برهان غليونصبحي حديديصفحات سوريةعمر قدورغازي دحمانغسان المفلح

مقالات لكتاب سوريين تناولت زيارة أوياما ألى السعودية والموقف الاميركي من المسألة السورية

 

أوباما في السعودية: مترادفات استغفال معلَن/ صبحي حديدي

قبيل زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى السعودية، ثمّ خلال ساعاتها المعدودة، دارت بين واشنطن والرياض لعبة مركّبة من الاستغفال والإغفال والغفلة؛ عمادها موضوعات غير مترابطة مثل تسليح المعارضة السورية، وحرّية الصحافة، وحقوق الإنسان والمرأة في المملكة. ورغم قلق السعودية من مقاربة أوباما لملفّ العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية عموماً، ومفاوضات الاتفاق الدولي حول برنامج طهران النووي خصوصاً، فإنّ اللعبة لم تشمل هذا الجانب، الهامّ تماماً، في قمّة روضة خريم.

الاستغفال بدأ من تقرير نشره دافيد إغناتيوس، المعلّق المخضرم في ‘واشنطن بوست’، يستبق زيارة أوباما بمعلومات تقول إنّ الرئيس الأمريكي أخذ يعيد النظر في اقتراح سابق قدّمه كبار مستشاريه، وأثنى عليه أعضاء كبار في مجلس الأمن القومي الأمريكي، في أواسط العام 2012، حول تزويد المعارضة السورية ‘المعتدلة’ بأسلحة نوعية ومتطورة. ورغم أنّ الفكرة بدت أقرب إلى رشوة مسبقة، مفضوحة ومكشوفة، تُعطى على سبيل حسن التمهيد للزيارة، فإنّ الكثيرين وقعوا ضحية الاستغفال، فسارعوا إلى شراء الإشاعة/الأكذوبة وترويجها؛ قبل أن يتولى بن رودس، مساعد مستشارة الأمن القومي وعضو الوفد الأمريكي الزائر، ثقب البالون الذي أطلقه إغناتيوس.

وأمّا الإغفال، فقد دار حول الصحافي الأمريكي مايكل ولنر، مدير مكتب واشنطن لصحيفة ‘جيروزاليم بوست’ الإسرائيلية، والذي رفضت السفارة السعودية منحه تأشيرة دخول إلى المملكة، في عداد الوفد الصحفي الذي رافق أوباما. ‘خيبة أمل كبيرة’، إزاء القرار، صدرت أوّلاً عن مساعدي سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي؛ قبل أن تكرّ السبحة فتتوالى الاحتجاجات الشديدة من رابطة مراسلي البيت الأبيض، التي أصدرت بياناً أدان الإجراء السعودي بوصفه اعتداءً على المراسلين أجمعين، ثمّ على حرّية الصحافة كقيمة كونية مقدّسة. ولنر، نفسه، كتب افتتاحية في صحيفته لم تترك ‘مجالاً للشكّ’ في أنّ حجب التأشيرة استند على وظيفته وديانته اليهودية؛ فأغفل، عامداً، حقيقة أنّ المملكة موئل عشرات الصحافيين اليهود، وبينهم دافيد ماكوفسكي زميله في الصحيفة إياها، والذي كان يراسل من جدّة!

الغفلة، ثالثاً، كانت من نصيب ناشطات سعوديات راودهنّ الأمل في أنّ أوباما سوف يثير، خلال لقائه مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، مسائل حقوق الإنسان في المملكة، عموماً، والحرّيات العامة التي تُحجب عن المرأة بصفة خاصة. أو، في أضعف الإيمان، أن يبدي تضامنه مع السعوديات القلائل اللواتي غامرن، في مناسبة قمّة خريم، بانتهاك العرف السائد، وتحدّي المطوّعين، وقيادة السيارة جهاراً. هنا، أيضاً، توفّرت ‘خيبة أمل كبيرة’ لأنّ أوباما اكتفى بتنظيم حفل خاصّ سريع، سلّم خلاله جائزة الشجاعة، التي تمنحها وزارة الخارجية الأمريكية، إلى الدكتورة مها المنيف، المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني، وذلك نيابة عن زوجته ميشيل أوباما. وسوى هذا، لم ينبس أوباما ببنت شفة، حول أيّ حقّ!

وبعيداً عن مترادفات الاستغفال والغفلة والإغفال هذه، ظلّ تراث العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، والسعودية في المقام الأوّل، جاثماً مثل حجر ثقيل على طاولة المباحثات في قمّة خريم؛ وتابعت ‘الركائز′ القديمة مفاعيلها على الحاضر، وكأنها جديدة ومستجدة. خلال عقود الحرب الباردة كانت ستراتيجية الأمن القومي الأمريكي تعتمد كثيراً على مبدأ احتواء الخطر السوفييتي بمصطلح كوني تحظى فيه الدول ‘الصديقة’ برعاية دفاعية وأمنية خاصة، وتتحمّل الأخيرة في المقابل سلسلة ‘مسؤوليات’ تبدأ من أبسط أشكال المساندة الدعاوية ضد الخطر الشيوعي، ولا تنتهي عند صفقات الأسلحة والقواعد العسكرية. وكانت أسباب عميقة موروثة (النفط، أمن إسرائيل، تعطيل أيّ مشروع نهضوي ديمقراطي عربي…)، تضفي أهمية كبرى على طبيعة هذه الدول الصديقة، وتستدعي نوعية خاصة من الفعل الإجرائي التكتيكي والستراتيجي.

ركيزة تالية فرضها انتهاء الحرب الباردة، حين جرى إدخال تعديل جذري على مصطلح الاحتواء، بحيث باتت البؤرة الإقليمية هي التصغير (المحسوب بدقة ميدانية عالية) للعالم القديم المنشطر إلى معسكرين وقطبين. وتلك النقلة في الستراتيجية دشنها جورج بوش الأب، ثمّ تابعها بيل كلينتون، قبل أن يُخضعها جورج بوش الابن لبعض التعديلات الطفيفة التي فرضها انفجار القوميات والإثنيات في المعسكر الاشراكي السابق، فضلاً عن بلوغ فلسفة المحافظين الجدد ذروة عظمى في تأطير موقع أمريكا الإمبريالي ضمن نظام العلاقات الدولية.

ركيزة ثالثة هي أنّ أهمية النفط الخليجي ظلت آخذة في التزايد، حتى بعد التطورات الدراماتيكية المتمثلة في اعتماد معظم الدول الغربية سياسة التخزين الستراتيجي للخام، وسحب ملفات حصص الانتاج والأسعار من يد الدول المنتجة، وتلزيمها للأسواق والبورصات، فضلاً عن وضع منظمة الـ’أوبك’ أمام أمر واقع ينتهي إلى تحجيمها عملياً. القضايا المتصلة بأمن الخليج واستقراره، في الركيزة الرابعة، ظلّت حيوية بذاتها، وبمعنى لا يختلف كثيراً عن حسابات نظام القطبين، ولكنها باتت أكثر عرضة للتأثّر بالتطورات المعاصرة المترافقة مع صعود إيران، من جهة؛ وتحوّلات ‘الربيع العربي’، من جهة ثانية؛ وإيقاع التطرّف أو الاعتدال في بارومتر الإسلام السياسي، من جهة ثالثة.

بمعزل عن هذه الركائز، كانت زيارة قصيرة لا تتجاوز 24 ساعة كافية لـ’تأكيد الشراكة’، و’تجديد التحالف’؛ وكذلك، طبعاً، ذرّ ما يتيسّر من رماد في العيون!

إدارة أوباما وتبريراتها في سوريا/ غازي دحمان

ثمة رأي سائد داخل الإدارة الأميركية في ما يخص الموقف من الحدث السوري، عبّر عنه سفير واشنطن السابق في دمشق، روبرت فورد، في خطاب له في جامعة تافت الأميركية، ويكاد هذا الرأي يشكل مزاجاً، له مخرجاته العملية تجاه الحالة السورية. ووفق السفير فورد، فإن أسباب بقاء بشار الأسد في السلطة في سوريا خارجة عن إرادة الغرب، وعلى رأسها بلاده، بل إن الأخيرة ليس في مقدورها فعل شيء من شأنه تغيير الواقع الذي يقر ببقاء الأسد في السلطة، في الزمنين القصير والمتوسط. ذلك أنه، والكلام لفورد، بخلاف الدعم الروسي الإيراني الكثيف للأسد، ليست المعارضة السورية الجهة القادرة والمؤهلة على إزاحته، بسبب حال التفكك الرهيبة التي تعانيها تلك المعارضة. بل ويذهب فورد، وخلال فحصه أسباب ضعف المعارضة، إلى اكتشاف عطب بنيوي في أداء المعرضة، يتمثل بعدم قدرتها على تطمين الطائفة العلوية بأنها ليست مهددة، أو معرضة للخطر عقب رحيل الأسد!.

في قراءته هذه التصريحات، رأى المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية عن الملف السوري، فردريك هوف، أن فورد “لا يستطيع التعبير عن رأيه بصراحة حتى الآن”، فهو لا يزال مدرجاً على جداول الرواتب الحكومية، وعليه الالتزام بالسياسة الرسمية لإدارة باراك أوباما، “ينفذ ما يطلب منه أن يفعل لا أكثر: إبعاد اللوم عن واشنطن بشأن الكارثة السياسية والمصيبة الإنسانية التي تحصل”.

الواقع أن إدارة أوباما طالما عملت على بناء سياقٍ متكامل للموقف من الحدث السوري، استطاع أوباما فرضه بالقوة على أميركا السياسية، وهو سياق ينسجم مع عقيدته القائلة بعدم تدخل واشنطن في أزمات العالم، ورفض دور الشرطي الذي مارسته سنوات عديدة، ووجد أوباما في المزاج الأَميركي، الرافض الحروب الخارجية، ضالته وشبكة أمانه في مواجهة الآراء المناقضة لسياسته داخل الإدارة.

بالنسبة إلى سوريا، لم يكتف السياق التبريري لسياسة أوباما بظروف أميركا الداخلية، وتوجهاتها الاستراتيجية الجديدة، وحسب، بل جرى تزخيمه بإيجاد المبررات، دائماً، من ساحة المواجهة السورية نفسها. لذا، أضيفت إلى الفكرة الأساسية أفكار ساهمت بطريقةٍ، أو أخرى، في تزويد الحرب الإعلامية ضد الثورة السورية بأفكار ومصطلحات كثيرة، فهي، مثلا، ضمن إبداعات هذا السياق، حرب أهلية وليست ثورة. وبالتالي، لا مصلحة لأميركا في التورط بها، وهي صراع يوجد مثله الكثير في العالم، فلماذا نتدخل هنا ولا نتدخل هناك.

عبّر هذا السياق عن نفسه بأريحية أكبر، ووصل إلى ذروته، عندما توصلت تقديرات الاستراتيجيين الأميركيين إلى أن الأسد سيئ بين سيئين، وقد يكون الخيار الأسوأ. ولعل هذه الخلاصة أتاحت المجال أمام تقدير أكثر مرونة، يستطيع تضمين كل السياق الأوبامي من دون إحساس بالذنب، هو أن الحرب السورية قد تستغرق عقداً وأكثر، وضمن هذا التقدير يدخل تحليل روبرت فورد، أن الحرب صارت شظية ملتهبة ضد شظية ملتهبة.

ضمن حقل الذرائع الواسع ذلك، بنت إدارة أوباما استجابتها للحدث السوري، وخلفه تلطت وراء حقيقة كبرى، كانت تتولد بالتوازي مع هذه السياسة، هي الانسحاب غير المعلن من ساحة الحدث، وتركه فراغاً يملأه الآخرون. والآخرون، هنا، لن يتم تخليقهم، أَو البحث عنهم، بل هم عناوين واضحة في ساحة الحدث السوري، روسيا وإيران، حيث وجدتا الفرصة سانحة لرفع سقف تحدياتهما، وتعقيد بيئة الأزمة أكثر مما هي معقدة.

لم تكن روسيا وإيران بعيدتين عن مناخ الانسحاب الأميركي، بل إنهما، بحكم تفاعلاتهما الصراعية مع واشنطن، على أكثر من جبهة وملف، كانتا ترصدان جيداً حركية الانسحاب الأميركي حول العالم، وفي المناطق التي تبحثان فيهما عن نفوذ. وكانتا تبنيان على الشيء مقتضاه، حيث تشدد سياستهما الخارجية على جبهة، أو ملف، ويقدمان على مبادرات معينة، فيها مرونة في ملفات أخرى، إلا أن سلوكهما التفاوضي مع أميركا استبطن، على الدوام، ظل يصدر عن تصورهما عن ضعف الإدارة الأميركية الحالية، وانطوى على إحساسٍ بوجود فرصةٍ لإعادة التموضع دولياً، وعلى مستوى الملفات التفاوضية العديدة.

في سوريا، لم يكن الأمر يحتاج إلى مجسّاتٍ لقياس نمط الاستجابة الأميركية ورصده، وتقدير حدود ردة فعلها تجاه أَي تطور يحصل، فعدا عن أَن سورية ساحة تأثير روسية إيرانية، ومجال حيوي لمصالحهما السياسية والأمنية، فإنها، أَيضاً، في الحسابات الأميركية، ساحة هامشية غير مهمة، لا تملك واشنطن أَدوات للتفاعل معها. وبالتالي، من غير المتوقع تطوير سياسات معينة تجاهها، فالوضع الطبيعي أَن تكون هذه حدود الاستجابة الأميركية تجاه أَوضاع سوريا، فكيف الحال إذا جرى دمج هذه الوقائع بسياسات إِدارة أوباما، لا شك أَن النتيجة ستكون صفراً.

الأكيد أن إجراءات أَميركا بخصوص سورية تركز على الحدود، ولا يعنيها ما يحصل في القلب، ذلك أَن مصالحها الأمنية تتركز في حماية حلفائها في إسرائيل ولبنان وتركيا والعراق والأردن، وكانت لها إجراءات عملانية بهذا الخصوص، بتزويد العراق بالأسلحة لمحاربة القاعديين، ونصب بطاريات باتريوت في الأردن وتركيا. أَما ما يحصل للسوريين، فلم يكن يعني شيئاً لإدارة أوباما، طالما ظل محصوراً داخل الجدران السورية. وإِنهاء نظام الأسد واستبداله بشكل حضاري قضية غير مدرجة على جدول أَعمال الإدارة الأميركية الحالية.

العربي الجديد

المحنة السورية بين “فيتو” موسكو ومخاوف واشنطن/ برهان غليون

هل تغير روسيا بوتين من موقفها في الأزمة السورية؟ هذا هو السؤال الذي كنا نطرحه على بعضنا، داخل منظمات الثورة والمعارضة، وتطرحه الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة. والسبب أن تعطيل موسكو مجلس الأمن، باستخدامها الجاهز لحقّ الفيتو، كان يشكل عقبة رئيسية على طريق بلورة أي مبادرة دولية، لوقف يد القتل المنفلتة لنظام المافيا السورية. لم نكن على خطأ بالتأكيد، لكن المشكلة لم تكن كلها مرتبطة بقرار موسكو، ولا رهينة مجلس الأمن.

السؤال الذي يتردد اليوم بيننا، وفي جميع الأوساط المعنية بما أصبح يسمى الأزمة السورية، هو العكس: هل تغير الولايات المتحدة من موقفها، وتسمح بتزويد جيش المقاتلين السوريين من أجل الحرية السلاح الذي يمكنه، ليس من التقدم، فنحن نعرف مخاوف كثيرين منه، وإنما من الحفاظ على حد أدنى من التوازن اللازم، للتوصل إلى الحل السياسي الذي يبدو أنه أصبح مركز إجماع دولي، بموازاة تراجع شروط تحقيقه، وتبخر إرادة العمل من أجله، عند الأطراف المعنية به؟

تغير موقف موسكو لصالح اتخاذ قرار في مجلس الأمن كان ضرورياً، للقيام بأي تدخل إنساني، تقوده الأمم المتحدة لمساعدة الشعب السوري على مواجهة الحرب اللامشروعة التي شنها نظام المافيا السورية الدموي على المحتجين المدنيين، وعلى تحقيق الانتقال السياسي نحو نظام ديموقراطي، ينسجم مع قيم المجتمعات الإنسانية الحديثة، وتطلعات جميع الشعوب. وهذا ما خسره السوريون، وخسرته المنطقة والعالم، بعدما عمل شلل الإرادة الدولية على حصول تطورات متسارعة، غيرت طبيعة الصراع ورهاناته، وحولت سوريا إلى بؤرةٍ، تلتقي فيها كل التواترات والتناقضات والنزاعات العقائدية والسياسية والدينية، الاقليمية والدولية، وتجعل منها برميل البارود الذي يتفجر، ويهدد بتفجير المنطقة بأكملها، ومعها الأمن والسلام في العالم أجمع.

وبعدما قطع الجميع، وفي مقدمهم السوريون، الأمل بمثل هذا التدخل، وانتقلت الأزمة إلى طور جديدٍ من العنف الشامل، والدمار والخراب، استقر الرأي على أنه لا حل للصراع الجاري على الأرض السورية، بما يعكسه من أَبعادٍ ورهانات متعددة ومتزايدة، إلا الحل السياسي.

وباسم هذا الحل، ومن أجل توفير المناخ المناسب له، صرف النظر عن دعم المقاتلين السوريين، وقيل لهم، وهذا كلام وزير خارجية الولايات المتحدة نفسه، رداً على مطالبة وفد “الائتلاف” في لقائه الأخير في واشنطن، بسلاح يصحح الاختلال المتزايد في ميزان القوى، لتشجيع الثوار على الانخراط في الحل، ودفع النظام إلى القبول به: ما الفائدة من تغيير موازين القوى، إذا كان الهدف من مفاوضات السلام تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، لا مكان فيها، ولا دور، للأسد وزمرته المارقة؟

والنتيجة، بدل الحفاظ على الدولة، ووحدتها وسيادتها، من خلال تدخل أممي منظم ومحدود، لوضع حد للمأساة، فتح فيتو موسكو الجاهز الباب أَمام كل التدخلات العسكرية الممكنة، القومية والمذهبية والدينية، وقاد إِلى تفكك الدولة، وحوّل مؤسساتها العسكرية والأمنية إلى حاضنة للميليشيات والتنظيمات الارهابية متعددة الجنسيات. وبدل أن يساعد منع تسليح واشنطن الجيش الحر بالأسلحة الضرورية، لتحقيق حد أدنى من التوازن الميداني، على تحسين فرص الحل السياسي، قاد، على العكس، إلى تشجيع مافيا السلطة على مضاعفة القتل والعنف والدمار، لتجبر السوريين على الاستسلام والتسليم، والهرب بنفسها من أي مساءلةٍ أو محاسبة، وطنيةٍ أو دوليةٍ.

والخلاصة، حتى لا يخسر الشعب السوري الحل السياسي، للخروج من الكارثة، كما خسر، من قبل فرصة التدخل الإنساني، لمساعدته على مواجهة محنته بأقل الخسائر الإنسانية والمادية، أصبح السؤال عن تغير الموقف الأميركي من تسليم السلاح لمقاتلي المعارضة ذا أهمية كبيرةٍ، وأَصبح تمكين المعارضة من مواجهة الفوضى والخراب الذي تنشره ميليشيات الأسد في سوريا والمنطقة أولوية سياسية وأخلاقية.

 العربي الجديد

أوباما مرجع دولي في مأساة السوريين/ غسان المفلح

من يظن ان روسيا تشكل مرجعا دوليا في قتل السوريين على يد نظام الاسد يريد أن يريح ادارة اوباما من تحمل المسؤولية القانونية والاخلاقية عن هذا القتل، روسيا ليست سوى شريكة في القتل، لكنها ليست المرجع الذي يفتي، ويحلل دوليا هذا القتل، لأنها لاتمتلك القدرة على أن تكون مرجعية دولية، رغم امتلاكها للفيتو في مجلس الامن، كأعلى هيئة دولية من المفترض أنها تدير العالم وتشرعن قراراتها، وفق النظام الداخلي للامم المتحدة.المرجع الدولي هو كالقرآن عند المسلمين،التوارة عند اليهود والانجيل عن المسيحيين. ارتبط مفهوم المرجعية في تطوره بفكرة القداسة لسلطة هذه المرجعية. لأن أي سلطة بطبيعتها تقيم قداستها الدينية- النصوص الدينية- أو الوضعية- الدساتير والقوانين والممارسة السياسة وغير السياسية لهذه السلطة، تتحول إلى نصا مقدسا من يخرقه يعاقب. ربما المبالغة بالتشبيه، هي من باب تأكيد الواقعة الدولية، التي بدأت معالمها تتضح منذ عقدين من الزمن، وتطورت بناء على معطيات القوة وتراتبياتها على المستوى الدولي. وعلى انهيار منظومة مرجعية أخرى وهي منظومة الدول الشرقية. حتى وصلنا إلى نظام دولي أمريكي، كنت كتبت مادة عن هذا الموضوع بعنوان النظام الدولي الامريكي. يمكن للقارئ بالعودة إليه.

 عندما تطمئن ادارة أوباما الروس بعدم تسليح المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات، ألا يعني هذا أنها تمتلك كل اوراق الحل وان روسيا تخاف من هذا الاجراء وتعرف ماذا يعني في ميزان القوى على الارض؟ ألا يوجد صواريخ مضادة للطائرات إلا في أمريكا؟ وألا يعني أنها تستمر في شرعنة قتل السوريين بسلاح الطيران؟ بعدما مررت قتلهم ببقية أنواع الاسلحة بما فيها السلاح الكيماوي؟ ألا يعرف الجميع أن سلاح الطيران، يستورده الاسد من موسكو، وحتى قطع الغيار والصيانة..الخ كلها تتم في موسكو.

 لو كانت روسيا تمتلك هذه المرجعية، لمى تمنى لافروف على نظيره كيري، منع توريد الصواريخ المضادة للطائرات لقوى الثورة لتحمي السوريين. روسيا حجمها في الحضور الدولي سوريا، يتمحور حول هذه التمنيات من أدارة اوباما. مع ذلك أيضا الجميع يعرف أنه (لايمكن شراء الصواريخ المضادة للطائرات الا بموافقة أمريكية وإن كان هنالك إمكانية في السوق السوداء، إلا أن المشكلة الأكبر هي موافقة دول الجوار على الإدخال الى سوريا، والذي يتطلب موافقة أمريكية). ادارة أوباما لا تعتمد نصا دوليا في تشريع قتل السوريين، نصا تستند إليه وموجود ومتداول في القانون الدولي، السماح لروسيا بتزويد الاسد بالطيران، والاستمرار في ذلك، ومنع الشعب السوري وقواه من الحصول، على وسائل عسكرية للدفاع عن نفسه، لايشرعنها قانون دولي ولا تشرعنها شرعة حقوق الانسان. بل تشرعنها ممارسة القوة الامريكية الناعمة، استمرار لتجربة تاريخية، من الحضور الامريكي سواء داخل القانون الدولي أو خارجه، وهنا أمريكا اوباما تخرق القانون الدولي. نفهم أنها كدولة هي حرة في أن تبيع أو تهب صواريخ مضادة للطائرات لأي جهة كانت، فهذا حقها، لكن أن تمنع العالم من امداد شعب يقتل بسلاح الطيران، هنا نجد أن مرجعية امريكا في هذه الحالة هي خرق للقانون الدولي، ووضعه على الرف. فليس من حق أي دولة الاعتراض على أية دولة أخرى تريد تزويد شعب يقتل بوسائل حماية. لم تفعلها إلا أمريكا. لهذا لم يعد الحديث عن أن المرجعية الوحيدة التي تمتلك قوة مرجعيتها في العالم هي ادارة اوباما، التي تشرعن قتل السوريين على يد نظام مجرم، باعترافها هي ونصوصها أيضا، وكل ما يصدر عنها من تقارير وتصريحات.

 كيف يمكننا تغيير هذه المعادلة هذا هو السؤال؟ الشعب السوري ليس تنظيم القاعدة، ولا هو في ثورته كان معاديا لامريكا، فلماذا هذا الموقف؟

ايلاف

زيارة الوداع/ عمر قدور

 تقاطعت التصريحات الأميركية والتسريبات السعودية على أن زيارة أوباما الأخيرة إلى الرياض لم تثمر عن أكثر من التقريب بين وجهات النظر المتباعدة في بعض الملفات الإقليمية، ولم تبدر إشارات واضحة باستثناء القول إن أوباما لن يقبل باتفاق سيّىء مع إيران. هذا السقف المتواضع من التقارب بين حليفين تقليديين، في ظل تطورات غير تقليدية تشهدها المنطقة، يشير إلى أنها كانت قمة اللياقة الدبلوماسية وإلى أن الإدارة الأميركية ماضية في سياستها القائمة على الاستغناء عن محورها الإقليمي القديم، أو ربما محاولة إحياء تحالفاتها الأقدم.

الملف السوري نقطة خلاف أساسية بين الطرفين، ولفهم الجوانب العميقة من الخلاف قد يكون من الأفضل استذكار الدور الذي لعبه الثلاثي “السعودي المصري السوري” في الإستراتيجية الأميركية للمنطقة. فعلى الرغم من العداء الإعلامي الظاهر بين النظام السوري والإدارات الأميركية المتعاقبة إلا أن سوريا، مع مصر والسعودية، كانت واحدة من نقاط ارتكاز السياسة الأميركية في المنطقة، وكانت السعودية تقوم بدور الوسيط بين الطرفين. هذا المحور أنيط به ضبط توازن المنطقة منذ سقوط نظام الشاه في إيران وانشغال العراق بالحرب مع الأخيرة، وكان هو العرّاب للتدخل الأميركي المباشر في حرب تحرير الكويت، مثلما كان هو العرّاب لصفقات صغيرة هنا وهناك، في لبنان وغيره.

مع موجة “الربيع العربي” ظهرت الإستراتيجية الأميركية الجديدة إلى العلن، فالإدارة الأميركية سرعان ما ضحّت بحليفها مبارك، وفي مرحلة لاحقة ظهر عدم حماستها لتغيير النظام السوري، بل ساهمت سياستها بتقزيم مكانة سوريا إلى أقصى حد. أي أن الإدارة تخلت عملياً عن بلدين مهمين في محورها القديم، وباتت على خلاف واضح مع البلد المتبقي منه، وكأنها بذلك ترسم إستراتيجية جديدة عمادها الإجهاز على مواطن قوة واستقرار إستراتيجيتها السابقة، ولا شك في أن السياسة الجديدة تقزّم الدور الإقليمي السعودي إذ تهمّش مكانة الدولتين الأخريين. لقد كانت المفاجأة الكبرى في الاستهتار الكبير الذي أظهرته الإدارة الأميركية حيال سوريا كبلد، وكأنها تقول إن سوريا فقدت وظيفتها تماماً في الإستراتيجية الأميركية، ولا مانع لديها من تحويلها إلى ركام يتحمل تبعاته أولئك المنتصرون فيها.

لقد قيل الكثير عن تحول الاهتمام الأميركي إلى الشرق الأقصى، ويبدو أن هذا التحول غير ممكن ما لم تقم أميركا بتفكيك إستراتيجيتها القديمة في المنطقة. ذلك لا يعني ترك المنطقة وشأنها بقدر ما يعني انسحاباً ممنهجاً تتخلى فيه عن كافة مستلزمات الدور السابق، وتُلزم الحلفاء بالتكيف مع الواقع الجديد لأنها غير معنية بدعم توجهاتهم المخالفة التي تنتمي إلى الزمن القديم. على ذلك قد يكون انتهاء الدور السعودي مطلباً أميركياً، بالتزامن مع تدمير سوريا والانزواء المصري المرتقب بسبب المشاكل الداخلية العميقة على صعيدي السياسة والاقتصاد.

تكرار الإعلان الأميركي عن أن الإدارة لن توقع اتفاقاً سيئاً في الملف النووي الإيراني لا يطمئن الكثيرين في المنطقة، إذ لا أحد يخشى من السلاح النووي الإيراني بالمعنى المباشر. ما يشكو منه الكثيرون هو تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، والخدمات غير المباشرة التي قدمتها الإدارة الأميركية لإيران بدءاً من أفغانستان مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا ولبنان. في الواقع، لا تملك الإدارة إستراتيجية مطمئنة تشرحها للمتخوفين في المنطقة، وفي أقصى الحالات لا تملك سوى أن تطمئنهم على أمنهم الذاتي بعد تضييعها لمكانتهم الإقليمية.

لا يغيب عن البال هنا أنها ليست المرة الأولى التي تبدي فيها الإدارة رغبة في تقليم قوة المحور الذي صنعته بنفسها، فهي قد شجعت سابقاً التغيير القطري كنموذج يُحتذى به خليجياً، لكن سرعان ما دبت الخلافات بينها وبين قطر. ولم يكن من المصادفة أيضاً أن تعتمد سلطنة عمان للوساطة في الملف الإيراني في دلالة على تهميش دول كانت دائماً الأقرب إليها. الخلافات الخليجية-الخليجية الحالية مؤشر آخر على الانسحاب الأميركي، وعلى الرغبة في تفكيك المنظومة الإقليمية التي كانت إلى وقت قريب تشكل قوة ردع تحت المظلة الأميركية. لنتذكرْ هنا التنسيق بين المنظمة الخليجية والمحور الثلاثي، ففي المحطات الكبرى القريبة كان مركز الثقل هو مجلس التعاون مع مصر وسوريا.

ربما يصح القول بأن زيارة أوباما إلى السعودية هي زيارة الوداع، فهو يودع عصراً انقضى من عمر المنطقة، وهناك تسريبات عن وداعه لملك يتهيأ للتنحي عن العرش في خطوة لا تخلو من الرمزية أيضاً. ولكن بقدر ما يبدي أوباما من حزم في تنفيذ سياسته الجديدة إلا أن دخول المنطقة قد يكون أسهل من مغادرتها، أو على الأقل قد لا يتمكن من فرض سياسته كإستراتيجية بعيدة المدى على الإدارة اللاحقة له.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى