أكرم البنيبشير عيسىسمير العيطةصفحات سوريةفايز سارهمحمد ديبومصطفى اسماعيلمنذر خدامهيثم مناع

مقالات لكتاب سوريين حول جنيف 2

السوريون ومؤتمر “جنيف – 2″/أكرم البني

يصح القول إن تحديد موعد مؤتمر «جنيف – 2» في 22 كانون الثاني (يناير)، حسم ارتياب المشككين بانعقاده، لكنه كشف تباينات المراهنين على نتائجه، بين متشائمين كثر يرون المؤتمر أشبه برفع العتب، وإجراءً شكلياً لن يسفر عن أية حصيلة مرضية، وبين قلة من المتفائلين تعتبر مجرد انعقاده نقلة مهمة تضع الصراع السوري في مسار جديد.

للمتشائمين أسبابهم المتنوعة، أولها انعدام الثقة بجدية ما يسمى التوافق الدولي الراعي للمؤتمر، مشفوعاً بإحساس عام بأن ما يثار عن وجود اتفاق مضمر بين أميركا وروسيا لتمرير حل سياسي في سورية هو مجرد ذر الرماد في العيون، والدليل مصير «جنيف – 1» وبلادة المجتمع الدولي المشينة تجاه استمرار الفتك والتنكيل والخراب، والأهم عجز مؤسساته الأممية عن إصدار قرار يلزم أطراف الصراع وقفَ العنف والخضوع للمعالجة السياسية، بالمقارنة مع سرعة التئامها وتوافقها على تفكيك الترسانة الكيماوية السورية، من دون أن تهتم بمصير ومعاناة ملايين المدنيين أو الطلب مثلاً من الجماعات الخارجية المسلحة التي تنخرط أكثر فأكثر في الصراع الانسحاب الفوري من البلاد.

ثانياً، يعرف السوريون نهج النظام في التعاطي مع مثل هذه المبادرات السياسية وقد خبروا جيداً قدرته على استثمارها لربح الوقت والتوغل أكثر في العنف، في إشارة إلى إصراره على تفسيرات خاصة لأجندة المؤتمر تمسخ جوهر التوافق الدولي في «جنيف – 1»، ثم اشتراطه آليات للتفاوض أو حضور شخصيات معارضة تناسبه، والأهم اندفاعه نحو تصعيد عسكري غير مسبوق لاستعادة السيطرة على بعض المواقع المهمة في ريف دمشق وحمص وحلب، عساه يحقق متغيرات على الأرض تطيح دوافع الحل السياسي وتعيد بناء الثقة بجدوى الخيار الأمني والعسكري.

ثالثاً، اتساع الهوة بين الطرفين المدعوين للمشاركة والتفاوض في المؤتمر، فالمواقف الواضحة والمعلنة لكليهما متضاربة ومتعارضة بشدة، والمسافات التي تفصل بينهما أكبر من إمكانية ترتيب جدول أعمال ناجع يمكن على أساسه إدارة المؤتمر العتيد. فكيف التوصل إلى خطة للتنفيذ أو تسوية في منتصف الطريق، ويزيد الأمر تعقيداً ما أفرزه طول أمد الصراع من مراكز أمنية وعسكرية داخل النظام نفسه، ومن جماعات مسلحة في المعارضة، تتفق جميعها موضوعياً على رفض تغيير ما أوجدته سطوة الفوضى والسلاح وخسارة ما جنته من مكاسب وامتيازات. مثل هذه القوى، لن تتأخر عن توظيف ما حازته من إمكانات لإفشال أي مشروع سياسي، إن من خلال محاصرة دعاته واعتقالهم أو من خلال تبادل الأدوار لتسعير الصراع العسكري وإبقاء مناخ الحرب مسيطراً على الجميع.

رابعاً، ما يثير المزيد من التشاؤم، ضعف المعارضة السورية وغياب موقف موحد لأهم فصائلها من المؤتمر. فإلى جانب من يشجع المشاركة ويعول على المجتمع الدولي في إنهاء المحنة ثمة من يرفض رفضاً مطلقاً التفاوض مع نظام فتك بشعبه ودمّر البلاد، بل يعتبر أن كل موقف مغاير لذلك هو استسلام وخيانة لمبادئ الثورة. وهناك من يتخوف من أن تفضي مشاركة المعارضة في مؤتمر غامض ومبهم إلى مد النظام ببعض أسباب الشرعية ومنحه الغطاء والوقت كي يتوغل أكثر في العنف، بينما يضع آخرون اشتراطات متنوعة لعقد المؤتمر تتراوح بين الإقرار المسبق بتنحية أركان النظام ومحاسبتهم على ما ارتكبوه، أو رفض إدراج إيران في عداد المشاركين وبين اشتراطات محقة بإزالة الالتباسات المرافقة لهذا المؤتمر، خصوصاً التأكد من تنفيذ بنود «جنيف- 1» الداعية إلى وقف العنف وعودة الجيش إلى ثكنه وإطلاق المعتقلين والسماح بحق التظاهر السلمي وتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة.

في المقابل يستقوي المتفائلون بما يعتبرونه جديد الرغبات الإقليمية والعالمية لإنهاء بؤرة التوتر السورية، رغبات تنامت في رأيهم مع تنامي أخطار امتداد العنف إلى بلدان الجوار، ونجاح الدول الكبرى في إبرام اتفاق مع إيران على ملفها النووي. ويرى هؤلاء أن الاستعصاء المزمن للصراع السوري وحالة الضعف التي وصلت إليها أطرافه، جعلاه فريسة سهلة لقوى التدخل الخارجي وأكثر ارتهاناً لها، ما يمنح المجتمع الدولي قدرة خاصة على فرض الشروط والإملاءات، إن لجهة وقف العنف، أو لجهة تقرير مسار الحل السياسي.

ليس غريباً أن يعلن سوريون من عمق معاناتهم عبارات تؤيد مؤتمر جنيف وتعول على نجاحه، فهو عند المتضررين يشبه بوابة خلاص مما هم فيه، خصوصاً أولئك الموجودين في المدن والمناطق المحاصرة أو النازحين واللاجئين في بلدان الجوار، فضلاً عن كثيرين بدأوا يتحسبون من خطورة المقبل وما يحمله من شرور وآلام إن طال أمد الصراع واشتدت لغة العنف. ويأمل هؤلاء بأن يشكل عقد المؤتمر حافزاً لتبديل الصورة النمطية للمشهد الدموي السوري، وأن يفضي، في ظل الإنهاك المتزايد للقوى العسكرية وحاجة حلفاء الطرفين لتخفيف أعبائهم وتقليص أشكال الدعم، إلى تفكيك الدوائر الضيقة المتمسكة بخيار العنف وعزلها، وبلورة قوى تزداد قناعة بضرورة المعالجة السياسية، ولها مصلحة في إنقاذ المجتمع السوري من المصير الأسوأ.

ويبقى السؤال، بعد أكثر من سنتين ونصف سنة من عمر الثورة السورية المحاصرة، وما خلفه العنف الأعمى من ضحايا ودمار ومفقودين ومشردين، هل بدأت الأطراف العربية والدولية تستشعر أخيراً أخطار استمرار الصراع الدموي في سورية، وتتحسب من احتمال انزلاقه إلى حرب أهلية واسعة تهدد بامتداداتها أمن دول الجوار واستقرارها، وتالياً هل خلصت إلى إدراك أهمية دورها وتوحيد جهودها من أجل فرض حل سياسي يوقف تفاقم هذه المأساة الإنسانية ويقي المنطقة شرور الانفجار والفوضى؟ ربما تسبر جديتها في إنجاح مؤتمر «جنيف – 2» عمق هذا الإدراك، لكن الأهم حين لا تتلكأ في البحث عن بدائل عند الفشل.

الحياة

مسارات النظام قبيل “جنيف 2” / فايز سارة

ما يقوم به نظام الأسد في سوريا اليوم له دلالات، خصوصاً إذا نظرنا له من زاوية العلاقة بمؤتمر جنيف2 الذي تسعى القوى الدولية من أجل انعقاده بهدف المضي على طريق الحل السياسي للقضية السورية، وتبذل من أجله جهوداً كثيرة، وإن كانت متفاوتة طبقاً لهذا الطرف الدولي أو ذاك، فإنها من أكثر وأكبر الجهود السياسية التي بذلت في التعامل مع القضية منذ انطلاق ثورة السوريين في آذار من العام 2011.

ورغم أن انعقاد جنيف2، ليس مؤكداً، فإن النظام يتعامل معه باعتباره احتمالاً ممكناً في واحد من سيناريوات محتملة، الأهم فيها أن يحوله مع داعميه الروس مؤتمراً ينتج حلاً لصالحه، أو يعطيه مزيداً من الفرصة والوقت للمضي الى الأبعد في حله العسكري- الأمني الذي اختاره منذ البداية، وما زال مصراً عليه على نحو ما تعامل مع كل مبادرات المعالجة السياسية للقضية السورية، أو فرصة لتحميل المعارضة فرصة فشل الحل سياسي، وإثبات نظريته عن بؤس المعارضة، وفشلها في التصدي لمسائل مصيرية في القضية السورية.

وأياً يكن الاحتمال في عقد جنيف2، فإن نظام الأسد، رسم مسارات أساسية في التعامل معه، لعل الأبرز فيها ثلاثة، أولها مسار سياسي، والثاني مسار عسكري، والثالث مسار أمني، تتناغم جميعها في إطار خطة، تتوافق مع استراتيجية النظام القائمة أصلاً على إفشال الثورة واستعادة السيطرة على سوريا والسوريين، ثم القيام بخطوات هدفها إعادة تأهيل وتسويق النظام في المستويين الداخلي والخارجي، وهو هدف يسعى النظام لتأكيده وتسويقه في المستويين السياسي والإعلامي لتأكيده.

إن الأهم في المسار السياسي من خطوات النظام، هو تأكيده المضي في الحرب ضد “المتطرفين” و”الإرهابيين” وتأكيد قيامه بمهمة تتوافق مع الخطة الدولية في الحرب على الإرهاب، وهو منحى لا يعارضه أحد في العالم، بل هو أمر مطلوب من المجتمع الدولي. ورغم أن من المعروف، أن التشكيلات المسلحة في سوريا، لا تنتمي الى بنية أيديولوجية وسياسية واحدة، وأن غالبها يعود الى تشكيلات تتبع الجيش الحر الذي تأسس على قاعدة رفض النظام وردعه عن قتل المدنيين وتدمير مدنهم وقراهم والسعي الى إسقاط النظام، والانتقال الى نظام ديموقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة للسوريين، مقابل قلة من تشكيلات مسلحة متطرفة أبرز جماعات الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وجبهة النصرة المرتبطتين بالقاعدة الساعية الى إقامة “دولة إسلامية” متشددة، لكن النظام يصر على جمعهما في إطار واحد باعتبارهما “متطرفين” و”إرهابيين”، ويطبق سياستين مختلفتين بالتعامل معهما. إذ يسعى الى تدمير قوات الجيش الحر، ويسكت عن وجود ومقرات قوات المتطرفين، ويوفر لها فرص نمو، ويقدم لها دعماً عسكرياً على نحو ما تشير تقارير كثيرة بشأن تفاصيل علاقات “داعش” وقيادات مع جهات وشخصيات سورية ومن دول الإقليم، ترتبط مع نظام الأسد، ليقوم هؤلاء بدور النظام في الحرب ضد تشكيلات الجيش الحر، وهذا ما يحصل بالفعل.

والخط الثاني في المسار السياسي للنظام، يجسده شكل التعامل مع الجهود الدولية الهادفة الى عقد جنيف2 لمعالجة القضية السورية، حيث أعلن في هذا المجال استعداده الذهاب الى جنيف2 من دون شروط، بهدف تحقيق كسب سياسي في مسايرة المجتمع الدولي كذباً، والاستفادة من عامل الوقت لتحسين شروط النظام، وخلق وقائع على الأرض تخدم استراتيجيته في إفشال الثورة، واستعادة السيطرة على الواقع مجدداً وإعادة تاهيل نفسه مستفيداً من ضعف المعارضة ومن التراخي والتخاذل الدوليين الواضحين.

وخطوات النظام في المسار العسكري، تكمل مساره السياسي. إذ هو يشدد حصاره الدموي على المناطق المحاصرة في ريف دمشق وأحيائها الجنوبية وأحياء حمص القديمة وريفها ومناطق أخرى، مشيعاً القتل والدمار، بالتزامن مع عمليات عسكرية واسعة في أنحاء سوريا أخرى ولا سيما في القلمون، وسط تهديدات ببدء عمليات مماثلة في درعا والمنطقة الجنوبية فور إنهاء معارك القلمون، يساعده في ذلك دعم عسكري مباشر من خبرات وقدرات وقوات إيرانية إضافة الى ميليشيات حزب الله وأخرى عراقية ويمنية طائفية، من دون أن يتوقف عن شن هجمات بالمدفعية والطائرات على المناطق البعيدة والخارجية عن سيطرته.

وإذا كان الهدف الأساسي للعمليات العسكرية في سياق استراتيجية النظام هو إعادة السيطرة على الأرض، فإن الاهداف الأخرى للعمليات، لا تقل أهمية عن سابقتها، ومنها تدمير الحواضن الاجتماعية للثورة والمعارضة نتيجة القتل والتدمير والتهجير في المستويين الداخلي والخارجي، الأمر الذي يرفع عدد المهجرين من مناطقهم الى أرقام خيالية، وقد ظهرت تقديرات دولية، تؤكد أن أكثر من أربعة ملايين ونصف مليون سوري، سوف يلجأون الى دول الجوار في خلال العام 2014، إن لم تتوقف حرب النظام ضد الشعب، واستمر الصراع في سوريا.

وتبدو خطوات النظام في المسار الأمني متناغمة مع مجريات وأهداف المسارين السياسي والعسكري. فالضغوط الأمنية مستمرة في كل المناطق السورية ولا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والأبرز فيها استمرار ملاحقة وتصفية المعارضين من الجماعات والأفراد بمن فيها ذوي النشاطات السلمية، وبهذا يزداد عدد القتلى والمعتقلين والمهجرين من تلك المناطق، وشملت الحملات شخصيات قيادية في هيئة التنسيق الوطني التي تظهر كثير من المرونة السياسية في التعامل مع النظام وأطروحاته في مواجهة ما يسمونه “العنف”.

ويتضمن المسار الأمني للنظام، تصعيداً في النشاط الدعوي ضد قوى وشخصيات المعارضة في داخل البلاد وفي الخارج، وكذلك أوساط الرأي العام الدولي، وقد أعاد النظام بناء وتنظيم آلة أمنية وإعلامية كبيرة بالاستعانة بالخبرات الروسية والإيرانية خصوصاً، وبالتنسيق معهما، ونشرها في داخل البلاد وفي الخارج وبخاصة في التشكيلات العسكرية وفي أوساط اللاجئين السوريين في بلدان الجوار، وقد كشفت التشكيلات العسكرية في الداخل، والأجهزة الأمنية في كل من تركيا والأردن عشرات حالات الخرق والنشاط الأمني لأجهزة النظام في البلدين، ونُشرت عشرات التقارير حول ذلك في وسائل الإعلام.

خلاصة القول، إن النظام يسعى وفي احتمال انعقاد جنيف2 الى استفادة قصوى من الجهد الدولي لفتح بوابة حل سياسي للقضية السورية وتحويله الى صالحه بكل الوسائل والأساليب، الأمر الذي يفرض على المعارضة بالدرجة الأولى وعلى المجتمع الدولي الراغب في معالجة القضية السورية وايجاد حل سياسي لها، ليس فقط محاصرة سياسات النظام وإفشالها فقط، إنما وضع خطط مضادة والعمل عليها بصورة جدية من أجل جعل جنيف2 بوابة لحل سياسي، يضع السوريين على سكة تغيير النظام بصورة جوهرية وانتقال السلطة في سوريا نحو نظام ديموقراطي من خلال مرحلة انتقالية في جدول زمني وبالاستناد الى ضمانات تنفيذ دولية جادة وحازمة.

المستقبل

مؤتمر «جنيف 2» وآراء الناس/منذر خدام

قلما يجري أخذ رأي الناس العاديين بالشؤون السياسية العامة، فضلاً عن مطالبهم، رغم أنهم هم الذين يدفعون ثمن الصراع المسلح الجاري في سوريا على شكل قتل، أو تهجير، أو تدمير للبيوت والممتلكات. لقد أصبح أكثر من ثلثي السكان السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وهناك ما لا يقل عن نصفهم يعيش تحت خط الفقر المدقع، فضلاً عن تهديم أكثر من مليون ونصف مليون بيت، وتعطيل نحو ستين بالمئة من الطاقة الاقتصادية للبلد، وتشريد نحو ثمانية ملايين شخص عن بيوتهم في الداخل أو في الخارج، وسقوط ما لا يقل عن مئتي ألف سوري قتيل ضحية للعنف، وهناك ما لا يقل عن هذا العدد من الجرحى ومثلهم من المعتقلين في سجون النظام أو في معتقلات المجموعات المسلحة. رغم كل هذه المعطيات الكارثية الفاجعة التي يتحمل النظام، بالدرجة الأولى، المسؤولية عنها، تشاركه جزئياً قوى المعارضة السياسية والعسكرية بعض المسؤولية، فإنها مع ذلك لا تنفك تتحدث باسم الشعب السوري دون أن يفوضها أحد بذلك.

كان لافتاً، أنه منذ أن أُعلن عن الاتفاق الروسي الأميركي بشأن عقد مؤتمر «جنيف 2» كمخرج سياسي للأزمة السورية، بدأ يتغير مزاج الناس كثيراً عما كان عليه خلال السنتين الماضيتين، بحيث يمكن رصد تحولات جوهرية في مواقفهم، سواء أكانوا مؤيدين للمعارضة، أو للسلطة. في بداية الانتفاضة كان الاستقطاب حاداً جداً بين المؤيدين والمعارضين، كل منهم ينظر إلى الطرف الآخر كعدو ينبغي هزمه وسحقه. في معركة التعبير عن المواقف هذه غالباً ما كانت تسيطر في لغة الخطاب كلمات ومصطلحات اتهامية متطرفة من قبيل خائن، وعميل، ومجرم، وكافر، وغيرها من مصطلحات وصفية حادة وقطعية.

اليوم، الأغلبية الساحقة منهم، مؤيدين ومعارضين، يتطلعون إلى المسار السياسي المحتمل الذي سوف يدشنه مؤتمر «جنيف 2» في حال انعقاده. لذلك نراهم يعيدون اصطفافهم السابق بحيث يأخذ معياراً حاسماً له: من هو مع الحل السياسي ويدعمه، ومن هو ضد الحل السياسي. من هذا المنطلق لم تعد أميركا في ذات المنزلة من العداء لدى مؤيدي النظام، كما لم تعد روسيا شريك النظام في قتل السوريين، فحسب، بحسب منطوق الخطاب المعارض، بل داعمة للحل السياسي التفاوضي. بالطبع هذا الاصطفاف الجديد للسوريين لم يأخذ بعد صورته المتبلورة الناجزة، حيث لا يزال يشوبه لدى كثيرين منهم بعض التردد، تحت ضغط الجروح الغائرة التي تسبب بها العنف في سوريا من كلا الطرفين، وهذا يتضح من خلال أسئلتهم، ومن خلال الانفعالات التي ترافقها والتي يصعب التعبير عنها كتابة، لكن، بصورة عامة، يمكن اعتبارها انفعالات ايجابية تعكس الرغبة في انعقاد مؤتمر جنيف ونجاحه في إيجاد تسوية للأزمة في السورية، التي دخلت إلى كل بيت.

السؤال الذي يتقدم على ما عداه من أسئلة لدى الجميع هو: هل سوف يعقد مؤتمر جنيف حقاً؟! هنا تكاد تكون أجوبة الناس منضوية في إطار مجموعتين من الأجوبة؛ الأولى منها تجدها لدى المتفائلين بقرب حل الأزمة، بعدما وصل الخيار العسكري إلى طريق مسدود. ضمن هذه المجموعة يمكن ملاحظة طيف من الأجوبة يتفاوت بحسب الانتماء الاجتماعي للشخص وبحسب مستواه الثقافي، والثمن الذي دفعه خلال الأزمة. البعض يكاد يكون قطعياً في موقفه من انعقاد مؤتمر «جنيف 2»، وفي تفسيره لموقفه القطعي هذا يركز على غلبة الطابع الدولي للأزمة السورية اليوم على طابعها المحلي، لذلك يعتقد أصحاب هذا الرأي أن التفاهمات الروسية الأميركية لحل الأزمة جاهزة وتنتظر الإخراج المناسب، وأن الدولتين قد أعدتا تفاصيل المؤتمر، وحددتا مسبقاً ما سوف ينتج عنه، وما على الآخرين سوى التوقيع. اللافت أن هذا الموقف الحدي يسجل حضوراً أكثر لدى مناصري النظام من المتعلمين خصوصا، ولدى الجمهور الأقرب إلى نقد النظام من معارضته، لكنه يشاهَد أيضاً لدى بعض الجمهور المعارض الذي كان حتى وقت قريب لا يقبل أقل من إسقاط الرئيس ومحاكمته، في موقف غير سياسي في الغالب الأعم، وهو اليوم قد يئس من إمكانية تحقيق ذلك. إن من يقول بهذا الرأي يعتقد أن المؤتمر سوف ينجح في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، لأن الدول الراعية له لن تسمح بفشله.

الرأي الأكثر انتشاراً ضمن هذه المجموعة يغلب عليه الحذر، إذ يعتقد أصحابه أن المؤتمر سوف يُعقد في نهاية المطاف، لكن بعد تذليل العقبات التي تعترضه، وهي ليست قليلة، وأن مسار جنيف طويل قد يستغرق أشهراً وربما سنوات، لأن جميع الأطراف الفاعلة على الأرض تريد تغيير موازين القوى لمصلحتها، بحيث تنعكس في نتائج المؤتمر. ينتشر هذا الرأي كثيراً في أوساط المتعلمين، الذين يمكن وصفهم بالمستقلين، يجمعهم النقد المشترك للنظام والمعارضة في الوقت ذاته.

في المجموعة الثانية تسود الآراء والمواقف القصووية الحدية، من الطرفين المعارض والموالي، فهي بالأساس لا تؤمن بالحل السياسي، وترفض جميع المبادرات السياسية، ولا تؤمن بمؤتمر جنيف، وسوف تعمل على عدم انعقاده، وإفشاله إذا عُقد. لا أتحدث هنا عن القوى المتطرفة في السلطة والمعارضة، وخصوصاً المسلحة منها، بل عن الجمهور المناصر لكل منهما. للأسف يغلب على مواقف وآراء هذه المجموعة الطابع الطائفي. هم يرون أن لا سبيل للحل في سوريا إلا بتحقيق نصر عسكري ناجز على الأرض، نظراً لتعارض كلا الخيارين السياسيين للسلطة والمعارضة. فمن منظور السلطة يرى هؤلاء أن الصراع هو مع جماعات تكفيرية إرهابية متطرفة، تريد العودة بسوريا إلى قرون للوراء من خلال إنشاء نظام سياسي إسلامي يعيد الخلافة الإسلامية. ومن جهة المعارضة ينظر هؤلاء للنظام على انه قاتل ومجرم ينبغي إسقاطه ومحاسبة جميع المسؤولين عنه بدءاً من رئيسه.

في سوريا السياسة غالباً ما تؤسس على الكراهية لا على المصالح، لذلك فهي بعيدة جداً عن الاستئناس بآراء الناس، الذين تزعم أنها تتحدث باسمهم، وهنا يكمن بعض جذور الكارثة التي تعاني بلادنا منها اليوم.

* رئيس مكتب الاعلام في «هيئة التنسيق الوطنية» السورية

الأخبار

نحو جنيف 2… مرحليّ؟/ سمير العيطة

يبدو أنّ التوافق الاميركي-الروسي حول السلاح الكيميائي قد فتح الباب لاتفاق حول الملفّ النووي الإيراني. فهل يفتح الأخير الذي وصف بالتاريخيّ باب الحلّ في سوريا؟

ما يلفت الانتباه هو مرحليّة ما تمّ التوقيع عليه في جنيف باكراً صباح الأحد 24 تشرين الثاني.

إن مدّة الستّة أشهر هذه تتطابق تقريباً مع الفترة اللازمة للتخلّص من الكيميائي السوري. أي أنّ الفرقاء الذين ساد الخصام علاقاتهم لفترة مديدة وضعوا فترة زمنيّة لإعادة بناء الثقة بينهم ولاحتواء الانتقادات والخلافات و”النغمات الشاذة” داخل كلّ فريق. ولا شك في أن الأمر يخصّ بشكلٍ أساسيّ المتشدّدين في إيران والعربيّة السعودية كما في اسرائيل.

هذا قد يعني بالنسبة لسوريا إطلاق مفاوضات “جنيف 2” بسرعة ولكن فقط بغية التوصّل إلى اتفاق مرحليّ لا يحلّ بالتأكيد جميع القضايا الشديدة الصعوبة والتعقيد، وإنّما يضع آليّة للعمل خلال فترة مؤقتّة تتزامن مع هذين الاتفاقين وكذلك مع انتهاء مدّة رئاسة الأسد الثانية.

لكن قد يعني الأمر أيضا أنّ لا حلّ للأزمة السوريّة سوى من خلال السير قدماً في خطوات تكرّس التقسيم ومؤسساته خلال الأشهر الستّة المقبلة.

فمن جهة تهدد السلطة الحاكمة المعارضة بصيغتها الواسعة أنّها ستنزع الجنسيّة السوريّة عن الكثيرين. ومن جهة أخرى تتوحّد كتائب مقاتلة لإعلان دولة الخلافة الإسلاميّة. وبالتزامن يدعو الائتلاف وأصدقاء سوريا إلى مؤتمر في سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، يضع الحكومة التي شكّلها الائتلاف، في الواجهة وكأنّها واقع. موعد هذا المؤتمر هو بالضبط في التاريخ الذين أعلن عنه للشروع في المفاوضات.

* * *

من الجائز أن تكون كلّ هذه الأمور من باب التصعيد قُبيل التفاوض، أو ربما بالأحرى تعبيراً عن عدم رغبة هذين الطرفين أصلاً في التفاوض، على عكس الرغبة التي كانت واضحة جلية بصدد الملفّ النوويّ الإيراني.

المشكلة الكبرى بالنسبة للأزمة السوريّة هي أنّ مضمون التفاوض غدا أوسع ممّا جاءت عليه تفاهمات وثيقة “جنيف 1”. إذ باتت معالجة نموّ التطرّف المسلّح أمراً أساسياً ليس فقط لجميع العواصم، حتّى تلك التي كان هدفها فصل سوريا عن إيران، بل أيضاً وخاصّة لرؤية سوريا المستقبليّة ومشروع دولتها بعد الحرب. كما أضحى وقف شرذمة سوريا أو صوملتها أولويّة أساسيّة أخرى.

* * *

ربّما من الضروري تصوّر “جنيف 2” على أساس خطوات مرحليّة لا تنتج حلولاً كاملة، بل تفسح المجال وبسرعة لخلق تفاعلات جديدة ضمن كلّ أطراف الحرب القائمة.

النهار

طرفا جنيف السوري خارج الواقع!/ محمد ديبو

رغم الإعلان عن مؤتمر جنيف في 22 كانون الثاني 2011 مازالت خطابات السياسيين والعسكريين السوريين سلطة ومعارضة، تتراوح بين رفض وقبول لجوهر العملية التفاوضية، إذ يسعى كل طرف لرشق الآخر بسلسلة اتهامات لامعنى أو وظيفة لها سوى الأبلسة وتفريغ السياسة من محتواها، سواء بين فصائل المعارضة المتناحرة فيما بينها على جنيف 2 ومعناه من جهة، أو بين السلطة والمعارضة من جهة ثانية.

في التدقيق في خطاب السلطة عن جنيف 2، لن نتمكن من العثور على كلمة واحدة مفيدة، إذ يجري الاختباء حول عبارات “وقف دعم الإرهاب” وضرورة “قيادتها الحوار”! و”حوار سوري سوري” تدرك السلطة قبل غيرها أنه لم يعد سوريا! و ذلك قبل أن نعرف ما هي رؤية السلطة للحل التفصيلي؟ مالذي تقبل به وما الذي لا تقبل به؟ وما هي آلياتها لوضع البلد على طريق الانتقال الديمقراطي وهي التي لا تعترف بكلمة تحوّل ديمقراطي بعد في كل خطاباتها، حاصرة الأمر بين دولة وإرهاب! وكأنه إذا تم القضاء على الإرهاب تزول دولة التوريث و تنحل مشكلات الشعب السوري ويزول الاستبداد الذي يرفض الاعتراف بمشكلته!

على صعيد المعارضة، المنقسمة بين شق يريد جنيف 2 وآخر يرفضه، لا يمكن أيضا العثور على جملة واحدة مفيدة، فرافضو جنيف 2 أو القابلون به وفق شروط، يختبئون حول تنحي الأسد و “زمرته الفاسدة” والأيدي التي تلطخت بالدماء” و “عدم حضور إيران”، وفق التعابير الأكثر شهرة لديهم، دون أن نفهم كيف سيكون عدم ذهابهم لجنيف 2 مفيدا في إطار تحقيق أهدافهم تلك، وهم الذين ما انفكوا يروّجون الأكاذيب المتعلقة بتغيير موازين القوى على الأرض التي ستبقى في إطار “لاغالب لا مغلوب” كما يقول داعموهم قبل أي أحد آخر! ليجمعوا في تناقض مذهل بين تغيير الموازين هذا، وشتمهم لأمريكا والغرب الذي تخلى عنهم! ومن دون أن يوّضحوا من جهة أخرى، رؤيتهم للمرحلة الانتقالية أو العدالة الانتقالية وكيفية قيادة البلد وإدارة مؤسساته التي يديرها حاليا “الملطخة أيديهم بالدماء” وما هي استراتيجيهم لمكافحة الإرهاب الإسلاموي الصاعد حيث تفوّق النظام هنا عليهم، و بات يروّج نفسه كحليف مؤتمن بعد أن تمكن من استخدام ورقة الكيماوي في تجنب الضربة الأمريكية، وهي التي باتت تنقلب ضده هذه الأيام عبر تصريحات بدأت تتواتر حول تهرّبه من التزاماته واحتمال تفكيكه خارج البلد مما ينزع من يده ورقة الزمن التي أرادها!؟

وأما على صعيد المعارضة المؤمنة غيبيا بجنيف 2، فهي لاتزال تختبئ حول عبارة أن الحل السياسي هوالحل الوحيد، دون أن نعرف ما هي سياستهم؟ وكيف سيكون وجودهم في جنيف 2 مفيدا في ظل نظام لم يعترف حتى اللحظة بأن ثمة شعب يريد الانتقال من دولة التوريث إلى دولة الديمقراطية؟ إذ يغيب عن ذهن هؤلاء  تقديم الآليات أو الأوراق التي يملكونها لدفع النظام نحو قبول عملية التحوّل الديمقراطي، وكيف يمكن ضمان ذلك في ظل بقاء الأسد الذي يرفض التخلي عن صلاحياته لحكومة وحدة وطنية؟ وفي حال القبول ببقائه كيف يمكن تحقيق هذا التحول، إذ لا يكفي هنا التبجح بأن جنيف 2 هو الحل، بل لا بد من شرح كيف سيكون ذلك، لإقناع الناس فعلا بأن الحل قادم، وأن ثمة نتيجة في الذهاب إلى التفاوض، على الأقل بالنسبة لحاملي السلاح الذين لن يتخلوا عن سلاحهم إلا في حال بروز مؤشرات ما أو ضمانات ما. وذلك رغم أننا نرفض السلاح كليا، إلا أن الواقع يقتضي البحث في ذلك، وإلا لا معنى لأي مما سبق.

إن التأمل فيما سبق، يضعنا أمام شعوذة سياسية، حيث لا حضور لأي سياسة إلا ممارسة السحر بوصفه سياسة، لذا لا عجب مما نراه اليوم من انقلاب السحر على الساحر لدى كل الأطراف: كيري يصرّح بأن لا مكان للأسد في العملية الانتقالية مؤخرا بعد أن صرّح سابقا بأنه يمكن نقل السلاح الكيماوي إلى خارج سوريا لتفكيكه ليلاقيه  نائب وزير الخارجية الروسي “سيرغي ريابكوف” في نفس النقطة، بعد أن ظن النظام أن “سحر” الكيماوي قد ينقذه، ليعود كيري مجددا ويتحدث عن “الحكومة الانتقالية” دون ذكر موضوع الأسد وذلك بعد الاتفاق الإيراني مع الغرب.

  رافضو جنيف الذين يعتمدون “سحر” تغيير موازين القوى والاعتماد على الخارج بات هذا الخارج نفسه يطالبه بالتخلي عن سحره!

القابلون بجنيف و”سحره” لا يملكون في حقيقة الأمر القول ” لا لجنيف”، لأنهم لا يملكون من أمرهم شيئا، ولعل اعتقال “رجاء الناصر” وعجزهم عن إطلاق سراح عبد العزيز الخير من سجنه ليكونا على طاولة التفاوض، يأتي ليكشف عجزهم، فلا أوراق قوة في أيديهم  لفرضها على السلطة التي ترفض بدورها إطلاق سراح المعتقلين كبادرة حسن نية بالحد الأدنى، لتثبت أنها تريد أن تفاوض لا “تشعوذ” كعادتها!

روزنة

الكاريزما والكفاءة والكرامة/ هيثم مناع

كتب لي مواطن سوري شهد عملية اعتقال رجاء الناصر في البرامكة: «في حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف ظهراً، ومن أمام مستشفى التوليد، أي وسط البرامكة، اعتقل عناصر الأمن رجلاً يبلغ من العمر حوالي الـ 60 عاماً يرتدي بذلة رسمية، وله شارب أسود عرفت من الانترنت والصور أنه المحامي رجاء الناصر، ضربوه ضرباً مبرحاً وأذلوه لأنه رفض أن يضع يديه في الكلبشة، ومن ثم أخذوه مع شاب يرافقه، لم أتمكن من التعرف عليه، إلى سيارة الحاجز المتواجدة هناك، وعلى ما يبدو تم اقتيادهما في سيارتين إلى أحد الأفرع الأمنية».

كنت قد اتصلت بالخارجية الروسية على الفور بعد الاعتقال فأجابني (نائب وزير الخارجية الروسي) ميخائيل بوغدانوف «كل شيء سيكون على ما يرام، الاعتقال وقع بالخطأ». نفس الإجابة جاءت من الأمم المتحدة، بل كتب لي المبعوث الدولي والعربي الى سوريا الاخضر الإبراهيمي «هل عاد السيد رجاء إلى المنزل كما قيل لنا»؟

بعدها بدأ الإعلام السوري الرسمي أسطوانته المشروخة عن جماعة مسلحة اختطفت رجاء الناصر. ورغم مخاوفنا من هذا الإعلام، إلا أنه شكل بالنسبة لنا إقراراً واضحاً، ليس فقط بأن أجهزة الأمن السورية هي التي اعتقلت رجاء الناصر وإنما أيضا أنها تعتقل عبد العزيز الخير وإياس عياش وماهر طحان الذين كانوا ضحية عملية مشابهة على حاجز القوى الجوية في المطار في 20 أيلول العام 2012.

سألني بوغدانوف في لقائنا في جنيف الثلاثاء «ماذا يستفيدون من هذا الاعتقال الذي يسيء للسلطات السورية على كل الأصعدة». فقلت له: «أنت تطرح سؤالا منطقياً على من استغنى عن العقل والمنطق منذ زمن طويل».

في معتقلات السلطة السورية عبد العزيز الخير والمحامي رجاء الناصر، ومن لا يستطيع السفر رغم التدخلات الخارجية مثل منذر خدام. وما زال «الخواجات» و«ائتلاف» اسطنبول يضعون الفيتو على حضور هيثم مناع وصالح مسلم. أي أن معارضة الخارج وخواجات الملف السوري يلتقون مع السلطة في ضرورة تغييب أعضاء الوفد الأساسيين لـ«هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي» عن مؤتمر «جنيف2»!! في الوقت نفسه الذي يتحدث فيه السفير روبرت فورد لصحيفة «النهار» عن ضرورة حضور «لواء التوحيد» و«أحرار الشام» اللذين رفضا مؤتمر جنيف ويرفضان فكرة دولة مدنية ديموقراطية ويعملان في الميدان بتنسيق مباشر مع «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) كما هو معروف للقاصي والداني.

ويحق لنا عبر معطيات إضافية كثيرة أن نطرح السؤال بصراحة: هل يجري العمل لإفشال مؤتمر جنيف منذ إعلان موعد انعقاده في العشر الأواخر من كانون الثاني المقبل؟

ليس في ذاكرتي وتجربتي مؤتمر ناجح واحد عقد بعد الحرب العالمية الثانية تم التحضير له بالطريقة التي نراها أمام أعيننا حتى الآن. فأول شروط عقد أي مؤتمر توفير المناخات الضرورية للنجاح. هذه المناخات تعتمد على الأطراف السورية والإقليمية والدولية المشاركة في المؤتمر. فكما قال أحد القرامطة قبل قرون: «لا تزرع بذرتك في أرض سبخة (أي مالحة)».

أما الأطراف السورية فتبدأ بالمعلوم منها قبل الأشباح، والمعلوم المحدد المعالم هو النظام السوري. وفد النظام السوري سيحدد أسماء الأعضاء فيه ومهمتهم أعلى سلطة في النظام. أي أن (الرئيس) الدكتور بشار الأسد هو صاحب القرار في ذلك. وهذا أمر معروف للأميركي والروسي والسوري. الحكمة تقتضي أن يكون في هذا الوفد كل المكونات السياسية المشاركة في حكومة الدكتور (وائل) الحلقي. من هنا نرى أن عملية القفز عند بعض الأطراف إلى وفد المعارضة عملية مسيئة لسمعة الحكومة ولكل من يدفع باتجاهها في آن معاً. وقد قلنا للمسؤولين الدوليين بوضوح: «عندما تدخلون مقر الأمم المتحدة تحملون بادجا مكتوب عليه «حكومي». وعندما أدخل أحمل بادج مكتوب عليه «غير حكومي» فكيف تريدون إقناع العالم بأن في وفد، أو وفود المعارضة، وزراء؟».

المسألة الثانية ميدانية. هناك من لا يزال على قناعة بأن من يحدد برنامج العمل في جنيف هي موازين القوى وليس إعلان جنيف. هنا أيضا نقطة جوهرية: اسم المؤتمر «جنيف 2» أي أن هناك استمراراً لعملية بدأت وليس الانطلاق من الصفر. كتاب الأمم المتحدة مكون من جزءين: جزء أول اسمه «إعلان جنيف» وجزء ثان اسمه «وضع هذا الإعلان موقع التنفيذ من قبل المشاركين السوريين والإقليميين والدوليين».

المسألة الثالثة مسألة نفسية اجتماعية أكثر منها سياسية: لا يمكن أن ينجح مؤتمر جنيف من دون توفير الأرضية الصالحة لاحتضانه من غالبية حقيقية من المجتمع السوري. الأمر الذي يعني ليس فقط شعور داخلي عند كل مواطن ومواطنة بأن جنيف يحمل آفاق حل، وإنما أيضا أنه بفضل بشائر مؤتمر جنيف أفرج عن النساء والأطفال وتم إطلاق سراح المختطفين والمختطفات، وجرى رفع كل العقوبات الدولية التي تمس الاحتياجات الغذائية والصحية وتلك المتعلقة ببناء مساكن مؤقتة تعوض قرابة مليوني عائلة من العثور على مأوى بعد عودتها من اللجوء الخارجي أو النزوح الداخلي. وسماح السلطة الموازي لإيصال هذه المواد الأساسية لكل المناطق السورية من دون تمييز.

وتأتي أخيراً مشكلة المعتقل من دون صفة (أي لا معتقل سياسي ولا مسجون مسلح)، أي ذاك الذي اعتقل في المكان الخطأ في الزمن الخطأ في علاقة القربى أو الجيرة أو الجوار الخطأ. حدثني أحد شباب «هيئة التنسيق» بعد الإفراج عنه، وقال «كنت في مهجع فيه قرابة 400 شخص من هذه الفئة من ريفي دمشق وإدلب. عندما عرفوا أنني من هيئة التنسيق كان على لسانهم سؤال واحد: هل سيعقد مؤتمر جنيف ومتى؟». هؤلاء المعتقلون الذين يشكلون حسب تقديراتنا ثلثي عشرات آلاف المعتقلين ينتظرون أن يفتح مؤتمر جنيف الباب لرفع الظلم والحيف الواقع عليهم.

يأتي بعد ذلك دور أطراف المعارضة المختلفة. لقد قلت بوضوح في لقاءات هذا الأسبوع لكل من قابلت «لا توجد قوة في العالم قادرة على الضغط على هيئة التنسيق الوطنية». ففي لحظة الحقيقة اليوم يبدو أمام العالم أن هناك معارضة وطنية ديموقراطية مدنية مستقلة القرار والإرادة دفعت غاليا ثمن هذا الاستقلال في القرار السياسي والاعتماد المالي والنضالي على النفس. وهناك من ربط قراره بالمال السياسي والعسكري الخارجي. ومن حسن حظ سوريا أننا منذ الثالث من تموز العام 2012 أيدنا عقد مؤتمر جنيف الثاني. وهذا مكسب لإنجاح المؤتمر ولكنه غير كاف. نعرف جيدا أن عالمنا فيه الوطني المستقل وفيه من يرتبط بولاءات وتحالفات خارجية. وهذا موجود في سوريا وفي غير سوريا. ومن المدمر للبلاد والعباد أن تدخل المعارضة السورية مؤتمر جنيف تحت مظلة «الائتلاف» لأن هذا يعني بوضوح أن قرار المعارضة بيد (رئيس الاستخبارات السعودية) بندر و(رئيس الاستخبارات التركية) حاقان فيدان وفورد الخ.. وليس بيد الشعب السوري. من هنا من واجب أصحاب الولاءات التخلي عن الخطاب البعثي الذي تخلت عنه السلطة في دستورها الأخير. عن تمثيل الدولة والمجتمع الذي يكرر بشكل ببغائي بالحديث عن تمثيل الشعب والثورة. وأن نذهب إلى جنيف باسم «وفد المعارضة الوطنية» وليس باسم التكوينات المختلفة التي يعرفها الجميع، ويعرف جيدا حجم وسقف واستقلالية كل منها.

من الواجب أن يتمتع وفد المعارضة بالكاريزما والكفاءة والكرامة حتى يكون مقنعا للسوريين والعالم. لدينا أوراق مشتركة ونقاط تقاطع أساسية مثل «الميثاق الوطني» وقرارات القاهرة وأوراق عمل «المجلس الوطني» و«الائتلاف» و«المنبر» و«الهيئة الكردية العليا» والوثيقة التنفيذية لـ«هيئة التنسيق الوطنية». وعلينا وضعها على الطاولة في اجتماع تشاوري عاجل لأقطاب المعارضة السورية المشهود لهم بالنضال والكفاءة والمصداقية بعيدا عن الحساسيات الشخصية والصراعات المسطحة التافهة. وهنا من الضروري أن يكون في اجتماع كهذا ليس فقط التكوينات الكبيرة بل أيضا شخصيات اعتبارية هامة مثل وليد البني وخالد المحاميد والشيخ معاذ الخطيب وسمير عيطة وأسماء معروفة أخرى.

يأتي بعد التمثيل السوري الموضوع الإقليمي. لا يخفى على أحد دور تركيا وإيران والسعودية في الحرب الدائرة في سوريا. وحتى الآن لم يحسم بعد حضور إيران والسعودية في المؤتمر. وكنا في «هيئة التنسيق الوطنية» قد طالبنا منذ الثالث من تموز العام 2012 بحضور مصر وإيران والسعودية مؤتمر «جنيف 2». وقدم مؤتمر «من أجل سوريا ديموقراطية ودولة مدنية» في نهاية كانون الثاني الماضي اقتراحاً بحضور دول «البريكس» الأكبر (الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا) إضافة لليابان لما يمكن أن يكون لها من دور في إعادة بناء سوريا. واليوم ندعو ونتمنى انعقاد مؤتمر قمة سعودي – إيراني يضع حداً للحرب الباردة المذهبية التي تحصد الأخضر واليابس في لبنان وسوريا والعراق واليمن. فقد أثبت التاريخ المعاصر الكلفة الباهظة للمواجهة الخليجية – الإيرانية، سواء في الحرب العراقية – الإيرانية التي مولت خليجياً وانتهت باحتلال الطرف المدعوم من دول الخليج لدولة الكويت. والاحتلال الأميركي – البريطاني الذي أنجب الطحالب المذهبية وجعلها في مواجهة مباشرة مع احتمال قيام دولة قانون ومواطنة وأمان في العراق. وليس من المعقول أن يستمر تصدير «الجهاديين» من أصقاع الأرض إلى الهلال الخصيب بدعوى مواجهة الاحتلال الإيراني، وأن تفتح السلطات السورية حدودها لأكثر من خمسة آلاف مقاتل شيعي بدعوى حماية الأماكن المقدسة الشيعية!

يأتي أخيرا الدور الدولي. وهنا نرى ضرورة أن يواكب عقد مؤتمر جنيف قرار واضح من مجلس الأمن بوضع كل المقاتلين غير السوريين على الأراضي السورية خارج الشرعية الدولية. وأن يسمح القرار بملاحقة كل من يتواطأ مع دخول أو مشاركة أطراف غير سورية في الصراع الدائر في البلاد.

يبقى على الصعيد الدولي خطر الصفقات والوصايات المنتظرة والمطلوبة من الشعب السوري والدولة السورية. فمن المثير للقرف أن بعض الأطراف تطرح من اليوم أسماءً لتشكيل حكومة من ثلاثين وزيرا، ثلاثية التكوين (ثلث من المعارضة وثلث من السلطة وثلث «محايد»). ومن المثير للاشمئزاز أن دولة غربية تقول إن ما يهمها هو وجود أشخاص موالين لها في الحكومة وقيادة الجيش مقابل الحفاظ على هيكلية الدولة الأمنية التي أنهكت ودمرت البلاد والعباد.

نقول لهؤلاء وباسم كل الضحايا والثائرين على الاستبداد والفساد: الشعب السوري وحده من يقرر من يحكمه وطبيعة النظام السياسي. وهو لم يقدم الغالي والثمين لإرضاء هذا البلد أو ذاك، أو تحقيق المصالح القومية لهذا البلد أو ذاك. وأية محاولة من هذا النوع تعني بوضوح خلق حالة فصام أكيدة بين الشعب السوري ومؤتمر جنيف الثاني.

لن نساوم على وطنية الجمهورية التي نطمح لأن تكون جمهورية في المعنى والقول والفعل، ولن نتنازل عن التغيير الديموقراطي باعتباره القاسم المشترك الأعلى للسوريين.

لا يمكن إنجاح مؤتمر جنيف من دون وضع اللبنات القوية التي تجعل منه أملا، لا كابوساً يضاف للكوابيس التي يعاني منها شعبنا. وهذه المهمة هي الاختبار الأكثر أهمية منذ انطلاقة درعا في 18 آذار العام 2011. فالهزيمة السياسية أكثر مرارة وقسوة من كل المعارك العسكرية. وهي حالة ترف لا تسمح به الأحوال السورية، التي تشكل أكبر حالة هدم وتمزق نال بلداً واحداً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

([) رئيس هيئة التنسيق الوطني السورية في المهجر

السفير

متاهة جنيف 2/ مصطفى اسماعيل

    يتذكر المرء مقولة المفكر الفرنسي الشاب سان غوست ” إن جميع الفنون أبدعت وأنتجت روائع, إلا السياسة, فقد خلّفت مسوخاً ” مع التصريحات المتتالية للقائمين على رأس العالم فيما يتعلق بفرض موعد مؤتمر جنيف 2, وهم أنفسهم الذين تعاملوا مع التراجيديا السورية الممتدة بأعصاب القتلة الباردة, متخمين السوريين المهرولين بين موت وموت بحفنة بيانات صارت محفوظة عن ظهر قلب.

    وفاقاً للموعد الإلزامي المحدد من لدن مطبخ القرار الدولي فإن السوريين مدعوين بالتي هي أحسن إلى معبر جنيف 2 ” كأفضل فرصة ” لـ ” إنهاء الصراع الدائر ” بتعبير جون كيري, ويفهم من التعبير الديبلوماسي جداً والبارد جداً أن كفتي الميزان السورية متساوية بين أهل النظام وأهل المعارضة بأطيافها, في تنكر واضح للحقائق العيانية على الأرض منذ الاندفاعة الشعبية السورية ضد نظام بشار الأسد, لكن الحلقة الدولية الأولى مع توابعها في الحلقة الإقليمية تريد الحسم بهذه الصورة.

    المتابع للوحة السورية يلاحظ أن الهوة لا تزال سحيقة بين طرفي الأزمة, فالمعارضة متمسكة بشرط غياب الطاغية الأسد عن المرحلة الانتقالية يعضدها الموقف الأمريكي في ذلك, بينما النظام متمسك ببقاء الأسد على رأس سوريا المنكوبة مهما حصل, ولا متغير فيما يتعلق بضفة النظام سوى التسريبات عن مخرج روسي يؤمن استبدال الأسد بشخصية علوية, مع تسريب آخر عن اتفاق أمريكي – إيراني على إزاحة بشار ووضع نائبه فاروق الشرع على رأس المرحلة الانتقالية في سيناريو مشابه للترتيب اليمني, ولا نعلم ما إذا كان هنالك تحت الطاولة الدولية المشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا اتفاق على حسم هذه النقطة, يضاف إلى ذلك أن المعارضة السورية غير جاهزة للمشاركة بوفد واحد, بل هي منقسمة إلى تيارات ولكل تيار رؤية سياسية مختلفة لسبل الحل وقراءة وضع البلاد منذ بدايات الثورة, هذا الانقسام بين أطر المعارضة سيريح النظام أكثر في جنيف 2 لخبرته السياسية المديدة, ولا نغفل هنا أن النظام وعلى مر عقود روض أغلب المعارضين السوريين وقام بتعليبهم وتشتيت حراكهم وتوهين قدرتهم على أيما حراك.

    تبقى التصريحات الصادرة عن أقطاب المعارضة عن عدم المشاركة في مؤتمر جنيف 2 بلا قيمة, سيما وأنها لا تستطيع التخلف عنه, فالممولون هم الذين يسيرون أطر المعارضة, وموقف الائتلاف أو غيره في موضوع الحضور أو الغياب عن جنيف ليس متروكاً لها, وإنما رهن بالجهات الداعمة لكل إطار, تبعاً لذلك فإن الجيش الحر الرافض لفكرة حضور جنيف 2 سيحضره في المحصلة, إذ يشكل ذلك فرصة له ظل دخوله حالة موت سريري ميدانياً, ولارتباطه بالداعمين أيضاً, ويتوقع حضوره عبر ممثليه في وفد الائتلاف.

    ولا قيمة للاءات الائتلاف الوطني السوري المتعلقة بمشاركة إيران في المؤتمر, فراعيا المؤتمر حريصان على مشاركة إيران, من أجل ترجمة مقررات المؤتمر لاحقاً, سيما في شقها المتعلق بالنظام ورأسه.

    سينعقد مؤتمر جنيف في نفقية سياسية وعسكرية, لكن هل يراهن عليه في إحداث تحول سياسي مع ملحقه العسكري – الأمني, مؤكد أن ذلك يتوقف على النقطة المتصلة برحيل بشار, ففي تلكم النقطة تجتمع الأشياء وبها تتفرق, في حال تحقق ذلك, فإن معادلة الاستقرار السورية ستحتاج الكثير, ظل التنامي الهائل لنفوذ التيارات الإسلامية المسلحة على الأرض, والإدارة الذاتية لحزب الاتحاد الديمقراطي في شمال البلاد, ما سيؤخر ولادة دولة سورية ناجحة في المدى القريب.

جنيف الإيراني وجنيف السوري!/ فايز سارة

بدا من الواضح، ان ايران كانت الرابح الرئيس في مفاوضات جنيف الايراني، وبموجب هذا الاتفاق حصلت ايران على تأكيد سيرها في المشروع النووي الى نهايته رغم المرحلية التي ظهرت في الاتفاق، كما حصلت ايران بموجب الاتفاق على وقف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، اضافة الى امر هو الاكثر خطورة مما سبق، وان كان بشكل ضمني هو الاعفاء من تبعات سياستها في الشرق الاوسط، وتجاوزها ما كان المجتمع الدولي، يصفها به وهو رعاية الارهاب.

واذا كانت ايران ربحت بهذا القدر في جنيف الايراني، فان ما رشح عما قدمته ايران للعالم وللدول التي تفاوضت معها كان قليلاً، او هو مستتر اذا اردنا الدقة. اذ لم تظهر تفاصيل ماقدمته ايران مقابل ارباحها، الامر الذي بدا وكان ايران قد حققت انتصاراً كبيراً في جنيف استحق ان تهلل لنتائجه القيادة الايرانية من جهة، وحلفاء ايران من النظام السوري الى روسيا وجميعها اشادت بما تحقق في جنيف الخاص بايران.

ان البديهيات، تؤكد ان مفاوضي طهران في جنيف، ما كان من الممكن ان يعطوا ايران تلك المكاسب دون مقابل. وقلة المقابل أو عدم ظهوره، قد يكون وراء الاشتراطات، التي وضعها مفاوضو طهران من اجل اثبات جدية ايران في التعامل مع الاتفاق، والاهم فيها هو فترة الستة اشهر، والتي كان اساسها الظاهر اثبات حسن سلوكيها وسيرتها في التعامل مع الملف النووي بحيث يظل برنامجها سلمياً، وان يكون البرنامج تحت الرقابة الصارمة، وان لم يسر البرنامج بهذه المواصفات، فان الاتفاق سيكون في مهب الريح، وبالتالي فان المكاسب الايرانية من اتفاق جنيف سوف تأخذ المنحى نفسه، وتعود مسيرة العلاقات الايرانية مع المجتمع الدولي والدول المشاركة في الاتفاق الى التوتر المتصاعد وربما الى الصدام المباشر الذي لاشك انه سيكون عنيفاً.

ورغم ان كثيراً من متابعي الوضع الايراني، رفضوا الربط بين جنيف الايراني ومؤتمر جنيف2 المزمع عقده لمعالجة القضية السورية عبر ايجاد حل سياسي للاخيرة، فلاشك انه هناك رابط خفي بين الاثنين، لان ايران في الاول تمثل الطرف الرئيس، وهي في الثاني طرف رئيس ايضاً، اذ هي تقدم دعماً متعدداً وغير محدود لنظام الاسد في دمشق، وهي قوة موجودة هناك بصورة مباشرة من خلال خبراء بمن فيهم خبراء عسكريين وامنيين، وهناك قوات من الحرس الثوري تقاتل الى جانب قوات النظام ومعها مليشيات تأخذ اوامرها المباشرة من ايران ابرزها قوات حزب الله اللبناني ومليشيات لواء ابو الفضل العباس العراقية، وهؤلاء يشكلون القوة القابضة التي يقاتل النظام بها التشكيلات المسلحة للمعارضة ويقتل السوريين ويدمر بلادهم.

ان حضور ايران ودورها في القضية السورية، يمثل مدخلا للرابط الخفي بين جنيف الايراني الذي عالج الملف النووي، وجنيف2 المناط به معالجة القضية السورية من خلال فتح باب الحل السياسي بعد ان اتجه اليه المجتمع الدولي عازفاً عن السير في خط حل عسكري للوضع لاسباب تتداخل فيها العوامل السياسية والاقتصادية والامنية، وهذا الرابط قد يساهم في تفسير عدد من التحركات الاقليمية والدولية الاخيرة والمتواصلة في العالم ذات الصلة بالموضوع السوري، وبين ابرزها تحديد موعد جديد لمؤتمر جنيف2 بعد ان كانت التقديرات تشير الى تأجيل المؤتمر عدة اشهر وربما الى الابعد، والانفتاح الروسي على الائتلاف الوطني السوري المعارض والذي كانت موسكو تظهر قدراً كبيراً من العداء له، والانفتاح الظاهر لبوابة تواصل تركي ايراني، وقد اصطف كل واحد منهما الى جانب طرف في الصراع الداخلي السوري، واعادت بعض الدول العربية الاكثر دخولاً في الوضع السوري ترتيب اوراقها السورية استعداداً للمرحلة المقبلة.

خلاصة هذه التحركات، تشير الى أن جنيف2 سوف يعقد، وعلى الاقل ان فرصة انعقاده بعد جنيف الايراني، صارت اكبر مما كانت عليه قبله، وهذا هو المتغير الظاهر. اما المتغير الباطن فهو مراهنة على موقف ايران في القضية السورية. فاذا استطاعت ايران ان تعدل وجودها ودورها في القضية السورية لصالح الحل، فان مسار مفاوضات جنيف2، ستكون نتائجها افضل لان وضع نظام الاسد سيكون اضعف في ضوء تخلي ايراني عنه بصورة كلية او جزئية، اما اذا استمرت ايران في دعمها لنظام الاسد، فان جنيف2 سوف يفشل، مما يفتح باب الازمة السورية الى مزيد من التداعيات الداخلية والخارجية، وهو مالا يريد المجتمع الدولي رؤيته بما يترتب على ذلك من نتائج كارثية في المستويات السياسية والامنية والانسانية.

اذن دور ايران وموقفها في القضية السورية سواء حضرت ايران جنيف2 او لم تحضره، سيكون بين العوامل الحاسمة، ليس في الموضوع السوري فقط، وانما فيما يتعلق بجنيف الايراني ايضاً، وسيكون قبول ايران بحل سياسي للوضع السوري عاملاً مساعداً لمضي جنيف الايراني الى نتائجه في مشروع ايراني سلمي للطاقة النووية، اما اذا كان موقف طهران في اتجاه اخر نحو تأكيد وجودها ودورها المحوري في القضية السورية، فسيكون الامر بخلاف ذلك، لان ايران في هذه الحال تكون قد قررت كسب مشروعها النووي من جهة وتكريس امتداد نفوذها الاقليمي في ان معاً، وهو ما سيواجه بردة فعل اقليمية ودولية، لن تعدم الذرائع في العودة الى المربع الاول في الصراع الدولي مع ايران.

ان جنيف السوري يطرح تحدياته على طهران، وعليها ان تختار بين تمرير مشروعها النووي المحدد في جنيف، او العودة الى الصراع مع القوى الاقليمية والدولية بسبب مشروعها النووي وبسبب استراتيجية التمدد الاقليمي في الشرق الاوسط، فيما يراهن خصوم ايران ممن فاوضوها في جنيف على تحولات السياسة الايرانية في الاشهر الستة المقبلة، سيكون الاساس فيها تبدلاً في موقف طهران ودورها في القضية السورية وتفاصيل اقليمية اخرى، وهي التي سستحسم مستقبل جنيف الايراني.

المستقبل

جنيف2: امتحان الفرصة الأخيرة/ بشير عيسى *

لم تكن الشروط واللاءات التي رفعها الائتلاف السوري المعارض، لتُقنع أحداً. فالجميع كان على قناعة بأن المخرج الوحيد للأزمة يكمن في ذهاب جميع الفرقاء إلى جنيف2 من دون شروط مسبقة، بما فيها العودة الى جنيف1، كون النقاط المطروحة للتفاوض مشروطة بالجملة التي أضافها لافروف، وهي «موافقة الطرفين»!.

ما يميّز جنيف2 عن سلفه، هو الرغبة الجدية الناتجة من اقتناع الإدارة الأميركية بضرورة التفاهم مع الروس حول كل ملفات المنطقة. فالوزير كيري أكد بأن «جنيف2 الحل الوحيد لإنهاء النزاع»، ما يعني انتفاء خيار التدخل العسكري، سيما بعد مغادرة البوارج الحربية الأميركية، إثر قبول نظام دمشق بتفكيك ترسانته الكيماوية.

مشكلة المجلس الوطني ومن ثم الائتلاف المعارض، كانت في تبديده لجهدٍ كبير ذهب على محاولات استجلاب التدخل الخارجي، بحيث تحول إلى هاجس تعذر الخروج منه، وهذا ما أقره السفير فورد أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، التي انعقدت في 31 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، بقوله «كانوا منشغلين جداً بالضغط علينا للتدخل عسكرياً»!.

لقد أصبح جلياً بأن من يرسم خطوط التفاهمات في سورية والمنطقة، سيحدده النظام الروسي بالدرجة الأولى، باعتباره يسعى إلى تقاسم مع الدور الأميركي، إن لم نقل انه يرثه. فإدارة أوباما الباحثة عن الخروج بأقل الأكلاف المترتبة على دولتها، جراء تبعات حربي أفغانستان والعراق، لم تكن في وارد الدخول بحرب ثالثة، وأي متابع للسياسة الأميركية كان يدرك بأن استراتيجية أوباما تتمحور حول إعادة ترتيب الأولويات، حيث يتبوأ الشأن الداخلي صدارة الاهتمام.

في هذا السياق، تأتي شهادة السفير فورد لتعكس واقع الحال، بقوله: «لا تستطيع المعارضة ان توجه ضربة قاصمة للنظام، لذلك نسعى الى حل سلمي مع موسكو»، الأمر الذي دعا كبير الأعضاء في المجلس السيناتور كروكر للقول: «أشعر بأننا قد سلمنا القيادة إلى روسيا»!

إذن، الطريق للحل يمر من البوابة الروسية، والباقي تفاصيل. لذلك استعد النظام للذهاب إلى جنيف2، وكذلك هيئة التنسيق الوطنية ومعها الهيئة الكردية العليا، كما فوّض 16 حزباً من الجبهة الوطنية والمعارضة الداخلية، الوزير السابق قدري جميل، كممثل عنها في المفاوضات. فالخارجية الروسية على لسان غاتيلوف، تعتبر بأن جميل «يمثل تياراً سياسياً واجتماعياً يعتد به». وهذا الموقف يشكل قناعة روسية، تحتم على الائتلاف أخذها بمحمل الجد، وهنا لا يعود صائباً وضع الشروط، لتغيير مسار العملية التفاوضية.

فالموقف الروسي أصبح أكثر حزماً، وهذا ما عكسته جملة مواقف للوزير لافـروف، أولها أتى كرد على ـ الإبراهيـمي، الذي صدر من العاصمة السورية، من أنه «لن يكون هناك جنيف2 في حال رفضت المعارضة المشاركة في المـفاوضات»، حيث اجاب الوزير بأن «جنيف2 سيعقد بمن حضر»!. الموقف الثاني، رد فيه على خطاب المعارضة، الذي يحتكر حصرية التمثيل، معتبراً «أن الائتلاف لا يمثل الشعب ولا حتى المعارضة، وإنما يمثل جزءاً وليس الكل». أما ما يخص رفض الائتلاف مشاركة بعض اطراف المعارضة، وضرورة ألا يلعب الأسد أي دور في العملية السياسية المستقبلية، فكان جواب لافروف قطعياً: «جنيف2 لن يقصي أحداً، والطلـب المتعلق بمصير الأسد طرح غير واقعي»!.

يشكل جنيف2 انعكاساً دقيقاً لميزان القوى المحلية والإقليمية، وصولاً الى الدولية التي تضع قواعد وشروط اللعبة السياسية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا. لذلك سيعني القبول به الحصول على الشرعية الدولية، ومن هنا تأتي أهميته في ظل استحالة الحسم العسكري الناجز.

بمعنى آخر، سيشكل المؤتمر قطعة الجبنة التي سيتقاسمها من سيحضر، كلٌ بحسب ثقله، فيما الممتنع سينظر إليه كمعطل للحل السياسي ورافض للسلام، وسيتحمل مسؤولية تقويض الأمن والاستقرار، الذي يصب في خدمة الإرهاب، ما يستدعي بالضرورة، محاربته!.

وبما أنه لا مناص من جنيف2، فعلى الائتلاف النظر إليه كفرصة أخيرة، لإثبات صدقيته، التي يشكك فيها الآخرون. فنحن لا نعلم أسباب تخوفه، طالما انه يمثل الشعب والمعارضة!. فإذا كانت هيئة التنسيق والتيار الذي يتزعمه قدري جميل «صنيعة استخبارات النظام»، وما دام ما بقي من الجيش 40 ألف عسكري، بينما تحمي إيرانُ و»حزبُ الشيطان» النظامَ، كما يقول رموز المجلس الائتلاف والجيش الحر، أفليس حرياً أن يخاف النظام من جنيف2؟. ثم ألا يشكل الحضور الأممي والعربي، الذي أعطى شرعية للائتلاف، مظلة وضمانة تُعنى بمراقبة المرحلة الانتقالية؟ وبذلك يكون المؤتمر ميزاناً حقيقياً لقياس أحجام قوى الداخل! كما يدحض رؤية الكونغرس، بأن «سورية يتقاسمها على الأرض، النظام والأكراد والجهاديون»!.

على الائتلاف، إذا قرر المشاركة، الحذر والحيطة من الفخاخ السياسية، فالنظام لن يوافق على حكومة واسعة الصلاحيات، ما لم يأخذ موافقة وضمانات من المعارضة، حول جملة أفكار ومطالب، ليدرجها في البيان الوزاري، والذي سيحدد برنامج وأهداف هذه الحكومة. ولعل أهم هذه المطالب يكمن في موافقة والتزام الائتلاف بمحاربة الإرهاب، وهنا تنتفي الحاجة الى حزب الله. كما سيطالب النظام بالهوية العلمانية للدولة، التي تقوم على فكرة المواطنية، ما يعني عدم تشكيل أحزاب على أساس ديني أو اثني، وهنا سيربح النظام في كلا الحالات، لأن من شأن هذه المطالب أن تضع الائتلاف بين فكي البيئات والفصائل الجهادية، القريبة والمتحالفة معه من جهة، والمجتمع الدولي من جهة أخرى.

جنيف2 فرصة أخيرة، فإما أن ينجح بها الائتلاف، أو يخرج مهزوماً، وهذا رهن باستعداد وبراعة ممثليه!.

* كاتب سوري.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى