروف ومن اجل افهام الاسد بان هذا ما سيكون عليه المسار السياسي . اي ان لا انتخابات في نيسان المقبل بما يفترض ان الاسد سيصمت عن متابعة هذا الموضوع ما لم يكن يتعمد الذهاب عكس ارادة الروس وعلى نحو يظهر استقلاليته، على رغم ان هذا الامر يثير تساؤلات حول ما اذا كان يتمتع بالحد الادنى منها بين سيطرة كل من موسكو وطهران على سلطة القرار السوري، او ان يكون الروس غير جديين فعلا في الالتزامات التي قطعوها وهذا الاحتمال الاخير غير وارد كما ينقل زوار العاصمة الغربية . اذ ان واشنطن واثقة من رغبة الروس في احترام القرارين الدوليين 2254 و2258 بناء على الاتفاق الثنائي بينهما والذي ترجم لاحقا في قرارين دوليين من مجلس الامن وتاليا احترام وقف النار اضافة الى تشجيعها على مراقبة تطبيقه. هذه التأكيدات سادت عشية اجتماعات لوزراء الخارجية الاوروبيين الاساسيين المعنيين بالازمة السورية مع الوزير كيري في باريس ومؤتمر صحافي لوزير خارجية النظام وليد المعلم رفض فيه الانتخابات الرئاسية باعتبار ان ” الرئيس الاسد خط احمر” كما قال ورافضا لمفهوم المرحلة الانتقالية محددا معناها بانها حكومة جديدة فقط وليس هيئة انتقالية . انما كان لافتا انه قال بالانتخابات البرلمانية في نهاية المسار السياسي رافضا ان تكون هناك انتخابات رئاسية ايضا ما قد يعني تراجع النظام عن اجراء انتخابات في نيسان كما كان حدد سابقا.
التحذير الذي وجهه كيري من المملكة العربية السعودية للاسد من ضمن جولة له لطمأنة دول الخليج عشية استئناف المفاوضات السورية السورية في جنيف على اساس ان رأس النظام السوري يحاول ان يستفيد من الهدنة من اجل تحقيق مكاسب اضافية يدخل في اطار تأكيد جدية التزام مسار تفاوضي واضح المعالم متفق عليه بين الولايات المتحدة وروسيا . فاتى الرد من جانب وزير خارجية النظام الذي لوح بالانسحاب من المفاوضات محددا سقف التفاوض الذي يذهب اليه والذي اتبعته موسكو بالطلب من ” المعارضة المتشددة التخلي عن مطلب التنحي الفوري لبشار الاسد من منصبه”. وكلمة الفوري مهمة في هذا السياق للاشارة الى ان مطلب التنحي في مرحلة لاحقة امر غير مرفوض او هو متاح لكن ليس التنحي الفوري . لكن يخشى ان يكون يعبر عن تفلت روسي من الالتزامات او عدم لجم موسكو النظام عن السعي الى تفلته. وتاليا فان الثقة التي يعبر عنها كيري ازاء روسيا لا تبدو بالمقدار نفسه لدى الآخرين خصوصا في ظل الخشية ان تكون واشنطن التي سلمت الملف الى روسيا بات هامشها ضيقا ان في الاعتراض الجدي في حال كانت مهتمة او لعدم اهتمامها في الاصل.
النهار

المفاوضات بالنسبة إلى الأسد أخطر من الحرب/ روزانا بومنصف
رسمت مواقف أساسية أميركية وبريطانية علامات استفهام كبيرة حول صحة الانسحاب الجزئي للقوات الجوية الروسية من سوريا، والذي اعلن عنه الرئيس فلاديمير بوتين، إذ إن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند شبه هذا الانسحاب في كلمة في البرلمان البريطاني بأنه على غرار الرجل الذي أوقف ضرب زوجته، مما أثار انتقادا روسيا انطلاقا من ان هاموند كان قال انه اذا كان الانسحاب الروسي حقيقيا فقد يكون له تأثير ايجابي بالنسبة الى التسوية السياسية. في حين أن وزارة الدفاع الاميركية كانت علقت على الانسحاب الروسي بأنها لم تر خفضا ملموسا للقدرة القتالية الروسية وفق ما اعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الكولونيل ستيف وارن، معتبرا أن الرؤية العسكرية للنيات الروسية تبقى غامضة. لكن رغم هذا التشكيك في حصول خفض نوعي للسلاح الروسي، فإن الإعلان وحده أحدث مفاعيل كما لو ان الانسحاب حصل فعلا وعلى نحو مكتمل، استنادا الى أن له أبعادا سياسية مهمة وليست فقط ميدانية. فكما أن التدخل ساهم في رفع معنويات فريق أو أفرقاء في المنطقة على وقع تدخل أثبت انه من اجل انقاذ النظام السوري من الانهيار واستهدف مواقع المعارضة المعتدلة ولم يستهدف تنظيم “الدولة الاسلامية”، بل إن القوات الروسية غادرت من دون أن تحقق هذا الهدف الذي تذرعت به، فإن الاعلان عن الانسحاب والسعي الى تنفيذه ترك انطباعات معاكسة للانطباعات حين حصل التدخل، في ظل ارتباك واضح للحلفاء كما للخصوم. لكن بدا واضحا ان الدعم العسكري للنظام لن يستكمل من أجل استعادة النظام سيطرته على كل الاراضي السورية، مما يتركه وحيدا مع حلفائه الايرانيين او الميليشيات الداعمة، إذا أراد ذلك. هذا العنصر قد يكون من العناصر القليلة التي يمكن التيقن من أبعادها، في حين ان ابعادا اخرى تظل خافية على رغم كل التكهنات والتحليلات في هذا الاطار، والتي تشبه التكهنات عن التدخل الروسي في الاساس. ويستدل من هذا على محاولة رصد مغزى اعلان بوتين الذي انصرف في اليومين الماضيين الى جانب كبار المسؤولين الى نفي الاستنتاجات التي أدى اليها الانسحاب، علما أن الرئيس الاسرائيلي زار روسيا من اجل ان تكون اسرائيل على بينة مما يجري، فتستطيع ان تحدد موقعها ومصالحها او ما هو متوقع بالنسبة الى سوريا. ويذكّر هذا المقام برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قفز الى موسكو غداة بدء التدخل الروسي في سوريا في ايلول الماضي. كما يزور وزير الخارجية الاميركي موسكو الاسبوع المقبل في اطار البحث في الخطوة الروسية ومفاعيلها.
الإعلان الروسي كان بمثابة الصدمة بالنسبة الى القوى الحليفة للنظام السوري، على رغم أن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف اعتبر الانسحاب خطوة جيدة، وفسره بأنه قد يعني وقفا للاقتتال. لكن إذا كان لبنان مؤشراً، فإن هذا الانسحاب أضعف معنويات حلفاء النظام بعدما كانت قد ارتفعت كثيرا إثر التدخل الروسي، خصوصا لجهة التعويل عليه في كسر توازنات سياسية معينة في لبنان عمم الانطباع في شأنها في خلال الاشهر الاخيرة. ومع أن الاعلان الديبلوماسي لا يعبّر عن المواقف الحقيقية، فإذا صح الترحيب الايراني به، فإنه قد يكون التقى ديبلوماسيا مع خصوم النظام من الدول العربية في التعليق إيجابا على الانسحاب لجهة احتمال انعكاسه ايجابا على مفاوضات التسوية السياسية القائمة في جنيف، علما أن مراقبين كثرا يتطلعون الى مواقف قيادة الحرس الثوري وليس الديبلوماسية الايرانية على رغم الكسب الذي حققه المعتدلون في الانتخابات الايرانية اخيرا. ومع ان ما بات يتطلع اليه مراقبون كثر في الموضوع السوري هو مدى التوافق الأميركي – الروسي وكيف سيتقدم، خصوصا بعد اتفاق وقف الاعمال العدائية واطلاق مفاوضات جنيف، بحيث ان هذا التوافق بين واشنطن وموسكو هو ما سيقرر الخطوات المقبلة والنظام النهائي بالنسبة الى سوريا وليس الدول الاقليمية التي ستؤخذ مصالحها في الاعتبار، وقد تحصل على اثمان، وكذلك بالنسبة الى الافرقاء المحليين في سوريا، فإن ما لمسه أكثر من مراقب هو أن ارتباكا كبيرا لم يصب النظام فحسب، بل أصاب حلفاءه أيضا انطلاقا من تغير الحسابات وتبدلها على وقع المعطى الروسي الذي قضى بالانسحاب من سوريا والخيارات التي يرتبها على النظام، متى كان الانسحاب يترجم وقفا عملانيا للقتال في سوريا، وربما لم يعن سوى وقف انهيار النظام، لأن احدا لا يريد ان ينهار الجيش والمؤسسات الامنية، في حين انه قد يكون أرجأ الانهيار ليس الا. والواقع أن مصدر الخوف ايضا هو ان الستاتيكو المتمثل في المفاوضات القائمة يبدو أخطر بكثير على بشار الاسد من الحرب إذ كان يتلطى فيها وراء شعار محاربة الارهاب، وان عمد مندوبه في المفاوضات الى وصف خصمه بالارهابي، رافضا التفاوض معه على نحو مباشر، لكنه نزق يعبر عن مأزق وليس عن موقف قوي، انطلاقا من تضييق الهامش أمام النظام، كما أن اقرار الدول الغربية بفريقي المفاوضات ساهم في تغيير اطار اللعبة السياسية. ولذلك فإن ترحيب المعارضة السورية بالانسحاب الروسي قد يكون مبررا ومفهوما لان ترجمته ان الرئاسة السورية لن تعود كما كانت في اي حال. وثمة استحقاق بات يتمثل في التفاوض على نظام الحكم والدستور الجديد.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى