صفحات سوريةعبدالله أمين الحلاقغسان المفلحميشيل كيلو

مقالات لكتاب سوريين تناولت “داعش”

فرصة يتيحها قهر “داعش”!/ ميشيل كيلو

عثر مقاتلو «الجيش الحر» في أوكار وجحور «داعش» على صور ووثائق كاشفة تفضح نظام الأسد، الذي يدعي كذبا أن معركته ضد شعبه هي معركة آخر نظام علماني في الشرق الأوسط ضد الأصولية والإرهاب. وجد المقاتلون صورا لكبار قادة النظام العسكريين والأمنيين والسياسيين مع أمراء «داعشيين» ينتمون إلى جنسيات مختلفة، مما أصابهم بالذهول، وجعل كثيرين منهم يلومون أنفسهم، لأنهم كانوا يظنون أن «داعش» منظمة مجاهدة جاءت إلى سوريا لتسهم في إسقاط النظام، وعندما قيل لهم إنها تسقط الثورة و«الجيش الحر»، شعروا بالإرباك والحيرة، ثم منحوا الثقة فرصة أخرى، وأصروا على التعاون معها أو على السكوت عن أفعالها، لاعتقادهم أنها لا تنوي شرا بالبلاد والعباد، وأن ما تقوم به لا يعد كونه أخطاء يرتكبها عادة الغرباء، حين يدخلون بلدا لا يعرفونه.

والآن، وقد افتضحت شراكة «داعش» مع النظام، وتبين حجم الاختراق الذي كان يسيرها، وظهرت أعداد هائلة من جثث أعدم أصحابها أو قتلوا تحت التعذيب من دون وجه حق: هذا لأنه دخن سيجارة، وذاك لأنه لبس بنطالا من الجينز، وذلك لأنه ابتسم لفتاة، والجميع لأنهم مع «الجيش الحر» والائتلاف الوطني، أو أعضاء في «اتحاد الديمقراطيين السوريين» وأنصار له، يغدو من الضروري رسم استراتيجية وطنية شاملة للتصدي للإرهاب وتنظيماته، تضع خطوطا حمراء لا تسمح له بتجاوزها، وتحدد منابعه المحتملة في مجتمع وتنظيمات سورية، ومصادر قوته وضعفه، وارتباطاته الفعلية والممكنة داخليا وخارجيا، والأساليب والخطط التي يعتمدها للوقيعة بين الناس ولإيقاع بعضهم في حبائله، وموارده المالية والبشرية، وآيديولوجياته المتنوعة، ومراحل نموه في البلدان التي دخلها كما في مجتمع سوريا، والشبكات المحلية والعربية والإقليمية التي تمده بالمال والرجال والأفكار والسياسات، والقوى الداخلية والخارجية القادرة على مواجهته وطرق تعبئتها وتحركها ضده، والأساليب اللازمة لكسب الشعب وتحصينه ضد مخاطره، ولجعله يرفض الانسياق وراءه والانصياع له.. إلخ.

بالمقابل، لا مفر من توطيد وتعزيز النزوع الديمقراطي وتقوية تواصله قوى وفكرا مع مختلف قطاعات وشرائح المجتمع، بما يجعل الحرية هدف الفاعلية السياسية والتنظيمية لأي حزب أو نخبة أو تيار، وإغنائه بروح دينية لحمتها وسداها التسامح وقدسية الحياة، والإقرار بحقوق جميع مخلوقات الله في العيش والأمان والكرامة، وفي العدل والمساواة.

هذا ما يجب أن يكون عليه برنامج العمل الوطني السوري من الآن فصاعدا، بما أن «الجيش الحر»، الجهة التي يلتقي الجميع على دعمها والإقرار بدورها الحاسم في الصراع من أجل الحرية، هي التي يجب تركيز جميع الجهود على توحيدها وتنسيق عملياتها بصورة مركزية ومخططة، لكونها الطرف الذي يحمل اليوم عبء القتال ضد الإرهاب، ويهب لردعه بعد أن أقام حدا أدنى من الوحدة بين فصائل رئيسة منه، فلا غنى بعد الآن عن توحيد قدراته في إطار جيش جامع، يستعيد بما له من قوة واقتدار رهان الثورة الأصلي، ألا وهو الحرية كحاضنة تحتم بناء نظام جديد في سوريا يمثل نقلة نوعية في تاريخها السياسي وتطورا هائلا في الاتجاه المفضي إلى ما يريده ناسها: العدالة والمساواة والكرامة. ولعل من أكثر الأمور المهمة التي يجب أن تلفت نظرنا واقعة مفرحة تتجلى من خلال الصلة الوشيجة بين نشاط «الجيش الحر» والحراك الشعبي، فما إن بدأ الأول مقاتلة «داعش» وطردها من أماكن انتشارها، حتى بدأ الثاني مظاهرات سلمية وحراكا مدنيا ضدها، واستعاد الاثنان ملامح حقبة خلنا أنها زالت ودالت، بيد أنها انبعث بفضلهما من تحت ركام الصراعات العربية والإقليمية والدولية الكثيف في بلادنا وعليها. هذا التلازم التكاملي بين المقاومة بالبندقية وبالحراك السلمي يضع يدنا على مفاصل أولية لاستراتيجية طال انتظارنا لها، يخوض فيها الجيش والشعب معركة شاملة ضد الإرهاب، تتحول بجهود القوى السياسية والمجتمعية العسكرية والمدنية الموحدة إلى رافعة تضمن تقدمنا نحو الحرية وانتصارنا على النظام، الذي رعاه وأنتجه وها هو يستخدمه ضدنا.

بهذا المنظور، ليست المعركة ضد «داعش» غير مجرد جزء وحسب من المعركة ضد النظام، فلا مبالغة إن اعتبرنا هزيمتها مقدمة لهزيمته، شريطة أن لا نتقاعس عن مواصلة المعركة ضدهما والسير فيها إلى نهايتها، وأن لا نتوقف في منتصف الطريق ونسمح لورم «داعش» السرطاني بالنمو من جديد، وبالتهام جسدنا قطعة بعد قطعة، كما كان يفعل مع «الجيش الحر». إلى ذلك، تمثل المعركة الحالية بوابة خروج من احتجاز فرضه النظام والعالم علينا: الأول عبر معركة تحول دون هزيمته وتمكنه من اختراقنا إرهابيا، وتشتيت طاقاتنا وقتلنا وتجويعنا إلى أن نركع. والثاني بالتلاعب بنا من خلال سياسات هدفها إدارة أزمتنا: فهي تطبخها على نار هادئة وتبقي عليها لأطول فترة ممكنة.

تشير معركتنا ضد «داعش» إلى الاتجاه الذي يوصلنا إلى حريتنا. هل نفوت هذه الفرصة كما فوتنا غيرها، أم نفيد منها كي نسقط نظاما قاتلا ساعدناه على النجاة بأخطائنا وعشوائية عملنا؟!

الشرق الأوسط

لعبة سخيفة ومكشوفة!/ ميشيل كيلو

شن طيران النظام منذ أيام غارة جوية على مبنى محافظة الرقة، حيث يتمركز قادة «داعش» منذ قرابة أربعة أو خمسة أشهر من دون أي إزعاج من طيران الأسد، أو من فرقة جيشه رقم 17، التي تقصف الرقة ليلا ونهارا، أو من اللواء 93 المرابط في إحدى ضواحي المدينة كي ينهال بقنابله وصواريخه على المواطنين المسالمين، بمناسبة وبلا مناسبة.

أخيرا، وعندما افتضحت بالوثائق والأدلة الدامغة علاقات الإرهاب الأسدي بالإرهاب الداعشي، أمر النظام طيرانه بشن غارة على مقر «داعش» في مدينة الرقة، ليتنصل من ورطته الداعشية، ويتاجر بالغارة في جنيف، ويقدم نفسه كحام للعالم من الإرهاب، ردا على بيان الدول الإحدى عشرة في باريس، الذي اتهمه بالتعاون مع الإرهابيين، وحمله مسؤولية انتشارهم في سوريا، وعده ضالعا في تنظيمهم وتدريبهم وتسليحهم واستخدامهم في صراعاته الإقليمية والعربية والدولية.

بعد انهيار ما روج له النظام طيلة عامين ونصف العام حول أصولية الثورة وقيامه بحماية العالم منها، وبعد الحملات الإعلامية التي قام بها من أجل إلصاق تهمة الإرهاب بالمقاتلين في سبيل الحرية، وتبرئة الإرهابيين المنظمين في جيشه وشبيحته من دماء السوريين المسفوحة، والتستر على إرهابيي حزب الله وأبي الفضل العباس، الذين استقدمهم من خارج الحدود كي يساعدوه على قهر شعبه وتحطيم إرادة الحرية في نفسه، من خلال ذبح بناته وأبنائه وقطع رؤوسهم وتقطيعهم إلى أشلاء، واغتصابهم وسلبهم ونهبهم وقتلهم العشوائي والمجاني… تنكشف أكذوبة النظام المعادي للإرهاب، ويضع تكامله مع «داعش» معظم دول العالم أمام السؤال حول ما عليها فعله من الآن فصاعدا كي تحمي نفسها منه، وتكبح جماحه وتمنعه من التلاعب بوجود ومصير شعوب ودول العالم.

اليوم، وقبل سويعات من «جنيف»، وبعد أن بينت أدلة دامغة وقاطعة نوع العلاقة المميزة بين الأسدية وإرهابيي «داعش»، يؤمر طيران النظام بشن غارة على هؤلاء، علها تنسينا أن من يهاجمهم هم الوحيدون في مدينة الرقة، الذين لم يتعرضوا لأي هجمات طيلة ستة أشهر، أي طيلة الفترة التي كانوا بحاجة إليها كي يحتلوا المدينة، ويوطدوا أقدامهم فيها، ويصفّوا حساب مخابرات السلطة مع أبنائها وبناتها، الذين نظموا المظاهرات وواكبوا الثورة، من دون أن تتمكن من الإمساك بهم حين كانت الرقة في يدها، وها هي «داعش» تلقي القبض عليهم الآن وتسلمهم إلى فرع أمن القوى الجوية في مطار الطبقة العسكري.. بينما وصلت في الأيام الأخيرة معلومات موثوقة تؤكد أن أوامر صدرت إلى قطعات الجيش، المرابطة في المناطق التي يدور فيها القتال ضد التنظيم التكفيري بتسهيل مرور مقاتليه على حواجزه وإعطائهم كل ما يحتاجون إليه من ذخائر وأسلحة وطعام، وتزويدهم بإحداثيات وحدات الجيش الحر وتحركاته، ومساعدتهم على اقتحام مواقعه. إضافة إلى ما تقدم، ليس قيام طيران النظام بقصف مدينة «الباب» طيلة يومين كاملين سبقا هجوم «داعش» عليها، غير دليل صارخ على مشاركته في القتال إلى جانبها ضد الجيش الحر، وقيامه بإسنادها وتمكينها من استعادة بعض ما خسرته من قرى وبلدات ومدن. وقد لفت أنظار المقاتلين خلال الأيام القليلة الماضية حجم ما تزج «داعش» به من رجال في المعارك، وما تستخدمه من ذخائر وعتاد، وأثار دهشتهم عدد مقاتليها، الذي لم تمتلكه قبل المعارك الأخيرة، وفق أدق المعلومات والمصادر، بما في ذلك معلومات قدمها رجال اخترقوها، وقادة تركوها وانشقوا عنها وقدموا ما يعرفونه عن أسرارها وعملياتها وعلاقاتها وهيكليتها وانتشارها، والقتلى من قادتها، وهم كثيرون جدا، وكانوا يحتلون مواقع مهمة في تراتبيتها العسكرية والسياسية.

كان النظام يتاجر بخوف العالم من الأصولية، ويعمل على تسويق نفسه كعدو لدود لها يرفض مهادنتها ولا هدف له غير القضاء عليها وحماية الآخرين من شرورها، فانفضحت أكاذيبه بعد انكشاف علاقاته مع «داعش» ودعوة حزب الله والمرتزقة العراقيين إلى سوريا، ولم يبق له ما يداري به فضيحته غير شن غارة على الرقة، أراد لها أن تغطي حقيقته، وتحجب إرهابه عن الأنظار، وكذلك تعاونه مع إرهابيين يشاركونه قتل شعبه.

لا بد أن يمثل انكشاف علاقة النظام بـ«داعش» تحولا مهما في الصراع الدائر في سوريا، إن عرفنا كيف نفيد منه ونجحنا في إقناع العالم بأن الانتصار على الإرهاب مستحيل ما دام النظام الحالي قائما في سوريا، ووعينا أن معركتنا ضد الإرهاب غدت جزءا من معركتنا ضده وبالعكس، وأن كسبها شرط هزيمته.

الشرق الأوسط

هل ينتج الصدام الضروري مع «داعش» صحوة سورية؟/ عبدالله أمين الحلاق *

في المعركة التي تخوضها اليوم فصائل من «الجيش الحر» وفصائل إسلامية مستقلة، ضد تنظيم دولة العراق والشام «داعش» في الشمال السوري ومحافظة الرقة، ثمة ما يقارب بداية انطلاق الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد في آذار (مارس) 2011. وجه الشبه يكمن في انفجار الوضع، بعد ضيق طويل وصبر مديد، في مواجهة ممارسات من العسف والطغيان والسرقة والنهب والاستهتار بالسوريين، أحد تلك الممارسات بعثي أسدي وثانيها ديني قاعدي، مع التسليم بذلك التواطؤ والتنسيق بين هذين الاستبدادين.

الانفجار هذه المرة ذو علاقة بخلاف عسكري بين «داعش» وأحد الفصائل العسكرية امتد إلى معركة عسكرية معها على نطاق واسع. إلا أن المواجهات اليوم والعمليات العسكرية الدائرة بهدف طرد «داعش» من الشمال السوري والرقة، وتالياً سورية كلها، يحدث في سياق نار الثورة المستعرة في بقاع مختلفة من سورية ضد نظام الأسد، والمنحسرة في بقاع غيرها بسبب وجود «داعش» وغيرها من تنظيمات، ولأسباب تتعلق أيضاً بتقدم النظام على حساب الثورة على الأرض. هذا يصعّب العملية ويضعف القتال الذي صار مفتوحاً على جبهتين معاً، بخاصة في ظل بروز استعداد أسدي للتدخل لمصلحة «داعش»، كما أوردت مواقع الكترونية عن تحرك مدرعات تابعة للنظام للتدخل، أو القصف الجوي للمناطق التي تتعرض لعمليات بالسيارات المفخخة تقوم بها الدولة الإسلامية ضد مدنيين في حلب وريفها، بهدف تخفيف الضغط أسدياً عن تنظيم القاعدة بفرعه السوري.

خرجت تظاهرات في حلب، وفي الرقة، تدعو إلى رحيل «داعش» عن سورية، وهي تهتف: «الجيش الحر للأبد داعس داعش والأسد». يختزن هذا الشعار حالتين مفقودتين أعاد تجدد التظاهرات وضعهما في الواجهة، أولاهما «الجيش الحر»، الذي فقد حضوره السابق بعد بروز «جبهة النصرة» و «داعش» واقتطاعهما أراضي سورية من يد الثورة والثوار، يضاف إليهما «جيش الإسلام» بقيادة زهران علوش والمنضوي في «الجبهة الإسلامية»، وغيره من تنظيمات شبيهة. والثانية، ما يكتنف شعار تلك التظاهرات من تلازم بين «داعش» والأسد، وهو الصواب الذي غيبه ناشطون فايسبوكيون وسياسيون معارضون وهم يطلقون اليوم دعوات لوقف القتال ضد «داعش»، داعين «إلى توحيد الصفوف في مواجهة النظام». هؤلاء دافعوا عن الدولة الإسلامية واعتبروها تقاتل النظام ايضاً، بعكس واقع الحال على الأرض، حيث تقاتل «داعش» السوريين الثائرين كما يفعل النظام تماماً وبنفس مستوى الإجرام.

لكن الجبهة الإسلامية وغيرها من التنظيمات التي تقاتل «داعش» اليوم، هي ائتلاف لفصائل اسلامية مقاتلة لا يخفى تشددها ونفَسها التكفيري على أحد. هذا لن يعكس ولن يفضي بالتأكيد إلى خلاصية قد تستقر عبرها الامور على ما يجمع سوريي الشمال المحرر من النظام، إن انتهت المعركة مع «داعش» على نصر عليها. مع ذلك، فالتقاطع بين السوريين وأملهم بالخلاص من «داعش» وبين من يقاتل هذه الاخيرة اليوم يَغلب ما تفتقده «داعش» وقبلها «النصرة» التي قاتلت السوريين اكثر مما قاتلت جلاد السوريين وحاكِمهم، وإذا ما قاتلت النظام أحياناً قليلة جداً، قاتلته من خارج الثورة ولاعتباراتِ تمددٍ وخلق أراضٍ قاحلة جديدة لإقامة خلافتها الإسلامية الموعودة عليها. يعترض الكثيرون اليوم على الصدام الحاصل مع «داعش»، وينقسم هؤلاء المعترضون إلى ثلاثة أقسام:

القسم الاول يعترض على القتال والصدام معها، على رغم انهم شاهدوا بأم العين قطع الرؤوس والذبح والتعذيب الوحشي في مقارّها، والتنكيل الذي نزل بالثوار، وهي الممارسات التي قام السوريون ضدها في مواجهة النظام قبل ثلاثة أعوام ثم ضد «الدولة» قبل أيام.

والقسم الثاني، وهو القسم العلمانوي في صفوف المعارضة السورية، والذي يرفض السلاح والعسكرة إلا إن صدرا عن إرنستو تشي غيفارا. هنا فُصام عن الواقع والدوافع التي قادت إلى مآلات العسكرة والانقسام الأفقي في المجتمع السوري، وهؤلاء يعتبرون القتال الحاصل اليوم قتالاً بين جبهتين خارج نطاق التفاوض والحوار و «تفكيك النظام من داخله» على ما كتب أحدهم قبل أيام.

والقسم الثالث هو الذي يلطم خِفيةً ومن خلف الستار حزناً على خسارة «داعش» المحتملة للمعركة: إنه النظام الأسدي، والذي سيخسر ورقة طائفية ودينية مهمة هي «القاعدة»، وهي الورقة التي طالما كانت بيده في دول الجوار قبل ان يستعملها في سورية، بحيث لا يبقى في يده من الاوراق الطائفية والدينية التكفيرية إلا ورقة حزب ولاية الفقيه المحارب اليوم في سورية والمقاوم للشعب السوري دفاعاً عن المملكة الاسدية.

تتقدم «داعش» احياناً وتتراجع احياناً أخرى وسط رحى المعركة الدائرة ضدها، ووسط مهازل كبرى تتيحها الكتائب المقاتلة ضدها وتتجسد مثلاً في إبراز «جبهة النصرة» وتعويمها مجدداً وطرح نفسها بديلاً لـ «داعش» في السيطرة على مقارها والتنسيق مع «الجيش الحر».

في كل الاحوال، لن ينتج الصدام والمعركة العسكرية مع «داعش» صحوة، كما غامر بالقول كتّاب متفائلون او شعبيون كثر، إلا أن نزع أنياب هذا التنظيم في سورية او إضعافه لدرجة كبيرة، او إنهاء وجوده، كائناً من كان المحاربون ضده، سيمنح السوريين فرصة لتوسيع كوة الضوء الضيقة في نهاية النفق الطويل والمظلم الذي يعانونه.

الصحوة مرتبطة أساساً بالسوريين، عسكراً ومدنيين، والذين يعملون لتغيير واقعهم ويستغلون تحولات هذا الواقع على الارض في سبيل استعادة ثورتهم وبلدهم، وليس في الرهان على فصائل عسكرية قد يبدو الصدام معها مستقبلاً بشتى الوسائل بمثابة تحصيل حاصل، وإن قاتلت تلك الفصائل ضد «القاعدة».

المهمة بالغة الصعوبة، لكنها الخيار الوحيد على طريق ترميم جزء من الخراب العميم الذي لحق بسورية وبالسوريين.

* كاتب سوري

الحياة

داعش والائتلاف والاسد/ غسان المفلح

 نظام الاسد بلاء البلد، ولا بلاء يضاهيه توحشا وبربرية،مهما حاولنا البحث عن مخرج لجنيف2، هو أصل الدم في سورية، وأصل الدم هو التمسك بسلطة لا تتمتع بأي نوع من أنواع الشرعية سوى شرعية القتل والفساد والطائفية، نظام أتى وتشكل بوصفه بلاء ابتليت به سورية، يحتاجه النظام الدولي والاقليمي منذ ماقبل عام 1970 لم تشهد سورية يوما واحدا بلا معتقلين سياسيين، بلا نهب وفساد، بلا تطييف، حدثت انتفاضة محدودة في نهاية السبعينيات 1978 وانتهت بتدمير مدينة حماة ومجازر لا تزال في الذاكرة، تدخلت قوى مسلحة على الخط بزعامة الطليعة المقاتلة، وبعث صدام، وانتهت المواجهة بأنه اعطى لقيادي أو لمقرب من الطليعة المقاتلة منصب عضو مجلس شعب!!

ولم تتغير البلد بل العكس ما حصل ازداد الفساد والنهب والتطييف والاعتقال والتصفيات، واستمر الوضع الاقتصادي بالانحدار جراء هذه المسيرة، واقتربت سورية من مؤشرات الدولة الفاشلة. أصل الدم في سورية لمنع الحرية، هذه البداهة غيبت منذ أول في يوم الثورة عن تيارات سياسية داخل المعارضة السورية فأنتجت هيئة التنسيق. نفس عناصر هيئة التنسيق وخطها السياسي، حملت الاخوان المسلمين ازدياد القمع والعنف والتطييف بالبلد في تلك الفترة!! وعادت لتحمل الثورة الآن مسؤولية ما يجرى في البلد. نظام الاسد اصل البلاء. ولن يتغير إلا بزواله من سورية. تشكل المجلس الوطني ليطالب بتدخل دولي، وتم الالتفاف عليه، وبدأت محاولات عديدة من أجل اجهاضه كممثل للثورة، واستطاعت القوى الدولية والقسم الآخر من هذه المعارضة أن تشكل الائتلاف، بوعود كثيرة ومشرقة!! على ارضية الدخول في تفاصيل اللعبة السياسية الدولية، والتي تتمحور حول اجهاض الثورة. لم يتحقق من هذه الوعود شيئا، سوى مؤتمر القاهرة لتوحيد المعارضة ايديولوجيا وسياسيا تموز2012، والذي رفض التدخل الدولي. اتضح فيه اتجاه القوى الفاعلة بالائتلاف، جنيف2. البشر تقاتل على الارض، والشباب يبتعدون عما يجري ومتطلباته. حتى أتت داعش وغطوها كتبنا لهم في حينها، إذا كانت جبهة النصرة تنظيم غير سوري فكيف بداعش؟ رغم أننا حاولنا أن نجد قاسما مشتركا مع جبهة النصرة!!

لكن لاحياة لمن تنادي، واسفرت سريعا عن وجهها القاعدي، فكيف بداعش التي هبطت علينا من العراق، وبقيادة عراقية واجنبية- كنت ضد القاعدة في العراق، فكيف الحال بسورية؟! بينما كان معها جماعة التنسيق انفسهم ويسمونها مقاومة عراقية، لأن النظام الاسدي كان يدعمها ويسميها مقاومة عراقية!! حتى اعلن هذا الائتلاف عن موقف رافض لهذا التنظيم لكن بعد أن بلغ السيل الزبى كما يقال. عندما يريد الامريكان تحويل اي بلد إلى ساحة اقتتال دموية، ستجدهم خبراء في ذلك. هذا خيار أمريكي كان له الالوية منذ بدء الثورة..من هذه النقطة أتت داعش وغيرها، هذا الخيار استفادت منه إيران وحكومة المالكي وبالتالي نظام الاسد، الذي كان يحشد كل معارفه وخبراته الجهادية من أجل هذه اللحظة، وهي لحظة تحويل سورية إلى ساحة دم. من يقرأ داعش كحركة ثقافية- يبدأون بحشد ادواتهم المعرفية!! وتفكيك الخطاب الداعشي!! بوصفه خطاب يمثل حاضنة شعبية!!- هو بشكل طبيعي يسوق لقتل محيطها!! الذي رفضها.. وهم السوريين السنة. حيث اتضح أن داعش لم تستطع بناء حاضنة شعبية في سورية. وإن دل هذا على شيئ فهو يدل أنها أتت كقوة احتلال للاراضي المحررة من النظام، و99% من ضحاياها كانوا سكان المناطق المحررة، مثلها مثل حزب الله وكتائب مرتزقة العراق وإيران.

لو كان للشيشاني أو العراقي حاضنة شعبية في بلده لما أتى لسورية. داعش تمثل قمة الاحتراف الجهادي. أليست القاعدة احتراف جهادي منذ النشأة؟ ولا أدل على ذلك هو استمرار اللباس الافغاني. كرمزية لتأسيس هذا الاحتراف الجهادي بالتعاون بين الامريكان وبعض النظم العربية. هذا الاحتراف الجهادي اولوياته متغيرة، ولا تنبع من أيديولوجيا محددة، لكنها تستخدم الايديولوجيا بشكل شعاراتي وسطحي، لو لاحظنا مثلا تحالفها مع طهران والمخابرات الاسدية في العراق اثناء الوجود الامريكي، قبلها تحالفها مع الامريكان اثناء الوجود السوفييتي في افغانستان. تحالفت مع الاسد في لبنان ومع إيران في اليمن.

من يراقب الاحداث في اليمن مثلا لايرى أي اشتباك معنوي أو مادي بين القاعدة والحوثيين، وكذا الحال في لبنان لا تجد بين هذه التجمعات الجهادية وحزب الله أي صدام. للمخابرات الباكستانية دور في القاعدة لاينكره الامريكان أنفسهم. القاعدة بؤرة استقطاب لفضلات النظم الاستبدادية جراء حجم العسف والفساد وانعدام المستقبل، وتعتبر هذه النظم نفسها تتمتع بشطارة عندما تستخدم هذه الورقة لتخويف العالم من حرية شعوبها، مع أنها منتهى الخسة والارتزاق. لا تنتعش إلا بالاستبداد والفوضى لهذا يستخدمها الاستبداد عندما يحتاجها. الاستبداد العربي فنان في هذه القضية. فأية أيديولوجيا تجمع ما لايجمع من مصالح وحرب؟ تهميش المعارضة السياسية كانت التوطئة التي ارادتها أمريكا، لكي تقطع الصلة بين هذه المعارضة وبين تفاعلات الثورة على الارض، وهذا بدوره ساهم في خلق الارضية التي وصلنا إليها من الصوملة.

ساعدها في ذلك المال السياسي الذي تبعثر هنا وهناك لشراء الذمم. نظام دموي معارضة سياسية لا تملك قرارها وداعش…عناوين سورية الآن…لا يمكن أن تتعافى سورية باستمرار أيا من هؤلاء كجزء من مستقبلها. كحد أدنى من العدالة الانتقالية التي يتشدق بها كثر. لأن الثورة هي اللاجئين والمعتقلين والمفقودين والشهداء…المدن المحاصرة والمدن التي دمرت.. العالم كله اجتمع على قضية واحدة هي ليس وأد الثورة فحسب بل وأد البلد برمته.. فقط كرد على شعب طالب بأبسط حقوقه كبقية شعوب الارض التي لاتجاور إسرائيل ولا تقع ضمن المنظومة العربية..نستبشر خيرا في تونس… نتمنى ألا تتدخل الجامعة العربية!! غسان المفلح

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى