أكرم البنيحسين العوداترضوان زيادةسلام الكواكبيصفحات سوريةعمر العبد اللهغازي دحمانغسان المفلح

مقالات لكتاب سوريين تناولت جنيف 2

التسوية التاريخية والمصالحة الوطنية/ حسين العودات

 تردد اصطلاح التسوية التاريخية في سوريا بعد مضي عام ونيف على ثورتها، حيث لم تنتصر المعارضة عسكرياً على السلطة، ولم تستطع السلطة قمع الثورة والقضاء عليها، رغم ممارسة هذه الأخيرة العنف، وخرق القانون وإعطاء الحق للقوات العسكرية التابعة لها ولميليشياتها بالقتل والتدمير، واستخدام مختلف الأسلحة بما في ذلك قصف الطيران للقرى والمنشآت المدنية، من دون احترام القانون الدولي ولا الأخلاقي ولا حتى للقوانين السورية، وارتفعت أصوات تطالب بحل الأزمة السورية سياسياً بعد اقتناعها بتعذر الحل العسكري.

أمام هذا الواقع، وبعد تعقيدات الأزمة السورية، وطول مدتها، والدمار الذي حل بسوريا في مختلف مجالات الحياة، وغزو الجوع والتشرد والمرض، وغيرها للشعب السوري، وبعد أن وقعت السلطة في أزمة خانقة، ليس في المجال الاقتصادي ومختلف مجالات الدولة ومسؤولياتها. بدأ اصطلاح التسوية التاريخية يرفع رأسه ويصدر عن بعض السياسيين الأقل تطرفاً هنا وهناك، أعني في الموالاة والمعارضة، وفي الوقت نفسه، أخذت بعض الأطراف السورية (معظمها غير مسيّس)، تطرح اصطلاح المصالحة الوطنية بين التيارات المختلفة وبين أهل السلطة. ويبدو أن معظم أنصار التسوية التاريخية أو المصالحة الوطنية لايحيطون بالمعاني الحقيقية لهذين المصطلحين، ويرون في كل منهما وسيلة للقاء بين شرائح الشعب السوري، وتياراته السياسية والاجتماعية وبين السلطة أو بعض السلطة، وإلقاء الأحقاد جانباً، وتسوية الخلافات والتسامح بين الأطراف، وعفا الله عما مضى، ثم العودة إلى إعمار ما دمرته الحرب.

يختلف مفهوم التسوية التاريخية في التعريف وفي الواقع اختلافاً نوعياً عن مفهوم المصالحة الوطنية، ومع أن الدوافع لكل منهما هي دوافع واحدة إلا أنها لا تقود إلى النتائج نفسها، ذلك أن للتسوية التاريخية شروطاً ومعايير ومفاهيم علمية وسياسية، من شأنها مواجهة أي أزمة أو مرحلة تاريخية على أسس ثابتة، وإقامة بنيان راسخ من شأنه أن يعالج أسباب الأزمة، ويستوعب إشكالياتها، ويجنب شركاء التسوية مستقبلاً أي خلل، يتيح لها أو لأزمة أخرى أن تطل برأسها من جديد.

ففي الحال السوري مثلاً، تقتضي التسوية التاريخية مشاركة الأطراف ذوي العلاقة بها جميعهم، والاتفاق فيما بينهم على مفهوم الدولة التي يريدون (برلمانية، رئاسية، تعددية، تداولية..الخ)، ومعاييرها التي سوف تطبق (المواطنة، الحرية، الديمقراطية، العدالة، تكافؤ الفرص، احترام حقوق الإنسان)،وهيكلية هذه الدولة (فصل السلطات، المجتمع المدني، الأحزاب.. الخ)، ووظائفها (التعليم، الصحة، الضمان الاجتماعي، القطاع العام،القطاع الخاص..)، وعلاقة الحكومة بالدولة ( مجالات سلطة الجيش والأمن، حقوق المعارضة).

وقبل هذا وذاك الاتفاق على مفهوم الهوية الوطنية، ومرجعيات الدولة وأولوياتها، وغير ذلك، أي أن التسوية التاريخية المأمولة للأزمة السورية، تشكل اتفاقاً على ميثاق جديد، وعقد اجتماعي جديد ودستور جديد، وإن لم يتحقق ذلك، فلن تكون تسوية تاريخية، بل تسوية عابرة مهمتها وقف الاقتتال، وهكذا فإن الخشية قائمة من أن شعارات التسوية التاريخية التي طرحها بعض المسؤولين في النظام السوري، لم تكن تعني التسوية التاريخية، وإنما كانت رغبة في المصالحة العابرة بين أبناء المجتمع السوري وبين النظام السياسي القائم. وهذا يقودنا إلى مفهوم المصالحة الذي طرحه سوريون عديدون، معتقدين أنه السبيل الناجع لحل الأزمة.

إن الأمر الجوهري في المصالحة الوطنية، هو اتفاق طرفين أو أكثر من أبناء المجتمع على تنحية الخلافات القائمة، وقبول الأمر الواقع، وإبعاد الأحقاد والعمل بالتسامح، من دون الاتفاق على أسس جديدة ثابتة واضحة، تعالج أسباب الخلافات ومواقع الخلل في العلاقة القائمة، والاكتفاء بوقف التحارب وإيقاف العنف، وعودة كل شيء إلى ما كان عليه، وهو ما يسميه أصحاب هذا الرأي (عودة الأمور إلى نصابها)، من دون تغيير أو تبديل، وتجاهل عوامل الهشاشة وعدم التوازن والخلل التي كانت قائمة وكانت سبباً للأزمة.

إن الفرق بين رؤية السلطة السورية لمؤتمر جنيف، ورؤية المعارضة هو في الواقع كالفرق بين المصالحة الوطنية وبين التسوية التاريخية، فالنظام يريد من مؤتمر جنيف أن يكون وسيلة مصالحة وطنية مع المعارضة، تدخل المعارضة من خلالها في كنف السلطة (بشراكة واهية)، وإجراء بعض الإصلاحات الشكلية، والعودة إلى النظام الذي كان، وعدم محاكمة المرتكبين و(بوس اللحي).

بينما تريد المعارضة من مؤتمر جنيف، أن يصل إلى تسوية تاريخية حقيقية، يتم من خلالها الاتفاق على مفهوم الدولة السورية المقبلة، ومعاييرها وهيكلتها وتحديثها وعلى الميثاق الوطني والعقد الاجتماعي (الذي يقود إلى دستور جديد). وبهذا وحده تتحقق التسوية التاريخية المؤهلة، للوصول إلى الاستقرار والازدهار في سوريا، وترى المعارضة أن أي اتفاق غير هذا.

إنما يكون أمراً شكلياً، ومحاولات مبتسرة (للفلفة الأزمة)، التي لا تلبث أن تنفجر من جديد، بعد مدة قصيرة. فالصلح إجراء مؤقت، بينما التسوية التاريخية إجراء أكثر ثباتاً وديمومة، وينبغي ألا تغرنا تسمية المصالحة الوطنية، فهي اصطلاح لا علاقة له واقعياً، برسم طريق الإنقاذ الوطني، والوفاق الوطني المستقر، وطويل العمر.

البيان

حلّوا في سوريا واربطوا بجنيف/ غازي دحمان

قبل الذهاب إلى جنيف، لإنهاء الحرب الشرسة الدائرة على الأرض السورية، يستلزم أن يتفق الأطراف كلهم على تحديد المشكل السوري وتعيينه بدقة وصراحة. ويستتبع ذلك، ليس تحديد من يحضر في وفدي الطرفين، بل تعيين فريق منهما لتحديد طبيعة المشكل وماهيته، ثم كل ما يلي ذلك مجرد تفاصيل صغيرة.

لماذا يذهب السوريون إلى جينيف؟ وعلى ماذا يراهن طرفا الأزمة؟ وهل سيحصلان في السياسة على ما عجزا عن الحصول عليه في الميدان! أم أن الحضور” (إن حصل) سيكون مجرد استجابة لضغوط الأطراف الدولية، فيما يبدو أنه محاولة لعدم تعكير أجواء التوافق الدولي؟

ليس لدى أطراف الأزمة حتى قليل من الإجابات عشية الانخراط بالعملية السياسية في جنيف 2. لديهما الكثير من تكتيكات الخداع السياسي والمناورات السياسية المكشوفة في أغلبها، لكن هذه لن تضمن لأحد الطرفين السيطرة على الوضع الداخلي، حتى لو ضمنت له فوزاً تفاوضياً واعترافا دولياً، بنسبة معينة، ذلك أن الأزمة، ورغم درجة التأثير الخارجي فيها، إلا أنها تشتغل بديناميات داخلية، سيظل لديها القدرة على تشغيل حالة الصراع وإدامته، طالما لم يجر تفكيك تلك الديناميات وإبطال مفاعيلها.

ورغم ما يحكى عن تدخل خارجي لصالح طرفيّ الأزمة، من دعم عسكري ومعنوي، فإن ذلك لم يفعل سوى رفع منسوب الصراع، بالنسبة لأزمة وصل فيها الخلاف الداخلي إلى درجة صار معها الاستقطاب الخارجي واحداً من آليات اشتغالها. فلم يكن العامل الخارجي قادراً على التعبير عن نفسه بهذا الوضوح لو لم يتسنَ له البناء على مبررات أفرزتها بنى الصراع الداخلي. وهذا إن دلً على شيء فإنه يدلل على مدى التصدع والافتراق الحاصل في البنى الوطنية السورية، سواء لجهة أسس العيش المشترك بين جماعاتها، أو لجهة نظرة كل جماعة إلى أخرى، وتصوراتها لمآلات الصراع وحدوده.

إذاً المشكلة في الداخل السوري، والابتعاد عن المكاشفة الواضحة والصريحة لأبعاد الأزمة ومسبباتها، ليست سوى تقنيات ، أو تقيات، لضمان استمرار الأزمة. ولم يعد مفيداً الاختباء وراء المصطلحات والتسميات، رغم أثرها القانوني والسياسي. ذلك أن ما بات مطلوباً اليوم هو إنقاذ ما تبقى من البشر والعمران، فسوريا الواحدة الموحدة لن تكون لأي من طرفي الصراع بعد اليوم، كما لن يتمكن أحدهما من الفوز أصلاً في هذا الصراع، ذلك أن القضية ليست عسكر مقابل عسكر ولا سلاح مقابل أخر، القضية باتت في سوريا قضية بنى ومكونات اجتماعية في مواجهة نظيراتها” الوطنية”، كما أن أساس الصراع بات طائفياً بامتياز.

قد يرى البعض أن في ذلك انتصارا لمنطق نظام الأسد، أو تشريع نافذة له للتخلص من جرائمه بحق السوريين، ربما ذلك صحيح، لكن أيضاً ما العمل أمام حالة وطنية مشرذمة ومنقسمة، وما العمل ما دامت الحرب تخاض على الأرض بأدوات طائفية، فهل يكفي الخطاب الإعلامي والسياسي لإنكارها! الواقع والممارسات على الأرض تكذب الخطاب السياسي لطرفي الأزمة، وحالة الاستقطاب المذهبي، لدى جميع الطوائف السورية، لم تعد بحاجة للإنكار، ولا يفيد تفلت بعض الأفراد من هذه الحالة الإستقطابية العدائية التي تصبح المجتمعات في ظلها مجرد قطعان تقودها غرائز الخوف وحالة الشك تجاه الأخر.

المشكلة في الداخل السوري، وحل هذه المشكلة لن يتم بأماني الوحدة الوطنية ودعوات العيش المشترك، هذا ضرب من الأحلام المؤذية، الحل يكمن في الاعتراف بالمشكلة وتعيينها بدقة، ثم معالجة أسبابها، أو لنقل مفرزاتها، على اعتبار أن أسبابها ثورة وطنية، جرى تطييفها عبر تكتيكات سياسية اتبعها النظام، وساعده بدرجة كبيرة حالة الاستعداد والقبول لدى مكونات وطنية، ثبت أن ثقافتها السياسية عن الدولة والوطن هي ثقافة الما قبل، في حين أنها حظيت بنظام سياسي ساهم بترسيخ هذه الحالة وإدامتها.

الحل ليس في جنيف، وإن كان لا يضر إعلانه من تلك المدينة الراقية، الحل يجب أن تنتجه الدساكر والأرياف والمدن السورية، وعلى أساسه، يجب أن تصدر الوفود عن صفتها الطائفية والعرقية وتطرح هواجسها وتصوراتها عن الوطن الذي سيتم بناؤه وفق تلك الحيثيات، ومن ثم يمكن الحديث عن تشكّل مجال سياسي عام يمكن الانطلاق منه للتوافق على مختلف القضايا الإشكالية. في هذه الأثناء، يوجد في سوريا مجال للتصارع والاشتباك الحربي، فيما يتوارى المجال السياسي القادر على إنتاج الحلول السياسية.

المستقبل

أحوال المعارضة السورية على مشارف جنيف2/ أكرم البني

تباينت مواقف المعارضة السياسية السورية من مؤتمر جنيف 2 بين طرف متحمس للمشاركة ويرى في المؤتمر نقلة مهمة تضع الصراع السوري في مسار جديد، وآخر يرفض رفضا مطلقا التفاوض مع نظام فتك بشعبه ودمر البلاد، بل يعتبر كل موقف مغاير لذلك هو استسلام وخيانة لمبادئ الثورة.

ويتخوف طرف ثالث من أن تفضي مشاركة المعارضة في مؤتمر غامض ومبهم إلى مد النظام ببعض أسباب الشرعية ومنحه الغطاء والوقت كي يتوغل أكثر في العنف والتنكيل.

في حين يضع طرف رابع اشتراطات متنوعة لعقد المؤتمر تتراوح بين الإقرار المسبق بتنحية أركان النظام الأساسية ومحاسبتهم على ما ارتكبوه، وبين رفض إدراج إيران في عداد المشاركين، وبين اشتراط بإزالة الالتباسات المرافقة لهذا المؤتمر وخاصة التأكيد على تنفيذ بنود جنيف 1 الداعية لوقف العنف وعودة الجيش إلى ثكناته وإطلاق سراح المعتقلين والسماح بحق التظاهر السلمي وتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة.

وإذ شجعت التباينات السابقة “المجلس الوطني” ليهدد بالانسحاب من “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” إذا شارك هذا الأخير في جنيف 2 فإنها شجعت أيضا مكونات رئيسية من “الجيش الحر” على إعلان رفضها الصريح لسياسات الائتلاف المرنة والمرتبكة تجاه المؤتمر وعلى تشديد المطالبة بدعم عسكري نوعي يمكّنها بداية من تعديل توازن القوى القائم.

وتعديل موازين القوى ليس فقط مع النظام وإنما أيضا مع الجماعات الإسلامية المتشددة التي استفادت من ضعف المعارضة الوطنية ولا تعير انتباها للمبادرات السياسة، بل همها الرئيسي هو تمكين نفسها عسكريا والاستئثار بكل شيء في المناطق التي سيطرت عليها لتطبيق أجندتها الخاصة وفق ما تعتقد أنه شرع الله على الأرض.

ما سبق أضفى على صورة المعارضة السورية الضعيفة والمضطربة أصلا المزيد من التشتت والاضطراب، وبدت وكأنها لا تمتلك أية رؤية واضحة بشأن مشاركتها في مؤتمر جنيف، بدليل الاختلافات وربما التناقضات في تصريحات ممثليها عن المؤتمر وصلت أحيانا إلى تبادل الاتهامات والإساءات، وبدليل تلكؤها وارتباكها في التعاطي مع الدعوة لتشكيل وفد موحد يشارك في جنيف يضم مختلف أطيافها في الداخل والخارج.

وإذا أضفنا تقصيرها وعجزها المزمن، بعد عامين ونصف العام من عمر الثورة، عن إظهار نفسها قدوة ومثلا يحتذى في المثابرة والتضحية وفي إطلاق المبادرات لتمكين الحراك الشعبي وتغذيته بالخبرات السياسية والمعرفية، يمكن أن نفسر شيوع حالة من الاستخفاف بمكانتها ودورها، فهي “معارضة غير مقنعة” عند الأخضر الإبراهيمي، وقابلة للانصياع السريع للضغوط والإملاءات لدى بعض الأطراف الغربية والعربية، وفقدت ما تبقى لها من احترام عند السوريين، الذين منحوها ثقتهم في أكثر من محطة ولكنها خيبت أملهم في دور قيادي كانوا ينتظرونه منها.

إشهار هذه الحقائق يعني أن المعارضة السورية ليست بخير وعافية وهي تقف على عتبة جنيف 2، بل هي ضعيفة ومفككة وغير مؤهلة لتحمل مسؤوليتها السياسية، إن بالمشاركة أو بعدم المشاركة، وإن انعقد المؤتمر أو لم ينعقد، ولهذه النتيجة أسبابها.

أولا، الطبيعة التكوينية للمعارضة السورية التي تشكلت من خليط غير متجانس ينحدر من منابت سياسية شديدة التنوع، ولا تزال غالبية تنظيماتها تستند إلى مرجعيات شمولية أو أقرب إلى الشمولية، مما أفضى إلى تباينات في قراءتها للمتغيرات الحاصلة، وفي بناء التكتيكات السياسية، وفي الموقف من النظام السياسي الراهن.

فثمة من تبنى المطلب الشعبي الداعي إلى الإطاحة بالنظام بكافة أركانه ورموزه، وهو ما حملته قرارات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وهناك من يسعى إلى تغيير، يعتبره جذريا، نحو الحياة الديمقراطية لكن ضمن رهان على مشاركة متفاوتة من قبل أهل الحكم أو بعض أركانه، كما هو موقف هيئة التنسيق الوطني.

وقد زاد الطين بلة انسداد آفاق الحلول السلمية وانعدام أية فرصة لوضع الحالة السورية على سكة المعالجة السياسية، مما أفقد المعارضة الدور المنوط بها، الذي كان يفترض تعويضه بتعزيز حضورها وتواصلها مع الأوساط الشعبية الصاحبة المصلحة في التغيير، وبتقديم إجابات شافية عن أسئلة ملحة تشغل بال السوريين بشأن سياق عملية التغيير وشروطها وما يكتنفها من منزلقات ضمن خصوصية المجتمع السوري بتعدديته وحساسية ارتباطاته الإقليمية والعالمية.

ثانيا، ضعف تأثيرها في الحراك الشعبي بسبب قوة عفويته وتباين النشأة والتكوين والتجربة بينهما وانجرار الكتلة الأهم من هذا الحراك ردا على العنف السلطوي المفرط نحو منطق الغلبة والسلاح، لتبدو المعارضة السياسية السورية مع وجود جسمها الرئيسي في الخارج كأنها تركض لاهثة لتلحق بنبض الشارع، وفي أحسن الأحوال، تظهر كرد فعل أو صدى لصوت الثورة وما يحققه الوجود العسكري على الأرض.

وللأسف، بعد هذه المعاناة الشعبية الطويلة وفداحة ما قدم من دماء وتضحيات، لم تستطع المعارضة السورية تدارك هذه النقيصة، أو النجاح في استحضار دور سياسي نشط يتفاعل مع مكونات الحراك الشعبي وهمومه، خاصة مع المكون العسكري وتوحيد صفوفه وتصويب مساره، والأهم عدم نجاحها في كسب ثقة الناس أو على الأقل إزالة إحساسهم بأن قوى المعارضة على كثرتها وتنوعها لم تقدم لهم شيئا.

وتبدو، إلى الآن، كمن تدور في حلقة مفرغة، أمام حاجة ملحة لسد فراغ سياسي حيوي ومد الثورة بأسباب الدعم، مما أشاع حالة من الشك بشأن كفاءتها ومدى جديتها في قيادة التغيير، وبأن بعضها يحاول ركوب الموجة، ليبيع ويشتري، على حساب دماء الحراك الشعبي وتضحياته.

وهنا لا نعرف إن وصلت إلى مسامع كل من ينصب نفسه قائدا للثورة الاعتراضات على معنى وأهمية وجوده خارج البلاد، وأولوية وإلحاح العودة إلى الديار لمشاركة الناس معاناتهم وهمومهم ولحظات يأسهم وأفراحهم قبل التطلع لقيادتهم.

والأهم من كل ذلك لتوظيف الجهد والمعرفة لتنظيم الحياة في المناطق التي خرجت عن سيطرة السلطة كي تغدو سندا ورافدا للثورة وليس عبئا عليها، والأهم أيضا لمواجهة قوى جهادية متطرفة نجحت في فرض وجودها على الأرض وخلقت واقعا اجتماعيا ونفسيا يناهض المعارضة الديمقراطية وشعارات الثورة ويحاصرها.

ثالثا، الدور الكبير الذي يحتله العامل الخارجي والإرادة الدولية في تقرير نتائج الكثير من الأزمات الإقليمية والصراعات الوطنية، عزز حضوره في الوعي السوري فاعليته في الثورات العربية الأخرى.

والقصد، أنه لم تعد ثمة قوة من المعارضة السورية ذات وزن لا تقول بدور خارجي مساعد للثورة حتى من كانوا من أشد المدافعين عن التغيير الداخلي الصرف، ليس فقط بسبب انكشاف حجم الدعم الخارجي الذي يتلقاه النظام، بل بسبب شدة معاناة المهجرين والمشردين والمنكوبين وازدياد الحاجة للتدخل الدولي ولما تقدمه هيئات الإغاثة الإنسانية.

لكن تبقى ثمة اختلافات في صفوف المعارضة تصل حد التناقض أحيانا حول شكل هذا التدخل وحدوده، بين من يرغب في أن يقتصر على الضغوط السياسية أو الاقتصادية، وبين من يفضله عسكريا عبر فرض حظر جوي أو منطقة عازلة أو من خلال مد المعارضة بالسلاح النوعي، وبين من يريده ناجعا وحاسما تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبإرادة أممية قادرة على وقف العنف وحماية المدنيين وفرض خطة طريق سياسية.

واستدراكا، علينا الاعتراف بأن الشروط الموضوعية التي تحكم مسار الثورة السورية وتطورها، هي بالضرورة تحكم أيضا عمل المعارضة وترسم حدود مسؤوليتها وجدوى دورها، مثل هذه الشروط لا يمكن بأي حال إغفالها أو تجاوزها مهما تكن الرغبات والجاهزية الذاتية، وحتى لو وجدت معارضة موحدة ومتراصة وقوية وواضحة المواقف والرؤى.

وبعبارة أخرى، فإن المعارضة السورية لا يمكنها أن تخرج “الزير من البير” -كما يقول المثل الدارج- سواء شاركت في مؤتمر جنيف أو أحجمت، فثمة عقبات موضوعية تعيق عقده، ثم نجاحه إن عقد، لا يمكن القفز فوقها، ترسمه خصوصية الحالة السورية وتعقيداتها، وأوضحها تعنت النظام وشعوره بالنشوة بفضل دعم حلفائه ونجاحه في إبعاد الضربة العسكرية الغربية، ثم التأثير المحدود للمعارضة السياسية على الأرض أمام تقدم جماعات متطرفة ترفض المعالجات السياسية من الأساس.

والأهم أن مصير المؤتمر لا يزال مشروطا بلعبة الأمم والمصالح، التي تبدأ غربيا وعربيا بحسابات الربح والخسارة في اختيار لحظة إطفاء بؤرة توتر في بلد يرتبط مصيره بأهم الملفات الشائكة في المنطقة، وتاليا بمطامع الطرف الروسي والقوى الداعمة للنظام، كإيران وحلفائها في العراق ولبنان، ثم بالمصلحة الإسرائيلية وتأثيرها الكبير على مراكز صنع القرار في روسيا وأوروبا وأميركا!

ومع ذلك، وبغض النظر عن الشروط الموضوعية التي تتحكم بالعمل المعارض والخلافات التي تعصف به، وعن تباين مواقفه من مؤتمر جنيف، لا يمكن لأحد أن ينكر اتساع مساحة توافقاته، وأن أطرافه الرئيسية تجمع على رفض الواقع القائم وتحميل النظام السوري كامل المسؤولية فيما آلت إليه أحوال البلاد.

كما تجمع أيضا على دعم الحراك الشعبي وكل أشكال الاحتجاجات السلمية، وأيضا على نبذ العنف والتسعير الطائفي من أي طرف جاء، ثم رفض الفكر التصفوي والثأري وكل الحلول الترقيعية أو الجزئية.

وتجمع تاليا، على أن موضوع وهدف السوريين هو الانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد إلى الديمقراطية، عبر بناء الدولة المدنية الحديثة، المؤسسة على عقد اجتماعي يتجسد في دستور جديد، يكفل التعددية وتداول السلطة واحترام خصوصية مكونات المجتمع السوري القومية والطائفية والمذهبية على قاعدة المواطنة والحقوق المتساوية.

نعم، تعاني المعارضة السياسية السورية من مثالب وأمراض بعضها قديم قدم نشأتها وبعضها حديث حداثة الدور الجديد الذي وقع على عاتقها، وثمة عيوب كثيرة تكتنفها وتشكل عائقا أمام إلحاح توحيد صفوفها وخطابها، وهناك ظروف موضوعية تحيق بها لا يمكن إغفالها أو إنكارها، لكن ذلك لا يعفيها من المسؤولية الذاتية لجهة إلحاح تطوير أدائها بالتناغم وطردا مع التفاقم الذي يشهده الصراع السوري ومع معاناة شديدة لا تطاق لقطاعات واسعة من الشعب.

والحال، مع تقدير صرخات المعارضة السورية التي تصدح في كل واد طلبا لنصرة شعبها وحماية المدنيين، ونياتها الصادقة في تشديد عزل النظام وتعرية العنف والإرهاب والتطرف وتمكين الحراك الثوري، ومع الاستناد إلى اتساع مساحة توافقاتها من الوضع الراهن وجوهر التغيير الديمقراطي، وتقدير حالة استعصاء الصراع والحاجة الأممية لعقد مؤتمر جنيف، ينهض السؤال عن الجدوى من تسعير المبالغات حول مخاطر المشاركة في المؤتمر.

وتاليا عن أهمية وإلحاح تعميم خطاب مشترك أمام الرأي العام يظهر صحة تنوع العمل المعارض ومشروعية تباين أدواره واختلاف مواقفه واجتهاداته.

وأخيرا عن الضرر من التشجيع على استثمار كل الاجتهادات السياسية والمبادرات الدولية التي تدعو لوقف العنف، كمقدمة حيوية لمحاصرة أصحابه ومحاسبتهم، ولتخفيف معاناة الناس، وصولا للضغط على مختلف الأطراف العالمية والعربية لفرض حل في سوريا يفتح الباب أمام تنفيذ خطة طريق للتغيير السياسي تنسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقواعد الديمقراطية التي تمكن هذا الشعب المنكوب من تقرير مصيره.

الجزيرة نت

يسخرون من الضحية!/ غازي دحمان

                      تشير قائمة المدعويين إلى جنيف، وكذا الظروف المحيطة بالمؤتمر المزمع عقده، إلى سخرية، باذخة، يمارسها المجتمع الدولي على ضفاف نهر الدم السوري المتدفق، هل يمكن مقاربة الحدث بغير هذه الأوصاف؟

رفعت الأسد بطل مجزرة حماة، وقاتل السوريين، يدخل على قائمة حضور مؤتمر جنيف، وبواسطة العراب فلاديمير بوتين، المورد الأكبر للأسلحة التي تشكل آلة قتل السوريين اليومية بعناصرها المختلفة من طائرات ودبابات وخطط حربية جرى تطبيقها في غروزني، ويتوقع إعادتها إذا نجحت تعديلاتها السورية.

قبل رفعت الأسد، كان قدري جميل معارضاً أيضاً، ولم تمنعه صفته كنائب لرئيس الوزراء من إدعاء صفة المعارض، والأمر نفسه ينطبق على علي حيدر وزير المصالحة الوطنية، المعارض الشرس، الذي حظي بلقاء علي الكيلاني بطل مجزرة بانياس والداعي لتطهيرها، حيث تكرّم هذا الأخير على الوزير المعارض بأن منحه فرصة للإشادة ببطولاته الوطنية بقتل أهل بانياس واغتصاب نسائها وهو القادم من تركيا!

ليست المشكلة في دعوة هؤلاء لمؤتمر جينيف، طالما ستجري دعوة إيران الشريك المباشر لنظام الأسد في قتل السوريين، ورعاية روسيا، ليس بوصفها عضواً أساسياً في مجلس الأمن، ولكن بصفتها راعية للنظام وحامية للأقليات المظلومة في سورية، إذاً لا مشكلة في ذلك، لكن ليس بصفتهم ممثلين لأهالي القتلى في سورية وللنازحين والمعتقلين والمشردين، هذا كثير على الجرح السوري ومبالغة في الاستهتار بالعقول الآدمية، بل أكثر من ذلك، هو نوع من التسخيف لمأساة جرى تصنيفها على أنها الأخطر في التاريخ المعاصر.

وإذا كان هذا الأمر يحصل على مستوى المدعوين، ترى ما الذي ستتفتق عليه ذهنية المجتمع الدولي فيما خص القضايا التي سيجري بحثها على طاولة مؤتمر جينيف، ثمة إرهاصات تشير إلى احتمال التوافق على قضايا تخص الأطراف الدولية أكثر من تركيزها على مشكلة الشعب السوري، وفي هذا السياق سيتم التركيز على الاطمئنان على مسار الكيماوي وتعزيزه، وفي هذا السياق فإن مصير بشار الأسد يصبح خارج إطار البحث، بل ربما يجري التأكيد على تدعيم استمراره حتى إكمال المهمة، دون تقييدها ببرنامج زمني محدد، التسريبات تقول أن الأوربيين ذاهبون في هذا الاتجاه، بعد أن وافق الأمريكيون ضمنا على هذا الأمر في إطار اتفاق الكيماوي مع الروس.

ثمة قضية أخرى يتوقع أن تكون أساسية على طاولة جينيف، وكان نوري المالكي قد مهد لها في زيارته لواشنطن، والواضح أنها نتيجة اتفاق مدروس مع نظامي طهران ودمشق، وهي قضية محاربة الإرهاب، الذي يتسع تعريفه هنا ليشمل كل فعاليات الثورة السورية، حيث يسعى نظام بشار الأسد، في ظل هذه الرخاوة الدولية إلى التأكيد على دمج جهوده في قتل السوريين في إطار الحملة العالمية على الإرهاب، فبالنسبة له  لا يختلف قصف طائراته لأحياء دمشق وحلب وكامل المدن السورية عن قيام الطائرات بدون طيار عن تعقب القاعديين في اليمن وباكستان، بل أنه يذهب أكثر من ذلك إلى حد الطلب من المجتمع الدولي شكره على قيامه بهذه المهمة وحيداً، وما على المجتمع الدولي إن أراد تصحيح خطأه تجاه الحدث السوري سوى استدراك الأمر ومساعدته بحربه على السوريين وتقديم الوسائل التقنية والفنية اللازمة لهذا الأمر، ولا بأس من مساعدة الجيوش إن أمكن!.

أما قضية الحكومة الانتقالية ودور الأسد في مستقبل سورية، فتلك قضية سيتم الإصرار على أنها من حق السوريين فوحدهم من يقرر، بالطبع طيف السوريين ذاك من غير المسموح أن يشمل النازحون والمشردون والمحاصرون والشهداء، وبالتأكيد هو لن يشمل كائنات هلامية أيضاً، لكنه سيقتصر على المؤيدين لحكم الأسد، في حين يجري ضم الفئة الصامتة، التي لا تتيح لها ظروفها التعبير عن رفض الأسد بشكل صريح كي لا تفقد وظائفها ومساكنها وأسباب رزقها، إلى خانة شعب بشار الأسد، ووفق حسبة النظام، وهي حسابات طالما يجري التصريح بها بشكل علني داخل سورية، أن النظام تؤيده جميع الأقليات بدون استثناء، إضافة إلى سكان المدن الأساسية دمشق وحلب، وهؤلاء يتم تقديرهم العددي بحوالي 70% من مجموع سكان سورية!. هذه الأرقام ستكون بجيب وليد المعلم وسيشهرها على طاولة مفاوضات جينيف، وبالفم الملآن سيعلن للعالم عن شعب الأسد، في حين سيحيل سكان المخيمات والبراري والذين أكلهم السمك في البحار إلى نمط شعب هائم غرر به الإرهابيون، وقد يطالب العالم إما بتسليمهم بصفتهم مطلوبين للعدالة أو التكفل باعتقالهم بصفتهم خطراً على الأمن العالمي!

إضافة لذلك، سيركز النظام على الوقائع الميدانية على الأرض، وما سيحققه من هنا حتى تاريخ انعقاد المؤتمر، وتلك قضية ذات أهمية خاصة بالنسبة للنظام، حيث يستعجل تحقيق بعض التقدم في مناطق معينة وخاصة في أرياف دمشق وحلب بمساعدة حلفاءه، بغض النظر عن حجم الدمار وكمية القتل التي تتطلبها تحقيق تلك الإنجازات.

جينيف وفق هذه المواصفات لن يكون سوى تجهيزاً لمرحلة تدميرية أكثر قساوة ورعباً للسوريين، وهو لن يكون سوى موعداً لمزيد من إنجازات القتل والاستباحة بحق السوريين، أما بالنسبة لأولئك الذين يعانون نيابة عن البشرية كلها وبرعايتها لن يكون جينيف سوى موسماً لممارسة سخرية باذخة تشترك فيها جوقة المجتمع الدولي لتنعق بأبشع نشيد سمعته البشرية في تاريخها.

ايلاف

لا خوف على الثورة السورية من مؤتمر جنيف/ رضوان زيادة *

تسود أوساط المعارضة السورية أجواء محمومة من الخوف والشعور بالمؤامرة من مؤتمر جنيف. نجد بعض الردود الهستيرية وعودة الخطاب التخويني الذي يتخصص به نظام بشار الأسد وأتباعه لكل مختلف في الرأي، ومنبع الخوف يكمن في الشعور أن لا أحد يريد لهذه الثورة التي دفعت الأثمان الأبهظ في ثورات الربيع العربي لا يريد لها أحد أن تنتصر، فالكل يغدقها الوعود والقليل القليل من يصدق، وشعور آخر بالمرارة بل والحقد على المجتمع الدولي الذي ترك السوريين يعيشون الألم وحدهم في مواجهة آلة تدمير جهنمية لا تردعها روادع أخلاقية أو سياسية أو قانونية، فآلة الإجرام الأسدية لم تسمع بأي شيء يدعى اتفاقيات جنيف لتحترمها فكيف يعقل إذن أن تطبق نتائج إعلان جنيف 1 قبل الدخول في مؤتمر جنيف 2.

على رغم كل ذلك، لا خوف على الثورة السورية من مؤتمر جنيف أو غيره فتكوينة الثورة السورية تسمح لها أن تصحح ذاتها بذاتها حتى ولو طال الخطأ ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى كونها «ثورة شعبية حقيقية»، فهي الأولى في تاريخ سورية الحديث. وعندما نقول ثورة شعبية يعني ذلك أكبر نسبة مشاركة من الشعب ويعني بالضرورة ارتفاع منسوب الوعي السياسي إلى درجة يستحيل معها أن يمرر أي شخص أو دولة أو قيادة أي اتفاق من دون أن يرتكز إلى الحد الأدنى من المبادئ التي انطلقت من أجلها الثورة. وهنا تكمن صعوبة بناء القيادة السياسية للثورة، فالكل شارك فيها بدمه، بماله، ببيته، بهجرته أو لجوئه، وبالتالي فالكل يحق له أن يتكلم باسمها ويشعر بملكيته الخاصة لها، وهذا بالمناسبة هو سبب استمرار الثورة على رغم العنف الأقصى الذي مارسه الأسد ووصل إلى حد اللجوء إلى التدمير الشامل باستخدام السلاح الكيماوي. لقد كان عنف الأسد أشبه بالوقود الذي يدفع ويغذي دماء جديدة ويحرضها باستمرار على الانخراط في الثورة والدفاع عنها.

لم يعرف التاريخ السوري ثورة مثيل لهذه الثورة على الإطلاق، على رغم أن كتب التاريخ السورية حافلة بالتزوير عن ثورات كبرى وصغرى شهدتها سورية. وأكبر كذبة تتمثل في «ثورة البعث» في ٨ آذار (مارس) ١٩٦٣ عند استلامه الحكم، وكأن البعث من شدة احتفائه بكلمة الثورة وتمجيده لها في المقررات المدرسية شهد أكبر ثورة عليه في تاريخه. ولذلك نستطيع القول إن لا خوف على هذه الثورة من جنيف أو غيره، لأن الشعب يمسك بزمامها، فالثورة قادرة على تصحيح نفسها وبناء قياداتها باستمرار طالما أنها لم تصل إلى تحقيق أهدافها.

صحيح أن الثورة الشعبية لا قيادة لها وتلك كانت نقطة قوتها من البداية فلم يستطع الأسد قمعها على رغم آلة العنف، لكنها تحولت في ما بعد إلى نقطة ضعف، فعدم بناء قيادة لها جعلها تستكشف مصيرها الخاص وتدفع أحياناً أثماناً باهظة من عدم قدرة القيادة على رسم مسارها. لكنها الآن ومع مؤتمر جنيف تعيدنا إلى السؤال ذاته وهو أنه لن يكون من الممكن بناء قيادة ممثلة للمشاركة في جنيف، وبالتالي على المعارضة أن لا تشعر أنها ستخسر شيئاً من المشاركة لا سيما أنها لن تسلم قطعة سلاح واحدة امتلكها «الجيش الحر» ولن تنسحب من شبر واحد تحرر من قوات النظام، وبالتالي إنها فرصة للمعارضة لتظهر قدرة قيادتها على الحنكة السياسية واستكمال المعركة بوسائل سياسية تمكن سورية اليوم من الخروج من محنتها وتحقيق أهداف ثورتها.

* مدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية

الحياة

الائتلاف وجنيف2 والمناطق المحررة/ غسان المفلح

ممثل سياسي ضعيف أفضل من عدمه. ما دعاني لكتابة هذه المادة، هو نشر جريدة زمان الوصل الالكترونية، لمحضر اجتماع الهيئة السياسية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المنعقد بتاريخ29-31اكتوبر3013. لا أريد السؤال كيف تسرب محضر اجتماع لأعلى هيئة تمثيلية للثورة سياسيا؟ وإذا كانت زمان الوصل أو غيرها قادرة على نشر محضر اجتماع كهذا، فإن الخرق على الواسع.

هذه ليست الحادثة الأولى بالطبع. وإلا لاعتبرتها استثناء مستجدا، بل هي تكررت كثيرا. مع ذلك لفت نظري بنود الاجتماع والقضايا التي نوقشت. الهيئة ناقشت اوضاعا لاعلاقة لها بالداخل السوري سياسيا وعسكريا، تقرير وحدة تنسيق الدعم، ولجنة الحبوب هذه تتعلق بقضايا اغاثية ومالية!! كيفية التواصل مع هذا الداخل التنسيق بين القوى العسكرية، تحريك المناطق التي تحت سيطرة النظام سلميا، عبر وضع خطة عمل وتصور، عن دعم نشاطات سلمية في هذه المناطق، كمدن دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس وحماة.

جل ما ناقشته الهيئة مرتبط بالحراك السياسي على المستوى الخارجي، ارسال وفد لروسيا بناء على اقتراح بريطاني، اجتماعات لندن ورسالة الائتلاف للجامعة العربية، واهم ما فيه اعتبرته من طرفي نكتة” هو تقدم احد الاعضاء باقتراح الانضمام للانتربول، وهو عضو في لجنة الانضمام من جهة وعضو في لجنة تأمين الحبوب وغالبية اللجان الأخرى!! نجد معارضين أحيانا متعددي الاختصاصات. عادي يعني. لكن قضية الانتربول وانضمام الائتلاف له طريفة، طبعا تبع الحديث عن قوة شرطة وأمن وطني في حلب فقط! لا كلمة عن داعش والمناطق الكردية لا كلمة عن اوضاع الناس في المناطق المحررة ومخيمات اللجوء والنزوح.

المحصلة من ورقة العمل لامكان للوضع في الداخل إلا ما له علاقة بالاموال وآليات توزيعها. ربما اقتراح الاستاذ ميشيل كيلو لعقد مؤتمر وطني عام للمعارضة، يلفت النظر، لكنه في سياق اقرار صيغة مشاركة في جنيف2 والاستاذ ميشيل شاطر وخبرة في قضايا المعارضة، لايضاهيه فيها أحد. ولا كلمة عن وضع الجيش الحر. إلا إذا كان هنالك ملحقا سريا، لم يسربه من سرب المحضر لزمان الوصل!! لا حديث عن التراجع في ريف دمشق ولا ريف حلب. ولا عن الجيوش الاسلامية التي تتشكل لمنع الثورة من أفقها السوري. ولتكريس مقولة الحرب الاهلية، هذه الجيوش التي تتكاثر لتطبيق الاسلام وليس من أجل الحرية. كل هذه السياقات للذهاب لجنيف2 من موقع الائتلاف طرف في حرب اهلية. وستوافق الجيوش الاسلامية في النهاية على نتائج جنيف2. تمنيت أن يشكل جيشا فيه ملمح ائتلافي.

حتى بعض من لهم علاقة بهذا الموضوع مثال العضو ذاته يشجع ويدعم تشكيل جيوش باسماء اسلامية. أتمنى لو خرجت علينا اللجنة السياسية بقراءتها عن جنيف2 قراءة عامة واستراتيجية، فيها مطالب امريكا وروسيا، وفيها لماذا يتم تأجيله؟ والاطرف أنه لايوجد كلمة في محضر الاجتماع عن اجتياح مرتزقة إيران من حزب الله والعباس العراقي وقتلهم لشعبنا، وكأن هذا الموضوع يحدث في دولة أخرى والضحايا ليسوا سوريين. أظن في الاجتماع القادم سيتم مناقشة ارسال وفد تقني لطهران بعد روسيا! أما عن الاجتماع الاخير لهيئة الائتلاف ومادار فيه، لايوجد ما يبشر بالخير سوى نقطة إيجابية واحدة وهي انضمام المجلس الوطني الكردي للائتلاف. أما الحكومة المشكلة فهي كالمجلس الوطني الكردي ليس لها حضورا قويا على الارض عسكريا. جنيف2 قادم ائتلافيا على منصة سقوط المزيد من المناطق بيد النظام. مع ذلك مضطرين لدعمه في حال قرر الذهاب لجنيف2 لأنني مدرك أنه لن يحوز على شيئ، وسيفشل جنيف2 بحكم طبيعة السلطة الاسدية لاغير.

ايلاف

الائتلاف:شروط جنيف وتحدياته/ عمر العبد الله

 نجح الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة في حل سلسلة من الملفات العالقة قبل أهم استحقاق يواجهه، “جنيف 2”. ملفات الحكومة المؤقتة وانضمام الأكراد إضافة إلى حسم القرار بالمشاركة في “جنيف 2” انتهت بالموافقة عليها، بعد مناقشات ماراثونية استغرقت 3 أيام وتخللتها مشادات وصفعات.

قرار المشاركة تولى المتحدث الرسمي باسم الائتلاف، لؤي صافي، الإعلان عنه في مؤتمر صحافي.  لكن هذه الموافقة جاءت مرتبطة بسلسلة من القرارات وبشروط إنسانية وسياسية.

الإنسانية تسبق جنيف وحددها الائتلاف بضرورة إدخال المساعدات الغذائية والصحية إلى سوريا وفك الحصار عن المدن ووقف القصف الصاروخي وإطلاق سراح المعتقلين من النساء والأطفال. واعتبر أن تقدماً سياسيا لن يحصل من دون تنفيذ هذه الشروط.

أما السياسية فكان أبرزها التشديد على أن لا مكان للرئيس السوري بشار الأسد ونظامه في مستقبل سوريا، وإعلان واضح من الأمم المتحدة والدول الراعية بضمان تنفيذ بنود وثيقة “جنيف 1″، وجدول زمني بغية الوصول إلى هيئة الحكم الانتقالي بحيث لا يتجاوز الربع الأول من العام المقبل.

كما تضمنت الشروط إلزام جميع الأطراف بتنفيذ مقررات جنيف بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، وانسحاب القوات الأجنبية من سوريا وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله ولواء أبو الفضل العباس.

وحول الموقف من مشاركة إيران في “جنيف 2″ قال المتحدث الرسمي باسم الائتلاف، لؤي صافي، في حديث لـ”المدن” إنه لم يطرأ تغيير على موقف الائتلاف حول مشاركة إيران في “جنيف 2″، وذلك تشديداً على موقف الائتلاف الذي اعتبر إيران دولة “غازية تحتل سوريا” ولا يحق لها المشاركة في المؤتمر بالرغم من عدم تطرق بيان الائتلاف لهذه المسألة.

هذه الشروط القاسية تضمن، وفقاً لرأي الائتلاف، تطبيق الحل السياسي.

عضو الهيئة السياسية، أنس العبدة، أكد لـ”المدن” أن المخرج الأساسي في جنيف هو تشكيل هيئة الحكم الانتقالي ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة، بما في ذلك الجيش والمخابرات، مشيراً إلى أن هناك “مصلحة للثورة السورية بالمحاولة في المسار السياسي من دون أن يكون على حساب المسارات الأخرى العسكرية والثورية”.

لكن عضو الهيئة السياسية للائتلاف، كمال اللبواني، رأى أن هذا الأمر غير صحيح، معتبراً أن المشاركة في جنيف  “تنازل عن السيادة الوطنية، وتسليم البلاد للاستعمار”.

وشدد اللبواني في حديث لـ”المدن” على أن جنيف سيعطي الشرعية للغرب لفرض حكومة على الشعب السوري، مؤكداً أن “أعضاء الائتلاف التزموا بإنهاء حكم الأسد ووقف القتل وإطلاق سراح المعتقلين، وإذا عجزوا عن ذلك يجب أن يُقدموا إلى محاكم ثورية ويعدموا جميعا”.

واتهم  اللبواني رئاسة الأركان في الجيش السوري الحر، متمثلة باللواء سليم إدريس، بأنها تبيع السلاح الذي يصل إليها في أسواق يشتري منها النظام و”داعش”، مشيراً إلى أن هذا السلاح لا يصل منه شيء إلى الجيش الحر.

أما موقف الإخوان المسلمين من جنيف، فعبر عنه المراقب العام السابق للجماعة في سوريا، علي صدر البيانوني، اذ أكد على أهمية المشاركة في “جنيف 2″، إذا كان سيؤدي الى تشكيل هيئة حكم انتقالي تستلم السلطة وتنهي الأزمة في البلاد.

لكن البيانوني شدد في حديث لـ”المدن” أن “التفاوض مع الأسد من أجل التفاوض ليس مقبولا ولن يكون مطلقا”.

وفي ما يخص موقف المجلس الوطني السوري، الذي سبق أن قدم توصية للائتلاف تطالب وزراء الخارجية العرب بإقالة المبعوث الدولي، الأخضر الابراهيمي، واستبداله بشخص آخر، لم يقدم المجلس أي توضيح حول موقفه النهائي، ولا سيّما في ما يخص التهديدات التي كان قد أطلقها سابقاً عن انسحابه من الائتلاف في حال حضر الأخير “جنيف 2”.

الملف الثاني الأكثر سخونة الذي نجح الائتلاف في تمريره كان ملف الحكومة، التي نجح رئيس الوزراء المكلف، أحمد طعمة في تمرير اعتماد معظم وزرائها على عكس ما جرى إبان تكليف غسان هيتو، الذي اضطر بعد أشهر من العجز عن التأليف إلى تقديم استقالته.

وبعكس ما جرت العادة أثناء التصويت على الحكومات، عمد الائتلاف إلى التصويت على الحكومة من خلال التصويت على الوزراء كل على حدة، ما أسقط عدداً من المرشحين للحقائب الوزارية، أبرزهم عمار القربي، المرشح لوزارة الداخلية من قبل هيئة الأركان، والمحسوب على رئيس الائتلاف، أحمد الجربا.

لكن أحد مستشاري رئيس الحكومة المؤقتة، رفض الكشف عن اسمه، أكد لـ”المدن” أن الوزراء “ليسوا محسوبين على أحد بل أغلبهم من التكنوقراط”. وشدد على أن الحكومة والوزراء سيكونون على مسافة واحدة من كل الفرقاء السياسيين في الائتلاف. وختم حديثه بالقول ” الحكومة جاءت لخدمة المواطنين، ولن تدخل في أي صدام سياسي مع أحد”.

ومن المتوقع أن تواجه الحكومة مجموعة من العقبات رغم التصريحات الداعمة.

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سوريا، علي صدر الدين البيانوني، أكد في حديث لـ”المدن” أن ليس للإخوان المسلمين مرشحين داخل الحكومة، مشيراً إلى أنهم دعموا ترشيح طعمة لرئاسة الحكومة، وسيدعمون حكومته.

لكن البيانوني لفت  إلى أن الحكومة الوليدة، تواجه من المشكلات والصعاب ما قد يشل حركتها منذ البداية، فتمويل الحكومة كان أبرز العقبات التي أدت إلى تخفيض عدد الوزارات.

وأخيراً كان ملف انضمام الأعضاء الجدد من المجلس الوطني الكردي ثالث الملفات التي انتهى الائتلاف منها، بإعلان انضمام ثمانية أعضاء جدد ليصبح عدد ممثلي المجلس الوطني الكردي 11 عضوا مع وجود ثلاثة أعضاء مؤسسين في الائتلاف.

هذا الانضمام سيغير بلا شك موازين القوى داخل الائتلاف لمصلحة رئيسه الحالي أحمد الجربا، الذي أصبحت كتلته تسيطر على أكثر من ثلثي الائتلاف، ما يسهل عليها تمرير أي قرار دون الخوف من مواجهة جديدة مع الخصم الأبرز داخل الائتلاف الأمين العام السابق مصطفى الصباغ.

المدن

حكومة مؤقتة وجنيف مؤجل/ سلام الكواكبي

أعلنت فى الأيام الأخيرة توافقات فى حدودها الدنيا بين مكونات الائتلاف الوطنى السورى. وكانت فى مجملها تصب فى قضية الحسم فى مسائل مهمة نظريا أو فعليا أو مبدئيا. فشهدت اسطنبول اجتماعات ماراثونية لإعلان حكومة مؤقتة تقوم بتفعيل دور المجالس المحلية الموجودة فى المناطق غير الخاضعة لسلطة النظام السورى ووضع تصورات حول عملية إعادة الإعمار التى يتحدث عنها السوريون وكأنها خشبة الخلاص من جرعات التشاؤم اليومية. وكذلك تبدى من عملية التصويت على أسماء الوزراء الجدد بأن السعى للتوافق بلغ أقصى درجاته من خلال التصويت على أسماء كل مرشح على حدة، وهو مما لم يجر التعارف عليه، حيث يجرى عادة منح أو حجب الثقة لمجمل الوزارة.

وقد احتوت على أسماء تقنيين مشهود لهم بالخبرة وحسن الأداء، وأخرى لممثلين عن بعض الكتل فى الائتلاف. وحفلت الصحافة الإلكترونية البيضاء والصفراء بالتعليقات والتحليلات المتسرعة. وعجت صفحات شبكات التواصل الاجتماعى بالتحليلات مسبقة الصنع أو التفكير. ودخل المتابعون من السوريين فى متاهات القيل والقال، خصوصا ما تم نشره ونثره من قبل من خابت ظنونهم الشخصية وليست الوطنية. وكأن الأمر يتعلق بتشكيل وزارة مركزية فى دولة طبيعية تمارس دورها الكامل فى ظل التعاون الإقليمى والدولى. وفات الجميع، وخصوصا من لم ترد أسماؤهم، بأنها وزارة مؤقتة ليست لديها أية سيطرة إدارية أو قانونية على مناطق محددة لا تقوم فيها سلطة النظام بإدارة الأمور. وكذلك، فحتى ما هو خارج على إطار هذه السيطرة، فهناك سلطات أمر واقع مشتتة التبعيات فى أفضل الحالات، أو أنها خاضعة لسلطة احتلال من قبل قوى ظلامية تمارس الإجرام والنهب والخطف الشخصى والاجتماعى والاقتصادى. وبدا أن منتقدى هذه التشكيلة الجديدة المؤلفة فقط من تسعة أسماء، يبحثون عما يسلون به أوقات فراغهم أو يسعون إلى إضافة فقرة جديدة على قاموس النقد من أجل النقد من دون طرح البدائل أو التصورات، وهذه رياضة متطورة جدا لدى الشخصيات البعيدة عن أرض الواقع أو عن ألم هذا الواقع.

 الهام، مبدئيا، هو أن هذه الحكومة قد تشكلت بسلبياتها وبإيجابياتها. وكذلك، فقد نجح الائتلاف فى ضم أحد المكونات الكردية الأساسية إلى صفوفه لتعزيز موقعه التمثيلى للسوريين. وعلى الرغم من وجود القوة الأساسية عسكريا للأكراد تحت سيطرة مجموعة تعادى الائتلاف من جهة وتتوافق فى مواقفها وممارساتها مع النظام من جهة أخرى، مع إصرارها على ادعاء العكس، فإن إدماج المكون الكردى يعتبر إنجازا سياسيا على الأقل بالنسبة للمعارضة السورية فى مرحلة صعبة للغاية تطرح فيها مشاريع حكم ذاتى ويغازل النموذج الكردى فى العراق مخيلة الكثيرين منهم فى سوريا.

إضافة إلى هاتين الخطوتين المتقدمتين بنظر البعض، فقد جرى تحديد موقف واضح من المشاركة فى جنيف 2 من دون لبس ميز المرحلة السابقة. وسعى المتحدثون باسم الائتلاف إلى طرح موقف موحد يذهب بهم إلى هذا المؤتمر الموعود، والذى لم تظهر بشائر انعقاده بعد، مع ربط هذا الموقف بما سبق من وثائق صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أو عن لقاءات دولية مؤثرة أوصلت إلى ما يسمى وثيقة جنيف 1 فى العام المنصرم بنقاطها الست، وانتهاء ببيان من يسمون أنفسهم بأصدقاء سوريا فى لندن فى الشهر الماضى.

 والمرحلة القريبة المقبلة ستعتمد أساسا على وضع مرجعية تفاوضية مستندة إلى مهارات يمكن اكتسابها من خلال الاصغاء والقراءة والتمرين، ولا يمكن لأحد ادعاء تملكها مسبقا. التفاوض على مصير وطن لا علاقة له بالمماحكات الشخصانية أو المفاوضات البازارية أو لعب طاولة النرد. السياسيون السوريون المحنكون داخل مكونات الائتلاف المتعددة ليسوا منزلين وعليهم أن يدركوا بأن التفاوض على أمر بهذه الأهمية لا علاقة له البتة فيما سبق وخبروه حول توحيد أو تفريق مجموعات حزبية أو تآلفات مرحلية بعيدا عن رؤية سياسية واضحة.

بانتظار أن تتآلف القوى الإيجابية لدى السوريين بعيدا عن المهاترات الصبيانية أو الأنوات الشخصية أو العقد النفسية، تجد الثورة السورية نفسها بين فكى كماشة لا رحمة لها: النظام بممارساته التى لم تعد بحاجة للتعريف، وقوى ظلامية دخيلة وهجينة ولا علاقة لها بتطلعات السوريين. وهنا تصبح مسئولية من يتصدى للعمل الحكومى أو السياسى أو العسكرى على المحك.

الشروق

الائتلاف السوري غير منتخب.. وموافقته على جنيف غير مقبولة/ الطاهر إبراهيم

الائتلاف السوري مع أنه لم يكن فعالا في حراكه لكنه من بين فصائل المعارضة الأخرى كان الأكثر ظهورا على الساحة خارج سورية، وهو مجموعات غير متجانسة، وهذه احدى مشاكله. بعض فصائل الائتلاف فعلا يمثل نفسه وعددا قليلا آخر. هناك تنظيمات اخرى مثل ‘المنبر الديمقراطي’ الذي يرأسه ميشيل كيلو، قد حازت نصيب الأسد في هيئة الائتلاف، ومنه رئيس الائتلاف أحمد الجربا، ذلك لأنه حاز رضا واشنطن. هذا الرضا لا تعتبره معظم مكونات الائتلاف سبة، لأن أكثرها كانت تسعى كي تنال رضى واشنطن.

حتى لا يحصل في سورية مثلما حصل في تونس وكما حصل في مصر، لم يكن لدى واشنطن ما يمنع من أن يكون الإسلام السياسي أحد مكونات الثورة. صحيح أنها لا تريد وصول الإسلاميين إلى السلطة في أي بلد إسلامي، لكن الصحيح أيضا أنها لا تريدهم في مواجهة مع الحكم الجديد عند بدء التغيير على الأقل.

مع بداية الأحداث كانت واشنطن تبحث عن جبهة تمثل المعارضة السورية، فقد شعرت بأن نظام بشار الأسد آيل للسقوط، عاجلا أو آجلا. وكانت قراءتها أنه ينبغي أن يحصل في سورية تغيير، بحيث يذهب بشار الأسد، ويأتي نظام آخر، على ألا يكون النظام الجديد بعيدا عما تريده إسرائيل.

استطرادا، بعد احتلال العراق كان النظام السوري يخاف أن تقوم واشنطن باجتياح سورية كما فعلت بالعراق. فتح النظام للسلفيين الجهاديين حدود العـــراق لقتال الأمريكيين. غـــير أن ترتيبات أخرى طرأت على المشهد، فبـــموجب اتفاق من تحت الطاولة بين واشنطن وطهران تمهيدا لنوري المالكي ليحكم العراق، استدرج النظام هؤلاء الجهاديين للعودة إلى سورية ثم اعتقلوا.

مع بداية الربيع السوري سعى النظام إلى استدراج المتظاهرين ليحملوا السلاح، فأطلق سراح السلفيين الجهاديين، ليخرجوا وينضموا إلى الجيش الحر، فيتحول الربيع إلى ثورة مسلحة، عند ذلك يقول النظام للعالم: ألم أقل لكم إنهم ليسوا متظاهرين سلميين، بل جماعات إرهابية.

عندما تشكل الائتلاف في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012 وبرعاية واشنطن وتشجيع هيلاري كلينتون التي حضرت إشهار الائتلاف في الدوحة. فقد رحبت واشنطن بمشاركة الإخوان المسلمين ليكونوا أحد مكونات الائتلاف، لأن وجود الإخوان في نسيج الائتلاف ومشاركتهم بالتسوية السياسية، مع النظام كان سينتج عنه أمور تريدها واشنطن. فلو وافق الائتلاف على الذهاب إلى جنيف فسيقع خلاف بين الإخوان المسلمين وبين الفصائل الإسلامية في الجيش الحر، التي أعلنت أنها ترفض التسوية في جنيف وفي غيره، وظهور هذا الخلاف كانت واشنطن تسعى له.

فاروق طيفور نائب رئيس الائتلاف وعضو قيادة الإخوان المسلمين، في تصريح لقدس برس قال: ‘لابد من ضمانات دولية تحمي الشعب السوري والمعارضة في إطار حل قضيتنا ودعمها في جنيف2′. يفهم من هذا التصريح أن البعض في الائتلاف يضعون ‘بيض’ القضية السورية كله في سلة مؤتمر جنيف، لأن ذلك يناسب الائتلاف الذي يسعى إلى تسوية في جنيف، حيث ربط الجربا وآخرون مستقبلهم في الائتلاف، لأن واشنطن قد تغير موقفها من الائتلاف إذا لم يذهب إلى جنيف، وإن عدم الذهاب سيضر بمصالح ‘ضيقة’ لكثيرين في الائتلاف.

هنا لا بد من تأكيد المؤكد، حتى لا نضطر لسماع الاسطوانات المشروخة كل مرة. إن الشعب السوري لم يخول أحداً يفاوض باسمه في جنيف ولا في غيره. نرجو أن يفهم أعضاء الائتلاف الموقرون ذلك. فإذا ما دعتهم واشنطن وموسكو والإبراهيمي، وحتى الدول التي تسمي نفسها أصدقاء الشعب السوري، ثم ذهبوا إلى جنيف، فليعلموا أنهم يذهبون من أنفسهم، وإن ما ينتج عن هذا المؤتمر لا يلزم الشعب السوري في قليل ولا كثير. وإلى أن يختار الشعب السوري نوابه، فإن كل القرارات التي تصدر ليست إلا فقاعات صابون تطير في الهواء ولا تترك أثرا. وليكن معلوما أن الائتلاف وقبله المجلس الوطني لا يمثلون إلا أنفسهم، ويبقى أن في الوطن 23 مليونا من السوريين لم يخولوا أحدا للحديث باسمهم، لا الائتلاف ولا المجلس الوطني.

يبقى السؤال: من يقوم بالترتيبات لمؤتمر جنيف هما واشنطن وموسكو. أما موسكو فلا يجهل أحد ما قدمته لنظام بشار المجرم. وأما واشنطن، فلم تكتف أنها لم تقدم شيئا للمقاتلين المدافعين عن أرضهم وعرضهم، بل منعت الدول العربية أن تقدم السلاح الفعال للجيش الحر. وإذا كان ذلك كذلك فكيف نسلم واشنطن أمرنا في جنيف وفي غيره؟ رفعت الأقلام وجفت الصحف.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى