صفحات مميزة

مقالات مختارة تناولت حقيقة الموقف الايراني

أهداف تكتيكية للمبادرة الإيرانية/ غازي دحمان

بتذاكٍ وكيدية، ملحوظين، يسارع عقل جمهورية إيران الإسلامية إلى إجراء مناورة دبلوماسية، تبدو وكأنها محاولة لبناء حيثيات وهمية، أشبه بمجسمات كرتونية، وفرضها أمراً واقعاً على خريطة الصراع في المنطقة، فيما بدا أنه مسعى للهروب إلى الأمام، وعدم رغبة في رؤية الوقائع كما هي، وخصوصاً بعد تحطم النماذج التي صنعتها على المساحة اليمنية.

حسناً، ما لم نستطع فعله في الميدان، سنحاول صناعته بالدبلوماسية، هذا لسان حال الإيرانيين، أو ليست الدبلوماسية استكمالاً للحرب؟ خصوصاً أن العقل السياسي الإيراني الحديث على عالم العلاقات الدولية ما زال عند الدروس الأولى في السياسة، بعد أن ظل عقوداً يصنع سياساته، تأسيساً على نظرية عودة الغائب في الاستراتيجيا، والنهل من كتاب الملل والنحل تكتيكياً.

أظهر ذلك كله طرح إيران الجديد ساذجاً في الشكل، وخبيثاً في المضمون، وكأنه لا يطرح حلا لأزمة معقدة، ومتشابكة إقليمياً ودولياً، تحتاج مقاربتها إلى رؤية معاصرة للمشهد الدولي والتغيرات الاجتماعية وتأثيرات العولمة، بل مجرد محاولة للانتقام من تاريخ سحيق، وإعادة تصويب مستحيلة لوقائع دفنها الزمن.

لا تحمل الخطة الإيرانية جديداً، لا من حيث تقنياتها، ولا من حيث الطرح، ولا تنطوي على عناصر مؤثرة، من شأنها تحفيز الأطراف المتصارعة على قبولها. لذا، تعرف إيران أن حظوظ نجاح مبادرتها معدومة، لكن ذلك لا يمنع من قذف ألغامٍ كثيرة في فضاء الأزمة السورية:

– تظهير الإشكالية في سورية على أنها بين أقليات وأكثرية، والإيحاء بأن الأقليات هي من قامت بالثورة، نتيجة اضطهاد الأكثرية لها، ولأن الدستور القديم لا يتضمن حقوقاً واضحة لها، وفي ذلك محاولة خبيثة لاستغلال القلق الدولي على الأقليات في المنطقة! غير أن ثمة هدفا عملانيا يتجاوز المضمون العاطفي الظاهري، ذلك أن إيران، بعد أن أنجزت عملية التطهير الديمغرافي لمنطقة واسعة، تمتد من اللاذقية حتى دمشق، وتشكل جسور تواصل بين لبنان والعراق، وصار العنصر الغالب فيها يتشكل من الأقليات، فهي تريد ضمانة دستورية على شكل لامركزية، تؤهلها للسيطرة على القرار السوري، وطلب الانفصال لاحقا عن الجسم السوري، في حال لم تلبِّ مصالح إيران وشروطها.

“لا تحمل الخطة الإيرانية جديداً، لا من حيث تقنياتها، ولا من حيث الطرح، ولا تنطوي على عناصر مؤثرة، من شأنها تحفيز الأطراف المتصارعة على قبولها”

– اختزال القضية في إجراءات شكلية، مثل الانتخابات على مستويات دنيا، ترسيخاً لقناعة أن بشار الأسد رئيس شرعي، وبالتالي خارج كل المعادلات، مثل الأبنية الأمنية والعسكرية التي تشكل الجزئية الأهم في مؤسسة الدولة السورية التي يطالب الغرب بالحفاظ عليها.

– مجرد دخول عتبة العملية السلمية يُصار إلى تبرئة النظام من كل الجرائم السابقة، وعلى السوريين دفن قتلاهم، والعودة لحالة الخضوع السابقة للنظام.

– التركيز على صورة سورية الحالية، ومعالجة الأوضاع ضمن إطار هذه الصورة، بما فيها من توطين وإحلال ديمغرافي وإهمال كل ما هو خارجها، بما فيه ملايين المهجرين والنازحين، وحل هذه المسألة عبر تسويات مناطقية، كأن يتم تهجير سكان الزبداني في مقابل نقل سكان كفريا والفوعة إلى ريف اللاذقية، حيث سيحلون مكان المهجرين من بانياس وجبلة وجبل التركمان.

– حرف التغيرات الدولية، ومنع أي تطورات قد تحصل، خصوصاً بعد ظهور تغيرات في الموقف الروسي، ومنع تطوير تفاهم أميركي – تركي، بخصوص المناطق العازلة. وبالتالي، تستهدف المبادرة حماية نظام الأسد فترة، حتى تكون المعطيات تغيّرت بعض الشيء.

تعرف إيران أن مبادرتها ميتة، ولا يمكن أن تشكل قاعدة للتفاوض، فلا هي طرف موثوق به بالنسبة للغرب، ولا هي تملك جسور تواصل مع الطرف السوري الآخر الذي يفترض به قبول المبادرة. لكن، لا بأس من إشغال العالم في الفترة المقبلة، وضمان عدم تشكّل سياقات بديلة تقلب المعادلة في الشرق الأوسط لغير صالحها، ولا شك أن إيران حاولت الاستفادة من نقلات سياسية حاصلة في المشهد الدولي، بعد قراءتها من زوايا نظر محددة، وتأويلها بما يناسب العقل الإيراني، خصوصاً لجهة الموقف الروسي المتأرجح، والموقف الخليجي المرن الذي تبين أنه يهدف إلى تفكيك مواقف الأطراف، وليس تغير الموقف تجاه الحدث السوري.

بالنسبة لروسيا، الواضح أنها تمر بمرحلة بناء تقديرات جديدة للأزمة، وإعادة تقييم وضعها، فهي تقف حائرة أمام احتمالية تطور علاقات الغرب مع إيران وانفتاحها الاقتصادي عليها، وتأثير ذلك على أسعار النفط. وفي الوقت نفسه، تريد موازنة أوضاعها أمام هذه التغييرات المحتملة، وتقديراتها الخسارة المتوقعة، والربح المقدر يجعلها، في هذه المرحلة، تذهب إلى إمساك العصا من المنتصف. ربما من هنا جاء تصريح الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وقبله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن حصول تغيير في الموقف الروسي، ما يطرح التساؤل عما إذا كانت روسيا بصدد إحداث تحول جذري في موقفها، أم هي خطوة تكتيكية لفتح باب المساومة معها؟

بالنسبة للخليج، وبعد محاولة إيران الاستفادة من زيارات بعض مسؤولي النظام السعودية وعُمان، وتظهيرها على أنها تشكل تحولات في الموقف من الأزمة، فلم يكن ممكنا لدول، مثل السعودية وقطر، أن تعدّل مواقفها تجاه الحدث السوري صوب تلك الاتجاهات. بالأصل، قامت هذه البلدان بهيكلة أنظمتها السياسية والأمنية، ومنظوماتها العسكرية، نتيجة التداعيات الخطيرة للحدث السوري، وتأثيرات إيران فيه، بما يثبت أن الأزمة السورية جرى دمجها في قلب استراتيجيات هذه الأنظمة البعيدة المدى، والتي تتضمن رؤاها للأمن والاستقرار في هذه المنطقة، والقضية ليست شخصية، ولا عاطفية، بقدر ما هي تقديرات مبنية على وقائع محايثة، فضلاً عن أن هذه السياسات تجسيد للبدائل الأكثر تلاؤماً مع مصالح دول الخليج الأمنية والسياسية.

العربي الجديد

 

 

 

مرونة طهران حقيقة أم مناورة؟/ أكرم البني

لا تخفى على المتابع ملامح مرونة في السياسة الإيرانية تجاه المنطقة، إن بتخفيف نزعات التهديد والعداء والتعبئة المذهبية لمصلحة الإعلان عن احترام مبدأ الحوار والتعاون وعلاقات حسن الجوار، وإن بانكماش الحضور العسكري في ميادين الصراع، أوضحه ترك الحلفاء في اليمن لمصيرهم، وما يشاع عن تراجع مساهمة الحرس الثوري في معارك العراق وسحب كوادره من جبهات الشمال والجنوب السوريين الى حدود العاصمة دمشق، وذلك بخلاف ما كان سائداً حيث تميزت سياسة طهران بالتشدد وبلغة إستقواء واستعلاء تفوح بطموحات إمبراطورية وبتصعيد توسعي لتحصيل مزيد من النفوذ الإقليمي تحدوه نشوة ما سمّي السيطرة على أربع عواصم عربية، عداكم عن الظهور المتكرر لقادة من الحرس الثوري وهم يوجهون بعض المعارك في سورية والعراق.

وما يزيد الصورة وضوحاً، تكرار دعوات طهران لجيرانها للتشارك في معالجة أزمات المنطقة وبؤر التوتر، وما يثار عن مبادرة إيرانية معدّلة لمعالجة المحنة السورية، وعن دور لمسؤولين إيرانيين في التواصل مع جماعات سورية مسلحة كأحرار الشام، لإيجاد صيغة توقف بعض المعارك المستعصية، كحالة مدينة الزبداني مثلاً، ويمكن أن يدرج في هذا السياق تعاطي طهران المرن والمتفهم مع القرارات الإصلاحية لرئيس الوزراء العراقي حتى لو بدا ذلك إدانة لحكم المالكي الذي رعته، وأيضاً ردها الباهت على التدخل العسكري التركي في سورية والعراق والذي كان، في ما مضى، بمثابة خط أحمر عند طهران ينذر تجاوزه بحرب شاملة، مقابل وضوحها اللافت في التعاون مع قوات التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» وعدم حرجها من بناء تفاهمات واصطفافات كانت مرفوضة ومرذولة حتى وقت قريب!

ثمة مياه كثيرة جرت بين حمى التصعيد الإيراني المرافقة للإنتصارات الميدانية التي تحققت في العراق ولبنان وسورية واليمن، ووصلت أوجها مع تمدد الحوثيين وسيطرتهم على مفاصل الدولة اليمنية، وبين انكفاء هجومها اليوم وميلها لتغليب النشاطات السياسية والديبلوماسية.

أولاً، لا يخطئ من يرجع الأمر للنكسات المتتالية التي منيت بها طهران وحلفاؤها في غير مكان، تبدأ بتقدم تنظيم «داعش» في العراق وسورية وسيطرته على مدن مهمة كالموصل والرمادي والرقة وتدمر ومساحات واسعة من أرياف دير الزور والحسكة وحلب، ربطاً باستعصاء دحره عراقياً وبنجاح جماعات أخرى، سورياً، في السيطرة على إدلب ومناطق من ريفي حلب وحماة، ثم الفشل الذي منيت به القوات النظامية وحلفاؤها لتغيير توازنات القوى في مدينة درعا والمنطقة الجنوبية.

وإذا أضفنا الاستنزاف الباهظ لـ «حزب الله» في الصراع السوري والذي أضعفه وزاد من صعوبة تطويع لبنان وإلحاقة بالسياسة الإيرانية، وأضفنا أيضاً ما حققته إلى الآن «عاصفة الحزم» وتمكن القوات الموالية للرئيس هادي من السيطرة على غالبية المناطق التي أخذها الحوثيون ووصولها الى مشارف العاصمة صنعاء، يمكن أن نقف عند أهم التطورات الميدانية التي أجبرت إيران على الانكفاء وتعديل إستراتيجيتها. ولكن هل يقتصر سبب هذا التعديل على عجز الخيار العسكري عن تحقيق تقدم ثابت في توسيع النفوذ أو الحفاظ على ما تحقق، أم يمتد ليشمل أخطاء مؤلمة ارتكبتها القيادة الإيرانية، جوهرها الركون لإغراء القوة والتفوق والذي لا بد أن يدفع ثمنه كل من يقع في فخه؟

أحد الوجوه الرهان على تحقيق انتصارات سريعة واستسهال توسيع المعارك وفتح الجبهات من دون حساب لحالة الإنهاك والاستنزاف المدمرة لقدرات طهران المادية والعسكرية، ووجهه الآخر قصور في قراءة ردود الأفعال المحتملة والاستخفاف بوزن مناهضيها ودرجة استعدادهم للتحمل والمواجهة!.

ثانيا،ً يصيب من يربط المرونة بتوقيع الاتفاق النووي بين طهران والمجتمع الدولي، إما لأن طبيعة الحدث تشكل حرجاً كبيراً للقيادة الإيرانية في الترويج لمنطق القوة والغلبة أمام ما حققه الميدان السياسي والديبلوماسي، وإما لأن ما كانت تسعى إليه إيران من توسيع نفوذها الإقليمي هو تعزيز أوراقها التفاوضية مع الغرب، الأمر الذي انتهت الحاجة إليه بعد إبرام الاتفاق! وإما لأن الاتفاق في حد ذاته يخلق تفاعلات داخل النخبة السياسية والدينية الحاكمة معززاً دور مراكز القوى التي تميل للوسائل السلمية والسياسية على حساب الوسائل العسكرية والتي تريد الالتفات الى حل مشكلات المجتمع وأزماته الداخلية وترفض سياسة تصدير الثورة وتحصيل النفوذ عبر تسعير الصراعات المذهبية في المنطقة، فكيف الحال إذا كانت الكتلة الأكبر من الشعب الإيراني تدعم هذا الخيار؟! وكيف الحال إذا كان الاتفاق النووي يفرض موضوعياً على طهران مناخاً ونهجاً جديدين يلجمان شهيتها التوسعية ومحاولات تصدير أزماتها الداخلية الى محيطها الإقليمي؟

ثالثاً، لا يخطئ من يرى الأمر من قناة اضطرار طهران بعد انكشاف البعد المذهبي والعنفي لمشروعها، الى إعادة تدوير الزوايا والمواقف عساها تحسن صورتها وتستعيد شعبية عربية واسعة فقدتها، متوسلة ما كانت تروّجه من أنها طرف مسالم ومحاصر، أو ثورة للمستضعفين والمظلومين، أو منافح عنيد عن القضية الفلسطينية ومقدساتها. وقد زاد الأمر إلحاحاً عليها بصفتها سلطة دينية، الضربة التي تلقتها الأحزاب الإسلامية في مصر وتونس وفشلها الذريع في إظهار نموذج جاذب للحكم الديني.

ويبقى السؤال في ضوء ما سبق: هل يمكن الرهان على تبدل حقيقي في سلوك طهران يتمثل دروس الماضي وينجلي عن نضج سياسي يعزز وزن الحسابات الواقعية في صنع القرار، ما ينعكس بإعادة تصويب مسارات التفاعل بين مصالح دول المنطقة على قاعدة من التوازن، جاعلاً الصراع بينها صراعاً سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وديبلوماسياً يحتكم لأدوات حضارية وللمؤسسات الأممية؟! أم أن هذا التبدل ليس أكثر من مناورة موقتة أكرهت عليها طهران سعياً لالتقاط الأنفاس وامتصاص نكسات حلفائها في غير مكان، وربما لإشاعة انطباع إيجابي عن نياتها السلمية وسلاسة اندماجها بمحيطها إلى أن تضمن تمرير الاتفاق النووي عبر الكونغرس الأميركي!

 

 

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

 

 

 

إيران ومصير سوريا/ سلامة كيلة

المفاوضات حول وضع الزبداني بين تنظيم أحرار الشام وإيران أظهرت أمرين حاسمين، الأول يتمثل في أن إيران هي التي تفاوض، وهي التي تقرر على الأرض، وليس النظام الذي بات هامشيا في معادلة الصراع.

أما الأمر الثاني فهو أن إيران تفاوض على تغيير ديمغرافي طائفي، حيث طرحت مبادلة سكان الزبداني بسكان كفريا والفوعة، ولهذه الخطوة معنى ربما يؤكد ما كان يتردد سابقا من ميل إيران للحفاظ على الساحل وحمص والقلمون إلى دمشق، وتشكيل “كيان طائفي” فيها.

هل هذا هو خيار إيران الأخير؟ ربما، لكنها نشرت في الأيام الأخيرة مبادرة تتعلق بالحل في سوريا قامت في المرة الأولى فيها بالموافقة على تقليص صلاحيات بشار الأسد وتشكيل “حكومة وحدة وطنية” تدير البلاد، وأيضا تعديل الدستور وإجراء انتخابات جديدة، وربما كانت المرة الأولى التي تقدم إيران هذا التنازل.

لا شك أن إيران دعمت النظام السوري في سياسته الوحشية منذ البدء، وشارك خبراء وقناصون إيرانيون منذ البدء أيضا، وكان واضحا أنها تزيد دعمها له كلما توسعت الثورة، لكن تطور الأمر بعد أن ظهر وهن النظام، حيث دخلت بشكل مباشر في الصراع عبر حزب الله والمليشيا الطائفية العراقية والحرس الثوري من كل حدب وصوب.

لقد ظهر واضحا نهاية سنة 2012 أن قوى السلطة ضعفت بعد أن باتت عاجزة عن تحريك معظم الجيش الذي عانى حالة احتقان نتيجة ما يرى من وحشية ضد الشعب الذي هو منه، وبعد أن تهتك حال الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وظهر عجز الشبيحة، وهو الوضع الذي أظهر أن السلطة تتهاوى ودفع بعض كبار مسؤوليها لطرح الانتقال إلى حل سياسي بعد أن ظهر “الاستعصاء” كما أشار فاروق الشرع نائب الرئيس حينها نهاية سنة 2012.

وبات يظهر أن هناك إمكانية انشقاق في السلطة، وميلا لقبول التخلي عن الأسد وعقد اتفاق مع المعارضة ربما على ضوء مبادئ جنيف1 التي صدرت قبل ستة أشهر من ذلك التاريخ.

لكن إيران لعبت دورا محوريا حينها في إفشال هذا المسار، حيث طرحت أنها سوف تدافع عن النظام وتمنع سقوطه، وهو أمر يوافق طموحات آل مخلوف ونظام الأسد، ولهذا بدأ تدخل حزب الله في مدينة القصير تحت حجج وهمية تلمس ما هو طائفي (الدفاع عن مقام السيدة زينب)، ومنذ ذلك الحين أخذ التواجد العسكري الإيراني يتوسع، خصوصا مع تهاوي قوات الأسد، وتوسع الطابع المسلح للثورة.

وهكذا تم الزج بعشرات الآلاف من قوى حزب الله والمليشيا الطائفية والحرس الثوري، حيث شاركت في كل الجبهات، ووصلت لأن تصبح هي المقرر عسكريا، وأرسلت ضباطا كبارا لقيادة المعارك، كما أرسلت هذه القوة خيرة جنودها للمشاركة في الجهد الحربي.

لكن هذه القوى لم تستطع حسم الصراع، على العكس فقد تراجع وضع النظام، فانسحبت قواته من مناطق واسعة، وحاول أن يحصر وجوده في مناطق مركزية، حيث حاول البقاء في حلب ودرعا، وتمتين السيطرة على الساحل، وعلى الشريط الممتد من دمشق إلى حمص فالساحل.

في الوقت ذاته، كان وضع إيران يضعف كذلك اقتصاديا نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض من قبل أميركا، وعسكريا نتيجة تشعب الصراعات التي هي معنية بها من اليمن إلى العراق الذي هي أكثر تمسكا به، وهذا ما جعلها عاجزة عن رفد النظام بقوى جديدة وعن دعمه ماليا، لكنها ظلت تصر على التمسك ببشار الأسد، وتحاول حماية تلك المنطقة التي أشرت إليها من قبل.

وإذا كان النظام السوري حاول الحفاظ على “مبدأ حافظ الأسد” الذي يمنع الحلفاء من “مد اليد” إلى الداخل السوري فقد ظهر واضحا أن هذه “الاستقلالية” سقطت، وأن القرار بات بيد إيران نتيجة سيطرتها العسكرية على الأرض.

وحتى روسيا التي تطمح للسيطرة على سوريا واستغلت الثورة لكي تساوم للحصول على مصالح هائلة مقابل دعمها النظام تدرك أن إيران هي “الحاكم الفعلي” في دمشق، فمن يمتلك القوة يمتلك القرار السياسي، وهذا الأمر يجعل كل حل سياسي لا بد من أن يحظى بموافقة إيران.

سنلحظ أن إيران هي التي أسهمت في انتقال الصراع من طابعه الذي ميزه خلال المرحلة الأولى من انتقال الثورة إلى السلاح، والذي أدى إلى إضعاف السلطة ودفع فئات فيها محاولة للوصول إلى حل إلى الشكل الأكثر وحشية الذي بدأ منذ تدخلها المباشر في الصراع وزجها بآلاف المقاتلين، وحتى تحويلها “تنظيم دولة العراق الإسلامية” -التنظيم الذي كانت تتحكم فيه- إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) بعد “نقله” إلى سوريا، وتصعيد التدمير والقتل في كل مناطق سوريا.

هذا مع تعزيز وضع الفئات “الموافقة على سياستها” داخل السلطة، وحتى قتل قيادات عسكرية وأمنية كانت تبدي امتعاضها مثل خلية الأزمة، فضلا عن تحكمها بالقرار على الأرض، وبالتالي بالقرار المتعلق بالحل السياسي، أو استمرار الصراع.

لهذا حينما نجد أنها تقوم بخطوتين متخالفتين في الوقت ذاته لا بد من تلمس ما يمكن أن تفعله، هل الحفاظ على “جيب الساحل مع الشريط الممتد إلى دمشق”، أم تريد التناغم مع السياسات الإقليمية والدولية التي يبدو أنها باتت تميل للوصول إلى حل؟

حتى وإن أرادت “الدفاع” عن هذا الشريط فإن الوضع العسكري قد اختل بشكل كبير، وبات واضحا أن الأمور تسير نحو تراجع سيطرة السلطة عن مناطق كبيرة، وأن مواقع النظام في دمشق عبر الجبهة الجنوبية ربما تصبح في وضع صعب إذا جرى تحرير درعا، وأن التقدم في سهل الغاب يمكن أن يفتح الطريق إلى تهديد الساحل، وهي لم تعد قادرة على إرسال قوات جديدة، سواء من حزب الله أو المليشيا الطائفية، أو حتى من الحرس الثوري.

لهذا يمكن النظر إلى “المبادرة” التي قدمتها بجدية أكبر -ليس بما تحوي حيث ما زالت تتمسك ببشار الأسد- بل كخطوة أولى نحو التخلي عنه، وربما يكون طرح المبادرة بهذا المستوى هو جزء من تهيئة الأجواء في المجال الممانع لقبول التخلي عن النظام، بالضبط كما جرى مع الاتفاق النووي الذي كان قد أنجز منذ أشهر، وجرى الشغل الإعلامي لتمريره طوال تلك الأشهر.

وزير خارجية إيران نشط في الأيام الماضية عبر جولة إلى بيروت ودمشق، وقبلها إلى عمان، ثم باكستان وتركيا وروسيا لنقاش الحل السياسي في سوريا، ويبدو واضحا أن النتيجة ربما تكون “التنازل” عن شرط بقاء الأسد، خصوصا حين يلمس أنه حتى روسيا باتت مقتنعة بأنه لا حل مع بقاء الأسد، وأن المطلوب الآن هو الوصول إلى حل سريع كما صرح لافروف، فـروسيا تريد خروج إيران من سوريا، بالضبط لأنها هيمنت على الدولة ودمرتها كما تسرب من بعض المسؤولين الروس، بينما تريد هي أن تكون الرابح الأول في سوريا.

وإذا كان ما تسرب عن الملاحق السرية بالاتفاق النووي صحيحا، وهو المتعلق بالتوافق على خروج إيران من سوريا فإن مسار التنازلات الإيرانية سوف يبدأ في الفترة القادمة، وربما كانت روسيا أكثر حرصا من أميركا خلال المفاوضات حول الوضع الإقليمي على إبعاد إيران من سوريا، بالضبط لأنها تريد أن تكون هي المستفيد من الحل السياسي وليس إيران، سواء تعلق الأمر بمصالح اقتصادية كبيرة أو تعلق بتوسيع القاعدة البحرية في طرطوس.

لم يعد أمام إيران سوى التخلي عن النظام وسحب قواتها ووقف دعمها، ربما “تناكف” من أجل بعض المصالح، أو لضمان سداد الديون التي سجلتها على نظام كانت هي التي أغرقته أكثر في هذه المجزرة الدموية لكي ينتصر ضد الشعب لتتحكم هي في مصيره، لكن لم يعد ذلك ممكنا وبات عليها أن تغادر.

وما سيسجله الشعب السوري هو أنها كانت مشاركا أساسيا في مجزرة كبيرة، وأنه يجب أن يحاكم قادتها على ذلك، كما يحاكم رجالات النظام الذين أوغلوا في الدم السوري، وسببوا كل هذا الدمار.

الجزيرة نت

 

 

 

 

باي باي إيران/ سلامة كيلة

ربما أصبح واجباً أن نقول: باي باي إيران. هذا ما يبدو في الأفق بعد كل التطورات التي تحدث في اليمن وسورية والعراق. لنشير إلى أن المشروع الإمبراطوري الذي أعلن عنه قادة إيرانيون، وكل التصريحات حول السيطرة على أربع عواصم عربية، وعلى الهيمنة على المنطقة الممتدة من بحر العرب إلى البحر المتوسط، كل ذلك بات “في خبر كان”. وسنلمس تغيرات كبيرة، بعد توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة 5 +1، وخصوصاً مع أميركا. لكن ذلك كله بدأ يتوضح في الواقع الآن، في اليمن وسورية والعراق، وهي البلدان الأساسية التي سعت إيران إلى أن تفرض هيمنتها عليها، وطبعاً بالتبعية لبنان.

يبدو واضحاً، الآن، أن الحوثيين يفقدون السيطرة على اليمن، وظهر واضحاً اندحارهم من كل الجنوب اليمني، وبات التقدم نحو صنعاء قريباً. وهذا يعني أن سلطة الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح باتت في نهايتها، وأن اليمن خرج من حساب السيطرة الإيرانية. سينتهي، إذن، الوجود الإيراني في اليمن، على الرغم من أنه سوف يعود إلى الهيمنة السعودية.

في سورية، بات الأمر معقداً، حيث بات واضحاً أن ميزان القوى العسكري مختلّ إلى حد كبير، ليس لمصلحة النظام، وحزب الله وإيران لم يعودا قادرين على إرسال قوات أخرى. وبات هنا العمل “على المكشوف” بين إيران وكل من السعودية وقطر وتركيا، حيث أدى التوافق الذي تحقق بين هذه الدول إلى توحيد قوى عسكرية كانت تتصارع، وتشل قدراتها إزاء النظام، وبالتالي، كانت عاجزة عن التقدم. لكن، أدى هذا التوافق إلى أن تكون القوى التي توحدت، وهي أحرار الشام وجبهة النصرة، وكتائب مسلحة أخرى، قادرة على التقدم للسيطرة على إدلب والتوغّل في سهل الغاب، والوصول إلى ملامسة الساحل السوري. وهي قادرة على التقدم أكثر نحو “جبال العلويين”. لكن، ليس في نية الدول الداعمة فعل ذلك، ربما إلا إذا تشددت إيران في عدم التخلي عن النظام. وسنلمس أن جيش الإسلام الذي يخضع لسياسة مشابهة لم يتحرك بعد نحو دمشق، على الرغم من قدرته على ذلك، ليبقى عنصر تهديد فحسب.

وفي العراق، يقود العجز عن حسم الصراع ضد داعش إلى الاعتماد أكثر على التدخل الأميركي، ولأميركا شروطها التي تريد منها إعادة بناء التوازن في السلطة العراقية لمصلحتها. وهي تلعب بداعش، أصلاً، من أجل ذلك. لكن، يبدو أن ما يجري سيساعد في تحقيق سيطرتها على الدولة العراقية (وإنْ بأزلام إيران)، حيث إن الانفجار الشعبي سيستغل من أجل تطهير الدولة من السيطرة الإيرانية (على الرغم من أن الحراك الشعبي سوف يستمر بالضرورة). ولقد جاءت إدانة نوري المالكي بسقوط الموصل بيد داعش لكي تضعف المنطق الإيراني، وتسمح بطرد كل الأزلام الذين زرعهم في الدولة. وربما يشير تعاون المالكي مع داعش إلى تورط إيران في الأمر، وهو ما سيجعلها محط إدانة.

إذن، في اليمن ستخرج إيران بـ “خفي حنين”، ربما تجري الموافقة على مشاركة الحوثيين في السلطة، لكن عنصراً ثانوياً. وفي سورية، ليس على إيران سوى الانسحاب من هذا البلد (وهو ما سيضعف حزب الله ويحاصره، ويقود إلى نهايته). وفي العراق، يبدو أن التكتيك الأميركي الذي قام على “اللعب بداعش” وصل إلى تحقيق الهدف المتمثل في إعادة السيطرة على الدولة، بعد الانسحاب سنة 2011 الذي سمح بسيطرة إيرانية كاملة.

بالتالي، يمكن القول باي باي لإيران، على الرغم من أنها سوف تكون حليفاً لأميركا موثوقاً، على الرغم من تجريد أميركا لها من مناطق سيطرتها ونفوذها. ربما هذا هو البديل لها، نتيجة حاجة أميركا لها في إطار ترتيب إستراتيجيتها القائمة على الخشية من الصين. وربما يكون ذلك مفيداً لها، لأنها ستكون أداة أميركية في إطار الصراعات العالمية.

العربي الجديد

 

 

 

 

إيران بعد اتفاقها النووي بعين “ربيع دمشق”/ منير الخطيب

ارتفع منسوب التحليلات المتفائلة، من أطراف عدة، بتحوّل إيران إلى «دولة طبيعية» في العالم والإقليم، بعد توصّلها إلى اتفاق مع مجموعة دول 5 + 1 في شأن برنامجها النووي.

تُذكّر هذه التحليلات برهانات السوريين على أوهام «الإصلاح السياسي» عقب وراثة بشار الأسد للسلطة عام 2000، حيث اختلطت تلك الأوهام مع رغبات الناشطين والمثقفين والمعارضين السياسيين السوريين وآمالهم، فأنتجت رؤى وتصورات عوّلت على عملية طويلة وبطيئة ومتدرجة وسلمية، تنقل سورية في نهاية المطاف إلى وضع ديموقراطي، ينهي مفاعيل الاستبداد المديد، ويعيد إطلاق مساري الاندماج المجتمعي وبناء الدولة الوطنية اللذين تهتّكا في عهد البعث.

كان ذاك مضمون حراك «الربيع الدمشقي» المؤود. وأيضاً، كان رهان كثر من زعماء العالم، من جاك شيراك الذي استقبل بشار الأسد في قصر الإليزية قبل استلامه السلطة، إلى الإدارة الأميركية التي أرسلت وزيرة الخارجية حينها مادلين أولبرايت إلى دمشق لمباركة عملية التوريث، وما بينهما كُثر. وقد أظهر السوريون، حينذاك، روحاً عالية من التسامح والصفح عن جرائم السلطة البعثية، مقابل البدء الجدّي في مسار إصلاح سياسي. لكن بنية النظام غير القابلة للإصلاح صفعت أوهام السوريين ورغباتهم ومصالحهم الوطنية، وقادت سورية، بعد مضي عقد ونصف العقد على «ربيع دمشق»، إلى الخراب السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي.

بعد اتفاق إيران النووي، يراهن قسم من زعماء العالم وفي مقدّمهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، إضافة الى عدد كبير من المراقبين والمحلّلين ورجال الفكر والسياسة والإعلام، على تغيير سلوك إيران في الداخل الإيراني وفي الإقليم، ما يترك مجالاً للمقارنة بتلك الرهانات الرغبوية على تغيير سلوك النظام السوري عام 2000، وذلك بسبب تماثل بنية كلا النظامين في قضايا ماهوية: فكلاهما يعتمد على الترابط الوثيق بين المؤسسات الأيديولوجية والإعلامية والعسكرية والأمنية، وفي كليهما نوى مذهبية ما دون وطنية، تتحكم بتلك المؤسسات الظاهرة. ويتشابه اعتماد النظامين على التعبئة والشحن للظواهر الجماهيرية الرعاعية، إضافة الى تماثل النظامين في قمع الداخل وإسكاته وخنق إمكانات تشكيل فضاء وطني عام فيه، مقابل التركيز على الأدوار الإقليمية وخلق الأزمات في مناطق النفوذ، ومن ثم، تقديم نفسيهما كشريك للمجتمع الدولي في معالجة تلك الأزمات. فكان هذان النظامان، على الدوام، نظامين مولِّدين لمعظم أزمات الإقليم.

ومثلما سوّق الإعلام مقولة «الحرس القديم والحرس الجديد» في 2000 في توصيف النظام السوري، بهدف تبرير الالتفاف على الوعود الإصلاحية، يتم الآن تسويق مقولة «الجناح المعتدل والجناح المتشدد» داخل النظام الإيراني، بهدف الالتفاف على الأدوار التخريبية لإيران في الإقليم. ومثلما كانت بنية النظام السوري عصية على أي مظهر من مظاهر الإصلاح، كذلك ستكون بنية النظام الإيراني، فهما متشابهان في البنية، بصرف النظر عن الفارق الكبير بين حجمي البلدين، وهناك تحول سورية، النظام والبلد، إلى ورقة في يد السياسات الإمبراطورية الإيرانية.

إن فاعلية اتفاق إيران النووي في تغيير بنية النظام الإيراني وأدواره الإقليمية، أصغر بكثير من رغبات المراهنين على ذلك، فتغيّر تلك البنية وممارساتها في الإقليم سيرورة طويلة ومعقّدة، يتداخل في تركيبها الكثير من القوى والعوامل: تبدأ بالرهان على إعادة إزهار «ربيع طهران»، الذي خنقه تحالف الباسيج والحرس الثوري مع المؤسسة الدينية عام 2009، ولا تنتهي بقطع الطريق أمام استثمار إيران في الانقسام المذهبي في البلدان العربية المشرقية. فالدور الإمبراطوري العنصري والتخريبي للنظام الإيراني، أصبح أكبر من طاقات الشعب الإيراني وشعوب المنطقة على الاحتمال.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

 

 

دولة الساحل ترضية لروسيا وإيران؟/ راجح الخوري

بدت تصريحات سيرغي لافروف بعد محادثاته مع محمد جواد ظريف وكأنها وصفة للمضي في تقسيم سوريا وصولاً الى دولة الساحل العلوية، التي ستشكّل في النهاية جائزة ترضية للروس والإيرانيين، الذين فشلوا منذ خمسة أعوام في الإحتفاظ بسوريا كلها تحت سلطة بشار الاسد.

ليس في هذا أي مبالغة، فالمعروف ان روسيا وايران تدعمان النظام السوري منذ خمسة اعوام بالسلاح والرجال والعتاد وتقفان وراء رهانه على الحل العسكري، وعلى رغم هذا فقد السيطرة على معظم الاراضي السورية، ولم يعد يحكم أكثر من ٢٥ في المئة من البلاد، ومن الواضح انه لن يتمكن من إستعادة السيطرة بعد اعترافه بأنه يعاني نقصاً في عديد قواته وأنه ينسحب من مناطق الى مناطق أكثر أهمية والمقصود طبعاً المناطق العلوية.

وهكذا عندما يتحدث لافروف عن ان خلافات روسيا مع الأطراف الفاعلين في الأزمة السورية تتركز على مصير الاسد، مُجدِداً رفض رحيله “لأن من يقرر ذلك هو الشعب السوري”، والشعب السوري إما في المقابر وإما في اللجوء فمن واجب المراقب ان يسأل:

١ – كيف يمكن لافروف وظريف ان يصدقا مثلاً ما لم يعد يصدّقه الأسد نفسه، أي بقاءه رئيساً على سوريا المدمرة، أو نجاحه في إستعادة السيطرة بعدما خسر الشمال والشرق والجنوب، ثم ألا يشكّل التمسك به تمسكاً استطرادياً بالمساحة التي لا يزال يسيطر عليها، وخصوصاً بعد عجزه على رغم الدعم الروسي والإيراني عن فرض الحل العسكري، بما يعني ان الإصرار على بقائه قبول بأن تقتصر شرعيته على الجغرافيا العلوية؟

٢ – اذا كانت الحرب ضد “داعش” من سوريا الى العراق لا تحرز أي تقدم ملموس بل على العكس، واذا كان الشعب السوري يُذبح منذ اعوام بالصواريخ والبراميل المتفجرة وقبل ذلك بالسلاح الكيميائي، فكيف يجرؤ لافروف على مواصلة ذرّ الرماد في العيون بالحديث عن ان هذا الشعب هو الذي يقرر مصير الأسد، وهو عندما طالبه بالإصلاحات أمطره بالحديد والنار؟

٣ – من الضروري الإنتباه الى ان تصريحات لافروف وظريف في موسكو تزامنت مع القصف الجوي المروّع للمدنيين في دوما على تخوم دمشق، وهو قصف يأتي في سياق تركيز المعارك لتثبيت حدود الدولة العلوية وتنقيتها عرقياً، ومن الواضح تماماً ان المعارك من القلمون الى الزبداني الى درعا الى تلال عرسال هدفها تأمين الكوريدور الذي يربط دولة الساحل بمنطقة بعلبك الهرمل مما يؤمّن خطوط الإتصال والإمداد بين ايران و”حزب الله”.

٤ – ما المانع في ان تتحول باقي المناطق صومال سورية تهدد السعودية والأردن؟

فهل كثير اذا قلنا إن التمسك بالأسد على رغم كل هذا هو تمسّك بالدولة العلوية كجائزة ترضية للروس والإيرانيين؟

 

النهار

 

 

 

 

 

مشروع استند إلى قواعد هشة من البداية/ د. بشير موسى نافع

يمكن القول أن الغزو الأمريكي للعراق في 2003 كان المناسبة الأولى التي أطلقت الحديث عن مشروع توسعي إيراني في الجوار المشرقي. كانت الولايات المتحدة قبل ذلك بأقل من عامين قد أطاحت نظام طالبان في أفغانستان، الذي شكل مصدر قلق لا يخفى لإيران منذ منتصف التسعينات. وقد بلغ ترحيب طهران بالحرب على طالبان أن قدمت حكومة خاتمي ما تستطيع من مساعدة لآلة الحرب الأمريكية، ولحلفاء واشنطن الأفغان في تحالف الشمال. ثم جاءت الحرب على نظام صدام حسين في تحالف آخر بين الأمريكيين والقوى الشيعية العراقية في المنفى، ذات الصلات الوثيقة بإيران. ما قيل حينها، وكان صحيحاً إلى حد كبير، أن إدارة بوش خاضت حربين كبيرتين في المشرق العربي – الإسلامي من أجل إيقاع تغيير جوهري في البيئة الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية.

هذا لا يعني، بالطبع، أن أفغانستان والعراق أدتا إلى انقلاب في تصور واشنطن للنظام الإسلامي في إيران، أو أن اندفاعة الحرب الأمريكية في البلدين عبرت عن تحالف سري بين واشنطن وطهران، كما أشار بعض السذج ودعاة نظرية المؤامرة آنذاك. الحقيقة، أن رؤية إدارة بوش لإيران باعتبارها جزءاً من «محور الشر» لم تتغير. كما أن مهندسي الحرب الأمريكية، الذين تصوروا أنهم بصدد إعادة بناء المشرق كله، لم يتخلوا عن هدف إطاحة النظام الإسلامي في إيران، بطريقة أو أخرى. ولكن ما انتهت إليه حروب بوش أنها صبت بصورة غير مباشرة لصالح إيران. في كابل، لم يخف الحكام الجدد رغبتهم في إقامة علاقات وثيقة مع إيران (والهند) على حساب علاقات أفغانستان التقليدية مع باكستان، ربما لاعتقاد الأفغان الجدد أن ثمة صلات لم تزل تربط طالبان مع الأجهزة الباكستانية. وفي بغداد، سلمت مقاليد الحكم تدريجياً للقوى السياسية الشيعية المرتبطة بإيران، وبدرجة أقل للقوى الكردية. خلال سنوات قليلة، وحتى قبل خروج قوات الاحتلال من العراق، كانت إيران قد عززت اختراقها لمؤسسات الدولة العراقية الجديدة، بنت تنظيمات ميليشيوية مسلحة تأتمر مباشرة بأمر الأجهزة الإيرانية، وأصبحت صاحبة القول الفصل في مصير القوى السياسية الشيعية التقليدية. بكلمة أخرى، تحول العراق، في الواقع، إلى مستعمرة إيرانية كبيرة.

ليس بعيداً، كان النفوذ الإيراني يتجلى بطرق مختلفة في لبنان وسوريا. في شباط/فبراير 2004، أغتيل رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق رفيق الحريري، الذي لم يكن يخفي توجهاته السنية التقليدية ورغبته في العمل على وضع حد لسيطرة الأقليات الطائفية على مقدرات سوريا ولبنان. وبالرغم من أن عملية اغتيال الحريري واكبتها حملة تضليل واسعة، كان ثمة أدلة متزايدة على أن الاغتيال وقع على خلفية من توافق سوري ـ إيراني. تسبب رد الفعل الدولي في انتكاسة مؤقتة لنفوذ إيران وحلفائها، عندما أجبرت سوريا، حليف إيران الأوثق، على سحب قواتها من لبنان كلية. ولكن، وفي مسعى بالغ الجرأة للسيطرة على القرار اللبناني، قامت قوات حزب الله في ربيع 2008 باجتياح العاصمة اللبنانية، ووجهت ضربة قاسية لخصوم إيران وسوريا والحزب في تيار المستقبل وحلفائه. وبالرغم من أن التدهور الفادح في وضع لبنان السياسي والأمني تم بعد ذلك محاصرته في اتفاق الدوحة، إلا أن توازن القوة الجديد على الأرض، الذي مال بدرجة كبيرة لصالح حلفاء إيران، أصبح المحدد الرئيسي للوضع السياسي اللبناني.

في الوقت نفسه، كانت العلاقات بين دمشق وطهران تزداد وثوقاً والتصاقاً، معززة بأرضية صلبة من التوافقات والتفاهمات المتراكمة منذ بداية الثمانينات، وبالتقدم الحثيث للنفوذ الإيراني في الإقليم. عشية اندلاع حركة الثورة العربية في مطلع 2011، كانت إيران تمارس نفوذاً لا يبارى في العراق ولبنان، وتحتفظ بعلاقات جيدة جداً مع حكومة كرزاي في كابل، وتوسع من نطاق تحالفها مع نظام الأسد في دمشق وتأثيرها الثقافي والاجتماعي، الطائفي أحياناً، في عموم سوريا.

شكلت حركة الثورة العربية نقمة ونعمة لإيران في الوقت نفسه. فمن ناحية، قدمت حركة الثورة العربية، سيما في مراحلها الأولى، نموذجاً متقدماً للتغيير السلمي، الديمقراطي، وأفسحت المجال لصعود ملموس للقوى الإسلامية السياسية السنية؛ مما شكل تحدياً بالغاً لنموذج الحكم القمعي في إيران. ومن ناحية أخرى، ولدت حركة الثورة العربية في مرحلتها الثانية، سيما في سوريا والعراق واليمن، حالة من فراغ القوة؛ مما وفر مجالاً لاندفاعة إيرانية جديدة في الإقليم. أصبح العراق الرسمي، ممثلاً بحكومة المالكي، كلية، أسير الحماية الإيرانية؛ تطورت علاقة إيران بنظام الأسد من موقع الحليف الإقليمي الوحيد إلى ما يشبه الوصاية المباشرة، صاحبة القرار الفعلي في دمشق؛ وسرعان ما لعب غرور القوة برأس الحوثيين، حلفاء طهران الخلص، ودفعهم إلى محاولة بسط سيطرتهم الكاملة على اليمن. بصورة من الصورة، وخلال عقد واحد فقط، وبدون أية خسائر تذكر، أصبح لإيران ما يشبه الإمبراطورية، التي تصل ما بين الخليج، البحر المتوسط، ومضيق باب المندب. وبالرغم من أن الشواهد كانت تتزايد على انحدار القوة والنفوذ الإيرانيين، وجد المؤمنون بالإمبراطورية الإيرانية أن الاتفاق حول الملف النووي سيوفر لمشروع التوسع الإيراني من أدوات القوة ما سيجعل منه قوة لا تقهر.

فأين كان يكمن الخطأ في قراءة المشروع التوسعي الإيراني، وفي قرار طهران التوسعي، على السواء؟

هذا، أولاً، هو الشرق الأوسط الحديث، شرق ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث لا تستطيع معادلات القوة الصمود طويلاً، وحيث ركائز القوة في إعادة تموضع دائمة كما الرمال المتحركة. صحيح أن التوسع الإيراني صادف تعثراً أميركياً فادحاً في الشرق الأوسط، ومن ثم انسحاباً أمريكياً نسبياً، وتراجعاً لا يقل فداحة في دوري مصر والسعودية الإقليمي؛ ولكنه أيضاً صادف عودة تركية نشطة إلى الجوار الإقليمي المشرقي. وصحيح أن انهيار نظامي طالبان وصدام حسين في أفغانستان والعراق كان سريعاً، ولكن الصحيح أيضاً أن المقاومة العراقية للاحتلال لم تنتظر طويلاً لتنطلق، وأن طالبان عادت بقوة لتقود مقاومة الاحتلال وأدواته.

مشكلة مشروع التوسع الإيراني، من خطواته الأولى، أنه لم يأخذ في الاعتبار أن خارطة القوة والنفوذ في الإقليم غير قابلة للاستقرار، مهما بلغت سطوة وذكاء ومكر الساعين إلى الهيمنة على مقدرات المشرق.

من جهة ثانية، اختار الإيرانيون في أغلب خطواتهم التوسعية الوقوف إلى جانب الأقليات، السياسية أو الطائفية منها، في مواجهة الأغلبية، ليس فقط الأغلبية في كل قطر على حدة، ولكن أيضاً الأغلبية على مستوى الإقليم كله. لعدة عقود، نظرت شعوب المنطقة إلى إيران باعجاب وتعاطف، سيما عندما كان الوقوف مع الشعوب وطموحاتها وحقوقها السمة الرئيسة للسياسة الإيرانية. ولكن إيران كانت تتغير بصورة حثيثة، لتحل الطموحات القومية والطائفية في سياساتها محل التوجهات التضامنية. شجعت إيران على إقامة نظام سيطرة طائفي في العراق، ووضعت كل ثقلها من أجل استمرار سيطرة أقلية طائفية وسياسية على سوريا وشعبها، ولم تتردد في الوقوف مع، ودعم المخطط الحوثي الأخرق للسيطرة على اليمن، التي لم تستطع قوة سياسية أو طائفية واحدة في تاريخه كله بسط السيطرة عليه. وبدون استثناء واحد، ولدت خطوات إيران في الإقليم الحروب الأهلية، الانقسامات وكوارث التطهير العرقي والطائفي، والدمار المأساوي لمقدرات الشعوب.

ومن جهة ثالثة، افتقد مشروع التوسع الإيراني، وإلى حد كبير، الحصانة الأخلاقية والقيم العليا الضرورية لتسويغه وتوفير الدعم والحماية المعنوية لسياساته. لم تكن إيران بحاجة لأية آلة دعائية لخلق التفاف شعبي إقليمي حول انحيازها لقوى المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وفلسطين. ولكن، صورة إيران التوسعية ازدحمت بقتلة ولصوص وسياسيين طائفيين، مرضى، مثل المالكي في العراق، الأسد في سوريا، والحوثي في اليمن. بهكذا صورة، لم يعد باستطاعة إيران وحلفائها، مهما بلغت آلتها الدعاية من مهارة وانتشار، تسويغ هكذا سياسات ومواقف. وبانهيار الأسس الأخلاقية لسياساتها، أصبحت إيران قوة معزولة، مجردة من التعاطف الشعبي في الإقليم، وعرضة بالتالي لأي انقلاب سريع في توازن القوة أو المزاج الشعبي.

ولم يكن غريباً بالتالي، بعد سنوات من أحلام التوسع الإمبراطوري، أن تتراجع سيطرة حلفاء إيران على سوريا إلى جيوب محدودة في وسط البلاد وساحلها، وأن يفقد حكام بغداد سيطرتهم على معظم العراق، بل وأن يواجهوا انتفاضة شعبية واسعة ضد الطبقة السياسية المفسدة وضد النفوذ الإيراني، معاً، وأن تبدأ أوهام الحوثيين في السيطرة على اليمن في الانهيار مثل بيت من ورق. الحقيقة، أن مشروع التوسع الإيراني استند من البداية إلى قواعد هشة.

٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

القدس العربي

 

 

 

 

كيف ستعزز إيران من دعم وكلائها بعد رفع الحظر عن صادراتها من الأسلحة؟

نظرا لسجل إنجازات طهران السابق والذي اتسم بضربه للقوانين عرض الحائط، والقيود غير الدقيقة المفروضة على الأسلحة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن الاتفاق النووي قد يسمح لإيران أن تقدم لحلفائها مجموعة متزايدة من أنظمة الأسلحة المصممة لزيادة البقاء على قيد الحياة والفتك في سيناريوهات الحرب غير المتكافئة.

وسوف يفتح الاتفاق النووي فرصا لإيران لتصدير الأسلحة، على الرغم أن توقيت ذلك وكيفيته بالضبط هي موضع خلاف. وهذا يثير التساؤل حول كيفية تأثير زيادة صادرات الأسلحة على حلفاء الجمهورية الإسلامية ووكلائها في الشرق الأوسط وما وراءه. وفي الماضي، فإن رارات مجلس الأمن الدولي لم تفعل سوى القليل لمنع صفقات الأسلحة الإيرانية. وفي فبراير/شباط 2014، على سبيل المثال، وقعت طهران اتفاقا بقيمة 195 مليون دولار أمريكي لبيع أسلحة وذخائر إلى العراق، في انتهاك واضح للقرار 1747 (لعام 2007). ولذلك فمن المهم تقييم أنواع الأسلحة التي قد تقوم إيران بتصديرها، ولمن تتجه، وهل هذا استغلال للثغرات في القرار 2231 (وثيقة مجلس الأمن التي أقرت على الاتفاق النووي وتمديد حظر الأسلحة)، ضاربا عرض الحائط بما يصدر عن الأمم المتحدة، أو ببساطة الانتظار حتى يتم رفع العقوبات والقيود الأخرى في الأشهر والسنوات القادمة.

صناعة كبيرة

لقد نمى المجمع الصناعي العسكري الإيراني بسرعة ملحوظة منذ منتصف تسعينيات القرن المنصرم. ويتردد اليوم أنه يقوم بتصدير أسلحة إلى سبعة وخمسين بلدا، في كثير من مناطق النزاع، في انتهاك لقرار مجلس الأمن رقم 1747. ووفقا لقاعدة بيانات نقل الأسلحة التي يحتفظ بها معهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم (سيبري)، فقد قامت إيران بتصدير أسلحة وذخيرة بقيمة لا تقل عن 200 مليون دولار على الأقل بين عامي 2010 و 2014. الرقم الحقيقي ربما يكون أعلى من ذلك بكثير، ومن المتوقع أن يرتفع إلى أبعد من ذلك حيث أن القيود المختلفة تم تخفيفها وسيتم رفعها في نهاية المطاف. ويُعتقد أن عملاء الأسلحة التقليديين الإيرانيين من منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا ودول أمريكا الجنوبية، ولكن حصتها في السوق قد ينمو تدريجيا في الأسواق الناشئة إذا كان يمكنها أن تستمر بتقديم أسلحة رخيصة يمكن الاعتماد عليها.

ولأسباب واضحة، تقوم إيران بحماية أرقامها من الصادرات العسكرية السنوية وهويات العملاء، ولا تذكر سوى القليل جدا عنهم. ولا تزال الجمهورية الإسلامية معروفة بأنها مصدر رئيسي في معظم قواعد البيانات المتاحة، ولقد وجدت عشرة تحقيقات مستقلة منفصلة أن الأسلحة الإيرانية والذخيرة موجودة في الخدمة مع مجموعة متنوعة من الكيانات غير الحكومية، بما في ذلك المتمردين المدعومين من الخارج، وقوات المتمردين والجماعات الإسلامية المسلحة، والمجتمعات المدنية المتحاربة في كوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا وكينيا والنيجر ونيجيريا وجنوب السودان، السودان، وأوغندا، ناهيك عن المستفيدين الرئيسيين مثل حزب الله في لبنان والمليشيات الشيعية العراقية. ومع تشجيع طهران الكشف عن تفاصيل صادراتها من الأسلحة بمجرد رفع العقوبات الدولية وأن هذا سيكون مثاليا، فليس هناك ما يضمن أنها ستمتثل.

المعدات العسكرية الإيرانية مناسبة تماما للوكلاء الإقليميين وغيرهم من الزبائن، ومن هذه المعدات على سبيل المثال لا الحصر الأسلحة الصغيرة والذخيرة والمتفجرات الخارقة للدروع ومعدات الاتصال ونظارات الرؤية الليلية والمناظير الحرارية وبنادق القنص عالية الطاقة ومدافع الهاون بعيد المدى وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة، ومدفعية الصواريخ. هنا استعراض أكثر تفصيلا لقائمة المنتجات، والتي تكشف عن التهديدات الرئيسية المحتملة للأمن الإقليمي إذا كان لهذه المعدات أن تنتهي إلى الأيدي الخطأ، مثل الجماعات الإرهابية والمتطرفة في الشرق الأوسط وغرب آسيا وباقي إفريقيا، بمجرد أن يتم السماح لإيران بفرص أكثر لتصدير أسلحتها بأريحية ودون مضايقات.

القذائف والصواريخ

وتنتج إيران حاليا صواريخ متطورة موجهة مضادة للدبابات، والبعض منها تم استخدامها بالفعل في الصراعات في لبنان وغزة. ومع ذلك، فإن أحدث صواريخها وقذائفها الموجهة تحتوي على رؤوس حربية جنبا إلى جنب مع نظم توجيه أكثر تقدما، ما يجعلها أكثر فتكا عند استخدامها ضد العربات المدرعة وطائرات الهليكوبتر التي تحلق على ارتفاع منخفض. وتشمل هذه مجموعة متزايدة من أنظمة الصواريخ الكهربائية الضوئية والموجهة بالليزر مثل «سديد» (التي يبدو أنها مبنية على طراز سبايك الإسرائيلي)، وتوندار وقائم، وطوفان5 (نسخة من تو – 2 إيه الأمريكية)، مع مدى يصل إلى حوالي من 4 – 5 كم في غالب الأحيان. وربما يصعب على تلك الصواريخ أن تواجه إذا ما استخدمت على نحو فعال. وبدأت إيران أيضا تصنيع نسختها الخاصة من قذائف الآر بي جي الصاروخية 29 المتنوعة، والتي تم استخدامها خلال حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل. وهناك سلاح يُسمى باسم «الغدير» في إيران، وله استخدامات متعددة، تصل في بعض الأحيان إلى استهداف الدروع لخرقها، ويبلغ مداه 500 متر.

صنعت في إيران أيضا إصدارات محلية من منظومات الدفاع الجوي المحمولة من طراز «كيو دبليو – 1» و«كيو دبليو – 1 إم» الصينية، والتي تحمل اسم «ميثاق 1» و«ميثاق 2»، وتكون قادرة على التعامل بسرعة مع الأهداف الجوية التي تحلق حتى ارتفاع على ارتفاع 4000 متر من مدى 5 كيلومتر. كما يمكن لإيران أن تقدم المزيد من الدفاعات المضادة للطائرات الموجهة والمتنقلة. وما يسمى بــ  «الزهراء» هو عبارة عن رادار معقد نسبيا ونظام دفاع جوي متنقل موجه بالكهرباء البصرية المدمجة نسبيا في شاسيه متوسط ​​وقادر على العمل في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان. ويمكن لهذه الأنظمة إعداد كمائن للدفاع الجوي والاشتباك مع طائرات تحلق على ارتفاع منخفض في أماكن بعيدة مثل 10 كم. ومع فيلق الحرس الثوري الإسلامي والجيش هناك محاولات أيضا لتطوير ثلاثة بنادق جاتلينج تطلق النيران بسرعة كبيرة بهدف إسقاط صواريخ كروز. ومن الواضح أن البعض من هذه ليس سوى مجرد مشاريع بحث، ولكن يمكن لغيرها أن ينتهي في نهاية المطاف في أيدي متشددين في مكان ما في الشرق الأوسط. ويحدو مسؤولو وزارة الدفاع الإيرانية أمل كبير أن يتمكنوا من تصدير أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة محليا في السنوات المقبلة بمجرد رفع العقوبات.

ويمكن لقذائف الهاون أيضا أن تكون مفيدة جدا في حرب المدن والبيئات غير المتماثلة الأخرى، ولم تتم عملية تغطيتها من قبل خطة العمل الشاملة المشتركة أو قرار مجلس الأمن رقم 2231. وبالإضافة إلى إصدارات أصغر، تقوم إيران بتصنيع قذائف هاون من طراز «رزم 120 ملم» و «فافا 160 ملم»، وهي قذائف مداها يُقال إنه يزيد على 16 و 20 كيلو متر على التوالي. وإذا كان هذا صحيحا؛ فإننا نستطيع القول أن قدرة إيران هائلة فيا يخص أنظمة هاون. وبالمقارنة بالأسلحة المدفعية المستخدمة في ساحات القتال، فإن قذائف الهاون أسهل للتحرك، وتعمل من مواقع مستترة، مما يجعلها مناسبة لسيناريوهات غير متماثلة.

كما تشتهر إيران أيضا بإنتاج وتطوير أسرة صواريخ «فجر» المدفعية. وتنتشر الصواريخ الإيرانية في جميع أنحاء العالم سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة، وفقا لمنظمة مسح الأسلحة الصغيرة ومقرها جنيف. ويتحدث القادة العسكريون الإيرانيون بالفعل عن تزويد الدول الصديقة و «حركات المقاومة» بتقنيات تصنيع الصواريخ التي تستخدم مواد محلية وأدوات. وعلى سبيل المثال، تشير التقارير الأخيرة من اليمن أن قوات الحوثيين قد أنتجت واستخدمت صواريخ من طراز «نجم -1» و «نجم – 2» بمواصفات يُقال إنها ادعى مماثلة لــ «فجر 3» و«فجر 5». ويبلغ مدى «فجر 3» إلى 43 كم، ولها رأس حربية تزن 85 كيلو جرام يمكن أن تسبب ضررا كبيرا لدائرة نصف قطرها 50 مترا. أما «فجر 5» الأكبر حجما فيمكن أن يصل إلى مدى 75 كم برأس حربية تبلغ 178 كجم، كما اختبرت إيران أيضا أحدث نسخة بمرحلتين مع مدى يبلغ 180 كيلو متر ونصف قطر تدميري 100 متر، وكذلك نسخة موجهة تشبه «فاتح 110» الأقل حجما.

وهناك قطاع واسع من الصواريخ الإيرانية التي يتم تصديرها على نطاق واسع الأخرى، لكنها أقصر مدى، مثل «فلق 333 ملم» و«فلق 240 ملم»  المرنة للغاية، والتي يمكن أن تطلق من شاحنات صغيرة ضد أهداف تصل إلى 10 كم. وقد شوهدت هذه الصواريخ وهي تستخدم على نطاق واسع من قبل المليشيات المدعومة من إيران في كل من العراق وسوريا.

ومع ذلك، فإنه يمكن لنظام صواريخ قصيرة المدى الأكثر إثارة للقلق أن تكون الجيل الرابع من «فاتح – 110 دي »1، والتي يمكنها أن تجمل 750 كجم من الرؤوس الحربية التي تصل إلى 300 كم مع دقة أفضل من الصواريخ الإيرانية الأخرى، كما يمكن إطلاقها من منصات متعددة. وقد شوهد هذا الصاروخ يعمل في سوريا. وعلاوة على ذلك، فإنه على الرغم من جهود المنع والعرقلة الكبيرة التي تقوم بها إسرائيل، تشير بعض التقارير إلى أن العديد من فاتح-110 (أو المشتقات المضادة للرادارات أو الموجهة كهربيا) قد وصلت بالفعل إلى مناطق حزب الله في لبنان. وإذا كانت هذه التقارير صحيحة، وإذا كانت فاتح ومشتقاتها أن تُسلّم بالفعل بناءً على وعودهم، فإنها تفتح مجموعة جديدة كاملة من الخيارات لحزب الله والمشغلين الآخرين. على سبيل المثال، توقع قادة الحرس الثوري الإسلامي قبل عامين أن صواريخ «المقاومة» ستحقق قريبا مدى 400 كم، كما ستصل إلى مستوى أعلى دقة.

بنادق قناصة

أحد المنتجات التي تجدها إيران واعدة جدا، والتي من شأنها أن تكون خطرة جدا إذا وقعت في الأيدي الخطأ، هي بنادق القنص عالية الطاقة. وتشير سلسلة من عمليات الكشف الأخيرة إلى هذا الأمر والتوجه، حيث يشمل ذلك إيه إم 50 بــ 12,7 ملم، وشاهر 14,5 ملم، وآراش 20 ملم، و باهر 23 ملم التي تتميز بعمليات القنص المضادة للعتاد مع نطاقات فعالة تقترب من 1200 و3 آلاف ، 1800، و4 آلاف متر على التوالي. عند استخدامها من قبل أفراد على مستوى تدريبي جيد يمكن لهذه الأسلحة إسقاط طائرة هليكوبتر تطير على ارتفاع منخفض عن طريق ضرب المولد، أو غيره من الأجزاء الحساسة باستخدام الذخيرة خارقة الدروع التي تم تطويرها في إيران. أما بندقية «إيه إم 50» (نسخة من شتاير النمساوية إتش إس – 50) فقد شوهدت في أيدي القوات السورية والعراقية الحكومية والمليشيات، فضلا عن نشطاء حماس.

وليست هذه هي الأسلحة فقط التي تدعي إيران أنها طورتها لمواجهة المروحيات. فقد كشفت في الآونة الأخيرة عن لغم «جي – إيه إتش إم» الذي يُستخدم كــ «مضاد للطائرات الهليكوبتر»، والذي يمكن السيطرة عليه من أماكن بعيدة تصل إلى 5 كيلو متر. ولغم «صياد» العنقودي المضاد للمروحيات قادر على تحويل قنبلة مزروعة على الطريق يتم التحكم فيها عن بعد إلى منتجات مماثلة، وقد اعتمدت إيران في تطويره على الخبرة العملية الإيرانية في العراق.

طائرات بدون طيار

تنتشر الطائرات بدون طيار الإيرانية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط بمعدل ينذر بالخطر. ويعمل حزب الله بطائرات هجوم واستطلاع إيرانية بدون طيار منذ سنوات؛ بجانب طبعا الطائرات الخاصة به. وقد صنعت حماس طائرات بدون طيار خاصة بها أيضا، وربما كان ذلك بمساعدة فنية من إيران.

وتواجه الطائرات بدون طيار الإيرانية منافسة متزايدة من النماذج الصينية. وأظهر شريط فيديو صدر مؤخرا من قبل المليشيات الشيعية العراقية المعروفة باسم كتائب حزب الله على ما يبدو ضربة ضد أحد أهداف «الدولة الإسلامية» في العراق باستخدام طائرة بدون طيار صينية من طراز «تشي – 4». ومن المعروف أيضا أن نيجيريا هي الأخرى تنشر طائرات بدون طيار صينية مسلحة تشتريها بأسعار رخيصة. إن عملية رفع العقوبات تسمح لإيران بالمنافسة، كما هو الحال في أمريكا الجنوبية حيث أنها باعت بالفعل طائرات بدون طيار إلى كل من فنزويلا والاكوادور.

الإليكترونيات

الدفاع الإلكتروني هو مجال آخر استطاعت إيران أن تحقق فيه تقدما ملحوظا. وقد وجدت بعض المنتجات المصنوعة من قبل تكتل إيران / شيراز للإلكترونيات للصناعات بالفعل طريقها إلى حزب الله والسوريين الموالين لطهران، ومع رفع العقوبات قد يكون هناك مزيد من الزبائن الذين يظهرون اهتماما بتلك المنتجات بعد رفع العقوبات. إن المعدات مثل أجهزة الراديو المحمولة ذات القفز الترددي مع القدرة على التشفير ومحطات البيانات والشبكات الخلوية والألياف البصرية ومجموعة الليزر والكاميرات الحرارية ونظارات الرؤية الليلية يمكن لجميعها أن تسهم إسهاما كبيرا في فعالية وفتك العمليات غير المتكافئة.

وسوف تقدم إيران، بكل تأكيد، لوكلائها الرادارات الرخيصة مثل رادار «طارق» للمراقبة قصير المدى المحمول، والذي يستعمله الحرس الثوري الإيراني (ويبلغ مداه 8 كم ومضاد لطائرات الهليكوبتر والعربات، ومضادة للبشر من على بعد 4.5 كم للبشر)، أو رادار مراقبة ضوئي محمول على مركبة، وأنظمة استهداف يصل مداها إلى 50 كيلو متر. وأظهرت حرب لبنان عام 2006 أيضا استخدام حزب الله لقائمة من المعدات التي حوت آليات مضادة للطائرات ومضادة للمدافع وطائرات بدون طيار مسلحة، وأجهزة تحكم عن بعد، ما يعني أن مثل هذه المعدات قد نراها مستقبلا في أيدي وكلاء جدد فضلا عن أيادي متعصبين ومنفذي هجمات انتحارية.

خاتمة

وكما هو مبين أعلاه، فإنه يمكن لإيران أن تمد مجموعة كبيرة من الوكلاء والبلدان في العالم الثالث بمجموعة واسعة من مضاعفات القوة التي تهدف إلى زيادة البقاء على قيد الحياة والفتك، ضمن سيناريوهات الحرب غير المتكافئة، وخاصة أن معظم هذه الأنظمة لا يغطيها قرار مجلس الأمن رقم 2231. ورفع العقوبات سوف يمكن الشركات الإيرانية من الحصول بسهولة كبيرة على العناصر الأساسية والمواد اللازمة لتطوير نظم أكثر فعالية.

لذا ينبغي للمجتمع الدولي أن يشجع طهران على الاضطلاع بدور أكثر مسؤولية في الحد من انتشار الأسلحة الفتاكة في مناطق الصراع في ظل غياب العقوبات او تخفيفها على الأقل، واعتماد سياسات تصدير أسلحة أكثر شفافية. وينبغي أيضا تذكير إيران وغيرها من الجهات الفاعلة أن التوسع في استخدام الأسلحة المتطورة في الصراعات الحضرية سوف يكون لها آثار تصعيدية خطيرة تزيد من عدد الضحايا المدنيين، والتي تشكل بالفعل من 80 – 90% من جميع الوفيات والإصابات الناجمة عن النزاعات المسلحة، وفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر.

المصدر | فارزين ناديمي، معهد واشنطن

 

 

 

إيران وبيئتها الحاضنة إقليمياً/ علي بردى

بمقدار ما تمكنت من إقناع القوى الكبرى بالغايات السلمية لبرنامجها النووي، لا بد أن تقتنع دول الخليج بأن ايران لا تسعى الى نيل حصة الأسد من النفوذ الإقليمي. لا تمحي سنوات “الاستئساد” بـ”حملة استلطاف” يقودها الرئيس حسن روحاني. لذلك قد لا تكون كافية محاولات تطييب الخواطر مع السعودية. تحتاج المنطقة الملتهبة الى سياسات أكثر اتزاناً وتوازناً.

قاد الرئيس باراك أوباما تغييراً مهماً في السياسات الأميركية منذ عام ٢٠٠٨ وكذلك فعل الرئيس حسن روحاني في التوجهات الايرانية منذ عام ٢٠١٣. ساهم هذا التغيير في إنجاح المفاوضات بين ايران ومجموعة ٥ + ١ للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين الى ألمانيا. خرجت الجمهورية الإسلامية من عزلتها الطويلة. ما عاد ملائماً منطق المواجهة والتصنيف القديم لـ”الشيطان الأكبر” و”محور الشر”. نجحت مقاربة المصلحة المشتركة تحت عنوان الاحترام المتبادل. لا شك في أن هذه الدول تأمل في نتائج طيبة ومردود ايجابي من هذا الاتفاق. به تؤمن الدول الكبرى استثمارات استراتيجية للصناعات النووية السلمية والحربية والنفطية وشريكاً قوياً للحرب على الإرهاب في المنطقة. به تحصل ايران على ما تتعطش اليه من موارد بعد أكثر من ثلاثة عقود من الانزواء والعقوبات.

تحتاج ايران الى بيئة اقليمية حاضنة وملائمة. بيد أن الاقتراح الأخير لمساعد وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان في شأن ضرورة الحوار بين الجمهورية الإسلامية وجيرانها يعكس إقراراً بعمق الأزمة وإدراكاً لها. تشكل الدورة السنوية الـ٧٠ للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك منتدى مناسباً لاستكشاف جدوى أي حوار بين ايران ومجموعة الست لدول مجلس التعاون الخليجي: السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وعمان. بالإضافة الى الاحترام المتبادل، يمكن مصالح هذه الدول السبع أن تلتقي أيضاً على ضرورة المواجهة المنسقة أو المشتركة ضد الجماعات الإرهابية التي تضرب الآن في كل مكان. غير أن غاية كهذه تستوجب أيضاً التخلي عن سياسات “التنمر” أو “الاستئساد” التي أجرت أنهاراً من الدماء في المنطقة.

حمل روحاني تغييراً واضحاً عن سلفه محمود أحمدي نجاد. هذا كان مولعاً بالخطابات النارية. مضى بعيداً في السعي الى “تفريس” الشيعة العرب سياسياً. ساهم كثيراً في تأليب العصبيات الطائفية مع أهل السنة. يعتمد روحاني خطاباً أكثر اتزاناً. حبذا لو تسعى ايران أيضاً الى سياسات أكثر توازناً حيال المشاكل الكثيرة في المنطقة.

يعترف المسؤولون الايرانيون بأن السعودية شهدت تغييراً جوهرياً منذ وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. طبع الملك سلمان بن عبد العزيز عهده الجديد بأسلوب خاص. أظهر أنه لن يقبل بأي انتقاص من ارث السعودية في المنطقة. يدرك أن ايران تحتاج الى بيئتها الحاضنة اقليمياً.

لم تعد تنفع سياسات المواجهة القديمة.

النهار

 

 

بعد النووي… إيران تريد سوريا

منطقة بلودان التي تبعد 50 كم شمال غرب دمشق تعتبر موقعا سياحيا ساحرا، المشهد الجبلي والطقس المريح في الصيف والثلوج في الشتاء والفواكه اللذيذة والقرب من العاصمة السورية. كل هذا جعل المنطقة في الماضي مكان لحجيج الملوك والمتنفذين. وبعد ذلك اثرياء الشرق الاوسط. حجز مكان للمبيت يجب أن يتم قبل زمن طويل، هذا رغم كثرة الفنادق في بلودان. وأحد هذه الفنادق هو فندق بلودان التاريخي الذي أجريت فيه في 1937 محادثات القيادة العربية من اجل الرد على لجنة فيل.

تطل منطقة بلودان على غور الزبداني الاخضر الذي كان العرب والسوريون يتدفقون اليه قبل اربع سنوات، والذي أصبح الآن جزء من ارض المعركة، فقد حولته قوات حزب الله وحرس الثورة الإيراني إلى موقع لوجستي وعملياتي يقصفون منه الزبداني، المدينة التي معظم سكانها من السنة والتي سيطرت عليها حتى الآونة الاخيرة قوات «أحرار الشام»، وهي احدى المليشيات الإسلامية القوية التي تحارب ضد نظام الاسد. الزبداني تحولت إلى مدينة أشباح، ولكن في يوم الاربعاء الماضي حدث تطور استثنائي في ختام النقاشات التي أجراها أحرار الشام مع وفد إيراني وصل بشكل خاص إلى تركيا. وقد وافقت الاطراف على وقف اطلاق النار مدة 48 ساعة يستطيع خلالها المتمردون الخروج من المدينة مع اسلحتهم، وفي المقابل يوافق النظام على ادخال الغذاء والدواء اليها.

لم يكن هذا هو وقف اطلاق النار المحلي الاول، ولكن الجديد في الامر هو الوسطاء الذين حققوه. فعلى غير العادة المتعارف عليها، حيث أن قادة المليشيات يتناقشون مع القادة العسكريين من الطرف الآخر، كانت في هذه المرة إيران وتركيا هما اللتان قررتا تعميق مستوى تدخلهما في الساحة المحلية. إن وقف اطلاق النار في الزبداني، حتى لو لم يستمر ويصمد، مهم بسبب أنه بين إيران وتركيا توجد علاقات فيها مفارقات. فإيران تعارض اسقاط نظام الاسد وتراقب بشك ما يحدث بين تركيا والسعودية. ورغم أن إيران تعتبر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عدو خطير، إلا أنها قلقة من موافقة تركيا على السماح للطائرات الأمريكية باستخدام اراضيها ضد التنظيم الجهادي. ومع ذلك فان إيران وتركيا تستعدان لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي. فإيران هي مصدرة الغاز الثانية في أهميتها بالنسبة لتركيا (بعد روسيا)، وهي تشتري منها 30 بالمئة من الغاز الذي تحتاجه، وأنقرة هي زبونة مهمة للطاقة الإيرانية ومن شأنها أن توفر جزءً هاما من الاحتياجات الاساسية لإيران. وعلى الرغم من التناقض في المصالح فقد نجحت الدولتان في تحقيق وقف اطلاق النار في الزبداني.

العلاقات بين إيران وتركيا هي مثال فقط على طموحات إيران لخلق استراتيجية جديدة، اقليمية ودولية، تحولها بعد الاتفاق النووي إلى قوة عظمى معترف بها وشرعية. إيران لم تجمد نشاطها الاقليمي خلال فترة المفاوضات النووية، لكن شعورها، كما هو شعور القوى العظمى الغربية، بأن كل عمل إيراني اقليمي يجب أن يراعي الموضوع النووي، وأن الاتفاق النووي بحد ذاته هو أسير لسياسة إيران في المنطقة. فقد فرضت المفاوضات الحد من التدخل الأمريكي العسكري في سوريا والعراق، بعد أن أعلنت إيران أنها لن تعارض هذا التدخل. وقد كانت الهجمات في سوريا طابو واقتصرت على قصف المناطق التي يسيطر عليها داعش.

التوازنات والكوابح التي أوجدتها مفاوضات السلاح النووي أمام نشاط القوى العظمى في سوريا منذ 2013، والخوف من رد إيران على هذا التدخل في السنتين الأولتين للحرب، رسمت مباديء الاستراتيجية الغربية التي تحولت إلى سياسة مشلولة. وهذا لا يعني أنه الان بعد أن تحرر الغرب ظاهريا من ظل اتفاق السلاح النووي، ستتوجه القوى العظمى للتدخل العسكري المكثف. بل العكس، إيران تقترح خدماتها كوسيط ومبادر للحل السياسي، وهذه المرة شريكة لا يتم رفضها من القوى العظمى.

نشرت في الاسبوع الماضي الصيغة التي تقترحها إيران في سوريا وهي تستند إلى وقف اطلاق النار من جميع الاطراف؛ معالجة القضايا الانسانية التي تتعلق بالحرب؛ صياغة دستور يضمن الدفاع عن الأقلية العلوية واجراء الانتخابات. وفي اثناء هذه العملية وحتى الانتخابات فإن إيران تطالب باستمرار الاسد كرئيس. هذا الاقتراح قدمته إيران لروسيا.

إيران تقترح ايضا اقامة لجنة دولية في تشرين الاول تتكون من القوى العظمى التي ادارت المفاوضات حول الاتفاق النووي اضافة إلى السعودية وتركيا، بحيث تعمل هذه اللجنة برعاية الامم المتحدة من اجل التوصل إلى حل متفق عليه. واذا تم قبول هذا الاقتراح فان هذه اللجنة ستتحول إلى مصدر الصلاحية لأي خطوة سياسية في سوريا وبذلك يلغى «اعلان جنيف» في حزيران 2012، الذي وضع خريطة الطريق لنقل السلطة. ولم تكن إيران مشاركة في مؤتمر جنيف، لكنها قد تتحول الآن إلى القوة الاساسية التي تفرض الاجراءات السياسية. تركيا من ناحيتها لم تؤيد بعد هذه الصيغة والولايات المتحدة ما زالت تعارض بقاء الاسد في الحكم ايضا في المرحلة الانتقالية، لكن واشنطن وحلفائها لا يملكون في الوقت الحالي أي بديل سياسي.

وفي المقابل فانه واضح للولايات المتحدة أن الخطة الإيرانية تضع تحديا صعبا. فبخلاف إيران التي تستطيع المطالبة من الاسد بتبني وقف اطلاق النار، مشكوك فيه إذا كان للولايات المتحدة هذا القدر من التأثير على المليشيات المتمردة. الصيغة الإيرانية مقبولة على موسكو وهي تحاول تسويقها لدى منظمات المتمردين والسعودية التي تعارض أي خطوة إيرانية. وقد التقى هذا الاسبوع احمد خوجة، رئيس ائتلاف التنظيمات المعارضة في سوريا مع وزير الخارجية الروسي سرجيه لافروف بعد ايام قليلة من لقاء لافروف مع وزير الخارجية السعودي وبعد أن أجرى محادثات هاتفية مطولة مع بشار الاسد. وحسب التقارير في وسائل الإعلام العربية فان هذه اللقاءات تهدف إلى اقناع الاطراف بقبول الصيغة الإيرانية. رسميا يتم تقديم الصيغة على أنها مبادرة روسية تطالب روسيا بعرضها في اجتماع الهيئة العامة للامم المتحدة في ايلول.

لا تكتفي إيران بايجاد حل لسوريا. فاليمن هو مركز صراع مشتعل آخر بينها وبين السعودية. ومثلما في سوريا قد تظهر إيران في الجبهة اليمنية كشريكة عقلانية تستخدم المساعدة الكبيرة التي تمنحها للحوثيين كرافعة ضغط من اجل المعارك. ومن دافع عن إيران في موضوع اليمن كان رئيس الولايات المتحدة براك اوباما، الذي قال في الاسبوع الماضي أمام عدد من الصحافيين إن إيران هي التي حاولت في 2014 كبح الحوثيين واحتلال صنعاء. «عندما بدأ الحوثيون بالهجوم لم يتم ذلك بأمر من قاسم سليماني أو حرس الثورة الإيراني»، قال اوباما.

واشنطن التي تعتبر داعش والقاعدة التهديد الاساسي في الشرق الاوسط، تجد في الحوثيين شركاء محتملين ضد منظمات الجهاد السني في اليمن. «لا يمكن محاربة منظمات متطرفة مثل داعش وفي نفس الوقت ترك المجال لهم للازدهار في اليمن وسوريا»، كتب ظريف في مقالة نشرت في اربع صحف عربية. ولم يكن ظريف ليصيغ مواقف واشنطن بشكل أفضل من ذلك، التي بدورها لا تتجرأ على قول هذه الامور بصوت عال. هذا التماثل في المصالح والخوف من العلاقة الغرامية السياسية بين الولايات المتحدة وإيران هو ما يقلق السعودية بدرجة كبيرة.

تسفي برئيل

هآرتس 16/8/2015

القدس العربي

 

 

 

 

سورية كشفت روسيا وإيران وتركيا … وأوباما/ خير الله خير الله

ليس للسوري سوى السوري. كلّ ما تبقى مضيعة للوقت لا يفهم معناها سوى السوريين أنفسهم واولئك الذين يعرفون سورية عن كثب والذين يدركون أن ثورة الشعب السوري لا يمكن أن تتوقّف إلّا بعد خروج بشّار الأسد من السلطة بكلّ ما يمثّله.

لا يمكن لهذه الثورة ان تتوقف لسبب في غاية البساطة. هذا السبب عائد إلى أنّ الشعب السوري كسر حاجز الخوف. كسر هذا الحاجز سرّ صمود سورية وشعبها. كان هذا الحاجز الهزيمة الأولى بالضربة القاضية للنظام الذي اقامه حافظ الأسد والذي في اساسه زرع الخوف في سورية وفي قلب كلّ سوري وفي قلب كلّ مكان يمكن ان تصل إليه يده.

بكسر السوريين لحاجز الخوف، لا عودة إلى خلف أيّا يكن الثمن وأيّا يكن عدد الضحايا.

هناك جيل من السوريين ثار في مارس 2011. هذا الجيل الشاب قال افراده لأهلهم أنّ لا مجال للتراجع ولا مجال لقبول ما قبل به الأهل من آباء وأجداد منذ وصول البعث إلى السلطة في العام 1963 ومنذ تحوّل سورية، على مراحل، من حكم البعث المدني… إلى الحكم المحصور بمجموعة من الضباط العلويين…إلى حكم حافظ الأسد، وصولا إلى حكم العائلة والمنتفعين منها في مرحلة ما بعد توريث الأسد الأب السلطة وسورية إلى الأسد الابن.

كشفت الثورة السورية جهات عدّة. كشفت روسيا وكشفت ايران وكشفت تركيا. كشفت أوّلا وأخيرا إدارة باراك اوباما التي تبدو مستعدة لكلّ نوع من المساومات ارضاء لإسرائيل وايران في الوقت ذاته. إنّها إدارة تؤمن بكل بساطة بأنّ ايران واسرائيل مفتاحا المنطقة، على أن يترافق ذلك مع مراعاة لتركيا التي لا مفرّ من الاعتراف بثقلها الإقليمي.

بالنسبة إلى روسيا، تبيّن أن موسكو لا تزال في العصر السوفياتي. تعتقد أنّ الحرب الباردة مستمرّة وأن سورية بين بيادقها في الشرق الأوسط. ليس صحيحا أن روسيا مهتمّة بميناء طرطوس. هذا كلام تجاوزه الزمن. روسيا لا تعرف شيئا عن سورية، رغم أنّها مهتمة بالغاز السوري وبانابيب النفط الآتي من الخليج الذي يمكن أن يمرّ عبر الأراضي السورية. لا تعرف روسيا، قبل أيّ شيء آخر، أن النظام السوري غير شرعي وانّه نظام أقلّوي مرفوض من شعبه. لم يبلغها بعد أنّ الشعب السوري يرفض أن يكون محكوما من عائلة علوية احتكرت كلّ شيء في سورية وقرّرت أن يكون البلد مجرّد مزرعة لآل الأسد وآل مخلوف وآل شاليش والمحيطين بتلك العائلات والدائرين في فلكها في سورية ولبنان…

كان الرهان الدائم لروسيا، وقبل ذلك الاتحاد السوفياتي، على تكريس الضعف العربي. لذلك أخذت موسكو العرب إلى الهزيمة في العام 1967. في اساس الهزيمة، التي يعتبر جمال عبد الناصر المسؤول الأوّل عنها، النظام السوري الذي ورّط مصر في الحرب وترك الجولان تسقط في يد الإسرائيليين، متذرعا بأن المهم عدم سقوط النظام «الوطني» الذي نشر البؤس في سورية وأوصلها إلى ما وصلت إليه اليوم!

الاتحاد السوفياتي هو روسيا. وروسيا هي الاتحاد السوفياتي. لذلك، يبدو طبيعيا تمسّك موسكو ببشّار الأسد الذي أخذ على عاتقه احراق سورية وتفتيتها والانتهاء من السوريين عن طريق تشتيتهم وتحويلهم إلى لاجئين، حتّى داخل سورية نفسها.

بالنسبة إلى ايران، تظلّ سورية الجائزة الكبرى، ولكن بعد العراق ولبنان الذي تختزله طهران بـ«حزب الله» واستثمارها فيه. لا يمكن معرفة مدى تمسّك ايران بسورية إلّا متى ادركنا أنّ خسارتها لها ستكون لها نتائج كارثية على مستقبل «حزب الله». ولذلك، نرى ايران تعمل كلّ ما تستطيع لإبقاء سورية جرما يدور في فلكها معتمدة بشكل خاص على الميليشيات المذهبية من جهة، وعلى الخطة البديلة المتمثلة في اقامة الدويلة العلوية ذات الامتداد اللبناني من جهة أخرى.

يتبين مع مرور الوقت أن ايران لا تعرف شيئا عن سورية، حتّى لو نجحت في شراء مساحات شاسعة من الأراضي في دمشق ومناطق أخرى، وحتّى لو استطاعت تهجير كلّ السنّة الذين يقفون في وجه مشروع الدويلة العلوية. هذا المشروع ولد ميتا، رغم أنّه يلتقي مع المشروع الإسرائيلي الأصلي المتمثل في اقامة دويلات طائفية في الشرق الأوسط!

في سورية، انكشفت تركيا رغم التسهيلات التي قدّمتها، مشكورة، للاجئين السوريين. تبيّن أن رجب طيب اردوغان لا يمتلك سياسة واضحة قابلة للتطبيق ولا الوسائل اللازمة لتنفيذ هذه السياسة الطموحة التي تبقى اسيرة الفكر الإسلاموي الضيّق للرئيس التركي الذي يعتقد أنّ الإخوان المسلمين يمتلكون حلا سحريا لمشاكل المنطقة.

قال المسؤولون الأتراك كلاما كبيرا بعيد اندلاع الثورة السورية. بقي الكلام كلاما في غياب القدرة على اقامة منطقة آمنة يمكن أن يلجأ اليها السوريون وتوفير مدينة يمكن ان تقيم فيها قيادة المعارضة. على العكس من ذلك، لم تستطع تركيا لعب دور ايجابي في مجال توحيد المعارضة، خصوصا بعدما تبيّن أنّها اسيرة العقدة الكردية من جهة والفكر الإخواني من جهة أخرى.

باعت ادارة اوباما السوريين الأوهام. رسمت الخطوط الحمر التي حذرت النظام من تجاوزها. ظهر جليا أن اوباما يرى كلّ الألوان باستثناء اللون الأحمر. كانت نقطة التحوّل قبل سنتين بالتمام والكمال عندما استخدم بشّار الأسد السلاح الكيماوي في المواجهة التي يخوضها مع الشعب السوري. انقذت روسيا النظام السوري من العقاب عندما طرحت على بشّار التخلي عن ترسانته الكيماوية. لا تزال ادارة اوباما حائرة من امرها. لا تزال تراهن على أن الوقت كفيل بأن يأتي بحلّ للأزمة السورية. تتحدث عن الحرب على «داعش» الحليف الموضوعي لنظام بشّار الأسد ولا ترى البراميل المتفجّرة التي تستهدف السوريين في دوما وغير دوما. ليس مفهوما كيف يمكن لأوباما البقاء متفرّجا على المأساة التي تتعرض لها دوما القريبة من دمشق.

ليس لدى السوريين من خيار آخر غير الصمود. إنّهم يدفعون غاليا ثمن الأزمة التي عاشها بلدهم منذ ما قبل وصول البعث، بكلّ تخلّفه، إلى السلطة. الجانب الأكيد والثابت أنّ الشعب السوري أظهر قدرة غير طبيعية على الاستمرار في المقاومة. إنّه المقاوم والممانع الحقيقي في زمن تخلّى فيه الجميع عن سورية واعتبروها حقل تجارب لما يمكن أن يكون عليه الشرق الأوسط الجديد.

إنّه الشرق الأوسط الذي لا يزال يعاني من اثار الزلزال الذي تسبّب به انهيار العراق نتيجة الاحتلال الأميركي في العام 2003 واعتقاد ايران أن ابواب المنطقة صارت مفتوحة لمشروعها التوسّعي المرتكز على اثارة الغرائز المذهبية ولا شيء آخر غير ذلك.

الرأي

 

 

 

استباق طهران التحولات الميدانية/ وليد شقير

تكثر الأسباب التي تدفع إيران إلى استعجال الحوار مع جيرانها العرب، بعد الاتفاق النووي بينها وبين الدول الكبرى. وهي تسعى إلى إسقاط معايير المفاوضات الطويلة التي خاضتها مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، على هذا الحوار المفترض، ومن بينها سياسة «الإغواء» الإعلامي والديبلوماسي التي بدأها الرئيس حسن روحاني بعيد انتخابه، لا سيما عام 2013 عند اشتراكه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، وتابعها وزير خارجيته محمد جواد ظريف، واستخدما فيها الابتسامة الدائمة لتغطية التنازلات التي ظللها المرشد الأعلى السيد علي خامنئي حين وصف الحوار مع «الشيطان الأكبر» بأنه حوار الشجعان.

اتكأت تلك الابتسامة على الاجتماعات السرية التي سبقت وصول روحاني إلى الرئاسة واستمرت بعدها، بين مسؤولين إيرانيين وآخرين أميركيين برعاية سلطنة عمان وفي أمكنة أخرى في حينها، لإيجاد مقاربة تحقق مصلحة الطرفين: حاجة إيران للتخلص من العقوبات الاقتصادية التي أنهكت اقتصادها ومجتمعها الفتي وأوصلته إلى حافة الانهيار، ورغبة واشنطن في صوغ معادلة جديدة في المنطقة تستبعد تورطها في أي حرب، كي تتفرغ لاستدارتها الإستراتيجية نحو تركيز جهودها على نفوذها في المحيط الهادئ والهند الصينية حيث ترى مستقبل قيادتها العالمية في الألفية الثالثة.

تختلف معايير التفاوض بين الحالتين. ويبدأ الاختلاف من الأسباب التي تدفع طهران إلى هذا الاستعجال في التفاوض مع جيرانها. فهي أولاً تريد توظيف الاتفاق على النووي باعتباره انتصاراً لها على المسرح الدولي، قبل أن يبدأ تنفيذ التنازلات التي فرضها عليها الاتفاق فيخف هذا الوهج. وهي ثانياً ترغب في استباق أي تعديل من موازين القوى لغير مصلحتها، في الدول التي بنت لنفسها نفوذاً فيها، سواء عبر اقتطاعها بالواسطة مساحات جغرافية داخل هذه الدول (اليمن والعراق وسورية ولبنان) أو مواقع في السلطات وأجهزة الحكم فيها. وهذا يخفف من وزنها الإقليمي وشراكتها الإمبراطورية في إدارة هذه الدول، وبالتالي في دورها الإقليمي الذي تعتبر قيادتها أنه يؤهلها لأن تكون الأقوى والأقدر في الإقليم. فما قضمته، بينما الدول المعنية غافلة عن توسعها، بدا أنه معرض للتآكل، كما هو حاصل في اليمن نتيجة الاندفاعة السعودية – الخليجية في اتجاه تثبيت الشرعية بغطاء من قرار مجلس الأمن الرقم 2216، وكما هو حاصل في سورية أيضاً، ولو ببطء مرشح للاستمرار والمراوحة، بدءاً بالتمهيد لقيام منطقة آمنة شمال بلاد الشام بتعاون أميركي – تركي، مع ما قد يستتبع ذلك من احتمالات قيام منطقة آمنة جنوباً على الحدود مع الأردن، ما أوجب على الجانب الإيراني أن يعتمد سياسة الأرض المحروقة للدفاع عن تحصين الرئيس بشار الأسد في دمشق عبر خوض معركة الزبداني، وصولاً إلى اعتماد سياسة تغيير ديموغرافي في تركيبتها بتهجير سكانها وإحلال مواطنين شيعة فيها، بموازاة التمسك ببقاء الأسد في الرئاسة عند البحث في الحلول السياسية بالاشتراك مع القيادة الروسية، التي بدأت الكفة ترجح لمصلحتها في رعاية الحل في سورية، قياساً إلى الكفة الإيرانية. كما أن الخشية من تغيير موازين القوى كسبب لاستعجال التفاوض مع جيران ايران يمكن أن تنطبق على ما جرى ويجري في العراق، الذي فاجأ ربيع الانفتاضة الشعبية ضد الفساد والمحاصصة الطائفية فيه، طهران وخصومها على السواء. وعلى رغم أن ما استجد في بلاد الرافدين لا يُنقص من نفوذ طهران هناك، فإن اضطرار حكومة بغداد للإصلاحات التي تحد من الفساد سيقطع الطريق على إفادة «الحرس الثوري» من المبالغ الطائلة التي موّل منها وما زال (بعشرات بلايين الدولارات) ميليشيات «الحشد الشعبي» تسليحاً وتدريباً، والميليشيات الشيعية الأخرى المتعددة الجنسية، التي تقاتل في سورية، بما فيها «حزب الله»، إضافة إلى تمويل الحوثيين في اليمن. وهو ما اضطر المرجعية الإيرانية إلى احتضان نوري المالكي بعد توجيه التهم إليه، لأنه شكّل غطاء لهذا الفساد الذي موّل النشاطات الإيرانية في زمن العقوبات. في اختصار فإن سبب استباق التحولات الميدانية في عدد من الدول التي تتمدد فيها ايران جوهري إذا صح الحديث عن أن واشنطن تشجع حلفاءها العرب على استعادة التوازن مع نفوذ طهران قبل الحوار معها.

أما السبب الثالث لهذا الاستعجال فهو أن شركاء طهران في الاتفاق النووي، لا سيما موسكو وواشنطن، ترغبان مع دول الاتحاد الأوروبي، في أن تثبت قدرتها على تطبيع علاقاتها مع دول الجوار، إنفاذاً لعودتها دولة منخرطة في المجتمع الدولي، خصوصاً أن رفع جزء من العقوبات المفروضة عليها مرتبط بما يسميه الأميركيون الإقلاع عن تهديد أمن جيرانها، ورفع التهمة عنها بأنها تدعم الإرهاب.

تزيّن طهران للدول العربية أن الحوار معها سيفضي إلى وضعية «ربح – ربح» للطرفين. فكيف يكون الطرف العربي رابحاً إذا كان الحوار سينطلق مما حققته هي من ربح في عقر داره؟

الحياة

 

 

 

 

 

 

الحل السوري والتناقضات الإيرانية الروسية/ مصطفى فحص

التباين في وجهات النظر بين موسكو وطهران حول مستقبل الأزمة السورية قائم، لكنه لم يصل إلى حد التباعد، فالتوافق حول المصالح المشتركة في سوريا مستمر في الأمدين المنظور والمتوسط، ويمكن إرجاعه إلى غياب مشروع حل دولي وإقليمي جدي، ينهي الصراع السوري، ويتحمل الجزء الأكبر في هذه المعضلة التعاطي السلبي لإدارة البيت الأبيض مع هذا الصراع، ويعود سببه إلى تفريط الرئيس الأميركي بارك أوباما في موقع واشنطن ودورها في السياسة العالمية. هذا التفريط قابله إفراط إيراني روسي بتدخلهما في مناطق مختلفة من العالم خصوصًا الشرق الأوسط، واعتقادهما أنهما يستطيعان ملء الفراغ الناجم عن غياب واشنطن في عدة ملفات حساسة. فالانسجام الروسي الإيراني الحاصل حاليًا في سوريا ليس نهائيًا، وسيهتز عندما يضطر الطرفان للفصل بين مصالحهما، حيث سيحتفظ كل طرف لنفسه بما يملك من أوراق القوة، منفصلاً عن الآخر.

حتى اللحظة تستمر موسكو في استخدام أدواتها الدبلوماسية لمنع الفرقاء الدوليين والإقليميين من استثنائها من أي مشروع حل لا يلحظ حماية مصالحها، على الرغم من تعطيلها لمسار «جنيف 1» بسبب تمسكها بقراءتها الخاصة لمقرراته المتعلقة بمستقبل الأسد، في حين تتقاطع مواقفها مع أغلب مواقف اللاعبين الدوليين والإقليميين المجمعين على خيار الحل السلمي للأزمة، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، مع ضرورة إجراء تغييرات في التركيبة الأمنية، إلا أن إطالة أمد النزاع أدت إلى تحطيم بنية مؤسسات الدولة السورية خصوصا الجيش المنهك، وتقلصت قدراته ونفوذه لصالح ميليشيات أجنبية، تخضع للمنطق الطائفي، إضافة إلى حالة الترهل والتفكك التي تصيب كل مرافق الدولة والنظام، وهذا ما بات ينعكس سلبًا على موقع الكرملين في المعادلة السورية، القائم على التمسك بسوريا الموحدة وبحكومة مركزية قوية في دمشق، باعتبار أن هذه المعادلة ضمان وحيد لوجوده الأخير في الجغرافيا السياسية لشرق المتوسط وسواحله.

في المقابل، تعاملت طهران بوضوح كامل مع الأزمة السورية، حيث قررت خوض معركة الحفاظ على ما تبقى من منظومة الحكم، وقامت بربط مصالحها كاملة بهذه المنظومة، وهي تدفع الآن ثمن الكلفة العالية لحمايتها، وعلى الرغم من كل ما تعرضت إليه هذه المنظومة من ضعف وإنهاك ترفض طهران التخلي عن شخص الأسد، وهي تعي أن القبول بهذا التخلي هو بداية لمسلسل تنازلات، لن يكون بمقدورها رفضها أو منعها، فالأسد رأس الهرم الذي تدير من خلاله ما تبقى من الدولة، وهو رمز لمعركة الدفاع التي تخوضها عما تسميه سوريا الممانعة، وهي فعليًا معركة إبقاء سيطرتها الجيوسياسية على سوريا، التي تمكنها من القبض على القرار السياسي لبغداد وبيروت، وتضعها في تماس مباشر مع الحدود الإسرائيلية والأردنية، كما أن الاحتفاظ بصلابة المنظومة الأمنية هو الاحتفاظ بسطوة النظام وحلفائه في المنطقة، وحماية لظهر حليفها الأقوى حزب الله الذي سيتأثر مباشرة بأي تحول في بنية النظام مهما كان حجمها.

وبانتظار تحديد موعد الحسم المؤجل في سوريا فإن طهران تراهن على أن موسكو ليست بوارد مساومة المجتمع الدولي على سوريا، مقابل استعادة موقعها في أوكرانيا، وتعي جيدًا أن الكرملين لن يقبل بأن يخرج خاسرًا في كلتا الأزمتين (الأوكرانية والسورية)، لكنها تراهن على واشنطن في الإبقاء على حصتها من التركة السورية، بينما تنظر موسكو بعين الريبة إلى التقارب الإيراني الأميركي الجاري تحت غطاء الاتفاق النووي،

والذي سيفسح المجال أمام الطرفين للبحث في عدة قضايا عالقة في مقدمتها سوريا، وفي حال تم التوافق بينهما على حلحلة في الملفات إقليمية فستجد موسكو نفسها وحيدة في سوريا، مما سيدفعها للبحث عن حصتها عند فرقاء آخرين كانت قد دعمت طهران والأسد بوجههم، لكن معضلة الطرفين «الإيراني والروسي» الأكثر تعقيدًا أن واشنطن باراك أوباما ليست بالموقع الذي يمكنها أن تحقق لهما طموحاتهما التوسعية، ولا يمكن لها أيضًا انتزاع اعتراف إقليمي ودولي بما يعتبرانه حقًا لهما، فعلى ما يبدو أن الحل أمامهما هو الحفاظ على التوافق الظاهري بينهما، حتى تحدد واشنطن كيفية تعاطيها مع طهران بعد الاتفاق النووي، ويتضح موقف المجتمع الدولي أكثر في أوكرانيا، واقتناع الرياض بخفض إنتاج «أوبك»، لكن القلق من أن تبقى الأمور معلقة بانتظار المقيم الجديد في البيت الأبيض.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

هل تكون «الزبداني» خطوة لتقسيم سورية؟/ أيمـن الـحـمـاد

مضى 45 يوماً على معركة الزبداني التي يبدو أن النظام وميليشيا «حزب الله» تستميت من أجل إسقاط المدينة ذات الرمزية الكبيرة في الثورة السورية والمهمة لدى الجيش السوري الحر، والتي توازي في أهميتها الاستراتيجية مدينة القصير التي سقطت في يد جيش النظام السوري و«حزب الله»بعد أسبوعين من القتال العنيف، إلا أن الزبداني تبدو عصية على السقوط، لكن هل يستمر صمودها أم تسقط تحت وابل البراميل المتفجرة والاشتباكات بين قوات المعارضة و«حزب الله»؟.. ويبدو أن النظام مصرٌ على تأمين حدوده مع لبنان؛ إذ يضمن من خلالها استمرار الدعم اللوجستي والتواصل مع ميليشيا «حزب الله» ويقطع الطريق على الثوار من أجل الحصول على منفذ دولي آخر، وهي بالمناسبة ذات الأهمية التي كانت تكتسبها مدينة القصير الاستراتيجية التي كانت علاوة على أهميتها من الجهة اللبنانية تكتسب أهمية باعتبارها حلقة وصل لربط دمشق بحمص.

لكن الحصار المطبق على الزبداني يخبّئ خلفه أسباباً منها حرص النظام على تأمين كامل الحدود مع الجنوب اللبناني، إضافة إلى رغبة إيران إحداث تغييرٍ ديموغرافي من خلال تبادل سكاني قسري بين أهالي الزبداني وبلدتي كفريا والفوعة (ذات الأغلبية الشيعية) والتابعة لإدلب والتي تبعد عن الزبداني حوالي (400 كلم)، حيث تسيطر على غالبية المنطقة قوات المعارضة، مما سيؤدي لتغيير ديموغرافي ومذهبي خطير، يستطيع النظام من خلاله تعزيز العاصمة دمشق وما حولها وإصباغها بمظهر مذهبي معين، وكأننا بصدد تشكيل دولة جديدة ذات انسجام طائفي مع الجنوب اللبناني حيث معاقل «حزب الله» الذي يريد تأمين ظهره خشية أن يهاجم في حال حدوث تحوّلات أو سقوط النظام السوري. يتفق ذلك مع ما صرح به رئيس النظام بشار الأسد بأن هنالك أولويات لبعض المناطق تبعاً لأولويات القيادة والوقائع الميدانية.

ما يحدث اليوم في الزبداني يستوجب تدخلاً إقليمياً ودولياً من أجل رفع الحصار عن سكان المدينة وإيقاف العبث بمكوناتها من خلال الضغط على طهران التي تقف وراء «حزب الله» المقاتل الرئيسي على الأرض.. ويكشف الحاصل اليوم ضعف القنوات السياسية المتقاطعة في سورية، وعلو كعب التنظيمات المسلحة في إبرام الهدن والاتفاقيات، فأحرار الشام و»حزب الله» المدعوم من إيران يقودان عمليات التفاوض والنقاش حول الزبداني.

الرياض

 

 

هل يعارض المرشـد الإيراني الاتفاق النووي مع الغرب؟/ د. مصطفى اللباد

يشتعل الجدل في أميركا حول مصير الاتفاق النووي بين إيران والغرب والموقّع في فيينا منتصف شهر تموز الماضي، لجهة إقراره أو رفضه. ولا يخلو أسبوع من تصريحات للرئيس الأميركي باراك أوباما أو وزير خارجيته جون كيري تؤكد على أهمية الاتفاق وتحقيقه للأهداف التفاوضية الأميركية، على خلفية التصويت المرتقب للكونغرس على الاتفاق الشهر المقبل.

الجديد في الأمر أن اتجاهاً جديداً يتبلور في وسائل الإعلام الأميركية عبرت عنه مقالات عدة نشرت خلال الأيام القليلة الماضية تشكك في موقف المرشد الإيراني علي خامنئي من الاتفاق، وتلمح إلى إمكانية رفض الاتفاق إيرانياً بإيعاز من المرشد كما سقطت اتفاقات نووية سابقة مع الغرب عامي 2003 و2004.

المعلوم أن المرشد يتربّع على قمة السلطة الإيرانية ويستطيع تقرير مصير الاتفاق النووي ببيان مقتضب منه بالموافقة أو الرفض. وهنا لا يمكن مقارنة صلاحياته غير المحدودة تقريباً بصلاحيات الرئيس الأميركي، الذي سيضطر إلى الاشتباك مع الكونغرس الأميركي لإقرار الاتفاق الشهر المقبل.

من هنا فامتناع السيد علي خامنئي عن تأييد الاتفاق النووي منذ توقيعه وحتى الآن يوفر أرضية ممكنة للإثارة، بالتلميح إلى أن المرشد يعارض الاتفاق نظراً لتجاوز خطوطه الحمر التفاوضية في مسودة الاتفاق الأخير (رفع العقوبات الاقتصادية بالكامل وفوراً ورفض تفتيش المنشآت العسكرية تحت أي ظرف).

معارضة المرشد للاتفاق النووي: بناء سردية

تستنطق السردية المصاغة بحرفية عالية شخصيات إعلامية إيرانية قريبة من المرشد مثل حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة «كيهان»، حتى تؤكد ذاتها. يُعدّ شريعتمداري بنظر كثير من المراقبين متحدثاً غير رسمي للمرشد الإيراني طيلة العقد الأخير على الأقل، إذ يقول علناً ما يحجم المرشد عن إعلانه لاعتبارات سياسية مختلفة. نشر شريعتمداري مقالاً في «كيهان» السبت الماضي بعنوان «الحل الوحيد»، داعياً إلى رفض الاتفاق النووي لأنه يهدّد أسس ومبادئ الثورة الإسلامية.

وقال شريعتمداري النافذ في الإعلام الإيراني لقربه المعلوم من المرشد: «أي شخص يتفحّص في تصريحات المرشد سيضطر إلى الاستنتاج أن المرشد الأعلى واعٍ بأوجه القصور في الاتفاق وتداعياته الكارثية، ويمكن القول بأن المرشد بالطبع ليس سعيداً على الإطلاق بالمسودة الحالية للاتفاق». واستطرد: «كل الخبراء والمسؤولين من دون استثناء يعترفون بأن أجزاء من صفقة فيينا وقرار مجلس الأمن الرقم 2231 لا تتوافق مع أسس ومبادئ الثورة والنظام، بل إنها تهددها، وإنه إذا تم تطبيق الاتفاق فربما تدمّرها».

ويخلص شريعتمداري في نهاية مقاله إلى القول: «لا يوجد سوى خيارين وحيدين، إما الموافقة الكاملة أو الرفض الكامل، وفي ضوء ما تقدم لا يتبقى إلا الرفض الكامل للاتفاق النووي».

ثم ازدادت الإثارة والأقاويل المتعلقة برفض المرشد للاتفاق، بعد تصريح عباس عراقجي نائب وزير الخارجية للموقع الإلكتروني للراديو والتليفزيون الإيراني يوم الأحد الماضي ومفاده أن «المرشد كان على علم بالخطوات التفاوضية خطوة بخطوة»، حيث أزيلت تصريحاته من على الموقع الالكتروني بعد أقل من ساعة!

وكان مما لفت الانتباه كثيراً أنه لا المرشد ولا مكتبه أنكرا ما كتبه شريعتمداري في مقاله الناري، بل إن خطبة المرشد بعد المقالة بيومين (يوم الاثنين الماضي) أكدت حتى أن آراء شريعتمداري لا تخصّه وحده بالضرورة.

علق المرشد في خطبته على الاتفاق النووي بين بلاده والغرب مستخدماً تعبيرات متشائمة ملاحظاً أن «القرار بالموافقة على الاتفاق أو رفضه مازال أمراً غير واضح سواء في طهران أو واشنطن». وكما فعل منذ التوقيع على الاتفاق منتصف شهر تموز الماضي، فقد تجنب المرشد تأييد الاتفاق، إلا أنه شدد لهجته خطابياً بمواجهة أميركا في لهجة هي الأعنف منذ التوصل للاتفاق النووي الشهر الماضي. «أميركا لا تملك أوراق اعتماد في المنطقة كما اعتادت في السابق، إنهم يريدون ترميم هذه الأوراق وهي نيتهم في بلدنا أيضاً. لديهم وهم أنه في سياق المفاوضات النووية سيجدون الوسيلة لاختراق البلد. لقد سددنا طريقهم.. لن نسمح بتأثير اقتصادي لهم في إيران ولا بتواجد سياسي ولا بتأثير ثقافي. بكل الوسائل وحمداً لله وســـائلنا قوية اليوم سنواجهـهم ولن نسمح بذلك».

غموض جهة الإقرار مؤسسياً

تعود سردية معارضة المرشد للاتفاق النووي لترسم لنفسها بعداً مؤسسياً، مستغلة الغموض السائد حول جهة إقرار الاتفاق النووي إيرانياً، لتذكر بأن آية الله أحمد جنتي رئيس «مجلس صيانة الدستور» الذي يراقب أعمال البرلمان وفقاً للدستور الإيراني، أعلن يوم كتابة مقالة شريعتمداري في «كيهان» أن المجلس بانتظار تعليمات المرشد حول التصويت على الاتفاق إن كان في البرلمان أم في مجلس الأمن القومي. وبعد كتابة مقال شريعتمداري السبت الماضي، وقع 201 عضو من أعضاء البرلمان الإيراني (من أصل 290 عضواً) عريضة يطالبون فيها بعرض الاتفاق على البرلمان للبتّ فيه.

ورغم ذلك لا يبدو الطريق القانوني لإقرار الاتفاق النووي واضحاً، إذ لم يعلن المرشد رأيه بصراحة في الاتفاق فحسب، بل ولم يحدد الجهة المنوط بها شكلياً إقرار الاتفاق أو رفضه.

سيحتاج البرلمان إلى جلسة أو أكثر وإلى مناقشة مستفيضة قد تكون محرجة، ولكنها لا تلزم المرشد بموقف معلن حيث سيحتفظ بخيوط القرار كالمعتاد من خلف الستار، وفي كل الأحوال سيــتم ذلك بعد إقرار الكونغرس للاتفاق وليـــس قبلها. أما تحويل الإقرار إلى مجلس الأمن القــــومي كما يريد الرئيس روحاني، فسيلزم المرشد بإظـــهار موقفه المؤيد للاتفــاق، ومردّ ذلك أن قرارات مجلس الأمن القومي تصبح نافذة قانوناً فقط عند موافقة المرشد.

تفسير الغموض والتضارب

روّج لسردية معارضة المرشد للاتفاق النووي «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» الممول من اللوبي الإسرائيلي، وتلته صحيفة «وول ستريت جورنال»، وكلاهما معارض للاتفاق النووي مع إيران بالأساس.

يقول تقليب النظر في السردية المصوغة بعناية أن الهدف من وراءها الضغط على الإدارة الأميركية لانتزاع تأييد علني من المرشد للاتفاق، وهي تعلم أن هذا الهدف غير ممكن التحقق فعلياً ونظرياً. تستغلّ سردية معارضة المرشد للاتفاق النووي ثلاثة عناصر لاكتساب مصداقيتها:

أولها غموض مواقف المرشد المعلنة من الاتفاق فعلاً ـ لأسبابه التي سنأتي عليها حالاً ـ وثانيها غموض جهة الإقرار الشكلي للاتفاق: مجلس الأمن القومي أم البرلمان، وثالثها القرب المعروف لشريعتمداري من المرشد والمعاني التي حملها مقاله الناري الأخير في «كيهان».

بمعنى آخــــر، تحاول السردية نقل السجال الأميركي الصاخب حول الاتفاق إلى الملــــعب الإيــــراني لتشديد الضغوط عليه وعلى إدارة أوباما في آنٍ معاً.

بالمقابل، لا تعتقد هذه السطور بأن المرشد يعارض الاتفاق النووي في إيران، لعلمه المؤكد بأنه الأفضل لإيران في ضوء موازين القوى الراهنة.

ومن ناحية أخرى، لا يمكن منطقياً قبول سردية أن المرشد يعارض الاتفاق النووي مع الغرب، حتى مع تجاوز بعض خطوطه الحمراء، ومردّ ذلك أن أي فريق تفاوضي إيراني لا يمكنه أن يوقع على اتفاق دولي بهذه الأهمــــية من دون موافقة المرشد الصريحة والمباشرة.

ومن ناحية ثالثة، لا بدائل جيدة في الواقع أمام إيران سوى إقرار الاتفاق، الذي يسمح بإعادة اندماجها في المجــــتمع الدولي ورفــــع العقوبات عن كاهل اقتـــصادها وتحقيق التقارب بين النظام والشعب المؤيد بأغلبيته للاتفاق.

أما إذا كان الأمر متعلقاً بتفسير التصريحات حصرياً لاستنتاج مواقف نهائية للمرشد، فقد أعلن السيد خامنئي طيلة فترة المفاوضات الشاقة عن تشككه في نيات الغرب، ولم يمنع ذلك الفريق التفاوضي الإيراني من التوصل لاتفاق في النهاية.

أما في موضوع قرب شريعتمداري غير المنكور من المرشد؛ وبالتالي الخلوص إلى نتيجة مفادها أن مقاله المذكور يشي بمعارضة المرشد للاتفاق، فالرد عليه سهل نسبياً، إذ أن المقربين سياسياً من المرشد حالياً مثل علي أكبر ولايتي وزير الخارجية السابق، وحسن فيروزأبادي رئيس أركان الجيش الايراني وعلي أكبر صالحي رئيس هيئة الطاقة النووية، يؤيدون الاتفاق علناً وبوضوح.

كيف يمكن إذن تفسير الغموض الذي يبديه المرشد حيال الاتفاق؟

يستهدف المرشد الإيراني ثلاثة أهداف بغموضه حيال الاتفاق النووي:

أولاً استعداء المعارضين للاتفاق في أميركا للحفاظ على «الرصيد الثوري» لإيران لأطول فترة ممكنة ولكن من دون المخاطرة بانهيار الاتفاق، لعلمه بأن المعارضين للاتفاق في الكونغرس سيخسرون الشهر المقبل أمام أوباما و«الفيتو» الرئاسي.

ثانياً التحسب لاحتمال توافق أميركي داخلي على طلب تعديلات إضافية على الاتفاق لإرضاء المعترضين الأميركيين، وساعتها تستطيع إيران أن تطلب المثل عبر قرار من البرلمان الإيراني الذي لم يقر الاتفاق بعد.

ثالثاً إظهار قوة مركز المرشد في الداخل الإيراني، في مواجــــهة المؤســـسات والتيارات المختلفة قبيل البدء في تنفيذ الاتفاق النووي.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى