صفحات العالم

مقالات عن الأيام الأخيرة للأسد

سوريا.. سيناريو المعركة الأخيرة..!

ناصر الصرامي

الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله يؤكد أن المعارضة السورية لا يمكن أن تخرج منتصرة من الصراع المستمر منذ 21 شهرا.

ويقول إن الوضع في سوريا يزداد تعقيدا لكن من يظن أن المعارضة المسلحة يمكنها حسم الموقف على الأرض “مخطئ جدا جدا جدا”.، كررها ثلاثا!

وحذر نصر الله تنظيم القاعدة من أنه وقع في “كمين” في سوريا نصبته له بعض الحكومات في العالم الإسلامي والغربي. وقال “بعض الحكومات في العالم الإسلامي والغربي نصبت كميناً لكم في سورية وفتحت لكم ساحة تأتون إليها حتى يقتل بعضكم بعضا وأنتم وقعتم في هذا الكمين”.، ورغم أن هذا السناريو قيل سابقا عن العراق قبيل وبعد سقوط صدام حسين، إلا أن خيال نصر الله الجامح ليس خوفا على القاعدة، ولكن خوفا من توسع وزيادة أعداد الجيش الحر، ومحاصرة الأسد إلى آخر موقعه..!

طبعا المعارضة السورية تتحدث عن إثباتات بأن حزب الله أرسل مقاتلين لدعم الأسد. شاركوا في قمع الشعب السوري وإلغاء ثورته أو الحد منها، وهو ما لم يكتب له التوفيق.

لكن مقابل هدير وصراخ الأمين العام لحزب الله، تأتي التسريبات الروسية محددة هذه المرة، وسنتجاوز ما قيل عن خطط الهروب والرحيل-، حيث تتحدث التسريبات اليوم عن أن بشار الأسد، بدا فعليا الاستعداد لمرحلة ما بعد سقوط دمشق، والخيارات المتاحة بعد ذلك، حيث يعتزم الهروب من العاصمة السورية إلى مدينة ساحلية سيدير منها معركته الأخيرة.

“صنداي تايمز” البريطانية وعن مصدر روسي، قالت إن خطة هروب الأسد من دمشق بعد سقوطها في أيدي الثوار تتضمن الانتقال إلى بلدة علوية ساحلية مطلة على البحر الأبيض المتوسط، حيث سيخوض من هناك آخر معاركه في سوريا.

ويعيد هذا السيناريو إلى الأذهان سيناريو الهروب الكبير لليبي معمر القذافي من العاصمة طرابلس إلى بلدة “بني وليد”، أي أن الأسد سيتبنى نفس أسلوب القذافي في مرحلة ما بعد سقوط دمشق.

وتذهب التوقعات إلى إن القوات التابعة للرئيس الأسد قد تواصل القتال لعدة شهور قادمة، حتى في مرحلة ما بعد سقوط دمشق، مستفيدة من التضاريس الجبلية الصعبة، وكذلك بغطاء ومساعدة سكان متعاطفين أو مؤيدين للأسد.

ذات الصحيفة أكدت -أيضا، عن مصادر استخبارية من الشرق الأوسط – كما أسمتها- تأكيدات أن الأسد يستعد لخوض معركته الأخيرة في “قرية علوية على ساحل المتوسط”، حيث تقول إن “سبعة كتائب على الأقل من المقاتلين الموالين للأسد، انتقلوا إلى منطقة علوية، في وقت مبكر من الشهر الحالي”، وأشارت المصادر إلى أن “واحدة من هذه الكتائب على الأقل تم تسليحها بالأسلحة الكيماوية..!

وطبقا لنصر الله فإن المعركة ستطول، لكنها طبقا للمصادر الروسية، ستتحول إلى الطريقة القذافية، أي أنه الأسد سيتراجع إلى مساحة جغرافية ساحلية ضيقة، لكن الواضح أن معركته الأخيرة مع الثوار لن تنتهي وقد تطول، إلا بقصف وتدخل جوي، لكن السؤال الأول والأخير.. من سيقوم بذلك…؟

الجزيرة السعودية

آخر أيام الأسد؟!

    راجح الخوري

كثرت المبادرات، وزيادة في التوضيح يمكن القول “كثرت السكاكين”، بمعنى ان سقوط النظام السوري بات وشيكاً على ما توحي عملية التسابق المثيرة هذه الايام، على اقتراح مبادرات للتسوية تجمع كلها تقريباً على محاولة رسم خريطة طريق لسوريا بعد سقوط النظام وغياب بشار الاسد!

تحدثت الاخبار عن “جنيف – 2” وهو عبارة عن اتفاق من خمس نقاط امكن التوصل اليه بين اميركا وروسيا وحمله الاخضر الابرهيمي الى الجامعة العربية والى دمشق (نشرت هذه الزاوية نصه امس) ويقوم على حل او يقترح “نقطة وسط” تحدد موعد إزاحة الاسد بعد ثلاثة اشهر اي في نهاية آذار المقبل، بعدما كانت واشنطن خلال مؤتمر جنيف الاول تصرّ على رحيله الفوري بينما اصرّت موسكو على ان يبقى لإكمال ولايته في سنة 2014.

وتحدثت الاخبار عن مبادرة تركية لانتقال السلطة في سوريا خلال الاشهر الثلاثة الاولى من سنة 2013 بحيث يتنحى الاسد ليتسلم “الائتلاف الوطني” السلطة تمهيداً لإجراء انتخابات عامة. وبحسب صحيفة “راديكال” عرض رجب طيب اردوغان المبادرة على فلاديمير بوتين الذي وصفها بانها “مبتكرة” وقيل ان السعودية وقطر ومصر والامم المتحدة على علم بما تتضمنه من “افكار جديدة”!

لا أدري ما هو وجه “الابتكار” فيها ولا ما هي هذه “الافكار الجديدة” ما دام المطلوب اساساً هو إسقاط النظام وإزاحة الاسد، لكن كان من المثير فعلاً ان يجمع المحللون في انقرة على ان فكرة المبادرة هي روسية لكنها أعلنت بلسان تركي، بما يساعد موسكو على النزول من سقوفها العالية في دعم الاسد، الذي عليه الآن ان يفهم جيداً الرسالة الروسية التي تصله بالتقسيط منذ تصريح ميخائيل بوغدانوف.

وتحدثت الاخبار عن مبادرة ايرانية من ست نقاط تبدو عكس السير، بمعنى انها تقوم على منطق عفا الله عما مضى من قتل وتدمير وتهجير وتعالوا الى حوار وطني وحكومة انتقالية، وهو ما كان الاسد يعرضه قبل عام ونيف. هنا يتضح ان للايرانيين سكاكينهم ايضاً ويعرفون ان من يحضر السوق يبيع ويشتري ولا يريدون ان يغيبوا عن بورصة سقوط الاسد وقيام النظام الجديد!

ولأن نظام الاسد يعرف انه بات على الحافة وامام سكاكين تشحذ اكثر مما هو امام مبادرات تقترح، وخصوصاً بعد الاستعدادات الدولية للانقضاض عليه اذا حاول استعمال الاسلحة الكيميائية، تمّ استحضار فاروق الشرع من الاستيداع قبل يومين ودُفع الى اقتراح ما سمّاه “التسوية التاريخية” التي بدت محاولة تشبه المبادرة الايرانية وتهدف الى تجنّب حتمية تجرّع الاسد كأس السقوط المريرة!

ولأن كثرة المبادرات مثل كثرة السكاكين، يمكن القول انها آخر ايام الاسد.

النهار

سوريا وسيناريو الغد القريب

أحمد عمرابي

هل صار نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا على وشك الانهيار النهائي؟ إذا اعتمدنا هذه الفرضية كحقيقة مؤكدة أو شبه مؤكدة، فإن هذا التساؤل على خطورته يتحول إلى تساؤل أخطر. مَنْ هم أولئك الذين سوف يتولون السلطة في دمشق بعد سقوط النظام البعثي؟

 ثم إن هناك تساؤلاً ثالثاً لا يقل خطورة إن لم يكن أشد: هل ينشأ صراع داخلي على ميزان السلطة قد يؤدي بالحتمية إلى حرب أهلية؟ وثمة تساؤل أخير: ماذا ستكون عليه مواقف القوى الخارجية، الإقليمية منها والدولية؟

في الأسبوع الماضي طرأ تطوران بالغان في الخطورة، على الصعيدين الروسي والأميركي..

من موسكو صدر تصريح عن أحد نواب وزير الخارجية، أعلن فيه أن النظام السوري يفقد السيطرة على البلاد أكثر فأكثر، وبالتالي لا يمكن استبعاد انتصار المعارضة. ورغم أن وزارة الخارجية الروسية قالت في اليوم التالي: إن التصريح قد جرى تحريفه، إلا أنها لم تنف تماماً مضمون التصريح. وفي واشنطن صدر قراران عن إدارة الرئيس أوباما؛ أحدهما إعلان الاعتراف بشرعية الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية، والثاني وضع التنظيم الإسلامي القتالي السوري المسمى «جبهة النصرة» على القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية.

والمغزى الأكبر لهذا التحول في موقف كل من روسيا والولايات المتحدة، هو أن كلاً من القوتين العظميين تستعد لمرحلة ما بعد الأسد، على اعتبار أن سقوط النظام أصبح وشيكاً.. الأمر الذي يشي بأن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة.

لكن المسألة ليست بالبساطة التي تبدو عليها، فالمرحلة التي تلي سقوط النظام مرشحة لأن تكون صعبة وأكثر تعقيداً، من المنظورين العسكري والسياسي.

من بين التعقيدات المتوقعة، بروز دور لمنظمات وعناصر إسلامية كتنظيم جبهة النصرة. والقرار الأميركي بوضع هذا التنظيم على قائمة المنظمات الإرهابية، ينبغي أن ينظر إليه من هذه الزاوية. فما ترمي إليه الإدارة الأميركية، هو إحباط أي دور يمكن أن يكون متاحاً للجماعات الإسلامية في سوريا جديدة، يجعلها بعد ذهاب نظام الأسد في موقف قوي يمكنها من المشاركة في حكومة انتقالية.

إن القلق الأميركي مفهوم، إذا أخذنا في الاعتبار أن جبهة النصرة والتنظيمات الإسلامية المماثلة لها في ساحة الصراع السوري، أثبتت جدارة قتالية ضد قوات النظام تجعلها متميزة عن التنظيمات الأخرى ذات التوجه العلماني. ومن الواضح الآن أن التفوق القتالي لتنظيم النصرة وحلفائه من التنظيمات الأيدولوجية الإسلامية الأخرى، جعلهم يحتلون مكانة قيادية في العمل السياسي ضد النظام، وفي منافسة القوى النضالية الأخرى.

ومن المؤكد، إذاً، أن الهدف من القرارين اللذين اتخذتهما واشنطن بالاعتراف بالائتلاف الوطني من ناحية وتجريم جبهة النصرة من ناحية أخرى، هو عزل الجماعات الإسلامية الراديكالية عن التجمع الرئيسي للمعارضة المسلحة ضد نظام الأسد، لكن الأداء القتالي المتميز للجماعات الإسلامية صار جزءاً لا يتجزأ من التشكيل العام للمعارضة المسلحة، بحيث إن أي انفصال لهذه الجماعات سيكون حتماً خسارة جسيمة لحركة المعارضة الوطنية.

كيف إذاً، تتصرف الولايات المتحدة؟

من الغريب حقاً أن إدارة أوباما، باتخاذها موقفاً عدائياً ضد عناصر المجموعات المقاتلة الإسلامية، خاصة أقواها «شكيمة» وهي جبهة النصرة، إنما تلتقي هنا، دون أن تقصد، مع توجه نظام الأسد، فالنظام البعثي يعتبرها أيضاً تكوينات إرهابية.

ورغم أهمية اعتراف الإدارة الأميركية بشرعية الائتلاف الوطني للمعارضة، فإنها غالباً ما تتوقف عند هذا الحد في دعمها للائتلاف.. فهي، أي إدارة أوباما، تتردد في أمر تقديم إمدادات أسلحة متقدمة للمعارضة السورية القتالية، خشية أن تقع الأسلحة عند نهاية المطاف في أيدي التنظيمات العسكرية للجماعات الإسلامية.

لكن موقف روسيا ربما يكون أكثر حرجاً، فمع تدهور الوضع العسكري لنظام الأسد، وانتقال المعارك بين قوات النظام و«الجيش الحر» إلى مشارف العاصمة دمشق، أصبحت موسكو الآن على مفترق طرق. فهي حائرة بين المضي قدماً في دعم نظام تدرك أنه متهالك، وبين ابتداع استراتيجية جديدة وشاملة تقضي برفع يدها عن النظام، بما يؤهلها سياسياً للمشاركة في لعبة ما بعد نظام الأسد.

صفوة القول، إن سقوط نظام الأسد لن يكون نهاية للمأساة السورية، وإنما سيكون في الحقيقة بداية لفصل ربما يكون أكثر دموية، تحت عنوان: «من يحكم سوريا؟»، وسيكون فصلاً ثنائياً ذا بعدين داخلي وخارجي.

داخلياً.. علينا أن نستذكر أن كلاً من الجيش الحر وتحالف التنظيمات الإسلامية القتالية، يعتبر نفسه الطرف الأجدر بتولي السلطة المرتقبة، أو أن يكون له على الأقل النصيب المؤثر في تشكيلها. وسوف يبرز أيضاً تناقض بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج، من حيث الجدارة بقيادة المرحلة الانتقالية وقيادة حكومتها بالتالي.

على الصعيد الخارجي، ستكون هناك مواقف مختلفة لأربع دول: تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة.

ما يهم تركيا بالدرجة الأولى هو العامل الكردي، ذلك أن أنقرة لن تطيق رؤية احتمال مشاركة أكراد سوريا في أي وضع سلطوي في دمشق. وما يهم إيران هو ألا تخلف نظام الأسد، حكومة ذات توجه معادٍ لحزب الله اللبناني.

وما يهم روسيا هو السعي للعثو على حليف سوري جديد لها، بعد ذهاب نظام الأسد في ذمة التاريخ. فهل تسعى موسكو لإنشاء تحالف مع طرف سوري يعادي الولايات المتحدة.. مثل التنظيمات الإسلامية الراديكالية التي تتصدرها جبهة النصرة؟

الأكثر وضوحاً من هذا وذاك، هو الأجندة الأميركية غير المعلنة. ما تريده واشنطن هو ألا يصعد إلى السلطة السورية أي تنظيم أو تنظيمات ذات توجه عدائي ضد إسرائيل: أي الحيلولة دون إعادة إنتاج «سوريا الممانعة» تحت راية القومية العربية.

ولننتظر لنرى..

البيان

الفصل الأخير في دمشق: كيف ستكون نهاية نظام الأسد العاجز؟

جيفري وايت

سوف يزول المُلك سريعاً عن بشار الأسد على غرار أحداث مسرحية شكسبير “ريتشارد الثاني”. وقد أدى فشل سياسات الرئيس السوري وعجز رجاله إلى وضع النظام على طريق سريع نحو الدمار.

ليس هناك شك في أن النظام قد قاتل بشراسة ضد التيارات الثورية القوية التي أثارها. لكن لجوءه للعنف من اليوم الأول للثورة تقريباً قد وضعه على مسار سيؤدي في النهاية إلى دماره. ولم يسعَ النظام إلى حل سلمي أو إلى التفاوض من أجل الوصول إلى حل كهذا، كما لم يكن يرغب به من الأساس. لقد راهن الأسد وزمرته على أن الهياكل الأمنية التي أنشأها والده، وعززها بشار نفسه سوف تسحق المعارضة. وقد ثبت أن هذه الهياكل غير كافية لأداء المهمة.

لقد أصبح نظام الأسد أمام قوات هائلة وقوية لا قِبل له بمواجهتها. فجيشه يتعرض للإنهاك في المعارك المستمرة مع الثوار. وقد بدأت قوات النظام تتصرف وكأنها على وشك الهزيمة. ويبدو أنها تفقد الإرادة للهجوم، بل حتى إرادة الدفاع إلى حد ما. وتكتسب عناصر المعارضة المسلحة قوة وزخماً بحصولها على الطاقة البشرية والأسلحة ولا سيما فيما يتعلق بعامل الإرادة الذي هو في غاية الأهمية. ورغم تزايد الخسائر التي يتعرض لها الثوار، إلا أنهم يظهرون مستعدين، وفي كثير من الحالات متحمسين للقتال. وقد بدأت قبضة النظام تضعف أو أنها قد تلاشت تحت ضغط الثوار في جميع أنحاء البلاد.

ويمكن النظر إلى هذا التراجع بشكل أكثر وضوحاً في اعتماد النظام المتزايد على العمليات الجوية وعمليات المدفعية، وعجزه عن الدفاع أو عن إنقاذ مواقع رئيسية تعرضت للحصار والهجوم. ويبدو أنه الآن عاجز عن تجميع قوات هائلة، على عكس ما كان عليه الحال في المراحل الأولى من الحرب عندما كان بإمكانه حشد عشرات الآلاف من القوات للقيام بعملية ما.

ويبدو أن الأسد محكوم عليه بالفشل، لكن السؤال هو متى وكيف سيتحقق ذلك؟ من غير المرجح أن يحدث هذا في شكل معركة كبيرة طاحنة، لكن سينتهي الأمر على الأغلب على غرار سقوط طرابلس وما آلت إليه الأمور مع الدكتاتور الليبي. أو ربما يأتي الأمر على غرار ما حدث عند تضييق الخناق البطيء حول ملجأ هتلر في برلين، وسوف يطوي النسيان أفراد عائلة الأسد وأشد الموالين والداعمين له، وأولئك الذين انتظروا مدة طويلة للهروب. ولن تسير الأمور بالضرورة في خط مستقيم. فمدّ المعركة لا يسير في اتجاه واحد فقط، بل أن النظام قد يحقق – هنا وهناك – بعض النجاحات في القتال.

هل بإمكان النظام فعل أي شيء لوقف أو عكس اتجاهه الهبوطي؟ يبدو من غير المحتمل أن يحدث ذلك. فقد يلجأ إلى استخدام الأسلحة الكيميائية مع اقتراب الهزيمة وتنامي اليأس والإحباط. هل سيرفض نظام قام بالفعل بقتل عشرات الآلاف من المواطنين استخدام أسلحة الغاز للحيلولة دون هزيمته، حتى ولو لفترة ما فقط؟ إن اللجوء إلى الحرب الكيمائية ليس أمراً مؤكداً؛ وإذا كان المجتمع الدولي سيرد باستعمال القوة، فإن هذا سيعجّل على الأرجح نهاية النظام. ومع ذلك فقد يحاول الأسد استخدام تلك الأسلحة، معتمداً بأن فشل العالم في الرد باستعمال القوة في حالات أخرى صاعد فيها النظام بشكل كبير من وتيرة العنف ضد السكان المدنيين سوف يتكرر مرة ثانية.

جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية.

فورين بوليسي

الحياة

 

سوريا وسيناريوهات النهاية

د. عمر عبد العزيز

يعرف العسكريون المحنكون أن مآلات أي حرب مباشرة بين طرفين، تعتمد أساساً على الميزات النسبية لكل طرف، فلا ميزات مطلقة لأي طرف مهما توفَّر على الغلبة الظاهرة في القوة والمعدات, ذلك أن ساحة الحرب ومآلاتها هي التي تقرر التميز الحقيقي.

وبهذا المعنى ينهزم الجيش المُدجج بكل أنواع الأسلحة في حروب المدن، إذا كانت المُجابهة مع المليشيات الصغيرة والمنتشرة أُفقياً، والتي تعتمد في حركتها على الكر والفر، وقضم أطراف العدو وإرباكه.

قد لاحظ علماء الحروب التاريخية، أن من أسباب الانتصارات الباهرة للمسلمين أثناء الفتوحات، أنهم اعتمدوا على السيف اليماني خفيف الوزن، بالإضافة إلى عقيدتهم القتالية المستمدة من ثقافة الشهادة، فيما كانت أجسادهم النحيلة وخيولهم غير المثقلة بالسروج الخشبية، سبباً آخر في هزيمة الجيوش الرومانية ذات السيوف الثقيلة، والفرسان المكبلين بالأحمال، والخيول التي تئن تحت وطأة السروج والحديد.

في الصين استطاع الحزب الشيوعي الصيني هزيمة جيش حزب “الكومنتانغ” الحاكم، عبر اعتماد جيش الثوار اليساريين على الفرق الصغيرة التي انتشرت في كل أرجاء الصين، واستطاعت إسقاط جيش الكومنتانغ الرسمي من خلال النهش في أطرافه، وإرباك استراتيجياته القائمة على الحرب النظامية، وصولاً إلى تقويضه.

وفي فيتنام بدت عبقرية حروب الجماعات الصغيرة المقرونة بالعقيدة السياسية والدعم الشعبي ظاهرةً، حيث تمكَّنت الزعامة الروحية للقائد “هوشي منه” من تحقيق الالتحام بين الشعب وقيادته، كما ترجم الجنرال الفيتنامي العبقري “جياب” تلك العقيدة من خلال حروب العصابات، التي أنهكت الوجود الأمريكي المُدجج بأحدث الأسلحة والمعدات.

ما حدث ويحدث في سوريا يعيد إلى الأذهان تلك المفارقة، التي تجعل التميُّز لغير صالح الجيش النظامي الذي يلجأ إلى دك المدن بالمدفعية والراجمات والطائرات، فيكون بذلك قد أسهم في تعزيز مليشيات الجيش الحر بالمزيد من الدماء، لأن من لم يكونوا ملتحقين بالجيش الحر سيلتحقون به كلما طالتهم النيران الحامية للقوة المنظمة، التي لا تفرق بين مقاتل يتمنطق الكلاشينكوف وبين مواطن قابع في بيته انتظاراً للفرج.

عشت تجربة 13 يناير المشؤومة في عدن عام 1986، ورأيت بأُم عيني عجز أسلحة الطيران والبحرية والمدفعية والراجمات، عن تحقيق شيء لصالح الطرف الذي كان يعتدُّ بها، فيما حسمت أسلحة الدروع المتوسطة الموقف لصالح الطرف الآخر.

تلك عبرة لمن يعتبر، والواضح أن منطق الجيش النظامي السوري سيؤدي به إلى هزيمة مؤكدة، ليُمهد بذلك لسقوط النظام برمته، إن لم تتم تسوية سياسة عاجلة من خلال تفاهم الكبار؛ أمريكا ومن معها، وروسيا ومن معها.

لكن هذه الفرضية قد لا تكون الوحيدة في معادلة التسوية والحل، خاصة إذا استمر التباعد الأمريكي الروسي في الرؤية تجاه المسألة السورية، وفي تلك الحالة لا بد من سيناريوهات داخلية تفرض نفسها بالتراتب مع العد التنازلي الظاهر، وهذه السيناريوهات تؤدي بجملتها إلى نهاية النظام، ولكن بكيفية غير مُشرفة. والخيارات الماثلة أمام النظام تتلخص في الاحتمالات التالية:

الأول؛ أن تتم التسوية السياسة بضغط دولي يؤدي إلى نموذج قد يكون مُشابهاً للموديل اليمني.. لكنني أستبعد ذلك، لأن الموديل اليمني في انتقال السلطة سبقته مقدمات تتصل بالخصوصية اليمنية، نابعة من انشقاق أساسي في مؤسستي الجيش والحزب الحاكم، بالإضافة إلى فشل النظام في السيطرة على العاصمة صنعاء ذاتها، مما جعل قبول المبادرة الخليجية خياراً لا مفر منه أمام الرئيس السابق علي عبد الله صالح ومن معه، وخاصة في اللحظة التي أدركوا فيها أن مجلس الأمن الدولي بصدد اتخاذ قرارات حاسمة، تأييداً للمبادرة الخليجية، وتفعيلاً للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبموافقة روسية صينية ناجزة.

في الحالة السورية أستبعد مثل هذا السيناريو بعد أن تجاوز العنف كل الاحتمالات، وأصبحت سوريا تئن تحت وطأة القذائف والقتل.

الخيار الثاني أمام النظام يتلخَّص في هروبٍ مخْملي لرأس النظام والأقربين له، وربما كوكبة من جنرالاته. لكن خيار اللجوء لدولة ثانية قد يصطدم بانقلاب داخلي تديره كوكبة الجنرالات “الأشاوس”، من الطائفيين الاستيهاميين ضيقي الأفق، وقد يتم هذا الانقلاب بتنسيق مع رموز راكزة ممن يهمُّهم ترميم النظام لأسباب كثيرة لسنا بصددها.

الخيار الثالث هو أن يقبع الرئيس بشار الأسد ومن معه في مربع العناد، الذي يذكرنا بمصير هتلر والقذافي، وهو مصير محتوم إذا استمرت تداعيات الداخل بذات الزخم الماثل.

السيناريو الرابع، والمحكوم عليه بالفشل المسبق، ويتلخص في أن يعتصم رأس النظام ومن معه بالمناطق الجبلية المحاذية للبحر، ليجافي كامل مقولاته القومية الفضفاضة، ويعيد إنتاج النواة الطائفية التي طالما تغلَّفت بالشعارات البراقة، ذلك أن الاعتصام بجبال الشرق يومئ إلى مشروع دولة طائفية علوية يرفضها العلويون الراشدون قبل غيرهم، ولن تكون في محصلتها سوى خاصرة رخوة في سوريا الكبيرة المُسيَّجة بعبقرية التنوع.

هذه السيناريوهات الافتراضية لا تدخل في باب الأمنيات، بل إنها محاولة استقراء موضوعية لجدلية العلاقة بين التاريخ وحتميته، والإرادات وأحلامها الطوباوية.

البيان

سوريا تدخل المربّع الأخير.. قبل سقوط النظام

ربى كبّارة

دخلت سوريا المربع الأخير قبل انهيار النظام الحديدي مشهدياً, وهو الساقط فعلياً بسبب عجزه عن تنفيذ حلّ أمني – عسكري تبنّاه وتمسّك به حصراً قبل أكثر من عشرين شهراً. في المقابل يواصل مقاتلو المعارضة تقدمهم من دون أن تتمكن كل أسلحة النظام، بما فيها المقاتلات الحربية، من منعهم من دقّ أبواب دمشق أو من السيطرة على معظم أرياف العاصمة السورية وحلب وحماة وإدلب ودير الزور وسواها.

وأعقب هذه المستجدات، تصاعد العمليات العسكرية بقوة من قبل الطرفين، بدءاً من مطلع الشهر الجاري، كأنما هو تصعيد المرحلة الأخيرة التي يحاول فيها كل فريق تحقيق تقدم ميداني يسمح له بالتفاوض من موقع أقوى، خصوصاً مع بدء ارتسام ملامح تسوية دولية خصوصاً بين الطرفين الأبرز وهما الولايات المتحدة وروسيا وإن لم تتضح فعلياً مواعيد تجسدها. أو كأن ما يجري تحوّل إلى حرب استنزاف حقيقية ينتصر فيها من يملك قدرة أكبر على التحمل، وبات من الصعب تحديد موعد انهيار النظام بدقّة إذ قد يستغرق أسابيع أو أشهراً حددتها المبادرة التركية بـ”الأشهر الثلأثة الأول من العام المقبل”، وهي المبادرة التي رأتها موسكو “مبتكرة” رغم أنها تنص على تنحي الأسد خلال هذه الفترة في حين تتولى المعارضة الموحدة تشكيل حكومة جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية.

وتكاثرت المؤشرات إلى قرب الانهيار خصوصاً مع عدم مبالاة الأسد بفقدان أبرز مرتكزات “ممانعته” التي عاش عليها عقوداً طويلة. فقد قصف جواً وبراً مخيم “اليرموك” للاجئين الفلسطينيين الواقع على تخوم دمشق بعد أن نجح الثوار في السيطرة عليه وإخراجه من قبضة الفصيل الرئيسي الموالي للأسد أي الجبهة الشعبية -القيادة العامة وبقايا منظمة الصاعقة. ويذكّر مصدر فلسطيني بالموقف الرسمي الرافض للتورط في الأزمة السورية مؤكداً أن هذين التنظيمين أقحما المخيم عندما شكّلا “لجاناً شعبية” قاتلت مجموعات “الجيش الحر” في المناطق المجاورة.

والى جانب هذا التطور الدراماتيكي هناك موقف نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الأخير الذي خرج عبره عن صمت مريب ليطالب، بعد إقرار بفشل الخيار العسكري، بـ”تسوية تاريخية” تتم عبر حل سياسي، بما يعني أن هناك قناعةً أسدية بأن الحل العسكري غير وارد، فمال الى حل سياسي يحفظ له رأسه خصوصاً عبر الموقف الروسي الذي طالما أمّن له الحماية والاستمرار.

لكن عجز الأسد عن الحسم العسكري الذي طالما أمدّه الحليف الروسي بالوقت اللازم لتحقيقه، ولّد على ما يبدو قلقاً في موسكو كشفه الإعلان رسمياً للمرة الأولى عن إرسال سفن حربية هدفها إجلاء الرعايا الذين يتجاوز عددهم المئة ألف، والذي تزامن مع ما تحققه المعارضة من تقدم وإن ما زالت تتبع سياسة الكر والفر على غرار النظام، إضافة إلى خطف مواطنين روسيين على يد المسلحين.

وتوحي المعلومات المتقاطعة بمرونة روسية مستجدة قد تؤدي الى حل وفق “النموذج اليمني” يتخلى فيه الرئيس عن صلاحياته بعد أن انتفت الحاجة إلى حل وفق “النموذج الليبي” إثر انتصارات الثوار بحيث يكفيهم توفر أسلحة نوعية تشل قدرة الطائرات التي باتت قذائفها أفعل سلاح بعد تقطع أوصال الطرق البرية.

ويروي رجل اعمال لبناني من كوادر الحزب الشيوعي العليا سابقاً، مقيم في موسكو ومطلع على أحوالها، أن المتشدد الوحيد في الإدارة هو الرئيس فلاديمير بوتين فيما الليونة تميز سائر دوائر القرار وخصوصاً الخارجية الروسية. وهو يرى في عدم استبعاد نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف نجاح المعارضة، وإن نُفِيَ رسمياً، رسالة بهذا الصدد موجهة للولايات المتحدة.

ويلفت إلى أن هذه الرسالة أتت رداً على موقف واشنطن إدراج “جبهة النصرة” على لوائح الإرهاب والتي تخشى موسكو تفشّيها في سوريا حتى لا تطال لاحقاً الجمهوريات الإسلامية التي كانت سابقاً منضوية في إطار الاتحاد السوفياتي.

والمشاورات بين موسكو وواشنطن مستمرة ومن المتوقع أن تنتقل إلى مستوى أكبر فعالية بعد أن تنهي الإدارة الأميركية الجديدة ترتيب منزلها قريباً.

تندرج في هذا الإطار المعلومات المتداولة عما ما بدأ بحياكته وزيرا خارجية البلدين عند اجتماعهما مؤخراً مع الموفد العربي الدولي الأخضر الإبراهيمي في دبلن وما تبعه من اجتماعات لمساعديهما، والذي سيفضي وفق المعلومات المتسربة إلى ما يسمى “جنيف 2″، مرتكزاً على “إعلان جنيف” الذي صدر في 30 حزيران الماضي وفيه التشديد على الحل السياسي عبر قيام مرحلة انتقالية. لكن حينها تمسكت واشنطن، بالتوافق مع حلفائها من الغربيين والعرب على ضرورة تنحي الأسد كمقدمة، فيما تشبّثت موسكو بضرورة انخراط الرئيس السوري فيها. أما التسوية التي يحكى عنها وتتضمن خمس نقاط وسيسعى الابراهيمي الى تسويقها فتقضي بقيام حكومة وحدة وطنية بصلاحيات كاملة بما يعني تخلي الأسد عن صلاحياته وانتخابات خلال النصف الأول من عام 2013. حتى إن إيران المتمسكة علناً بقوة ببقاء الأسد قدمت مؤخراً مبادرة من ست نقاط خلت من أي حديث عن مصير الأسد.

المستقبل

انهيار النظام يتمدّد أكثر من المتوقّع والرأي العام ضحيّة تضليل غربي!

    روزانا بومنصف

حرصت مصادر ديبلوماسية وسياسية في بيروت على استيضاح ديبلوماسيين غربيين عادوا اخيرا الى مراكزهم في بيروت جدية الكلام عن طروحات يتم تداولها في شأن الازمة السورية، فلم تلمس ما يعطي التقارير الاعلامية والسياسية المبنية على ما تسرب عن اللقاءات الاميركية الاخيرة التي عقدت في دبلن فجنيف لاحقا صدقية كما لم تلمس ان هناك اتفاقا حصل بين الولايات المتحدة وروسيا حتى الان على رغم تداول اوساط سياسية عدة مسودات اتفاقات قيل انه تم التوصل اليها. وقد بدا موقف هؤلاء الديبلوماسيين كمن يسكب ماء باردا على تحليلات ومواقف ذهبت بعيدا في الرهان على ان تقدم المعارضة السورية هو من المؤشرات على قرب انهيار النظام السوري. الا ان واقع الامور ان بعض الدول الغربية ومواقف كبار المسؤولين ضللت الرأي العام المتابع الى حد اعتقاد كثر ان هذا الانهيار بات قاب قوسين من حدوثه. اذ ترافق الكلام الروسي لنائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف عن فقدان النظام السيطرة على الارض مع كلام غربي كان ابرزه للامين العام لحلف شمالي الاطلسي اندريس فوغ راسموسن ان النظام بات قريبا من الانهيار وان هذا الانهيار بات فقط مسألة وقت. كما صدرت مواقف دولية عدة حول استخدام النظام صواريخ سكود ضد شعبه وما فسر بان النظام يزداد يأسا. وهذه ليست المرة الاولى التي يخوض فيها مسؤولون دوليون غمار التبشير بقرب انتهاء النظام، وهو امر ارتد عليهم سلبا قبل اشهر اذ حظي هذا التبشير الاستباقي بانتقادات ديبلوماسية في الدول الغربية نفسها كون مثل هذه التصريحات وان كانت تعتمد ربما لغايات الضغط النفسي، فانها تعطي انطباعا بان الغرب يتخبط وهو يسقط تمنياته على الوضع السورين (وفي ذلك جزء كبير من الحقيقة) او انه عاجز عن اسقاط نظام يعاني ثورة داخلية ضده منذ سنتين مما يساهم في تقويته حين لا تتحقق توقعات الغربيين اكثر من اضعافه.

وما جرى في الاسابيع الاخيرة وفق هذه المصادر هو انطلاق التواصل الاميركي الروسي حول الموضوع السوري، وهو امر لا يمكن تجاهل اهميته لكن من دون اتفاق بعد. الا ان هذه الاسابيع شهدت في المقابل تطورين مهمين احدهما استنفار ايران على خط تأكيدها دعم النظام مباشرة او عبر “حزب الله” وفقا للتصريحات الايرانية اكان ذلك عن اقتناع او عن سعي الى تعزيز للاوراق وحجز مقعد في قطار التسوية حول سوريا. والتطور الاخر هو استنفار النظام نفسه بمساعدة ايرانية على خط محاولة استرجاع بعض المواقع التي خسرها في مؤشر الى عدم رضى النظام عما يتم تداوله في تفاصيل المرحلة الانتقالية واقصائه عن اي دور محتمل او عن احتمال عدم بقائه حتى موعد الانتخابات الرئاسية في سنة 2014 بدليل عدم تحديده موعدا لاستقبال الموفد الدولي الاخضر الابرهيمي من اجل ان ينقل اليه ما يتطلبه التوافق الدولي منه. ويشبه البعض رفض النظام بمن يرفض تلقي تبليغ المحكمة من اجل ان يفسح في المجال امامه للعب اوراق اضافية وكسب المزيد من الوقت وهو ما يعتقد انه حصل في تحريك ورقة المخيمات الفلسطينية في اليرموك وما يشكله ذلك من انعكاسات حول مخاطر المس بالنظام الى درجة معينة تحت وطأة تهديد الدول المجاورة تنفيذا للشعار الذي رفعه النظام منذ انطلاق الثورة عن تفجر الوضع في المنطقة في حال انهياره.

النهار

مرحلة كل المخاطر عشية سقوط النظام

عبدالوهاب بدرخان *

سقوط النظام مؤكد، لكن انتصار المعارضة يحتاج الى تحـــصين وتأمين، إلا أن القوى الـــدولية لا تزال تفضــّل محاربة النظام بدماء السوريين. اللحظة الآن بالغة الصعــوبة، فالسقوط لم يعد مجرد «رهان»، وفق توصيف الأمين العام لـ «حزب الله» الذي يعتــبره «رهاناً خاطئاً»، بل أصبح واقعاً مجسّداً على الأرض. لم يعد استمرار القدرة على القتل وتدمير المخابز ومحــطات الوقود مؤشراً على تمتع النظام بالقوة والعافية. ولا يشكّل انحسار الدولة بوظائفها الأساسية المعهودة دليل بقاء للنظام. ولا يشير البحث الاميركي – الروسي عن سيناريو نهاية منسّقة للأزمة الى أن النظام سيكون جزءاً من المرحلة المقبلة. ولا تفسير لترحيب الرئيس الروسي بالمبادرة التركية «المبتكرة» سوى أن موسكو تبحث عن مخرج.

في هذا السياق لا يعني الظهور المفاجئ والحديث المبرمج لنائب الرئيس فاروق الشرع أن النظام محتفظ بصلابته. وهو ما ينعكس بقوله إن أياً من النظام أو المعارضة لا يمكنه حسم النزاع. فهذه معادلة يعترف بها النظام للمرة الأولى، وإنْ كان استخدمها أمام المبعوثين الدوليين للمحاججة بأن الحل يجب أن يكون سياسياً، لكن وفقاً لـ «رؤيته». كان الشرع يرد على نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي صرّح بأن المعارضة «يمكن أن تنتصر»، كما ردّ عليه حسن نصرالله. هذا التقويم/ الإنذار الروسي هو ما دفع النظام الى الترخيص للشرع بالخروج الى الضوء وبتقديم نسخة منقحة لـ «الحل» الذي «يجب أن يكون سورياً» لكن بصياغة جديدة عبّر عنها بـ «نحن يجب أن نكون في موقع الدفاع عن وجود سورية، ولسنا في معركة وجود لفردٍ أو نظام». لكنّ هناك شيئاً آخر، هو أن محادثات دبلن (كلينتون – لافروف – الابراهيمي) ثم جنيف (بيرنز – بوغدانوف – الابراهيمي) تطرقت الى إحياء «سيناريو الشرع» للمرحلة الانتقالية من خلال تشكيل «حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة»، أي العودة الى «السيناريو اليمني المعدّل» الذي كانت موسكو طرحته تسريباً منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 ثم أعاد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو طرحه تصريحاً في تشرين الأول (اكتوبر) 2012.

كان النظام أطاح هذا الاقتراح الذي شكّل أساس المبادرة العربية ثم «اتفاق جنيف»، كما بدّد سواه، اذ كان مقتنعاً بأن الحسم العسكري في متناوله. لكن يبدو أن وصول الثوار الى محيط القصر الرئاسي ومثول النهاية أمام الأنظار أجبراه على شيء من البراغماتية، فهل إن اعادة الشرع الى الواجهة بداية موافقة على «نقل السلطة»، خصوصاً أن «كل يوم يمرّ يبتعد معه الحل عسكرياً وسياسياً»، كما قال؟ لا شيء مؤكداً، فالصياغة الجديدة لـ «الحل السوري» تريده «من خلال تسوية تاريخية تشمل الدول الاقليمية الأساسية والدول الأعضاء في مجلس الأمن». ماذا يعني ذلك؟ عدا أن النظام يعيد طرح نفسه لاعباً ومديراً لـ «الحل»، فإنه يعتزم توظيف الشرع على نحوٍ مختلف عما تتصوّره القوى الدولية. وعدا أن الحديث عن «تسوية تاريخية» اقليمية – دولية يشير طبعاً الى اشراك ايران، فإنه لا يناقض مفهوم «الحل السوري» فحسب، بل يُراد منه فتح خرائط «سايكس – بيكو» بحثاً عن صيغة جديدة لحماية الاقليات وإرضائها.

لكن، أين «الدفاع عن وجود سورية» هنا؟ وهل خطّط الشرع أو شارك في تخطيط الدور الذي يمكن أن يُدفع اليه، وهل يستطيع رفضه اذا خالف قناعاته؟ لا معنى للدفاع عن «وجود سورية» اذا لم يكن دفاعاً عن وحدتها، والحال أن نظاماً يهجس بوحدة البلد شعباً ودولةً وأرضاً لا يمكن أن يقدم على هذا التدمير المنهجي للمدن والبلدات وللتراث والثروات، بل هو نظام ينفذ شعار «شبيحته» (الاسد أو لا أحد) أو قولهم «لن يبقى حجر على حجر»، ما يشي بأن هذا ما يفهمه النظام في شأن الإطار الاقليمي – الدولي لـ «الحل»… أي أنه ينطوي على خيارين: التهديد بتصدير الأزمة اقليمياً، أو الشروع في مساومة كبرى.

ما يقلق النظام أن أحداً – ولا حتى روسيا – لا يحادثه في ما يُطبخ من سيناريوات، لذلك فإن حديث الشرع ومضمونه يفيدان بأن «رسائله» الاخرى عبر المجازر والقصف الجوي والتصعيد الجنوني، بما فيها التلويح بالسلاح الكيماوي، لم تكن مجدية، لذلك رأى أن يرفع ورقة فاروق الشرع ليقول إنه جاهز للمساومة. ومن الواضح أن هذه الخطوة جاءت منسّقة مع الحليف الايراني الذي استقبل الاعتراف الدولي بـ «الائتلاف الوطني السوري» بإعلان أنه لن يسمح بإسقاط النظام السوري، ثم أوعز لنصرالله بأن يقول ما قاله الشرع، لكن بلهجة متشددة وهجومية، ما أوحى بأن «الخط السوري – الايراني» لم يقل كلمته الاخيرة اذ لا يزال لديه «سيناريو يوم القيامة» لتدمير دمشق وإيصال أهلها، كأهل حلب، الى حافة المجاعة. وقد بلغت به الحقارة حدّ قصف المخابز في حلب أو شاحنات التموين الآتية اليها، ومن ثمَّ ارسال آلاف ربطات الخبز الموسومة بصورة الاسد وشعار «منحبّك».

بالتزامن مع ذلك، عمدت طهران الى كشف تفاصيل «خطة الخروج من الأزمة» التي كانت قدّمتها الى الأخضر الابراهيمي. والأكيد أنها كشفتها بعدما أيقنت أن القوى الدولية لم تعرها أي قيمة، ولتقول أيضاً إن أي حل خارج هذه الخطة، التي تمثل وجهة نظر النظام السوري، لن يُكتب له النجاح. كانت «الخطّة» بُنيت على أساسين تخطّتهما الأحداث (وقف أعمال العنف، وحوار وطني) وأمعن النظام نفسه في إفشالهما، لأنه لا يستطيع وقف النار ويريد حواراً تحت سيطرته. وإذ يقول الشرع إن الاسد أراد أن يحسم عسكرياً قبل أن يذهب الى حل سياسي، فمن الواضح الآن أنه خسر الأمرين معاً، ولم يعد أمامه سوى خيارين: الرحيل، أو الانكفاء الى منطقته على الساحل.

تجدّد الحديث عن «الرحيل» في إطار محاولة التقارب الاميركية – الروسية للحؤول دون السقوط المفاجئ أو الانهيار السريع للنظام، وبالتالي لإعداد نهاية متفاوض عليها. لا يبدو أن «المبادرة التركية» بعيدة من هذه الهواجس، فهي تلحظ ضرورة تنحي الرئيس لتصبح المرحلة الانتقالية متاحة، والتنحي يعني هنا الرحيل، بل ان هناك مَن يهتم بوضع قائمة بما لا يقل عن خمسين عسكرياً يمكن أن يغادروا مع الاسد، وقيل إن عدداً من هؤلاء سبق لهم أن هرّبوا أموالهم كما رحّلوا عائلاتهم أو معظمها، إمّا الى لبنان أو الى الإمارات. ويعني الرحيل أيضاً خسارة فعلية للنظام ولحليفه الايراني وأن «التسوية التاريخية» وفقاً للتخطيط الايراني – الاسدي ليست واردة، على رغم أن القوى الدولية ترغب في ايجاد أي وسيلة متفق عليها لضمان عدم التعرّض للأقليات وبالأخص العلوية.

قد تكون الورقة الأخيرة في يد النظام أن ينكفئ مع «شبّيحته» الى الساحل، على أن يستبقه بالحصول على ضمانات دولية لـ «الكيان العلوي» الذي بات يطمح الى جعله «موطن الأقليات» الموصول جغرافياً بلبنان. ومن أجل تلك الضمانات قد يعمد الى تأجيج المواجهات الطائفية في سورية كما في لبنان، ما يوجب إقحام «حزب الله» أكثر فأكثر في القتال. ويبدو «الكيان العلوي» كذلك ورقة أخيرة لإيران لتفادي خسارة كاملة في سورية، قد تتبعها استطراداً خسارة في لبنان. الأسابيع المقبلة حتى آذار (مارس) ستكون بلا شك مرحلة كل المخاطر في سورية.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

عن المرحلة الأخيرة لبشار وما بعد سقوطه

                                            ياسر الزعاترة

لم يعد ثمة كثير شك في أن بشار الأسد لم يعد برسم البقاء في السلطة في سوريا، سواء سقط بعد أيام أم أسابيع أم أشهر، لكن الجدل بشأن احتمالات البقاء، وتبعا لذلك سيناريوهات السقوط، ثم الوضع التالي ستبقى تتردد في الأروقة السياسية والعسكرية، وهي ستبقى الأسئلة الأكثر أهمية في سياق الملف السوري.

المعضلة الكبرى التي تواجه المحلل السياسي تتعلق ابتداء بقراءة الوضع العسكري الذي يختصم فيه الخبراء، وتتناقض حوله المعلومات المتداولة والمسربة من هذا الطرف أو ذاك. وقد تصاعدت الآمال بسقوط النظام إثر تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي “بوغدانوف”، وقبل ذلك حديث وزير الخارجية نفسه “لافروف” عن عدم اشتراط بقاء الأسد في السلطة لإنجاز تسوية، وهما التصريحان اللذان جاهدت الدبلوماسية الروسية لتوضيحهما كي لا يتخذا مؤشرا على اقتراب سقوط النظام.

لم يكن ذلك هو كل شيء في السياق، فالتقارير الصحفية التي تتحدث عن قرب سقوط النظام كثيرة، ومعها تصريحات لدبلوماسيين كبار في الأروقة الدولية، فضلا عن سحب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للجزء الأكبر من موظفيهما في العاصمة دمشق، وكذلك حال الأنباء التي تحدثت عن إرسال سفن حربية روسية إلى ميناء طرطوس تحسبا لاضطرار روسيا إلى سحب رعاياها من سوريا.

لكن ذلك لا ينفي أيضا وجود تقارير صحفية أخرى تشير إلى أن النظام لا يزال قادرا على الصمود لفترة طويلة، لا سيما أن مشهد الصراع صار في صالحه من حيث احتماؤه بالعاصمة مقابل محاولات الثوار التقدم نحوها دون سلاح نوعي، وبالطبع مع تفوق للنظام في ميدان الجو رغم توفر بعض المضادات بين يدي الثوار.

وإذا أضفنا إلى ذلك كله الإصرار الروسي والأهم الإيراني على مد النظام بأسباب البقاء على مختلف الأصعدة، فسيكون المشهد أكثر تعقيدا، لا سيما أنه إصرار لا يزال قويا طمعا في حل سياسي (إيران كي لا تكون الهزيمة واضحة وتؤثر على منجزاتها في العراق ولبنان، وروسيا كي لا تؤثر على مصالحها في سوريا، والأهم على هيبتها الدولية)، إذا أضفنا ذلك فسيغدو حسم السؤال حول توقيت السقوط أو المدى الزمني لصمود النظام صعبا إلى حد كبير.

كل ذلك لا ينفي ما أشرنا إليه حول يأس مختلف أنصار النظام من إمكانية صموده بالكامل، وإن بقي الأمل لديهم قائما في إنقاذ ما يمكن إنقاذه منه، ربما الجيش والمؤسسات الأمنية، وربما مؤسسات الدولة العليا إذا بالغوا في الطموح.

ما يمكن رصده في الداخل السوري هو أن القرار السياسي والعسكري في سوريا لم يعد بيد بشار الأسد، بل بيد القيادة العليا للجيش والأجهزة الأمنية، التي تتشكل من حوالي 27 ضابطا علويا، مع عدد محدود من الضباط السنة لا يتعدى، حسب دوائر المعارضة، 1400 ضابط يبدو أن أسبابا معينة قد حالت دون انشقاقهم، وربما غاب أكثرهم عن دائرة صنع القرار والإشراف على القتال.

بشار إذا أصبح رهينة بيد النخبة العسكرية، ولو فكر بترك البلد فسيقتلونه كما ذهب محلل روسي، أو يمنعونه في أقل تقدير، لأن فراره سيسرع سقوط النظام، وسيترك الأقلية العلوية رهينة وضع غامض يصعب التنبؤ به، ويبدو أن النخبة إياها قد ارتبطت بالكامل بالدوائر الإيرانية.

لو جئنا نتحدث عن السيناريو الأفضل للوضع في سوريا، فلا شك أنه يتمثل في قيام النخبة العسكرية العلوية إياها بانقلاب على بشار الأسد، ثم تعرض على المعارضة تسليم السلطة لحكومة انتقالية مقابل ترتيبات أو ضمانات معينة، والأرجح أن توافق المعارضة على العرض، وإن أصرت على محاكمة المجرمين، وربما ملاحقة الأسد ومن حوله، لا سيما لصوص ثروات السوريين، لأنه من غير المنطق أن ينجو هؤلاء بسرقاتهم ولا يحاكموا على جرائمهم، وإن حصل شيء كهذا فإن قيام بعض أهالي الشهداء بالثأر من أناس في الطائفة العلوية لن يكون مستبعدا بطبيعة الحال.

في سياق التعاطي الإيراني مع هذه المعادلة الصعبة، قامت إيران وحلفاؤها بعدة خطوات خلال أيام قليلة. إذ خطب حسن نصر الله قائلا إن من يعتقد أن النظام سيسقط “مخطئ جدا جدا”، ثم تحدث نائب وزير خارجية إيران قائلا إن “الجيش السوري وجهاز الدولة يعملان بسلاسة”. في محاولة لبث الطمأنينة في أوصال أركان النظام، وخشية تفكير نخبته العسكرية (العلوية) بالانقلاب على بشار.

ثم جرى ترتيب حوار صحفي أجراه رئيس تحرير صحيفة الأخبار اللبنانية المحسوبة على حزب الله مع فاروق الشرع، وكانت رسالة الحوار الأساسية هي عدم وجود أفق لإسقاط النظام عسكريا، وإن أقرّ في المقابل بأن قدرة النظام على الحسم العسكري معدومة أيضا، كما تضمن رسالة أخرى غير مباشرة تتعلق بأن سوريا أكبر من أي نظام وأي فرد، ما يعني ضرورة التفكير في رحيل الأسد كحل للمعضلة، ولكن عبر حل سياسي وحوار بعد وقف العنف.

ثم جاءت المبادرة الإيرانية ذات النقاط الست، والتي لم تقدم شيئا يمكن أن تقبله المعارضة كونها تشترط الهدوء قبل اتخاذ أي خطوات سياسية، لكنها انطوت على تراجع سياسي يوحي بيأس طهران من إمكانية بقاء الأسد.

ما لا يكن استبعاده في السياق وتحدثت عنه دوائر غربية هو لجوء بشار ونخبته العلوية إلى مناطق العلويين في الساحل في حال اقتربت دمشق من السقوط، وتحدثت ذات الدوائر عن نقل أسلحة إلى تلك المناطق وفرق من المغاوير أيضا، بل وصواريخ محملة برؤوس كيماوية أيضا. لكن تقارير أخرى ذهبت نحو استحالة ذلك تبعا لسيطرة الثوار على أجزاء من تلك المناطق، ونظرا لوجود سنة ومسيحيين فيها، ما يستدعي تطهيرا عرقيا لإتمام المخطط، أقله للسنّة.

هو خيار انتحاري دون شك، ومن الصعب صموده، لكنه يبقى جزءا من المساومة التالية أيضا، هذا إذا لم يكن هناك من يقتنع إيرانيا وداخل النخبة إياها بإمكانية صمود تلك الدويلة مستفيدين من تلك الصرخات التي تأتي من الغرب وتتحدث عن الخوف من مجزرة بحق العلويين بعد سقوط النظام.

وفي حين كانت هناك مبادرة تركية أيضا، سيبقى سباق السياسة مع الحل العسكري قائما حتى النهاية بسبب مخاوف الأطراف المعنية من تداعيات السقوط، من دون أن يكون بوسع أحد استبعاد نجاحها في التوصل إلى حل ما.

يدخلنا هذا البعد إلى سؤال اليوم التالي، وما يمكن أن يحدث في حال سقط النظام من دون ترتيبات سياسية، وهو سؤال سيبقى مطروحا في حال رحيله ضمن اتفاق معين لا يمكن أن يحظى بموافقة جميع الأطراف.

هنا يمكن القول إن رحيل النظام وفق ترتيبات سياسية تتضمن حكومة انتقالية لا يعني أن اليوم التالي سيكون مستقرا إلى حد كبير، ذلك أن عدد الكتائب وتعدد المرجعيات السياسية والعسكرية يطرح أسئلة أكبر بشأن قبول هؤلاء باللعبة السياسية، سوءا فعلوا ذلك تبعا لاشتراطهم الحصول على حصص مبالغ فيها، أم بسبب رفضهم المبدأي للعملية السياسية التي يرتبها الخارج، قياسا على رفض العملية السياسية واستهداف أركانها من قبل نظرائهم في العراق.

ونعني هنا جبهة النصرة كعنصر أساسي في هذا السياق، وهي جبهة باتت عنوان القوة الأول (كفصيل) في الساحة السورية، بل ربما زادها موقف واشنطن بوضعها على لائحة الإرهاب شعبية بين الناس، والأهم بين المقاتلين الذين صاروا ينتقلون إليها من المجموعات الأخرى، مع أن أحدا لا يختلف حول أن الغالبية من المقاتلين ليسوا ضمن إطار الجبهة التي تضم بين صفوفها نسبة لا تتعدى الربع من المقاتلين العرب والمسلمين.

إن حجم التناقض في الساحة السياسية والعسكرية يستدعي عملا دؤوبا للملمة الوضع وتشكيل حكومة انتقالية تحظى بإجماع الجزء الأكبر من الفاعلين على الأرض، بما في ذلك جبهة النصرة التي لا بد من التفاهم مع رموزها والجهات الداعمة لها كي تقبل المشاركة في الحكومة الانتقالية، وتقتنع بأن هذه ثورة حرية وتعددية وليست انقلابا عسكريا، وأن الناس هم الذي سيختارون مصيرهم وممثليهم بعد ذلك عبر الصناديق، وأن الإصرار على فرض غير ذلك على الناس سيعزل الجبهة شعبيا كما عزل دولة العراق الإسلامية من قبل (نسبيا على الأقل)، ولا حاجة لتكرار التجربة، وليتذكر قادة الجبهة أن الإعجاب بها وبعناصرها كمقاتلين يثخنون في عدو مجرم لا يستدعي بالضرورة موافقتهم على نهجهم كسياسيين يريدون فرض ما يريدون على الناس بسطوة القوة، ولا يجب الشك هنا في انحياز الشعب السوري إلى هويته وثقافته، أو التشكيك في عموم ممثليه حتى لو توفرت ملاحظات على بعضهم.

إذا لم تكن هناك تفاهمات من هذا النوع، وتهميش لروحية الشخصنة في سلوك رموز الثورة، فسنكون إزاء سيناريو من الفوضى لا يمكن التنبؤ بمداه، ولا بما سيتسبب فيه من خسائر بشرية ومادية، ولذلك ليس لنا إلا أن ندعو الله أن يهدي قادة السوريين سبيل رشد يجعل من انتصارهم على الطاغية محطة خير وبركة، وليس محطة تأخذهم نحو مزيد من الفوضى والاقتتال.

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى