صفحات مميزة

مقالات مختارة تناولت مفاوضات جنيف 3

المعارضة ترد على الوفد الحكومي بقبول نصف وثيقته… و «هيئة انتقالية» مشتركة/ إبراهيم حميدي

ردت «الهيئة التفاوضية العليا» السورية المعارضة على رفض الوفد الحكومي الخوض في الانتقال السياسي بمزيد من الانخراط مع مطالب المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا عبر تسليمه وثيقتين أمس، تضمنت الأولى «قبول نصف» ورقة الوفد الحكومي المتعلقة بالحل السياسي، فيما تضمنت الثانية رداً على وثيقة المبعوث الدولي تضمنت الاستعداد لتشكيل الهيئة الانتقالية بالتشارك بين السلطة والمعارضة.

وكان دي ميستورا أعلن بعد لقائه الثالث بالوفد الحكومي برئاسة السفير بشار الجعفري مساء أول من أمس أن المرحلة الانتقالية «مسألة جيدة جداً أثرتها. وقال الجعفري أنه من السابق لأوانه في الوقت الراهن» البحث في هذه المسألة. وأضاف: «رسالتي (إلى الجعفري) أن السابق لأوانه (يجب أن يكون) وشيكاً ومن المهم أن نبدأ التعامل مع وجهة نظرهم»، مشدداً على أن «الانتقال السياسي يبقى أساس كل القضايا ويتعين علينا أن نتعامل مع ذلك بواقعية».

وشدد الجعفري، على أن مستقبل الرئيس بشار الأسد «ليس موضع نقاش» في مفاوضات جنيف، قائلاً إن ما يتم الحديث عنه من المعارضة «تصريحاً أم تسريباً حول مقام الرئاسة كلام لا يستحق الرد لأن أصحابه يعرفون أن الموضوع ليس موضع نقاش ولم يرد في اي وثيقة مستندية لهذا الحوار. هذه المسألة المهمة ليست جزءاً من أدبيات ومرجعيات هذا الحوار».

في المقابل، ركز الوفد الحكومي على وثيقة من صفحتين تتضمنان «أسس الحل السياسي»، وفيها تأكيد سيادة سورية و «استعادة الجولان حتى خط الرابع من حزيران (يونيو) ١٩٦٧»، إضافة إلى ضرورة «مساندة الجيش السوري في محاربة الارهاب» ووقف دعم وتمويل فصائل المعارضة.

وعكف أعضاء وفد «الهيئة التفاوضية» المعارضة خلال عطلة نهاية الاسبوع على درس وثائق الحكومة ودي ميستورا. وأجري بينهم نقاش حول «أسس الحل» التي اقترحها الجعفري، حيث وجد بعضهم أنه «بالإمكان الموافقة في شكل كامل على خمسة مبادئ من عشرة، فيما تخضع الفقرات الباقية إلى تعديل أو تطوير».

ووفق مسودة الوثيقة، التي اطلعت «الحياة» على نصها، فإن «الهيئة التفاوضية» أكدت وحدة سورية أرضاً وشعباً واستعادة الجولان ورفض الفيديرالية التي اقترحها أكبر الأحزاب الكردية وبدأ في تنفيذها قبل أيام، إضافة إلى الموافقة على فكرة أن يكون نظام الحكم في سورية «تعددياً وديموقراطياً». وتم نقاش ازاء كلمة «علمانية» التي وردت في الوثيقة الحكومية، حيث تم اقتراح كلمة «مدنية» التي تضم طيفاً أوسع، إضافة الى كونها تنسجم مع مخرجات البيان الختامي للمؤتمر الموسع للمعارضة في الرياض نهاية العام الماضي.

واتفقت الوثيقة «المعارضة» مع الورقة «الموالية» على الحفاظ على مؤسسات الدولة، لكن «الهيئة التفاوضية» تمسكت بإعادة هيكلة هذه المؤسسات وإصلاحها، إضافة إلى المطالبة بخروج جميع المسلحين والميليشيات المسلحة و «حزب الله» من سورية وربط هذا الأمر بتنفيذ اتفاق «وقف العمليات القتالية» الذي أشارت إليه ورقة الحكومة.

وتتفق الوثيقتان على «محاربة الإرهاب». وإذ أكد الوفد الحكومي «مكافحة الإرهاب ونبذ أشكال التعصب والتطرف والأفكار التكفيرية كافة، باعتبار ذلك واجباً وطنياً ومؤازرة الجيش والقوات المسلحة في عملية مكافحة الإرهاب»، فإن «الهيئة التفاوضية» أشارت إلى ضرورة «محاربة الإرهاب ومولداته، والاستبداد هو المولّد الرئيسي للإرهاب» وضرورة دعم «الجيش بعدما تكون تبعيته إلى الهيئة الانتقالية وإعادة الهيكلة للوصول الى جيش وطني».

وهناك إشارة من «الهيئة» إلى ملف المعتقلين وضرورة تشكيل لجنة خاصة به اسوة بمجموعتي العمل الخاصتين بـ «وقف العمليات القتالية» والمساعدات الانسانية، ذلك لمتابعة ملف السجناء خصوصاً النساء والشيوخ والأطفال ورموز المعارضة مثل القياديين في «هيئة التنسيق الوطني» عبدالعزيز الخير ورجاء الناصر ووقف تنفيذ إعدام المعتقلين.

وردّ وفد «الهيئة» في وثيقته الثانية إلى دي ميستورا على وثيقته الخاصة بأسس المفاوضات غير المباشرة وجدول الأعمال. ووفق مسودة اطلعت «الحياة» على نصها، فإن المعارضة أكدت بوضوح أن «أساس المفاوضات» هو «بيان جنيف» والقرارات الدولية خصوصاً ٢٢١٨ و٢٢٥٤ وانها ستلتزم القرارات والبيانات الختامية لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية».

ولا تجد «الهيئة» ضرورة للخلاف ازاء مبادئ المفاوضات المتعلقة بـ «الانتقال السياسي» والوصول إلى دستور جديد وانتخابات في نهاية المرحلة الانتقالية والحفاظ على مؤسسات الدولة، مع تأكيد ضرورة عدم وجود أي وفد تفاوضي للمعارضة سوى وفد «الهيئة» مع الاستعداد لضم شخصيات معارضة كمستشارين.

وخاضت المسودة تفصيلاً في اجندة المفاوضات مؤكدة أن المسألة ليست استبدال سلطة بأخرى، بل أن «الهيئة الانتقالية» هي نقطة الانطلاق وستشكل بالتشارك بين السلطة والمعارضة ولن يستثنى منها سوى من تلطخت ايديهم بوضوح بدماء السوريين واتخذ قرارات الحرب، ولا يمكن بدء الانتقال السياسي من دون تشكيل «الهيئة الانتقالية» التي ستشرف على صوغ دستور جديد وتحضّر للانتخابات وتكفل عمل مؤسسات الدولة، ذلك أن «الهيئة» لن تحكم البلاد بل أنها ستجهّز البلاد إلى نظام سياسي جديد، ما يتطلب أن تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة، بموجب «بيان جنيف» للعام ٢٠١٢. ورأت الوثيقة انه للمضي قدماً في تحقيق تقدم في جنيف، لا بد من الانتقال الى المفاوضات المباشرة وضرورة منع المماطلة والتسويف.

إلى ذلك، وجّه المسؤول الإعلامي لـ «الإخوان المسلمين» عمر مشوح انتقاداً لـ «الهيئة التفاوضية» التي تضم في عضويتها القيادي في الجماعة محمد فاروق طيفور وآخرين. وكتب على صفحته في «فايسبوك» امس: «على هيئة التفاوض العليا أن تكون شفافة مع الشعب السوري في أخطر منعطفات الثورة ولا تقدم على أي خطوة تخص مستقبله دون توضيحها للشعب. وهناك خلل كبير في هيئة التفاوض حين تتخذ قراراتها في الوفد المفاوض دون الرجوع للهيئة العامة والتشاور مع مكوناتها».

وقال محللون أن قياديين في «الإخوان» غير مرتاحين لطبيعة التنسيق في «الهيئة» خصوصاً مع تكتل كردي رئيسي و «هيئة التنسيق الوطني» وعدم مشاركتهم في القرارات المتعلقة في المفاوضات، بعد بروز دور المنسّق العام لـ «الهيئة التفاوضية» رياض حجاب رئيس الوزراء الأسبق.

الحياة

 

 

حل وسط بين «الانتقال السياسي» ومصير الأسد/ إبراهيم حميدي

أفيد أمس بأن موسكو وافقت على الضغط على حكومة دمشق للبحث في «الانتقال السياسي» وبرنامجه الزمني في الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف مع فصائل المعارضة بعدما تخلت واشنطن عن البحث في مصير الرئيس بشار الأسد في المرحلة الراهنة. وواصل الجيش السوري في غضون ذلك، هجومه ضد تنظيم «داعش» في مدينة تدمر الأثرية في وسط البلاد وأعلن عن سيطرته على قلعتها التاريخية، المعروفة بقلعة الأمير فخر الدين المعني.

ونقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء عن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف قوله إن الولايات المتحدة تفهّمت موقف موسكو بأنه ينبغي عدم مناقشة مستقبل الأسد في الوقت الراهن. وأضاف تعليقاً على نتائج زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري موسكو ومحادثاته مع القيادة الروسية: «إلى حد بعيد… العملية السياسية الحالية أصبحت ممكنة لأن موسكو وجدت تفهماً في واشنطن على المدى البعيد لموقفنا الأساس بأنه ينبغي ألا تطرح قضية مستقبل الرئيس السوري على جدول الأعمال (بالمفاوضات) في المرحلة الحالية». وكان كيري قال ليلة الخميس- الجمعة، إنه اتفق مع نظيره الروسي سيرغي لافروف على «وجوب أن يكون هناك جدول زمني ومشروع دستور بحلول آب (أغسطس) المقبل»، الأمر الذي تجاهلته وسائل الإعلام الرسمية السورية.

وبحسب المعلومات المتوافرة لـ «الحياة»، فإن هناك خطة ضمنية في ذهن الأميركيين والروس والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا تتضمن الآتي: انعقاد جولة جديدة من المفاوضات بدءاً من ١٠ نيسان (أبريل) المقبل باعتباره موعداً مستهدفاً لبدء التفاوض، مع احتمال وصول وفد الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية في ١٣ الشهر المقبل، على أن تستمر جلسات التفاوض لمدة أسبوعين. وفي بداية أيار (مايو)، تُعقد جولة أخرى من المفاوضات. ويأمل الأميركيون والروس والوسطاء الدوليون بأن تؤدي هذه المفاوضات إلى تشكيل «الحكم الجديد» في حزيران (يونيو) المقبل، ليعمل على أمور كثيرة، بينها الإعداد لدستور جديد في آب يمهّد للانتخابات بعد ١٨ شهراً.

ولم يصدر موقف رسمي من دمشق إزاء وثيقة البنود الـ 12 التي أعلنها دي ميستورا مساء أول من أمس، فيما أعلنت «الهيئة العليا للتفاوض» المعارضة أنها ترحب بها، معتبرة أن الوثيقة «تُثبت أن الانتقال السياسي هو هدف المفاوضات».

ميدانياً، أفادت وكالة الأنباء السورية «سانا» الرسمية بأن «وحدات من الجيش والقوات المسلحة أحكمت السيطرة على قلعة تدمر الأثرية وتلة السيريتل المشرفتين على المدينة بعد القضاء على آخر تجمعات تنظيم داعش». ولفتت الوكالة إلى أن «قلعة تدمر من أبرز معالم وآثار مدينة تدمر وتقع فوق أكبر وأعلى جبال تدمر».

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «القوات النظامية تمكنت من السيطرة على قلعة تدمر الأثرية عقب هجوم ترافق مع قصف مكثف» على مواقع «داعش»، لكنه أشار إلى «استمرار الاشتباكات في محاور عدة جنوب غربي وغرب المدينة». ولفت إلى أن القوات النظامية تتقدم بدعم من «مستشارين روس» و «لواء الفاطميين الذي يضم مقاتلين من جنسيات آسيوية في غالبيته»، مشيراً إلى أنها تقترب من سجن تدمر السيء الصيت والذي سبق أن دمّره «داعش» عقب سيطرته على المدينة في أيار (مايو) 2015. وأقرت وسائل إعلام روسية بأن مستشاراً روسياً قُتل في معارك تدمر، في تأكيد على ما يبدو لإعلان صدر قبل أيام عن «داعش» من خلال «وكالة أعماق» التي وزعت صورة قتيل قالت إنه روسي في الريف الشرقي لمحافظة حمص.

وذكرت وكالة «تاس» مساء أمس، أن وزارة الدفاع الروسية أكدت أن الطائرات الروسية نفّذت 41 غارة بين يومي الثلثاء والخميس «دعماً لهجوم الجيش السوري على تدمر».

الحياة

 

 

 

 

 

التسوية السورية: هدنة قلقة ومفاوضات غير متوازنة/ عبد الناصر العايد

يرمي اتفاق وزيري خارجية أمريكا وروسيا، جون كيري وسيرغي لافروف، على وقف الأعمال العدائية بسوريا إلى ضبط الأطراف المحلية المرتبطة بهما لتقنين المواجهة بالوكالة حتى لا تخرج المواجهة عن السيطرة.

ويبدو إعلان موسكو سحب أغلب قواتها من سوريا تعبيرا عن تعارض رؤيتها مع رؤية دمشق حول مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، لكن هذا الخلاف لن يؤدي إلى تفجير النزاعات بين موسكو ودمشق ما لم يعلن الروس، ولو مداورة، عن استعدادهم لإزاحة بشار الأسد عن رأس السلطة، ويجب أن لا ينتظر أحد من بوتين أن يرتكب هذه الهفوة في المرحلة الحالية على الأقل؛ إذ إنه لم يمسك بعدُ بأوراق داخلية في سوريا تمكِّنه من نبذ بشار الأسد، كما يراد منه، وتقديم بديل مقبول عنه، يحفظ ويراعي مصالح روسيا.

ستظل المعارضة المسلحة في خطر مادامت تعاني من اقتراب إغلاق حدود سوريا مع تركيا بواسطة الميليشيات الكردية، وإغلاق الحدود مع الأردن بالاستعانة بالميليشيات الإيرانية، ومحاصرة الثورة السورية في الداخل هي الخطوة الأولى على طريق إخضاع الثوار السوريين بالنسبة للنظام وداعميه.

مقدمة

يمكن وصف اتفاق كيري-لافروف حول وقف الأعمال العدائية في سوريا، الذي أُبرم يوم 22 فبراير/شباط 2016، بأنه نوع من تنظيم سياسات الولايات المتحدة الأميركية ودولة روسيا الاتحادية في هذا البلد، وتحاشي احتمال الصدام المباشر، الذي قد يُفضي إلى حافة هاوية سياسية غير مرغوبة أو مبررة في المرحلة لكلا الطرفين.

ولا يخلو الاتفاق من عملية ضبط للأطراف المحلية المرتبطة بهما لتقنين المواجهة بالوكالة أيضًا. لكن مجمل العملية لا يعطي أملًا مرجحًا بحدوث تطورات جدية فيما يخص حلَّ القضية السورية أو حتى نقلها إلى مستوى التجميد ومنع تفاقمها، إنما ينقل الصراع المستمر منذ خمس سنوات إلى أشكال وأساليب أخرى يمكن السيطرة عليها من قِبل الدولتين الكبريين. وهو أمر متوقع بالعموم منذ أن انخرطت موسكو في الصراع مع نظام الأسد، لتوفر له نوعًا من التوازن الاستراتيجي مقابل الحليفين، الإقليمي والدولي، المعاديين له، ولتغدو بتدخلها الميداني المباشر، الطرف الأكثر تأثيرًا في الحالة السورية، سواء لناحية تصديها لقوى المعارضة وكبح جماحها، أو من خلال إحكام قبضتها على نظام الأسد واستلاب إرادته. وهو أمر لا ينتقص منه كثيرًا إعلان موسكو سحب “الجزء الرئيسي” من قواتها الجوية من سوريا، الذي لا يزال محل جدل حول دوافعه وأسبابه، لكن تأثيره الميداني في مرحلة توقف القتال الحالية ليس ذا بال ما دام الدعم السياسي الروسي للنظام على حاله؛ حيث تستطيع الطائرات الروسية أن تعود إلى السماء السورية في غضون ساعات معدودة، خاصة أن قاعدتها في مطار حميميم ما زالت تحت الإدارة الروسية ولا تزال طواقمها الفنية على حالها وجاهزة لاستقبال الطائرات وتقديم الدعم اللوجستي الكافي لاستئناف العمليات خلال يوم واحد.

أهداف روسيا

إن العقبة الجدية في وجه التحليل واستشراف الأفق في القضية السورية اليوم، هي غموض موسكو وعدم وضوح مراميها وأهدافها الحقيقية من تدخلها في سوريا، وهو ما يجعل أمر الحُكم على الهدنة الحالية صعبًا بدوره. ونستطيع أن نتحدث عن ثلاثة تصورات يُحتمل أن موسكو انطلقت منها لقبول الهدنة الحالية:

أولها: أن تتخذ الهدنة والعملية التفاوضية غطاءً لتقوم بعملية تدمير بطيء وممنهَج لفصائل المعارضة، ونزع مخالبها وأنيابها في غفلة منها، بعد تخديرها بآمال ووعود الحل السياسي، ودفعها للاقتتال الداخلي على مكاسب وهمية، بالتزامن مع إعادة تعويم النظام سياسيًّا، وتأهيل وتدعيم قواه العسكرية المتداعية، وتحيُّن الفرصة المناسبة لقلب طاولة المفاوضات ومعاودة القتال بشروط تمكنها من إعلان انتصار النظام السوري وإعادة الشرعية له بحكم الأمر الواقع.

وثانيها: أنها قد تكون نوعًا من الانسحاب مع حفظ المكاسب بعد أن استشعر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن الولايات المتحدة تستدرجه إلى مستنقع الشرق الأوسط، من خلال تغاضيها عن تدخله، دون إعطائه ضوءًا أخضر أو الدخول معه في شراكة، لاسيما أن أوباما تحدث بشكل صريح عن حتمية فشل الاستراتيجية الروسية في سوريا (1)؛ مما يعطي إشارة واضحة بأن واشنطن لن تسمح لبوتين بإحراز نصر كامل، لأنها لا ترغب، رغم أن سوريا ليست ضمن أولوياتها، في إدارة الظهر لحلفائها في المنطقة والتخلي عنهم، أو أن تسمح لموسكو بتقرير السياسات في مجمل الشرق الأوسط. وهذا الاحتمال تدعمه عملية الانسحاب الشكلية من سوريا في الوقت الراهن، التي تتيح للروس إمكانية التملص من تهمة التورط في الصراع المباشر، وتحميها من عقابيلها السياسية والقانونية والأخلاقية، كما تُعفيها من مهمة الضغط على النظام لتقديم تنازلات تُفضي إلى حلٍّ سياسي، الذي لابد أن يطالبها به المجتمع الدولي بوصفها “سلطة أمر واقع” في البلاد.

وثالث الاحتمالات، وهو الراجح لدينا: أن موسكو سعت إلى الهدنة بخليط من الدافعين السابقين، بحيث يكون سقف طموحاتها هو سحق المعارضة السورية إن أمكن، دون المغامرة بمواجهة مكلِّفة مع الإقليم والعالم السنِّي عمومًا، فإن عجزت عن ذلك تخفض سقف توقعاتها تدريجيًّا وصولًا إلى أدنى ما هو ممكن، والمتمثل ببقائها في موقع المقرِّر في الملف السوري، وتثمير ذلك في ملفات أخرى تؤرِّق موسكو، خاصة أسعار النفط التي أصبحت بوجودها في سوريا على تماس متعدد الأوجه مع الخليج العربي، حوض الإنتاج الرئيسي له في العالم.

بوتين: استراتيجية الحذر

حين تقدمت روسيا إلى الميدان السوري عسكريًّا، فعلت ما لم يجرؤ عليه أحد سواء من أعداء النظام السوري أو حلفائه بما فيهم إيران، ولهذه الجرأة مكاسبها، لكن يترتب عليها الكثير من المخاطر أيضًا. وتُظهر تصريحات الكرملين، كما الوثائق المسربة (2) حول الاتفاق الذي عُقد مع رأس النظام السوري قُبيل التدخل، كمَّ الحذر الكبير الذي يَسِمُ خطوات بوتين وذهنيته الاستخباراتية، فمثلًا لم نتخيل أنه فكَّر بالتبعات السياسية والحقوقية لهجمات طائراته، وحمَّلها لنظام الأسد مسبقًا، كما جاء في الجزء المسرَّب من الاتفاقية، ولم يتحسَّب مثلًا لاحتمال الوقوع في فخ حرب أيديولوجية مستدامة مع العالم الإسلامي. ويُلاحَظ في هذا الإطار ضبط روسيا لأعصابها بطريقة غير مسبوقة منذ إسقاط تركيا إحدى طائراتها على الحدود، كما لوحظ عدم مضيه أكثر في التدخل الأحادي عندما بدأ تدفق صواريخ التاو على فصائل المعارضة السورية يتعاظم ليحدث ما عُرف بمجازر المدرعات بحق قوات النظام التي تم الزجُّ بها بكثافة مع بدء الهجوم الجوي الروسي الذي اقتصر ظاهريًّا على سلاح الطيران، وحتى بالنسبة لهذه المساهمة الجوية فإنها ضُبطت بطريقة صارمة، وما زالت محدودة وغير استعراضية أو مبالغ بها، وكُلفتها لا تزيد بالفعل عن كلفة الطلعات التدريبية الاعتيادية للطيران الروسي، ولم يغامر، مع قدرته على ذلك، بزَجِّ أعداد كبيرة من طائرات سلاح الجو الروسي البالغة نحو ثلاثة آلاف طائرة، واكتفى بما لا يزيد عن 70 طائرة قاذفة وحوامة قتالية، وهو أقل من عتاد كلية عسكرية جوية متوسطة الحجم.

لكن تعقل بوتين وحذره يطاردهما شبح الزمن الذي يمضي بسرعة، ففي حين قال بداية إنه يحتاج لتفويض لمدة ثلاثة أشهر في سوريا، عاد ليتحدث عن عمليات “مستمرة” حتى القضاء على ما أسماه بالإرهاب، بعد أن اكتشف بشكل ملموس أن قوات النظام السوري غير مهيأة لتحقيق مكاسب مضمونة على الأرض حتى تحت مظلة سلاح الجو الروسي، وأن العملية ستستغرق وقتًا طويلًا، قد تنطوي على أحداث مفاجئة وغير محسوبة، تتكشف عنها الحروب فجأة، فتطيح بكل شئ، ومن جهة أخرى بدأ العد التنازلي لسنة أوباما الأخيرة في البيت الأبيض، ولا أحد يدري ما توجهات الرئيس الأميركي المقبل على صعيد السياسة الخارجية، خاصة أن كافة المرشحين قد ندَّدوا بتراجع نفوذ وهيبة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، وصعود روسيا المتزايد على حسابها، وقد يتوجب على بوتين أن يواجه رئيسًا جديدًا ينزع إلى المواجهة، وسيقارع روسيا بالتأكيد في أكثر المواقع اضطرابًا وهو الشرق الأوسط، ويتعين بالتالي على بوتين أن يحصِّن نفسه هناك أو ينسحب بهدوء مع المكاسب الممكنة قبل حلول موعد تلك المنازلة.

أوباما: تأليب خصومه على بعضهم البعض

بدوره، يعد أوباما أيام ولايته الأخيرة وكله خشية من انتكاس سياسته الخارجية في أية لحظة، والاضطرار إلى خوض مواجهة عسكرية تنتقص من بياض صفحته في التاريخ الأميركي كرئيس وفَّى بوعوده بعدم الزجِّ برجال بلاده في حرب خارجية. لكن هذا غير كاف، ودور القوة الأعظم في العالم ليس رهنًا بتطلعات رئيسها وأمنياته الخاصة، وخروج الشرق الأوسط عن سيطرة الإدارة الأميركية غير مسموح به، ليس لأهميته السياسية والأمنية فقط، وليس لأنه سيكون مكسبًا لغريمتها موسكو، بل لأن في هذا الإقليم حلفاء لا يمكن خذلانهم، مثل إسرائيل، وأصدقاء قد ينقلبون أعداءً خَطِرين مثل دول الخليج العربي وتركيا. لذلك تسير الإدارة الأميركية على ما يبدو حتى الآن على خطين متوازيين، فهي من جهة تُخلي الطريق لموسكو لتقوم ببعض الإجراءات التي من شأنها إبقاء الأزمة في المنطقة تحت سيطرة القوى الكبرى، وليست رهنًا بمزاجية وطيش قوى صغيرة أو متوسطة، مع بقاء أعينها مفتوحة على المنطقة وتطوراتها من خلال تواجد رمزي عسكري ودبلوماسي فيها لمنع موسكو من إحراز أي إنجاز والاستئثار بنتائجه منفردة.

وفي خلفية المشهد تقبع فكرة مؤداها أن أوباما المتهم بعدم الإنجاز على صعيد الملفات الخارجية، يأمل بأن غرور بوتين سيقوده إلى التورط في مستنقع الشرق الأوسط، وأنه سيسلِّم ولايته الثانية فيما روسيا، المصنَّفة كخطر رقم واحد على الأمن القومي الأميركي، عالقة ومشتبكة مع المتشددين الإسلاميين، المصنَّفين أيضًا كخطر رئيسي على الأمن في أوروبا والولايات المتحدة.

لهذا لم تجد واشنطن غضاضة في إعطاء روسيا حقَّ مراقبة وقمع انتهاكات الهدنة في سوريا، وبالتأكيد لم ولن تعترض على قصفها للجماعات المسلحة التي تصنفها إرهابية، بل جعلت من ذلك شرطها الرئيسي لمنح التفويض السابق، وبالطبع مع التنصل أميركيًّا وأوروبيًّا من أي تعاون جدِّي أو شراكة في هذه الحرب، التي يجب أن يُعرف بوضوح أنها حرب روسيا.

النظام السوري: القفز على حبال المتناقضات

يعرف الجميع أن نظام الأسد بحقبتيه، استقى سبب بقائه في كافة المراحل من دور وظيفي يلعبه لصالح قوة خارجية ما، ولم يكن له من أسباب البقاء الذاتي سوى القبضة الأمنية الحديدية والمرتكز الطائفي، وفي كل منعطف سياسي كانت قياداته تقرأ المتغيرات بشكل عميق لتنحاز إلى هذه الجهة أو تلك بحسب الحاجة والظرف، وبراغماتية النظام لم توفِّر صديقًا من حلفاء الأمس ولم تجعله عدوًّا في مرحلة ما، والعكس صحيح أيضًا، باستثناء إسرائيل التي بقيت العدو الحميم لذلك النظام طوال نحو نصف قرن؛ حيث شكَّل النظام الحماية الأقوى لها على حدودها مع المحيط العربي، من خلال التزامه المكين باتفاقية الهدنة.

والتطور الحالي المتمثل بالتدخل الروسي، واتفاق الهدنة ومآلاته، لا يمكن أن يُقرأ خارج هذا السياق، فقد قفز بشار الأسد إلى الحضن الروسي حين استنفد فرصته الإيرانية، وأصبح حضور الحرس الثوري وميليشياته الخارجية خطرًا وجوديًّا على النظام؛ إذ إن نظام ولاية الفقيه سرعان ما استنسخ أدواته المفضلة في سوريا، وبدأ بإنتاج الميليشيات المذهبية المرتبطة به اقتصاديًّا وعقائديًّا وسياسيًّا، وبُعيد الاتفاق النووي بدا للنظام أن طهران تستعد لتصفية الحساب السوري من خلال التضحية ببشار الأسد مقابل الحصول على حقِّ الوصاية والرعاية للعلويين والشيعة السوريين، وليس صحيحًا على الإطلاق أن هذه القفزة قد تمت بموافقة ورضا طهران، بل حدثت عبر الابتزاز الصريح والعلني؛ إذ أعلن بشار الأسد أولًا عن عجزه عن مواجهة قوى المعارضة، وحدَّد سبب ذلك بنقص العنصر البشري تحديدًا، وهو ما ادَّعت إيران أنها ستوفره، ومن ناحية ثانية تم تسريب مجريات لقاء علي مملوك مع القيادة السعودية على نحو قصدي (3)، وعلى الأخص ما قيل له عن كون إيقاف المناهضة العربية للنظام السوري مشروطة بتخلِّيه عن إيران؛ ما كان رسالة واضحة بتخيير طهران بين أن تقبل بتوجه النظام السوري جنوبًا نحو الخليج العربي، والتخلي عنها، أو الذهاب شمالًا نحو موسكو مقابل تخلي طهران عن جزء كبير من نفوذها الذي صنعته طوال خمس سنوات من القتال والإنفاق السخي.

إن حقبة التحالف الحالي مع الروس، محكومة أيضًا بهذه القاعدة الواضحة: إنقاذ النظام ثمن للنفوذ، أو عملية البحث عن نقيض جديد، وتحالف أكثر فائدة لن تكون بالأمر الصعب، سواء في معسكر الأصدقاء أو حتى الأعداء، ويبدو أن بوتين يدرك ذلك بجلاء، وتحوَّط له بوضع شرط في الاتفاقية المعقودة مع بشار الأسد يسمح لقواته بالبقاء سنة كاملة بعد أن يطلب منها مغادرة البلاد، علاوة عن منع مسؤولي النظام من دخول ثكنات الروس أو ممارسة أية سلطة عليها.

يبدو المشهد مفرطًا في براغماتيته (واقعيته)، وأوراق اللعب فيه مكشوفة لكنها حتى الآن ودية، ولن تتفجر النزاعات بين موسكو ودمشق ما لم يعلن الروس، ولو مداورة، عن استعدادهم لترحيل بشار الأسد عن رأس السلطة، ويجب أن لا ينتظر أحد من بوتين أن يرتكب هذه الهفوة في المرحلة الحالية على الأقل؛ إذ إنه لم يمسك بعدُ بأوراق داخلية في سوريا تمكِّنه من نبذ بشار الأسد، كما يراد منه، وتقديم بديل مقبول عنه، يحفظ ويراعي مصالح روسيا. وقد سارع النظام السوري، وفي ساعة متأخرة من ليل اليوم الذي أُعلن فيه عن توصل كيري ولافروف إلى اتفاق الهدنة، للإعلان عن إجراء انتخابات نيابية في إبريل/نيسان القادم، ويبدو أن ذلك القرار اتُّخذ على خلفية تناقضٍ ما حول وجهات النظر بخصوص الاتفاق، وذهب النظام لتسجيل إنذار للروس، الذين عبَّروا بدورهم عن رفضهم لهذا التحذير على لسان ممثل روسيا في مجلس الأمن الدولي، ليعود بوتين بعد أيام لسحب هذا الاعتراض بقوله: إن الانتخابات النيابية لن تعرقل مسيرة الحل، ويبدو أن رسالة النظام قد وصلت بشكل أقوى هذه المرة، وربما من خلال إيران ذاتها. لكن الإشارة الأهم إلى هذه الحقيقة هي الإعلان الروسي المفاجئ عن الانسحاب من سوريا، والذي عَزَاه بعض المصادر إلى خلاف بين بوتين والأسد حول المدة التي سيبقى فيها الأسد على رأس السلطة في سوريا، ورفضه تحديد ذلك، وبالتالي عجز الروس عن قطع وعد للمجتمع الدولي بخصوص المرحلة الانتقالية؛ مما اضطرها لاتخاذ خطوة الانسحاب لمحاولة الضغط عليه، أو تبرير عدم قدرتها على انتزاع تنازل منه فيما لو استمر في رفض ذلك.

ونميل للاعتقاد، بأن النظام السوري، لو كان ينوي جديًّا نقل السلطة أو تسليمها، لَتَوَجَّه إلى واشنطن وليس إلى موسكو؛ فالبيت الأبيض هو الجهة الوحيدة التي يمكنها أن تضمن له ولحاشيته خروجًا آمنًا من البلاد، وسيسعد أوباما بالتأكيد لو حدث هذا وسيباركه بسرور، كما بارك سابقًا اتفاق نزع أسلحة النظام الكيماوية.

المعارضة السورية في المأزق مجددًا

لم تكن المعارضة السورية في حال أسوأ من حالها اليوم منذ بداية الثورة، فهي مشرذمة داخليًّا ومنقسمة إلى إسلاميين متشددين وأخرين أقل تشددًا، أو تجمعات لأشخاص بلا وزن حقيقي أو دولي أو إقليمي، وداعمها العربي والإقليمي المتمثلان في دول الخليج العربي وتركيا منشغلان بفقدان التوازن نتيجة التخلي الأميركي وتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة.

والهيئة العليا للتفاوض قبلت الهدنة رغم إدراكها لما يحاك لها، حتى لا تخسر ما تبقى لها من دعم دولي، تستطيع أن تستعين به على النظام الذي استطاع استجلاب القوة العسكرية الثانية في العالم إلى صفه.

كثيرون في المعارضة المسلحة والأخرى السياسية يعلمون أنهم مقبلون على مرحلة انتزاع بندقيتهم ليفاوضوا الروس وهم عزل وضعفاء، ويعلمون أن مرحلة الاقتتال بين الفصائل الإسلامية الأكثر تشددًا وبين بقية الثوار آتية لا محالة، وأن قوتهم في أشهر الهدنة ستتناقص حتى تتلاشى، لكنهم لا يملكون سوى مجاراة هذه الظروف السلبية على أمل أن تتغير بطريقة ما.

سيُشكِّل تحسُّن الأوضاع الإنسانية نوعًا من المسوِّغ أو التبرير للتنازلات التي يتوجب على المعارضة تقديمها، وستصبح بعد ذلك وسيلة للضغط والابتزاز وارتهان القرار، كما كان السلاح وتوريده للمقاتلين نقطة الضعف التي تم لَيُّ ذراع الشخصيات والقوى الثورية والسياسية بواسطتها.

لقد تسبب انحسار الدور الأميركي في المنطقة بانكشاف الغطاء كاملًا عن معسكر داعمي الثورة الإقليميين، وبعد أن فعلت الدول العربية وتركيا كل ما بوسعهما سابقًا، أصبحت اليوم في موقف الذي لا يعرف ما الذي يتوجب عليه فعله. فدول الخليج العربي أصبحت عاجزة مع غياب المظلة الأميركية عن تقديم السلاح للثوار السوريين وحجز موقع قوي على طاولة الحل، ناهيك عن تمدد الأزمات إلى داخل محيطها الحيوي خاصة في اليمن، ويبدو أنها أقنعت نفسها، أن خروج كلٍّ من إيران وتركيا من الساحة السورية بعد حلول الروس فيها، كافٍ في هذه المرحلة العاصفة، وما تصريحات وزير خارجية المملكة السعودية الدبلوماسية، وتلويحه مؤخرًا بحلف عسكري مع تركيا سوى لتأكيد تمسك المملكة بخروج منافسَيْها الإقليمييْن كليهما من الميدان السوري، وأن لا يتم الاكتفاء بإغلاق الحدود أمام تركيا، بل ترحيل الميليشيات الإيرانية أيضًا، وقد تحصُلُ على هذا قريبًا عندما يتأكد النظام السوري من فاعلية وصمود الدعم الروسي، لكن لا شيء زائد فوق ذلك.

أمَّا تركيا فقد تكاثرت مشاكلها واستفحلت مع قيام كيانيين خطرين على حدودها، هما: تنظيم الدولة والإقليم الكردي، وبدأت تدفع أثمان ترددها طوال خمس سنوات وعدم فاعليتها في حلِّ القضية السورية، التي كانت تأمل أن تحقق الثورة فيها انتصارًا من تلقاء ذاتها، دون أن تُضطر لخوض مواجهة مدمرة مع إيران، وربما مع بعض الدول العربية، على أن تبسط سيطرتها لاحقًا على هذا الممر الحيوي إلى الخليج بأدواتها الاقتصادية المتفوقة، لكن حسابات حزب العدالة والتنمية جانَبَتِ الصواب، وبات هَمُ قادته إنقاذ رافعتهم الاقتصادية من المحرقة السورية، خاصة مع احتمال اندلاع نزاع مزمن مع المتطرفين الأكراد على طول حدودها الشمالية مع سوريا. وتتوالى التنازلات التركية على نحو محبط للمعارضة السورية، فشرط رحيل نظام الأسد لم يعد مطروحًا، وخطوط أردوغان الحمراء حول حماة وحلب تقلصت لتبلغ بلدة أعزاز، والحدود أُغلقت، وأصبح نحو مليون لاجئ سوري في تركيا مجرد أداة ضغط على الاتحاد الأوروبي لانتزاع مكاسب اقتصادية تعوِّض خسائر أنقرة الاقتصادية، خاصة أن أوروبا تتحمل جانبًا من المسؤولية في كفِّ يد تركيا عن القضية السورية سياسيًّا وعسكريًّا بعد اتخاذ الحلف الأطلسي قرارًا ضمنيًّا بعدم مساندة تركيا في حال وقوع نزاع تركي-روسي على الحدود الشمالية. ونستطيع أن نقول بالمجمل: إن موقف حلفاء الثورة السورية لا يسمح بتقديم العون العسكري في هذه المرحلة، بل إن العون المالي غير متاح لإمكانية ربطه بتمويل العسكرة، ولا ينبغي للمعارضة السورية أن تتطلع إلى أكثر من تغطية متقشفة لنفقات وفدها المفاوض.

استشراف المسارات

سيناريو انتصار النظام السوري

إن إغلاق حدود سوريا مع تركيا بواسطة الميليشيات الكردية، وإغلاق الحدود مع الأردن بالاستعانة بالميليشيات الإيرانية، ومحاصرة الثورة السورية في الداخل هي الخطوة الأولى على طريق إخضاع الثوار السوريين بالنسبة للنظام وداعميه. والمرحلة الثانية تتمثل في تمزيق وتشتيت مناطق سيطرة الثوار. والمرحلة الثالثة هي استنزاف قوى الثورة المقاتلة بدفعها للاقتتال أو استقطابها بالإغراء والتخويف والأدوات الأمنية. والهدف النهائي هو اضمحلال أو اختفاء ما يُسمَّى بالمعارضة المعتدلة، واقتصار المشهد الداخلي السوري على تنظيم الدولة من جهة، ومن جهة أخرى نظام الأسد، الذي ستُسنَد إليه وظيفة محاربة الإرهاب من قِبل القوى الدولية، وهو الدور الذي طالما حلم به وسعى إليه.

ضمن هذه الظروف، ستشعر المعارضة أنها مضطرة، إذا أردات البقاء، إلى إفشال هذا المخطط وقطع الطريق عليه من خلال توحيد قواها المقاتلة تحت راية وطنية، وصناعة مظلة عسكرية تستقطب فئات القوى العسكرية التي ستتناثر تحت وقع ضربات النظام وروسيا، وأن تحافظ على وجودها وكيانها إلى حين مرور هذه السنة العصيبة.

لن تكون معركة التماسك والوحدة مثمرة بما يكفي ما لم تشمل التكوينات السياسية والمدنية، وبدون تكاتفها جميعًا ستتهاوى تباعًا ورقة تلو أخرى.

يحتاج صمود المعارضة أيضًا إلى انتهاز الفرص السياسية الشحيحة، والضغط على معسكر الحلفاء لإدامة دعمهم، الذي بدأ بالتناقص، وعدم التردد في لعب بعض الأوراق السياسية التي أُحيطت دومًا بنوع من التحريم الثوري، لكن بعد دراستها بشكل واف قد تكون مفيدة، وعلى رأس تلك الأوراق التفاوض أو حتى التقارب مع بعض داعمي النظام، والتفتيش عن فرصة للاستثمار في خلافاتهم البينية، والضغط على الأجزاء المتخاذلة والضعيفة في معسكر الحلفاء؛ ففي الظروف التي صُمِّمت بإتقان لتحطيم الثورة والقضاء عليها، ليس على المعارضة حرج إن استخدمت الأدوات السياسية البراغماتية لتحقيق أهدافها “الثورية”.

كما أن المعارضة والنظام، والطرف الكردي الذي يعمل مستقلًّا عنهما، يجب أن لا ينتظر أو يختبر إمكانية التقسيم أو الفدرلة، لأنها غير واقعية، فهي تعني ببساطة منح العرب السُّنَّة دولة شرعية، أي الاعتراف بدولة تنظيم الدولة، بصيغة مواربة، وهذا ما يكافحه الجميع، لكن الطروحات جاءت أميركيًّا بصيغة غامضة مرموزًا إليها بالخطة “ب” في سياق تهديد دول المنطقة لضبط مواقفها خلف هدف وحيد هو محاربة تنظيم الدولة، وتلقف الروس الطرح وعدلوه إلى مصطلح الفدرلة الذي يشير إلى إقليم كردي بالدرجة الأولى، للضغط على تركيا لتعديل مواقفها حيال النظام السوري، لكن الجميع يعرف أن هذا الخيار غير ممكن، شأنه شأن المنطقة الآمنة التي تم الترويج لها مطولًا ولم تحدث على الأرض إطلاقًا.

السيناريو الجهادي

لم تنجح العملية العسكرية الروسية في إحداث تحوُّل استراتيجي في المشهد السوري، وتزايدت حدَّة المخاطر التي قد تلحق بروسيا في عقر دارها، فلجأت إلى تهدئة حملاتها الجوية ثم سحب جزء من قواتها وسط ضجيج إعلامي وسياسي القصد منه أن تنجز بقية الخطة بهدوء ودون معوقات أو اعتراضات كبيرة، خاصة تلك المتمثلة بكون موسكو طرفًا في النزاع وحَكَمًا في الوقت نفسه، لكن ذلك لن يؤثِّر على مجريات العملية العسكرية الأمنية التي ستقود عبر ضربات انتقائية متتالية إلى انتزاع بندقية المعارضة تحت غطاء التفاوض والهدنة، ويبدو أن أطرافًا في المعارضة ومن الأصدقاء في الإقليم والعالم قد اقتنعوا بهذا المخطط الذي لا يرافقه أو يتضمن أي أفق سياسي للحل، باعتباره أدعى لراحة البال وتسكين القلق. لكن الجميع سيكتشف أنهم قد فجَّروا المنطقة فعليًا؛ إذ ما أن يقلب النظام السوري طاولة التفاوض ليعلن انتصاره، ويضع حدًّا لأوهام السوريين وعموم سكان المنطقة في إمكانية تقرير مصيرهم بأنفسهم، بالوسائل السلمية الديمقراطية، حينها ستنهض القوى الجهادية وقد تسلَّحت بسردية إضافية حول مظلومية المسلمين السُّنَّة، وستتعزَّز مصداقية نظرية أن الجهاد المسلح هو الحل الوحيد، وسيشهد العالم الطور الأعلى من العنف الديني، المدعوم بخبرات خمس سنوات من القتال في سوريا.

مراجع

(1) ميد-فورت: أوباما: الاستراتيجية الروسية في سوريا آيلة إلى الفشل، صحيفة الحياة، 11 سبتمبر/أيلول 2015، http://www.alhayat.com/Articles/11123084/%D8%A3%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%85%D8%A7–%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9–%D8%A2%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B4%D9%84-

كما يمكن مطالعة صور الوثائق المسربة في موقع صحيفة “واشنطن بوست”.

(2) النص الكامل لاتفاق بوتين-الأسد، صحيفة الخليج الجديد، 18 يناير/كانون الثاني 2016، http://www.thenewkhalij.net/ar/node/28652

(3) الريس، سعود: مبادرة السعودية في «اللقاء المعجزة»: انتخابات رئاسية سورية بإشراف دولي، صحيفة الحياة، 8 أغسطس/آب 2015، http://www.alhayat.com/Articles/10458486/%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A–%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%AC%D8%B2%D8%A9–%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A5%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D9%81-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A

 

 

 

جنيف ثلاثة: الفصل الثالث… المشهد الثاني

بدأ في جنيف الجزء الثالث من المفاوضات بين ميليشيا الأسد والهيئة العليا للمفاوضات.

يأتي المشهد الثاني من الفصل الأول للمفاوضات بعد أن افشل نظام الأسد وحليفه الروسي المشهد الأول منه بتصعيدهما العسكري على مناطق الثوار السوريين بمختلف مسمياتهم وراياتهم.

ولا يتوقع من الأسد و ممثليه، في المشهد «الجنيفي» أن يبدلوا سلوكهم السياسي والعسكري العدائي تجاه الثوار السوريين و ممثليهم في المفاوضات.

قلم يزل وفد نظام دمشق التفاوضي على سيرته الأولى يبحث عن المهاترات الهامشية، محاولين عبثاً حرف المفاوضات عن مسارها الطبيعي «الانتقال السياسي».

الأمر الذي دفع السيد دي ميستورا. للطلب من هذا الوفد في ختام أسبوع من المحادثات أن يتحلوا بالجدية بقوله: «أنا أحث (الوفد الحكومي) على تقديم ورقة حول الانتقال السياسي، وسبق أن تلقيت ورقة جيدة وعميقة حول رؤية وفد الهيئة العليا للمفاوضات لهذه المسألة».

ولم يزل بشار الجعفري موفد الأسد إلى جنيف يتحدث عن الأمور الشكلية والإجرائية بهدف تمييع المفاوضات والمماطلة و إضاعة الوقت،يحذوه الأمل أن تصله ورقة قوة يمكنه من خلالها ان يستبد الطرف الآخر لتقديم تنازلات خاصةً بعد أن وجه حليفه الروسي صفعة له بإعلان انسحاب القوات الروسية الرئيسية من سوريا، رغم أن المتابع للمشهد العسكري على الأرض لم يلحظ أي تغيير حقيقي لوقف الغارات الروسية على المدنيين، لكن يظل لهذا الإعلان مدلولات سياسية ربما يفهمها الأسد أكثر من غيره.

في ظل تخبط وفد النظام في جنيف وتهربه من الاستحقاق الرئيسي الذي ينتظره الشعب السوري والمجتمع الدولي، ممثلو نظام دمشق بعد أن فشلوا في جر وفد الهيئة العليا للتفاوض لدخول في مُهَاترات جانبية تبعدهم عن الهدف، لم يترددوا في انتقاد دعوة الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا الوفد الحكومي الجمعة إلى تقديم مقترحاته بشأن الانتقال السياسي الأسبوع المقبل، بالقول أنه «لا يحق له ممارسة الضغط على أحد وعليه أن ينقل الأفكار» بين طرفي المحادثات. وأضافوا: «دي ميستورا هو ميسر المحادثات ولا يمكن أن يكون طرفاً فيها». ولما فشلوا في هذا السلوك. نقلت وسائل اعلام عن بشار الجعفري : طلبنا من السيد ‏دي ميستورا تأجيل الجولة المقبلة للمباحثات وذلك لتزامنها مع الانتخابات البرلمانية في سوريا.

قد يكون من أغرب ما تم تداوله في تاريخ المفاوضات عبر العصور أن يطلب أحد الخصوم من خصمة الآخر أن يحلق لحيته كشرط للجلوس على طاولة التفاوض رغم أن هذا الشخص نفسه له نصف لحية؟

من شاهد المؤتمر الصحافي لوزير خارجية بشار الأسد وليد المعلم يدرك أن الأسد ليس في ذهنه حتى الحديث عن مفاوضات فضلاً عن عملية انتقال سياسي في سوريا.

هل بات الطريق واضح المعالم إلى جنيف، ليس من أجل التقاط الصور التذكارية والمؤتمرات الصحافية، بل من أجل عملية سياسية انتقالية في سوريا.؟

إذا كانت كل نتيجة تلزم بالضرورة عن مقدمات لها فإن مقدمات جنيف «3» برغم الزخم الدولي لها مقدمات جيدة، لكنها بناءً على تصرفات الأسد وحليفه الروسي لعدم احترام قرار مجلس الأمن بوقف الاعمال القتالية وإدخال المساعدات الإنسانية والافراج عن المعتقلين، واللعب على موضوع الفدرالية السورية. ستفضي هذه النتائج بالضرورة إلى فشل هذا المشهد من الفصل الأول لمفاوضات «جنيف3».

من خلال تتبع مسار الاحداث على الأرض، لا نجد أن نظام الأسد وحليفه الروسي يبديان أي اهتمام أو مسؤولية لجهة تنفيذ قرارات مجلس الأمن ومطالب الهيئة العليا للتفاوض، فلم يحترم النظام ولا الروس قرار وقف الاعمال القتالية، حيث كانت عشر دقائق كافية ليتم انتهاك القرار من قبل ميليشيا الأسد والطيران الروسي، ولم يسمح نظام الأسد بعملية ادخال مساعدات حقيقية، رغم أن ما يتم إدخاله من مواد على ندرتها مهم. لكن المواد تصل لنفس المناطق التي وصلت إليها في السابق، بينما لا تزال مناطق في ريف حمص الشمالي وجنوب حماة، لا يسمح ادخال أي مساعدات لها ولم يزل القصف مسترا عليها ولم يتوقف للحظة واحدة والهدف منه هو عزل مناطق ريف حمص الشمالي «الرستن، تلبيسة. الحولة» عن بعضها البعض وجعلها كانتونات مفصولة وقطع آخر امداداتها من جهة حماة.

لا يبدو أن نظام الأسد في صدد تغيير سلوكه السياسي والعسكري المتوحش ضد الشعب السوري، وأنه لم يزل مصر على إبادة الثوار السوريين أو استسلامهم، هذا ما تشير إليه بوضوح تصرفات النظام خلال الهدنة، التي وافق عليها بشرط، استثناء تنظيم الدولة والنصرة، والتنظيمات «الأخرى» التابعة لهم.

وخير دليل على ذلك قيام طائرات سلاح الجو التابعة لنظام الأسد بإلقاء منشورات على المناطق الثائرة على حكمة دعاهم فيها إلى تسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم وأنه مستعد للعفو عنهم، وإلا فالموت سيكون مصيرهم.

ويمكننا الإشارة إلى إعلان بشار الأسد عن أن انتخابات مجلس شعب ستجري في 13 نيسان/أبريل المقبل.الأمر الذي وصفه مراقبون بالمضحك كما أنه يشكل التفافاً على ما جاء في قرار مجلس الامن رقم»2254» الذي تحدث عن اجراء انتخابات ذات مصداقية وبمراقبة الأمم المتحدة نهاية العملية انتقالية.

لكن الروس كما جرت العادة غردوا خارج السرب ولم يجدوا في هذا الإعلان من ضير.

أما في الحديث عن السلوك السياسي الروسي، فمازالت موسكو مستمرة بخرق قرار مجلس الأمن تحت عنوان مكافحة المنظمات الإرهابية، لكننا نستطيع قراءة أمور بين طيات التصريحات والواقع الروسي في سوريا.

نستطيع الذهاب بعيداً بالقول أن روسيا وصلت لعنق الزجاجة في سوريا، وأنها استنفدت كل أوراقها السياسية والعسكرية والتكتيكية مثل ورقة الأكراد، وورقة الضغط على الاتحاد الأوربي من خلال اللاجئين.

نلاحظ إصرار روسيا على ضرورة حضور معارضين يحسبون عليها في صفوف الوفد المفاوض كذلك حشر ممثلي ميليشيا حماية الشعب الكردي كطرف معارض أثناء التفاوض. وذلك بالقول أن عدم حضور ممثلي الكرد يؤثر على وحدة الأراضي السورية، كما قالت يتوجب على المعارضة السورية «المتشددة» التخلي عن مطلب التنحي الفوري الأسد.

ونستطيع ادراج الطرح الروسي الأخير حول سوريا فدرالية، تحت عنوان الإفلاس السياسي، بهدف الضغط على تركيا فأغضبت حليفها الإيراني وجعلته يتقارب من خصمها التركي ويتوافقان على رفض الطرح الروسي، ما شكل خيبة أمل للروس.

كما يبدو أن بوتين خسر امتحان صبر حلف الناتو، بعد اعلان الأخير عن زيادة قواته في المناطق القريبة من روسيا مما يضيق عليها الخناق. في المقابل لا يبدو أن الهيئة العليا للمفاوضات قد رضخت للدب الروسي حيث رفضت رفضاً قاطعاً الطرح الروسي حول سوريا «فدرالية» بل على العكس من ذلك رفع سقف مطالبهم في جنيف بطلب رحيل الأسد مع بداية العملية الانتقالية، ووصفه بأنه مجرم ويجب أن يحاكم على جرائمه.

وهنا نطرح تساؤل ما الذي دفع الهيئة التفاوضية إلى رفع سقفها التفاوضي، هل قرأت جيّداً المأزق الروسي. أم أن عودة المظاهرات السلمية المطالبة بإسقاط الأسد أعطاها زخماً وثقة بالنفس وحاضنه شعبيه لها.

ميسرة بكور – كاتب وباحث سوري

القدس العربي

 

 

النقائض الشعرية في المضارب السويسرية/ أحمد عمر

لقد تدفقت دماء غزيرة في النهر، ودارت الأيام ومرت الأيام، والهوى أكبر معبود، هوى الكرسي سلطان. عشنا وشفنا حرب نقائض في مربد جنيف بين  “الشاعرين” بشار الجعفري ومحمد علوش، وهي إن لم تكن علامة نصر أو “بشرة خير” فهي كشف مستور.

عشنا ورأينا مناظرة نثرية خطابية إعلامية سياسية شرعية دينية كالتي كانت تدور بين الأخطل وجرير والفرزدق، بين سفير المحافظة الخامسة والثلاثين بشار الجعفري وكبير المفاوضين في الائتلاف محمد علوش. وكان الأول، الذي بات له هتاف في الشام  يقرن اسمه مع اسم بشار الأول ( البشاران : واحد مجانا) وتلك أيضا علامة تغيير وبشرة خير. ذكّرنا بقول  المخترع  الكفتاوي عبد العاطي : “كان عندك ايزو وراح”.  بشار الجعفري الذي يثني مريدوه ومحازبوه ومشايعوه على طريقة كلامه التقطيرية المأخوذة من طريقة صنع الكحول الاتيلي. أمر الربع لحية  محمد علوش  بأن يحلق لحيته! ووصفه بالإرهابي!

القاعدة الدولية في بلادنا الاستبدادية: من يُقتل بسيف الدولة فدمه “حلالٌ حلالٌ حلالٌ”، ومن يطلق لحيته فإرهابي مطلوب دوليا. طالب صاحب اللحية الربع، بأن يحلق خصمه المفاوض لحيته، هكذا يطلب ضباط الجيش من عساكرهم الذين يخدمونهم في بيوتهم ويغسلون سياراتهم  ويضربون لهم التحية العسكرية. هذه خدمة العَلَم في بلادي ذات الدماء الارتوازية.

لحية علوش  تشبه لحية شون كونري ولا تشبه  لحية البغدادي، ويمكن أن نستطرد طويلا في فضائل اللحية أو نختلف حول فوائد تحريرها أو حلقها صحيا.  وكان أن دارت علينا الأيام، فوجدنا شبيحة سورية كلهم ملتحين مثل الثوار تماما،  لكن لحية الثوار موضع تهمة فهي ليست  للزينة وحسب مثل لحية شون كونري، فسبحان الله.

وكانت اللحية شبهة في سورية الأسد. حلق اللحية مكلف للوقت والمال، ولكل عصر أزياء ومظاهر. المواطن الجيد هو الحليق اللحية والفكرة، مثل عسكر الجيش. يحلق العسكري حتى لا يخاف العدو من اللحية، فهي مخيفة  “وتشوّك” عند التقبيل في الوغى. الحرب يجب أن تكون حفلة و”بارتي”، والذاهبون إليها حليقون وببوط لامع مصقول،  حتى يرى صورته فيه ويسرح شعرها في مرآته. نبشركم أن اسم بطل قصص المرحلة الابتدائية تحول في نصف قرن من أحمد إلى باسم صاحب رباب، ثم إلى وسيم، وما إن يرى  الأعداء  وسيما الحليوة حتى يقولوا  له: تعال هات بوسة .

غير أن العسكر  الحاكمين المسلطين  علينا في  الحياة المدنية، وفي الحروب نعامات وبطات، لم يكونوا يطلبون منا تلميع البوط.  وقد دار الزمان على دمنتنا، حتى اتخذ باسل الأسد لحية، فكنا نحتمي بها دريئة، وكأنها سور الصين العظيم، أو خط بارليف، أو قبة حديدية، فنقول للمخابرات:  هذه اللحية أسوة بلحية باسل الأسد،  فننجو.  ومن الضروري ذكر  أن باسل الأسد كان عسكريا، وله رتبة رفيعة نالها بدمائنا، هي الرائد الركن، ودائما تذكر رتبة الرائد وحدها إلا في رتبة باسل الأسد فهو الركن، إن خانتك أركان ..

ردَّ علوش على  الجعفري ساخرا، وقال لا فضّ فوه: هي لحية  مرخصة من الأوقاف، بختم  وطوابع،  فذكرنا بأننا عشنا في بلد كان كل شيء فيه يحتاج رخصة، مثل رخصة السواقة، فاللحية هوية مثل الحجاب الذي لم نره حتى في المؤتمر خوفا على “العدة”،  يصبر المرء على جوع،  لكن لا يصبر على حبس حاجة.  ويقول المثل المصري إن كان لك عند الكلب حاجة فقل  له بالروح والدم نفديك يا سيد الوطن.

ثم كان أن رأينا وفد المرأة الاستشاري السوري، بنات اكريكوز،  باب الحارة “العلماني” النسواني، في جنيف، وقد أخذني الطرب من الاسم  كل مأخذ حتى فحصت بقدمي الأرض فأزعجت الجيران في الليل البهيم الحيوان ابن الحيوان، فهو مجلس استشاري  لنساء قوارير، باسمات، كما في دعايات البضائع والسلع الترفيهية، جئن لفك الحصار عن الشعب المفيد، وليس لأكل الشوكولا السويسرية. الأسد على نقيض القذافي بالامازونيات  كان يحتمي بالقواير النواعم، واحتمى طويلا  بأفصح نساء الشام نجاح العطار، قارن بين مرحلتي العطار واليازجي والحدق يفهم.

مجلس  استشاري  من تأليف أو ايحاء دي مستورا، بلا صفات سياسية، لا تقدمي ولا اشتراكي ولا أقلياتي، فسبحان مغير الأحوال، نساء من النخبة الرويال في جنيف،  “مستشارات على الجراح”، أو: “أسد وإحدى عشرة قطة”. والشهادة لله القطط  فطنات، سيدات صالونات، تبدو عليهن آثار النعمة التي لم تنقطع يوما عنهن جميعهن. ليست بينهن واحدة مثل منى البحيري. وقيل إنهن مناضلات أيضا، فلهن -كما ذكرت أم كلبشة  في المؤتمر الصحافي السويسري- ضحايا في قتل الشعب،  كلهن من الأقليات،  ليس بينهن إلا واحدة محجبة مثل الخرزة الزرقاء لدرء عين الحاسد، وإثبات شذوذ القاعدة، فلكل قاعدة شذوذ، وكان الشذوذ في بلادي قاعدة يا أسامة بن لادن. قل أعوذ برب الفلق.. من دودات العلق.

انبرى الصحافي السوري أحمد كامل ( الأوصاف فتنّي) من نقع الوغى بعبرة وتحمحم، وسدد لهن سؤالا واحدا، فالوتر مقطوع والقوس  مكسورة، لا براميل فيه ولا كيمياء، طرح سؤالا وصفه بإنه صريح وهو  ايمائي ولماح:  سبع نساء من سورية من كل عشر محجبات،  ومعظم الضحايا أرامل وثواكل، ولم أرَ سورية واحدة ممثلة من هؤلاء النسوة بينكن، وقال قولة لا يخجل قائلها: هل سأرى  أسماء الأسد بينكن في المرة القادمة.

سأل أحمد كامل سؤالا يعادل مؤتمراً،   لكن  السؤال الجيد لا يغني عن مجلس نسائي ائتلافي  معارض يكون مؤسسا من الخنساوات ، لكن يبدو  أن النظام يعمل للأبد بينما المعارضة تعمل بالمياومة.

وكان  صحافي لبناني عاقل، رزين، شطور، حبّوب، مخضرم بين بلاط القصور،  في أرذل  العمر والموقف، حولته الثورة من كاتب ساخر إلى مسخرة، أشار بأن ترأس أسماء ” الأسد” وزارة الاقتصاد، لأن أهل لندن يحبونها حباً جماً، ففحصت بقدمي الأرض حتى كدت أن أحفر قبري .

فردّت أم كلبشة قائلة : أن الشكل لا يهم، المهم هو السلام .. وترفعت وهي المترفعة ، فتذكرت قول ممثل كوميدي اسمه أبو رياح في مسلسل صح النوم، قال لأبي كلبشة: يسلم تمكنّ بدري بيك.  وذكرنني بقول آخر شائع بين السوريين في عصر الأسد:  المهم الأخلاق. وكما يقول أحمد شوقي: فإن هم ذهبت أخلاقهم إلى سويسرا ذهبوا.

حرب الرموز على قدم وساق، كان نظام الأسد الأب قد  أزال صلاح الدين  الأيوبي ولحيته عن قطعة النقد فئة الخمسة وعشرين ليرة،  ووضع صورته مكانها على النحاس والفضة حتى لا تبلى. ويذهب العارفون إلى أن للأسد ثأراً مع معاوية ومع صلاح الدين، بل إن النظام  المقاوم  أزرى بزنوبيا  وجعلها لا تساوي كيلو بصل، ثم دمر آثارها أيضا،  بعد أن هبطت قيمة العملة،  فقيمة العملة من قيمة الإنسان  العامل، وكان قد استبدلها بممثلة سورية تقف في المنابر المصرية، وكان النظام قد قام بعمليات تهجير رمزية من الفضاء  عندما وضع اسم رائد فضاء لم يرِد سوى كأس المتة، مكان اسم محمد فارس رائد الفضاء!

وحتى لا أذهب بعيدا إلى التبديلات الرمزية في أربعين سنة، أعود إلى جنيف التي حطّت بعراننا الرحال في مضارب الحاج متولي دي مستورا، الذي جمع في عصمته السياسية نساء المجلس الاستشاري دفعة واحدة، وهنَّ أحد عشر كوكبا .

كان بشار الجعفري بطريقة نطقه التعليمية، البطيئة، وهو بطء  مقصود للترجمة أو  للنكاية، وليس فكرياً مثل بطء المعلم يكمن سببه في الشحوم الثلاثية، قد أرسل رسالة من تحت البراميل والشكولاته  إلى العالم عندما قال: هذه فاتحة قرآننا، فذكرنا بنسخ مجهولة من القرآن  يقال أنها تدرس في مراجع إيران سراً، فأثنى عليه مستشاره  حسب السيناريو والحوار قائلا: صدق الله العظيم.  فأعجبنا يومها بأدب هؤلاء الدعاة مع القرآن الكريم الجديد، وفي ولائهم لسويسرا.  سويسرا لها فضيلة لا  تنكر، وهي  أنه يمكن إجراء مؤتمر صحافي حر فيها بعصمة الحاج القمّي متولي دي مستورا.

أنظر إلى الخمسة وعشرين ليرة الناجية من الإتلاف،  إلى صورة جدي الملك الناصر أبو المظفر صلاح الدين والدنيا يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب ..  التي أحتفظ بها كما لو أنها خريطة كنز..

فلا أجد سوى الرمح الرديني…. باكيا.

المدن

 

 

 

الأقاليم» و «الدويلات» مسالك لإعادة إنتاج الإرهاب/ عبدالوهاب بدرخان

النجاح النسبي لـ «وقف العمليات العدائية» لا يستبعد نهائياً العودة الى إشعال الجبهات. وهذا رهن حسابات الإيرانيين والنظام السوري، بعدما أشار الانسحاب الروسي، ولو جزئياً، الى أن موسكو تعطي أولوية للمفاوضات والحل السياسي، في إطار توافق غير مسبوق بينها وبين واشنطن. وإذا كان لهذا التوافق أن يستمر، فلا بدّ أن تسعى محادثات جون كيري مع فلاديمير بوتين وسيرغي لافروف الى تطوير ما تمّ التوصل إليه، أي الانتقال من الهدنة الموقتة الى وقف إطلاق نار دائم، والانتقال من البحث في الشكليات والتفاوض على التفاوض وجدول الأعمال الى تداول وفدي النظام والمعارضة في تفاصيل «الانتقال السياسي». ولن ترضخ الأطراف لوقف النار أو لدخول تفاوض في العمق إلا إذا تبيّنت أن هناك تصميماً أميركياً – روسياً يرقى الى مستوى الإرادة الدولية، وهذه بدورها ستنعكس على الداعمين كافة.

هذه هي اللحظة التي ينبغي أن يثبت فيها الأميركيون والروس فعلاً أنهم في صدد إنهاء الصراع في سورية. فالاكتفاء بـ «وقف العمليات» وعدم البناء عليه، كما الركون الى وجود وفدَي المعارضة والنظام في أروقة الأمم المتحدة وعدم تفعيل التفاوض بصيغ عملية مرنة، من شأنها أن تعيد الأولوية الى الأرض للتحاور بالنار والاحتكام الى القتال.

والواقع، أن الشهور الثلاثة التي مرّت على صدور القرار 2254 شهدت إهمالاً دولياً لنصوصه وتقصيراً في تنفيذه، من دون أن يكون هناك تفسير مقبول. إذ باشر المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، فور صدور القرار، البحث في المواعيد المحتملة للمفاوضات، وشاركته القوى الدولية الضغط على الطرفين كي يحضرا الى جنيف. ولو لم تحتجّ المعارضة وتطلب إجراءات تمهيدية قبل التفاوض، لما التفت الجميع الى أن القرار نصّ فعلاً على: «الصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية»… «تحديد طرائق وقف النار وشروطه»… «الحاجة الى آلية لرصد وقف النار والتحقق منه والإبلاغ عنه»… «تدابير لبناء الثقة»… «وصول المساعدات الإنسانية»… «الإفراج عن أي محتجزين في شكل تعسّفي»… «وقف أي هجمات موجّهة ضد المدنيين» – «بما في ذلك الهجمات ضد المرافق الطبّية» – «وأي استخدام عشوائي للأسلحة بما في ذلك القصف المدفعي والجوي». وما يفرض التذكير بهذه النقاط هو أن الدول التي صيغ القرار بعنايتها فكّرت في كل الشروط اللازمة والضرورية قبل العملية التفاوضية، وأنها هي التي أهملتها (اجتياح الميليشيات الإيرانية العديد من المناطق، القصف الروسي للمستشفيات والمدارس، القصف «النظامي» المستمر بالبراميل) فتسبّبت بنكسة لانطلاق التفاوض.

لذلك، كانت مفاوضات كيري – لافروف في ميونيخ (11 شباط/ فبراير)، والهدنة التي أثمرتها، في مثابة «صحوة الجبّارَين» – إذا جاز التعبير. لكن، ربما كانا في حاجة الى «صحوة» أخرى في ما يتعلق بالجانب السياسي، وهو الأصعب. إذ لا بدّ أن يتوافقا على «مشروع انتقال سياسي» مشترك، لأنهما قد يعمدان في مرحلةٍ ما/ قريبة الى الضغط على الطرفين، ولن ينجحا في ذلك إلا اذا اتسم طرحهما بمقدار كبير من الوضوح والمعقولية في احترام الشعب السوري وطموحاته. لم يعد مفيداً (ولا مسلّياً طبعاً) جدلهما العلني العقيم على «مصير بشار الأسد»، ولا توافقهما السرّي على إبقائه طالما أن هناك حاجة إليه أو الوعد بأن «الانتخابات بعد 18 شهراً» هي الحدّ الأبعد لاستمراره في المشهد.

هذا الجدل يعطي الأسد مزيداً من الفرص ليس فقط للقتل واستخدام البراميل المتفجّرة، بل خصوصاً للمماطلة والعرقلة والتعطيل، معوّلاً أساساً على ابتزازات إيران وإسرائيل للعب من وراء الستار على تباينات أميركية – روسية، سواء لمدّ عمره السياسي أو لدسّ أطروحات تمكّنه من الاستمرار في أي صيغة تقسيمية أو فيديرالية. وليس البديل من هذا الجدل أن يُعتمد على صالح مسلم (رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي)، أو على أي جهة أخرى مماثلة تستمد أدوارها من تقاطع الاستخدامات (الأميركية والروسية والإيرانية والأسدية والإسرائيلية) لها، لتطرح تصوّراً لـ «مستقبل سورية». فمثل هذا الطرح ينبغي ألا يكون متسرّعاً أو مستسهلاً التوجّه نحو الفدرلة أو التقسيم، بل أن يكون مسؤولاً في تصوّر احتمالات المستقبل: فمن حق الأكراد أو العلويين أو سواهم أن يُصان أمنهم وتُحترم حقوقهم، لكن إذا كان لأي مكوّن أقلوي أن يفرض مرة أخرى مصالحه ونزواته على الآخرين، لمجرّد أن هذا يناسب روسيا أو يناسب إيران وأن أميركا لا مانع لديها، فهذا لا يعني أن البحث جارٍ عن نهاية للصراع بل عن إدامته، أو أن ثمة نيّة حقيقية لتصفية «داعش» وإرهابه بل لإيجاد كل الأسباب لنشوء إرهاب أشد وأدهى.

هنا يتوجب التذكير أيضاً بالقرار 2254، الذي نصّ على «التزام وحدة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية وطابعها غير الطائفي، وكفالة استمرارية المؤسسات الحكومية، وحماية حقوق جميع السوريين بغضّ النظر عن العِرق أو المذهب الديني»… لذا تتوجّب مساءلة الأميركيين والروس هل أن لهذا الكلام معنى ويلزم احترامه في ما سيكون أم أنه في عُرفهم مجرد مبادئ لم تعد صالحة لما سيكون؟ لكن، لماذا تُستصدر القرارات أصلاً، ولماذا تقدّم على أنها «قوانين دولية» إذا كانت الدول الكبرى تعتبرها بلا قيمة وتضمر مسبقاً عدم احترامها؟.. بلى هناك فرصة حقيقية للحفاظ على وحدة سورية، إنْ لم يكن عملاً بالمبادئ فليكن بالتبصّر في أن «الأقاليم المفدرلة» أو الدويلات المقسّمة» إعدامٌ نهائي للدولة والمؤسسات التي دأبت روسيا على التحذير من انهيارها، وترخيصٌ دولي للتخلّي عن إنهاض الاقتصاد ومشاريع إعادة الإعمار، وستكون بالتالي إيذاناً بتناحر دائم واستيلاداً متكرراً لظواهر التطرّف والإرهاب. ناهيك طبعاً عن الصداع الإقليمي المفزع الذي ستحمله «شرعنة» التفتيت والتفكيك من كسر تاريخي لأي تعايش بين الأديان والأعراق. صحيح أن الواقع الذي انبثق من الصراع صعب ومقلق، لكن تهرّب المجتمع الدولي – تحديداً أميركا وروسيا – من الاعتراف بمسؤولية نظام الأسد عما حصل من إجرام ووحشية، زاد الواقع الصعب صعوبةً ببحثه عن أفضل السبل لبقاء هذا النظام ولإفلاته من أي عدالة وعقاب، بل لمكافأته بإقليم أو دويلة.

لا أحد يَعتدّ بإعلان «فيديرالية روج آفا – شمال سوريا» فقط، لأن حزب صالح مسلم هو من يتبنّاها أو لأنه قال أنه جمع بضع دزينات من «الأحزاب» في مؤتمره، أو لأنه حليف هيثم منّاع وقد يصبح حليف أحمد الجربا الذي يشتغل على عشائر الحسكة، بل إن للاهتمام به سببيْن: الأول، أن إعلان الفيديرالية أكّد معلومات تعود الى أواخر 2012، بعدما كشف «حزب الاتحاد» عداءه للمعارضة المقاتلة وبخاصة لـ «الجيش السوري الحر» في حلب وأطرافها، ونُقل وقتئذ عن موالين للنظام وأكراد مناوئين لصالح مسلم أن حزبه سيكون «قاطرة التقسيم» لئلا يكون النظام هو المبادر الى طرح هذا الخيار. أما السبب الآخر فهو، طبعاً، تصريح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف (29/02) بأن سورية «قد تصبح جمهورية فيديرالية»، وقد اتضح في الآونة الأخيرة أن الروس باتوا يقاسمون الأميركيين النفوذ على «حزب الاتحاد» وبرضا متبادل. وبين الأطراف الداخلية المعنية بالأزمة ليس هناك مستفيدون من طرح الفيديرالية غير أكراد صالح مسلم ونظام الأسد، ومع أن الأخير بادر الى رفضه إلا أنه وضعه في استثماراته السياسية وفي خانة المساومات المقبلة. الجديد هو أن إيران استيقظت فجأة على «خطر الأقاليم الكردية» عليها مباشرةً، مع أنها دعمت ولا تزال حزب العمال الكردستاني الناشط إرهابياً الآن داخل تركيا، و «الأقاليم» هذه تعني التقسيم وهي غازلت ولا تزال هذا الخيار باعتباره الوحيد الذي يضمن مصالحها في سورية. لذلك، يلزمها أن تستيقظ أيضاً من وهم آخر وهو أن تمسّكها بالأسد كضامن لتلك المصالح بات أكثر من أي وقت مضى رهاناً على ورقة محروقة.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

المبادئ الـ12 بورقة دي ميستورا المسربة حول الأزمة السورية

سربت مسودة الوثيقة التي سيعلنها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا «ستيفان دي ميستورا» في ختام المحادثات السورية، وتتضمن المبادىء العامة الـ12 التي قدمها دي ميستورا إلى الوفود السورية في جنيف، وهي:

سوريا دولة غير طائفية تقوم على المواطنة والتعددية السياسية

لا تسامح بشأن الاعمال الانتقامية الموجهة ضد الافراد او الجماعات

الانتقال السياسي يشمل آليات حكم ذات مصداقية وغير طائفية

الانتقال يشمل جدولا زمنيا وعملية لاعداد دستور وتنظيم انتخابات

ضمان استمرار واصلاح مؤسسات الدولة والخدمات العامة

سوريا ترفض قطعيا الارهاب وتتصدى بقوة لمنظماته

السوريون ملتزمون بإعادة بناء جيش وطني قوي وموحد

تمكين جميع اللاجئين والنازحين من العودة الى ديارهم بأمان

الدعوة الى مؤتمر للمانحين للحصول على اموال للتعويضات والاعمار

المحافظة على حقوق النساء في التمثيل العادل ووقف المعايير الدولية (30%)

تطبيق قرارَي مجلس الأمن 2254 و2015 بما يشمل الانتقال السياسي للسلطة

التأكيد على أن التسوية السياسية هي الطريق الوحيد لتحقيق السلام

 

 

أجندة مواعيد مفاجئة للأزمة السورية/ زياد حيدر

تجاهلت وكالة الأنباء السورية ـ «سانا» في معرض سردها نتائج محادثات وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف والولايات المتحدة جون كيري، أي حديث عن مواعيد حددها كيري، وهو يقف إلى جانب نظيره الروسي، حين تحدث عن دستور يتم صياغته قبل الخريف المقبل، وإن أشارت إلى اتفاق الجانبين الذي ورد على لسان لافروف عن «السعي إلى بدء مفاوضات مباشرة في جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة بكل أطيافها في أسرع وقت ممكن».

وجاءت نتائج اللقاء مفاجئة، وذات وقع صادم بذات الدرجة التي اعتاد عليه الروس في تكتيكهم اتجاه الأزمة السورية في الأشهر الأخيرة، والذي يعترف ديبلوماسيون بأنه «تغير من العمل الديبلوماسي المتأني» الذي صاحب الأزمة منذ ربيع العام 2011 وحتى اللحظة التي قرر فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل عسكرياً، فارضاً قوة دفع صارمة على مسار الصراع، وصولاً إلى نقطة أمس الأول.

وعلى الأرجح فإن دمشق بصورة الرغبة الروسية في «تحقيق تقدم سريع وملموس على المستوى السياسي» قبل رحيل الرئيس الأميركي باراك أوباما، من جهة، ولجني آثار العملية الجوية والبرية العسكرية الروسية التي استمرت ستة أشهر وكلفت 3 مليارات دولار تقريباً، ناهيك عن مقتل سبعة عناصر من القوات الروسية وفق اعترافات موسكو.

لكن تحديد مواعيد سريعة وتثبيت أجندة استحقاقات، ولا سيما بمواعيد قريبة، لم يكن بالحسبان، على الأرجح، لا سيما أن دمشق تستعد لانتخابات تشريعية في 13 نيسان المقبل، وقد طلبت تأجيل موعد اللقاء المقبل في جنيف لما بعد «الاستحقاق الانتخابي»، فكان الرد بتحديد الموعد قبل ذلك بأربعة أيام، علماً أن الدعوة تتضمن قبول إمكانية وصول الوفود تباعاً، وهو ما يسمح بمخرج ديبلوماسي لمطلب الوصول بعد الانتخابات، أي بعد الموعد المقرر في التاسع من نيسان، والذي كان بمثابة تجسيد آخر للزخم الأميركي ـ الروسي خلف العملية السياسية، والرافض لأية حجج أو رغبات بالتأجيل.

كما كان سبق لدمشق أن تحدثت تكراراً عن تفضيلها صيغة «حوار موسكو» عن الصيغة الحالية القائمة في جنيف، والتي على الرغم من عدم ارتياحها لها، استمرت في الحضور إليها، والمساهمة «الإيجابية في إنجاحها».

لكن منظور دمشق، كما منظور المعارضة، لما يمكن أن تسفر عنه تلك المفاوضات، والمسار الزمني الذي ستتبعه، لم يكن يتصور «تسريعاً بهذا الشكل» ولا سيما تحت «إشراف ورعاية وضغط» القوتين الدوليتين روسيا والولايات المتحدة.

ومن غير المعلوم بعد، إن كانت طهران تحمل التصور ذاته، علماً أن إلقاء الروس ثقلهم العسكري في الميدان السوري، ومن ثم «تقليص وجودهم العسكري» سمح لموسكو بتجاوز حليفها الإيراني في رسم مستقبل العملية السياسية.

وتباعاً يعني الحديث عن «دستور سريع» في صيف العام 2016، اجتماع الأطراف المعنية على التفاوض عليه والنقاش حوله، وهو ما يدفع بالجميع إلى قلب العملية السياسية وتفاصيلها، وهو أمر المرجح أن الجميع كان يستبعد حصوله قريباً، أو حتى أبداً.

وفي حال نجحت جهود الطرفين في تحقيق لقاء مباشر، في جولة المفاوضات المقبلة، بين وفدي الحكومة السورية ووفد المعارضة، سيكون بالإمكان القول إن «العملية السياسية قد بدأت فعلياً»، وهو ما يعني أيضاً بنظر كثيرين، «استنفار رغبة وجهود المعطلين، والمتضررين منها لمحاولة التصدي لهذا التطور».

وأمس أطلق قائد «حركة أحرار الشام» مهند المصري (أبو يحيى الحموي) سلسلة تغريدات على حسابه الشخصي يرفض فيها «أنصاف الحلول»، متوعداً «بالقتال»، علماً أن موقف الحركة ما زال ملتبساً حول وجودها الرسمي في وفد «الهيئة العليا للمفاوضات» أو ما يعرف بـ «معارضة الرياض»، خلافاً لحليفه «جيش الإسلام» الذي يتمثل رسمياً وعلنياً في المحادثات.

واستخدم الحموي لغة حادة في الحديث عن محاولة «تضييع التضحيات» على طاولات التفاوض، مؤكداً أن «شعبنا العظيم لم يفوّض أحداً ليوقّع على استسلامه، وسيسجل التاريخ مَن تنازل وفرّط وسيُكتب للشعب العزّ والصمود»، معتبراً أن «ثورة خرجت من المساجد تهتف هي لله هي لله لن يضيعها الله».

ومن الطبيعي أن لا يغرد الحموي وحيداً، في هذا الشأن، على اعتبار أن أي تقدم للعملية السياسية سيضع المتقاتلين أمام خيارات صعبة، تفرض التنازل المتبادل، كما أن الوصول بهذه المفاوضات إلى تشكيل حكومة «وحدة وطنية» تبدأ تنفيذ الأجندة لا يزال من الصعب تصوره حالياً.

ووفقاً لديبلوماسيين سيطلب الروس من الحكومة السورية «مزيداً من التنازلات في ملفي المعتقلين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية» للمناطق المحاصرة، بشكل يسمح للمعارضة بتقوية موقفها من جهة، ولتخفيف الاحتقان السياسي والاجتماعي القائم لدى الجمهور على ضفتي القتال.

من ناحية أخرى، سيسمح الأميركيون بحصول «إشارات إيجابية جديدة» على مستوى العلاقات السورية ـ الأوروبية، ولا سيما بالطريقة التي حصل فيها اللقاء الأول من نوعه منذ أربع سنوات بين مندوب سوريا في الأمم المتحدة رئيس الوفد المفاوض في جنيف بشار الجعفري ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، وهو ما سيسمح للأوروبيين بانخراط أكبر من جهتهم في العملية السياسية من ناحية أخرى.

وثمة رهان على أن «تحرك الأمور إلى الأمام» في حال وقع فعلياً، سيسمح بـ «بكسر الكثير من الجمود الموجود بين دمشق والعواصم الأخرى، على الأقل على المستوى الديبلوماسي والأمني»، ولا سيما أن الأوروبيين سيحتاجون لتواجد عملي في العاصمة السورية لمتابعة «حركة الجناح الحكومي في العملية السياسية»، و«استعداداً للمراحل التي تلي ذلك»، وذلك وفقا لديبلوماسي غربي.

السفير

 

 

 

 

تفاهم روسي- أميركي ثابت ؟

حرص وزير الخارجية الأميركي جون كيري على التأكيد أن الموقف الأميركي في ما يتعلق بأوكرانيا لم يتغير. هذا التأكيد أتى بعد محادثات كيري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن سوريا ليبدّد كما يبدو الانطباع بأن التفاهم على سوريا يأتي في سياق تفاهم شامل أميركي- روسي يتضمن قبولا أميركيا بالأمر الواقع في أوكرانيا.

في المقابل كانت لافتة إشادة بوتين بالرئيس الأميركي باعتباره المسؤول الأول عن المنحى الإيجابي الذي تتخذه اليوم الأزمة السورية، مع ما يعنيه ذلك من تقدير للحدود التي وضعها أوباما لحلفائه في الحرب، بعد الحدود التي فرضها على نفسه عندما طرحت أزمة الأسلحة الكيميائية السورية قضية التدخل الأميركي العسكري المباشر.

الأمر اللافت الثاني كان الاتفاق الأميركي- الروسي على شهر آب المقبل موعدا لإنجاز الدستور السوري الجديد، ما يذكّر بالموعد الأول الذي اتفق عليه الجانبان لوقف النار الحالي، والذي دخل حيّز التطبيق رغم كل الصعوبات التي كانت تعترضه نتيجة تفتت المعارضة وعدم رغبة النظام بوقف تقدمه على حساب المعارضة “الشرعية”.

من منظار اليوم، اي من منظار حسن نية الطرفين السوريين، الرسمي والمعارض، يبدو الالتزام بآب موعدا لإنجاز الدستور الجديد مفرطا في تفاؤله. لكن من منظار الجدول الزمني الذي يأخذه كل من بوتين وأوباما في اعتبارهما، يبدو الالتزام واقعيا. فأوباما الذي يمتدحه بوتين سيسلم الرئاسة في كانون الثاني المقبل، وليس بين المرشحين لخلافته من يطرح سقفا منخفضا للعلاقة الروسية – الأميركية يوازي السقف الذي وصل اليه أوباما، في سياق استراتيجيته العالمية السلمية.

لقد أتاح أوباما لبوتين استعادة شطر كبير من الوزن السوفياتي السابق في العلاقات الدولية، دون أن تكون هناك معطيات مادية جديدة تسمح بمثل هذا التحوّل سوى صدفة تلاقي النزعة السلمية للرئيس الأميركي، والمستمدة من تجارب جورج بوش الابن المتهورة، مع النزعة الهجومية الشخصية، لبوتين لاستعادة بعض الأمجاد السوفياتية، بالاستناد الى ما يشبه تهور بوش الابن.

وإذا ما قارنا المعطيات المادية التي تستند اليها الصين مثلا في سعيها الى وزن أكبر في العلاقات الدولية بتلك التي ينطلق منها بوتين، نجد أن التقدم الروسي يشكو من ثغرة خطيرة في الأوضاع الداخلية الروسية التي لم تجد لها بعد موقعا اقتصاديا راسخا شبيها، ولو من بعيد، بالموقع الصيني.

أوباما يستعجل المواعيد في سوريا، وبوتين كذلك، وما على الحلفاء سوى الاستجابة للتسويات، في كل الميادين، للسماح بترجمة أولوية القضاء على “داعش” وأشباهها.

النهار

 

 

 

نجاح جنيف يتوقف على تخلي الروس عن الأسد!/ هدى الحسيني 

الإعلان عن الانسحاب الروسي من سوريا قبل يوم واحد من بدء المحادثات حول مستقبل سوريا كان مفاجأة لكثيرين، لكن الدخول إلى سوريا في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي لم يكن كذلك، أقله بالنسبة للروس، فروسيا ومؤسستها العسكرية كانتا تعدان لتدخل كالذي حصل في سوريا منذ سنوات، ثم إن العملية نفسها تم الإعداد لها جيدًا، إذ إن الخبراء الروس بدأوا العمل في القاعدة الجوية في اللاذقية قبل سنة من وصول الطائرات. هذا ما قاله المحلل الروسي سيرغي كاراغانوف للأسبوعية الروسية «ذي نيوز تايمز» في 15 من الشهر الماضي، وذلك لأسباب كثيرة، منها تصور روسيا منذ زمن بأن الشرق الأوسط سيتعرض للكثير من الكوارث، وأنه سوف ينهار خلال 20 إلى 30 سنة.

ومع إطالة الحرب في سوريا أدركت روسيا أنه لا بد من الحفاظ على نوع من التوازن في المنطقة لمنع الانفجار الأشمل، وحسب ما يقول كاراغانوف: «إن الوضع سينفجر حتمًا إذا ما انتصر السنة أو الشيعة في سوريا أولاً، ولاحقًا في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، فرأت روسيا أنه من الأفضل عدم السماح لأي طرف بالانتصار».

سالت أحد الصحافيين الروس عما إذا كان بوتين يعرف ما يُقدم عليه، فأجاب: «الحقيقة لا أحد يعرف الجواب، يقول البعض إنه دائمًا يتصرف ردًا على الأحداث. إنه يستمع إلى نصائح دائرته الصغيرة مثل وزير الدفاع سيرغي شويغو. وعندما يحين وقت اتخاذ القرار فإن بوتين رجل اللحظة».

بالنسبة إلى قراره الأخير، سحب قواته من سوريا (أساسًا لا أحد يعرف عدد القوات الروسية هناك)، أبقى على القاعدتين الجوية والبحرية، وحافظ على النفوذ الروسي، وأثبت أن المشكلة السورية لا يمكن حلها من دون روسيا. أبرز ما أبقى عليه في سوريا نظام الدفاع الجوي «إس – 400» المتقدم جدًا والقادر على ملاحقة عدة أهداف فوق مساحات واسعة تغطي إسرائيل وتركيا والأردن.

ويعترف مسؤولون أميركيون بضرورة تحقيق تقدم سياسي كبير باتجاه حكومة انتقالية تحل محل الحكومة التي شكلها رئيس النظام بشار الأسد، وذلك لتفادي انهيار المحادثات، ويشيرون إلى أن مفتاح التقدم هو روسيا بالذات، وتحديدًا بوتين ذا التفكير المتشدد.

حتى الآن خفض اتفاق «وقف العمليات العدائية» وبشكل كبير عدد القتلى في سوريا، حتى ولو أبقى نظام الأسد على نيرانه مصوبة ضد المعارضين، إلا أن روسيا «تنحت». ويبدو أن هذا التطور شجع المسؤولين الأميركيين على الاعتقاد بأن روسيا مستعدة أن ترى حلاً لحرب استنزاف متواصل منذ خمس سنوات.

جون كيري وزير الخارجية الأميركي يشعر بفخر مفهوم، كونه كسب التعاون الروسي، عندما كان الكثيرون في الإدارة الأميركية يشككون في قدرته على تحقيق أي تقدم ملموس. نجح، رغم دعم البيت الأبيض الفاتر، وبالذات من جانب الرئيس باراك أوباما، كما يقول مصدر أميركي مطلع، ويضيف أن كيري أبلغ مقربين منه أن الرئيس أوباما لم يعطه «النفوذ» المطلوب كي يتعامل بفعالية أكثر مع الروس.

في حديثه المطول إلى مجلة «أتلانتيك» كان أوباما واضحًا عندما قال إنه لن يتسامح بعد الآن مع طلبات كيري لبعض «العضلات العسكرية» لدعم الدبلوماسية الأميركية. بدوره، كان كيري دبلوماسيًا بقوله إنه يقدر الأسباب وراء تردد الرئيس بعدم السماح للقوات الأميركية بالتدخل أكثر وأكثر في الحرب السورية، وكما قال أحد مساعديه أخيرًا: «إن كيري فهم أن أوباما يرى (الكثير من الظلال الرمادية) للنزاع في سوريا، ولا يعتقد أن ذلك سبب كاف للتقاعس عن العمل».

إضافة إلى ذلك، ليس كيري وحده، بل إن كثيرين من حلفاء الولايات المتحدة يعتقدون أن الإدارة مكنت روسيا، واستطرادًا سوريا وحليفيها إيران و«حزب الله». وقال أحد المسؤولين الأميركيين: «نقول للمعارضة السورية إننا غير قادرين على أن نفعل لكم ما يفعله الروس للأسد، وكأننا نقول لهم: (لا تعبثوا مع بوتين)». وأشار مسؤول آخر إلى أن الروس «قادرون على الحصول على كعكتهم وأكلها أيضًا، وأن يكونوا على حد سواء صانعي السلام وصانعي الحرب»، لكن آخرين في الإدارة أشاروا إلى أن روسيا في الغالب تسعى إلى الاعتراف بها كشريك مع الولايات المتحدة. وأشار أحدهم إلى أن بوتين يحظى بدعم ساحق في بلاده، رغم تراجع الاقتصاد لثلاث سنوات متتالية، جاذبه الرئيسي هو القوة من خلال القومية، وإظهار السيطرة الروسية.

وفي حين ينزعج بعض المسؤولين الأميركيين من براعة بوتين في تحسين صورة روسيا، فإن البعض الآخر يقبلها كواقع ويركز على الدور الذي يمكن للولايات المتحدة لعبه لإنهاء الصراع السوري الدموي. ومع خيارات عسكرية محدودة وكون الدبلوماسية هي الخيار الوحيد، فإن الإدارة بشكل عام وكيري بشكل خاص ركزا على العمل مع الحلفاء المقبولين كشركاء على الأرض.

هنا تبرز «الهيئة العليا للتفاوض» برئاسة رياض حجاب. ومع دعم منتظم من المملكة العربية السعودية وصلت الهيئة إلى محادثات جنيف. لكن المسؤولين الأميركيين يعرفون حقيقتين أكيدتين عن الهيئة؛ الأولى، أنها لن تقبل أي اتفاق مع نظام بشار الأسد، والثانية، في حين أن وقف العمليات العدائية نجح بشكل غير متوقع، إلا أن هذا غير كاف لإبقاء ممثلي الهيئة على طاولة المحادثات. وكما قال مسؤول أميركي: «إن وقف إطلاق النار هش جدًا، وفي وقت انخفض فيه العنف بشكل كبير وبدأت قوافل الغذاء تصل إلى الذين بأشد الحاجة إليها» إلا أن «الهيئة العليا للتفاوض» لن تستمر في المشاركة في المحادثات، ما لم يبدأ قريبًا وقريبًا جدًا السير في الطريق إلى ترتيبات انتقالية».

هنا، الروس هم المفتاح الأساسي كما يقول المسؤولون الأميركيون: «ولأننا غير قادرين على إقامة جسر بين النظام والمعارضة، فإن المحادثات ستواجه طريقًا مسدودًا ما لم يصبح واضحًا جدًا أن الروس غير متشبثين بالأسد».

رغم الخطوات الأخيرة لبوتين التي أراحت جو المحادثات، فإن كل ما يقوله المسؤولون الأميركيون عن النيات الروسية: «إننا نجمع معلومات». جزء من هذه المعلومات استقاه الأميركيون من عدة جولات من المحادثات مع الروس. لكن حسب من شاركوا فيها وخلافًا للوصف الذي قدمته موسكو، فإن تلك المحادثات لم تكن ودية، بل «وعرة»، كما قال أحد المسؤولين الأميركيين الكبار.

يضيف: في الوقت نفسه وجهنا نيران خطاباتنا إلى المعارضة وأقنعناها مع وسيط الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا بأن تقبل المحادثات «على مدى بعيد»، لكن أعضاء المعارضة يسألون: كم يومًا علينا أن نتحدث قبل الموافقة على التغييرات السياسية؟ مسؤول أميركي أبلغ حجاب ورفاقه أيضًا بضرورة الاتصال بالطائفة العلوية ليضمنوا أنه لن يكون هناك انتقام «إذا وافق الروس على نقل الأسد إلى مينسك عاصمة بيلاروسيا». يقول مازحًا، ويضيف، أن حجاب يقول هناك ما بين 10 إلى 12 ضابطًا يجب معاقبتهم.

هكذا نصل إلى أن الخيارات هي: إقالة الأسد على يد أنصار داخليين أو أنصار خارجيين أو حرب استنزاف غير محدودة. لكن، حتى إذا أقيل الأسد بالقوة من قبل حلفائه السابقين، يبقى السؤال ما إذا كان إبعاده سيؤدي إلى انهيار كامل لسوريا كدولة. ويقول المسؤولون الأميركيون، أمر واحد مؤكد هو أن النتيجة لن تبت على أرض المعركة. وفي وقت أن الحل الدبلوماسي هو النتيجة المثالية، إلا أن بعض المسؤولين الأميركيين بدأوا يشككون في أن تمرر المعارضة هذا العام، على أمل وصول إدارة أميركية جديدة تكون أكثر دعمًا لهم.

أما الروس فيقول سيرغي كاراغانوف: منذ بدأنا اللعب في هذه المنطقة كان واضحًا تمامًا أننا لا نريد سلطنة عثمانية أخرى، أو إمبراطورية فارسية، أو دولة خلافة.

الشرق الأوسط

 

 

 

هل من حل قريب في سوريا؟/ ياسر الزعاترة

الجانب الوحيد الذي أجمع عليه المراقبون في سياق الحديث عن خطوة بوتين بسحب الجزء الأكبر من قواته من سوريا، هو ذلك المتعلق بالضغط على النظام عشية محادثات جنيف من أجل تليين موقفه، لا سيما أن ما صدر عن رأسه الأكبر، فضلا عن الأتباع في جنيف وقبل جينف، من أمثال وليد المعلم وبشار الجعفري يشير لحالة إنكار واضحة للحقائق الموضوعية على الأرض، وأهمها فقدان النظام لسيطرته على ثلاثة أرباع التراب السوري، وحقيقة أنه نظام أقلية لن يستقر حتى لو تمكن من السيطرة على كل الأرض، وبالطبع بعد ما تراكم من ثارات.

هذا البعد طرح، ولا زال يطرح سؤال التسوية المحتملة في ظل التفاهمات الروسية الأمريكية، وهي التفاهمات التي قد تتعزز في المرحلة القادمة، بخاصة بعد تراجع المستنقع الأفغاني، أي ترك بوتين يتخبط في سوريا إلى وقت طويل، نظرا لعدم وجود الكثير من الخسائر على الأمريكان، وحتى الأوروبيين الذين يبدو أنهم وجدوا حلا لمشكلة تدفق اللاجئين بالتفاهم مع تركيا.

لا يعني ذلك أن القصة الأفغانية قد خرجت تماما من التداول، فالانسحاب الروسي لم يتبلور بشكل واضح، وإمكانية العودة ستبقى قائمة (قال بوتين إن بوسعه العودة في غضون 48 ساعة)، والحروب عموما لا تسير مثل لعبة الشطرنج، فقد تحدث تطورات لاحقة تستدعي عودة القوة الروسية، أو ما رحل منها. ولا يجب أن ننسى أن القوة الروسية المتبقية للحفاظ المصالح الروسية لن تكون قليلة، كما أن تعرُّضها لهجوم ما؛ قد يؤدي إلى العودة بروحية الانتقام.

أيا يكن الأمر، فمن المؤكد أن الإنجاز الذي تحدث عنه بوتين يبدو باهتا، وعلينا أن نتذكر أن خطابه كان يتحدث بشكل دائم عن تنظيم الدولة، فيما يبدو واضحا أن الكثير لم يتغير على وضع التنظيم، ومن خسروا عمليا هم من يُسمَّون المعتدلين.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن القول إن التفاهمات الروسية الأمريكية ستكون كفيلة بإنهاء النزاع في سوريا؟ لا يوجد جواب مقنع على هذا السؤال، لا على صعيد الإنجاز ذاته، ولا على صعيد المدة الزمنية المطلوبة لتحقيقه، ويبدو أن تعنت النظام كما تبدى مؤخرا، لا يتعلق ببطولته ورجولته، بقدر ما يتعلق بخيارات أهم الحلفاء، تحديدا إيران وأتباعها، والذين لم يكونوا يريدون أن تتفرد روسيا بالوضع في سوريا، ولا يزالون يرون أن مشروعهم سيغدو في مهب الريح إذا خسروا هذه المعركة، وسيؤثر ذلك على وضعهم الداخلي بعد خسارتهم الكبيرة في الانتخابات.

في ضوء ذلك كله تبدو المعركة طويلة لا تزال، ولا أفق لحل قريب، بخاصة أن الأطراف غير الموجودة على طاولة التفاوض هي الأقوى داخل سوريا، أعني تنظيم الدولة وجبهة النصرة، وهذه لن تغادر مواقعها بسهولة هي التي تبدو خياراتها محدودة، بل ربما معدومة خارج سياق استمرار القتال على أمل انتصار ما لا يبدو متاحا في ظل الوضع الإقليمي والدولي الراهن (تنظيم الدولة يتحدث عن “دابق”، والنصرة عن “الملاحم الكبرى”).

الخلاصة التي يمكن الحديث عنها في ضوء ذلك كله تتمثل في أن إرادة الحل ليست متوفرة عند القوى الأكثر فاعلية على الأرض، وهي تنظيم الدولة والنصرة من جهة (لا يقلل ذلك من أهمية قوىً أخرى خارج هذا التصنيف)، وإيران وتابعيها من جهة أخرى، وما دام الطرف الأول لا يؤمن بأنصاف الحلول، فإن ما سيغير المعادلة هو قناعة الطرف الأخير بالحل الوسط الذي يمكن إنجازه بقوة دفع الشعب ومسانديه، وعندها يمكن إنجازه بعيدا عن السطوة الأمريكية والروسية، ومن خلال تفاهم مع تركيا والسعودية.

ربما هذا ما سيحدث لاحقا. متى؟

لا ندري، لأن ذلك مرتبط بتبدد أوهام محافظي إيران، ونأمل أن يحدث ذلك في ظل الأوضاع الراهنة (الانسحاب الروسي، تراجع الحوثي في اليمن، مخاوف فيدرالية الأكراد، والوضع الداخلي بصعود الإصلاحيين أيضا)، وإذا كنا لم نشر إلى تركيا والسعودية، فلأننا ندرك أنهما جاهزتان لتسوية مقبولة تعطي إيران وضعها الطبيعي في المنطقة، بعيدا عن جنون التوسع وغرور القوة.

الدستور الأردنية

 

 

 

الإرهاب في بروكسيل في مسار الحل السوري هل يُسرَّع الحل بدلاً من تمرير الوقت؟/ روزانا بومنصف

تثير التفجيرات الإرهابية التي ضربت بروكسيل يوم 22 من الجاري تساؤلات كبيرة عن انعكاساتها على مسار الحل السياسي في سوريا والجاري في جنيف عبر مفاوضات بين النظام والمعارضة برعاية الامم المتحدة. ومنطلق هذه التساؤلات أن موجة الارهاب التي ضربت بروكسيل بعد باريس ترسم خطوطا حمرا كثيرة بالنسبة الى أوروبا التي أصابتها أخيرا موجات اللاجئين، قبل أن تصيبها موجات الإرهاب خصوصا، فيما يزور وزير الخارجية الأميركي جون كيري موسكو غداة هذه التفجيرات للقاء المسؤولين الروس الكبار. فأوروبا اليوم على خطوط المواجهة مع الإرهاب، وبالكاد تحاول إنقاذ وحدتها التي اهتزت باستقبال اللاجئين اليها. وأوروبا عبر أبرز دولها المؤثرة، أي فرنسا وبريطانيا، سبق أن اعترضت بقوة على إبعاد اوروبا عن الاتفاق الذي توصلت اليه الولايات المتحدة مع روسيا في شأن وقف الاعمال العدائية والانتقال الى طاولة المفاوضات، والذي تم تحويله الى قرار في مجلس الأمن. وهذا الانزعاج لا يقتصر على فرنسا التي نجحت في عقد اجتماع قبل أسبوعين في باريس حضره كيري من أجل أن يقول لأوروبا وفرنسا تحديدا كلمة، او ان تكون شريكة مع روسيا الى جانب الولايات المتحدة، لكن من دون جدوى. والانزعاج الكبير أصلا يطاول الاتفاق الأميركي- الروسي نفسه، أي ذلك المتصل بوقف الأعمال العدائية لوجود ثغر كبيرة وأساسية فيه، فيما صمّ الاميركيون آذانهم واختاروا عدم الاستماع الى شركائهم الأوروبيين. والجولة الأولى من المفاوضات التي عقدت بين النظام والمعارضة السوريين لم تسفر عن أي نتيجة، ولم يكن متوقعا ان تفعل، أقله في هذه المرحلة الأولية في ظل عوامل ظللت ولا تزال هذه الجولة، من بينها: أولا ما تردد من “حرتقة” أميركية تردد أن الموفد الدولي ستافان دو ميستورا عانى بسببها من دون ان تفهم الاسباب. ثانيا، موقف روسي مستجد هدد باتخاذ إجراءات أحادية في سوريا، وقصف من يخرق الهدنة، علما أن تسعين في المئة من مسؤولية خرق الهدنة تقع على النظام الذي هو حليف الطرف الروسي، وهو الذي يحاول أن يسجل تقدما ليعزّز أوراقه على طاولة المفاوضات. وكان بديهيا أن يزور كيري روسيا بعد خلل يبدو أنه أصاب الاتفاق بينهما على الدفع بالمفاوضات، فيما تبين أنها أشبه بتمرير الوقت. ثالثا، عزم النظام على تأجيل الجولة الثانية من المفاوضات من أجل إجراء انتخابات في 13 نيسان، لمحاولة تعزيز الشرعية وفرض امر واقع جديد بمعزل عما يجري في جنيف، على رغم ان ثلثي الشعب مهجر ولاجئ، مما يطرح تساؤلات جدية عما إذا كان النظام سيتعاون في أي مرحلة مقبلة من المفاوضات، وهل الروس في وارد الضغط عليه ليفعل، او انهم يعجزون لمصلحة اعتماده على الايرانيين الداعمين له كليا، على عكس ما قد يكون عليه موقف الروس في شأن بقائه شخصيا.

ما تثيره تفجيرات بروكسيل، على هذه الخلفية، هو أن الارهاب الذي بدأ يقرع بقوة أبواب القارة الاوروبية ويهددها من داخل ربما لن يسمح بأن يراوح مسار الحل السوري في تمرير الوقت او محاولة كسبه وفق ما يبدو ان وضع المسار الحالي يتجه اليه في ظل اقتناع شبه اجماعي يقر به ديبلوماسيون اجانب يفيد بأن النظام لن يقدم على اي تنازلات جدية تسهل الوصول الى حل سوري، وان اقصى ما يعتقد انه سيقدمه هو حكومة موسعة على رغم رفضها في جنيف حتى الان ما يفيد انه سيبقي يرفع سقفه للوصول الى هذه النتيجة فقط. وقد قرأ هؤلاء الديبلوماسيون هذه المؤشرات بناء على جملة عناصر من بينها ما كان جليا وواضحا في جنيف، من رفض وفد النظام اقتراحات المعارضة القريبة منه، أي التي تحمل عادة ما يحمله النظام نفسه لهذه المعارضة من أفكار أو اقتراحات. يقول البعض إن المسألة قد تأتي بنتيجة عكسية، بحيث تهرع الدول الغربية نتيجة لهذا الإرهاب الى إعادة الاعتبار الى بشار الاسد كخشبة خلاص من أجل الانتهاء من تنظيم “الدولة الإسلامية” والقضاء عليه. في حين يعتبر بعض آخر أن الخيار لن يرسو على هذه النتيجة إطلاقا استنادا الى اعتبار أساسي هو أن الأسد من يتسبب باستمراية “داعش” في الدرجة الاولى، بل قد يكون محفزا لرد فعل من نوع الضغط من أجل تفعيل المسار السياسي في اتجاه فرض الانتقال السياسي الذي نص عليه بيان جنيف أساسا بالنسبة الى الحل في سوريا. وما تواجهه أوروبا قد يشكل عاملا ضاغطا في هذا الاتجاه، تماما كما شكل موضوع اللاجئين عاملا ضاغطا للاتفاق الذي توصلت اليه الولايات المتحدة مع روسيا. وهناك احتمالات قد يقود اليها هذا الضغط الأوروبي في اتجاه الدفع لفتح أبواب الحوار مع روسيا على غير الأسس التي قامت حتى الآن بين أوروبا وموسكو، على أثر الأزمة في أوكرانيا، مما أدى الى العقوبات على روسيا وتوتر العلاقات على رغم التواصل القائم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما في اتجاه رفض ان تكون اوروبا خارج ما يمكن ان يتفق عليه بين روسيا والولايات المتحدة. وتبعا لذلك، ثمة ترقب ديبلوماسي لتبعات الموجة الارهابية في بروكسيل على صعد عدة، لا بد أن تتردد صداها في المنطقة على غرار ما حصل بالنسبة الى موضوع اللاجئين الذي سيشهد بدوره تطورات إجرائية مختلفة.

النهار

 

 

 

 

تفجيرات بروكسل وأولوية الحل السياسي في سوريا/ ربى كبّارة

تؤكد تفجيرات بروكسل اول من امس، والتي اتت بعد ثلاثة اشهر على تفجيرات مماثلة في باريس، وبعد ازمة النزوح السوري الواسع التي اربكت اوروبا، ان التفرغ للقضاء الفعلي على الارهاب متمثلا بـ»داعش» واخواته، يتطلب اولاً اطفاء حرائق الشرق الاوسط خصوصا في سوريا عبر وضعها على سكة الحل السياسي بتوافق اميركي-روسي، خلافا لما يتمسك به بشار الاسد من ان البحث بالأمور السياسية لن يتم إلا بعد القضاء على «الإرهاب» والذي يعني بنظره كل معارض لسيطرته.

فقد تزامنت التفجيرات، التي ضربت العاصمة البلجيكية رغم ما هو معروف عنها من تساهل تجاه مختلف الاديان والاعراق، مع ما يلوح من تقدم على طريق الحلول السلمية سواء في سوريا او اليمن. فبالنسبة الى سوريا تشكل التفجيرات خدمة لنظام الاسد الذي يسعى جاهدا لعرقلة مفاوضات «جنيف 3» وفق مقولة نجح في تسويقها عالميا قبل فترة، وتقضي بأولوية القضاء على «الإرهاب« قبل الانتقال السياسي. لكن التفجيرات في عواصم أوروبية، وفق ديبلوماسي عربي، اظهرت ان التفرغ الحقيقي لمحاربة الارهاب يتطلب اولا التخلص من نظام الاسد، الذي تدعمه إيران دعماً غير محدود، مذكرا بدوره في نشوء تنظيم «داعش« وتفريخه، وفي التلكؤ مثلا قبل اشهر معدودة عن ضرب قافلة للتنظيم تضم عشرات الآليات كانت متوجهة الى تدمر في صحراء مكشوفة وكأن براميله المتفجرة مخصصة حصرا للمدنيين، اضافة الى استغلال «داعش» مجازر الاسد، المدعوم كليا من إيران، في تغذية بيئة حاضنة. كما يذكر المصدر نفسه بأن للارهاب المسلم وجها سنيا وآخر شيعيا، لذا فإن القضاء عليه يتطلب حكما التعامل مع الاثنين بطريقة واحدة.

كذلك يؤكد المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي ميستورا مقولة الديبلوماسي العربي، وذلك في معرض تعليقه على التفجيرات التي حصدت اكثر من 30 قتيلا في عاصمة تضم مقر الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي، عندما يعلن ان «تفجيرات بروكسل دافع اضافي لضرورة اطلاق الانتقال السياسي» وفق ما نصت عليه الوثائق الاساسية للتسوية التي تبنتها الامم المتحدة بموافقة روسية – اميركية. كما انه دعا وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف الى التشديد على ذلك في لقائهما اليوم، وهو اول لقاء سيجمعهما منذ سحب موسكو جزءا من قواتها وبعد اعلان الهدنة. فرغم استمرار الخلاف بين وفدي النظام والمعارضة على الاولويات في الجولة الثانية لمفاوضات «جنيف 3« التي تنتهي اليوم، فإن دي ميستورا اكد بالفم الملآن ان «موضوع الانتقال السياسي هو ام القضايا التي تواجهها مفاوضات جنيف 3»، اضافة الى قناعة وتوافق روسي ـ اميركي على ذلك. ومن المرجح ان لا تبتعد الجولة المقبلة اكثر من اسبوعين، خلافا لما طالب به بكل تبجح الوفد الرسمي، من ارجائها الى ما بعد الانتخابات المقررة في 13 نيسان، والتي تتعارض كليا مع مندرجات قرار مجلس الامن 2254 الذي يقضي بإجرائها خلال 18 شهرا.

وكما يتقدم، وإن ببطء، البحث في الخطوات الضرورية للانتقال السياسي في سوريا، سيحدث كذلك في الملف اليمني. وستكون الكويت مسرح المفاوضات التي تتم برعاية أممية، وتعقب زيارة وفد حوثي للسعودية، وفق ما اكده الموفد الاممي لهذا الملف اسماعيل ولد الشيخ احمد ومسؤولون يمنيون. وهي ستأتي بعد زيارة وزير الاستخبارات الإيراني سيد محمود علوي الكويت مؤخرا حاملا رسالة من رئيس بلاده حسن روحاني تتعلق بالعلاقات مع دول الخليج بشكل عام، بما يشكل دليلاً إضافياً عما يتسرب من معلومات عبر وسائل الإعلام عن ترجيح تقارب ما سعودي – إيراني لم تتبلور حتى الآن معطياته.

المستقبل

 

 

 

 

جنيف السوري» وآخر «الخطوط الحمراء«؟/ مهران سالم ()

حسناً، ها هي الهدنة السورية، أو وقف العمليات العدائية فيها، قد صمدت إلى حد كبير، وها هي مفاوضات جنيف تنطلق، على رغم بعض التأخير والكثير من التباعد بين طرفيها، ولعلّ الأهم من كل ذلك الآن هو قرار الرئيس بوتين بسحب جزء كبير من قواته في سوريا، فلمَ لا تتفاءلون إذاً أيها السوريون؟ لماذا أنتم خائفون ويبقى التشاؤم سيد الموقف عندكم؟.

في الواقع، تتصاعد المؤشرات الجدّية التي تدلّ على وجود تفاهم روسي ـ أميركي، (قد تكون خطوطه العريضة وملامحه العامة جرى تحديدها والاتفاق بشأنها سلفاً)، لتغليب المسار السياسي، ومقاربة حلول تسووية للصراع الدائر، والشروع في مفاوضات سورية ـ سورية، يفترض بها أن تفضي إلى تأسيس عملية سياسية تنجز البنود العامة والاستحقاقات المنصوص عليها في «الأجندة« الأميركية ـ الروسية المشتركة.

لكن، واستناداً إلى المرّات السابقة التي تمّ فيها إجهاض كل المحاولات الرامية إلى إيجاد صيغة سياسية للخروج من الاستعصاء الحاصل في هذه الأزمة، نجد أنّ لدى السوريين ما يكفي من الأسباب الداعية إلى القلق والوجل والتشاؤم، وخصوصاً أن البون ما زال شاسعاً بين ما يتسرّب من قرارات وتفاهمات «نظرية«، جرى أو يجري طبخها على موائد العواصم الكبرى، أو في دهاليز السياسة والمحافل الدولية، وبين ما يحصل على أرض الواقع!. ناهيكم عن استمرار أوهام الحسم العسكري لدى الأطراف الأكثر فاعلية في هذا الصراع، والتي ما زالت تأمل بقدرتها وإمكانيتها على محق الطرف الآخر، والقضاء عليه عسكرياً وسياسياً، وربما حتى وجودياً؟!.

يبرز في هذا الصدد، على وجه الخصوص، إصرار نظام دمشق على إجراء انتخابات نيابية في الشهر القادم، على رغم تعارضها جبهياً مع الأجندة المنبثقة عن «مسار فيينا« للحل السياسي. إضافة إلى رفض وزير الخارجية السوري حديث المبعوث الأممي دي ميستورا، «أو غيره كائناً من كان«، عن إجراء انتخابات رئاسية في سوريا، واعتباره أن «مقام الرئاسة خط أحمر«!، وبأنها «ملك حصري للشعب السوري«!!، وهو ما دفع وزير الخارجية الأميركي إلى رفض هذه التصريحات، معتبراً أنها «تتناقض مع تعهدات روسية وإيرانية«، في هذا الشأن. هذا فضلاً عن تعريف المعلم للمرحلة الانتقالية بأنها «الانتقال من دستور قائم إلى دستور جديد، ومن حكومة قائمة إلى حكومة فيها مشاركة..«، وذلك حسب الفهم الحكومي الرسمي!.

قد يتساءل كثيرون هنا عن قيمة الحديث عن «خطوط حمر« لهذا المقام أو ذاك من المناصب ومواقع المسؤولية السورية، في وقت سقطت فيه كل الخطوط الحمر المتصلة بالدولة والسيادة السورية، فضلاً عن هذا الخراب المعمّم، ووجود ملايين السوريين المشرّدين في شتى أصقاع الأرض، هذا في حال اتفقنا طبعاً على مفهوم لـ«السيادة» يختلف عن الفهم «الرسمي«، الذي درج على حصرها بالقدرة المطلقة على استمرار وجود «البوط العسكري المقدّس«، الذي تقام له التماثيل، فوق رقاب السوريين جميعاً!!.

والحال، فمثلها مثل الهدنة القائمة، يكاد يتفق الجميع على هشاشة المفاوضات الجارية، وعلى أن ما هو معلن، وما يُتداول في إطارها، لا يتعدى كونه «إعلان نوايا«، يجازف بالمراهنة على «خريطة طريق مبهمة ومعقّدة وشاقة للغاية في التنفيذ«، هذا إذا امتلك أصلاً ما يكفي من الإرادة السياسية لدى القوى والعواصم المعنية، والآليات المساعدة على ترجمته وتطبيقه على الأرض.

وإذا كان لقرار الانسحاب الروسي أن يحمل شيئاً جديداً ومأمولاً على هذا الصعيد، فلعلّه يكمن في احتمال الضغط على الأسد ودفعه إلى الانخراط الجدي والايجابي في مفاوضات جنيف، وعدم الاستمرار، كدأبه المعتاد، في التهرّب من الاستحقاقات المطلوبة، أملاً في أن تفضي هذه المفاوضات إلى قيام هيئة الحكم الانتقالية المنتظرة، وإجراء انتخابات رئاسية بعد وضع الدستور الجديد.

وبعيداً عن التكهنات بشأن الخلفيات والأسباب التي أدت إلى هذا الانسحاب، فإنه يبدو حتى الآن أشبه بضربة موفقة يمكن أن تعود بالكثير من المكاسب على العاصمة الروسية وعلى الرئيس بوتين شخصياً، خصوصا أن الأخير حرص على ربط هذه الخطوة بتكثيف الجهد الديبلوماسي لإنجاح العملية السياسية.

وأغلب الظنّ أن التوافق الروسي – السوري بشأن العملية السياسية الموعودة، وأهدافها وأثمانها المحتملة، قد وصل إلى مرحلة حرجة، لم يُظهر فيها النظام السوري المرونة الكافية، أو المطلوبة روسياً، للانخراط الجدي فيها. وإذا صحّ ذلك، فيمكن القول إنه هنا بالضبط يكمن الفارق بين السلوك الروسي ونظيره الأميركي.

فالرئيس بوتين يدرك أن الديبلوماسية لا تتعلق فقط بحملة علاقات عامة، أو بعملية حجاج منطقي وعقلي لإقناع الطرف الآخر بضرورة فعل كذا وكذا!، بل بموازين قوى ومعطيات ملموسة قائمة على الأرض. وعلى ذلك، أرسل طائراته وجنوده إلى الأراضي السورية لتحقيق أهداف بعينها في البداية، ثم عاد وسحب جزءاً منها لتحقيق هدف سياسي آخر، أو موازٍ. أما إدارة أوباما فبدت، عموماً، وكأنه ليس بوسعها سوى ممارسة الضغط على أطراف المعارضة السورية وحدها، إضافة إلى الأطراف الإقليمية الداعمة لها، للقبول بتقديم المزيد من التنازلات، وصولاً إلى ما يشبه إعلان استسلامها التام أمام «عاصفة السوخوي« الروسية. وفي المقابل، فإنها لم تقم بأي ضغط جدي على النظام، أو على حلفائه، لتقديم تنازل واضح ومحدد!.

وبالعودة إلى «الخط الأحمر« الخاص بالرئاسة السورية، يجدر التذكير أن الأزمة السورية شهدت بروز العديد من «الخطوط الحمر«، لكنها تساقطت جميعاً أمام التطورات التي لحقت وعصفت بها، فهل سيختلف، يا تُرى، خط «المعلم« الأخير عمّا تساقط من قبله؟!.

() كاتب من سوريا

المستقبل

 

 

 

الأسد وساعة الحقيقة/ راجح الخوري

عندما يكرر ستافان دو ميستورا انها ساعة الحقيقة بالنسبة الى الأزمة السورية، فذلك يعني موضوعاً واحداً يضع الأزمة على طريق الحل الوحيد، وهو عملية الإنتقال السياسي التي طالما حاول النظام السوري التملص منها.

يمكن المفاوضات عير المباشرة التي بدأها دو ميستورا في جنيف في ١٤ آذار الجاري ان تتوقف وتفشل غداً، لكن هذا لا يعني ان شيئاً يمكن ان يتغيّر في “ساعة الحقيقة” التي تعني ان على النظام ان يستعد لقبول عملية إنتقال سياسي حقيقي، تسقط ذلك الشعار الذي دمر سوريا: “الأسد رئيسنا الى الأبد”، فلقد احترق البلد فعلاً بنيران النظام المدعوم إيرانياً وروسياً، لكن ذلك لا ولن يعني إطلاقاً انه يمكن إخراجه من الجحيم دون خروج الأسد من السلطة.

ليس هذا لأن دو ميستورا يقول للمرة الأولى ما يمكن ان يشكّل صدمة للنظام أي “ان موضوع الإنتقال السياسي هو أم القضايا التي تواجهها مفاوضات جنيف” بل لأن سيرغي لافروف وجون كيري اللذين سيبحثان في العراقيل التي تتهدد مفاوضات جنيف، يدركان إنه لا مفر من عملية إنتقال سياسي تشكّل البوابة الوحيدة لحل سياسي يضع خريطة مرحلية تنتشل سوريا من الجحيم الدموي.

في النهاية لن يستطيع النظام ان يفلت من ساعة الحقيقة التي تحدث عنها دو ميستورا، ومن المؤكد انه لم يكن ليتلفّظ بمثل هذا الكلام لو لم يكن يعلم ضمناً أن الإتفاق الأميركي الروسي غير المعلن هو الذي أقر بأن ساعة الحقيقة السورية تضبط على أساس خطة مرحلية واضحة لعملية إنتقال سياسي حقيقي.

لم يكن هذا خافياً على الأسد الذي يعرف جيداً ان الإنسحاب الروسي من سوريا لم يكن لأن موسكو حققت أهدافها المعلنة في حربها المزعومة صد “داعش”، كما أعلن فلاديمير بوتين، بل لأن المقاتلات الروسية حالت دون سقوط النظام الذي كان محاصراً بإعتراف بوتين، وأقامت توازناً ميدانياً ساعد على الذهاب مجدداً الى جنيف، على إفتراض ان هذا التوازن يساعد في إقناع الاسد والمعارضة بالإنخراط في مفاوضات تفضي الى حل سياسي ولو عبر الفيديرالية التي بشّرت بها موسكو.

مرة جديدة يكرر وفد النظام في جنيف ان عملية الإنتقال السياسي ليست من مرجعيات الحوار، محاولاً تأجيل جلسات الحوار بحجة الإنتخابات التي دعا اليها الأسد في ١٣ نيسان المقبل، وهو ما كان أثار غضب حلفائه الروس الذين لم يترددوا في الإعلان ان عليه ان يراجعهم وينسّق قراراته معهم اذا كان يريد ان يخرج من الأزمة بكرامته.

لكن الواضح ان الاسد يلعب على الحافة مجدداً عندما يسعى الى احباط المفاوضات لانه لا يريد ان يواجه ساعة الحقيقة التي تعني ان عليه ان يرحل في النهاية!

النهار

 

 

 

أربع ملاحظات في مباحثات جنيف/ محمد كريشان

الجولة الأخيرة من محادثات جنيف حول سوريا لم تكن كسابقاتها. صحيح أنها لم تتوج بشيء ملموس يضع حدا للمأساة لكن ذلك لم يكن متوقعا في كل الأحوال لا سيما أن هناك جولتين مقبلتين ينتظر في أعقابهما ظهور الملامح الأولية للحل النهائي استنادا لبيان جنيف في حزيران/يونيو 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 الصادر في كانون الاول/ديسمبر 2015. الداعي لقول ذلك أربعة عناصر أساسية:

ـ حزم أكبر من المبعوث الأممي ستافان دي مستورا إذ بدا منذ أول مؤتمر صحافي عقده وبعد لقاءاته بكل من وفدي النظام والمعارضة أن هذا الدبلوماسي السويدي شرع في التخلي تدريجيا وبتؤدة مدروسة عن لهجته «المائعة» السابقة التي لا تقول شيئا. أصبح الرجل أكثر جرأة في الإشادة بما يراه من هذا وانتقاد ما يراه من ذاك، لم يتردد في مدح ما اعتبره جدية من وفد المعارضة تماما كما أشار إلى الإجابات التي ما زال ينتظرها من وفد النظام بل إن مصادر مطلعة في جنيف ذكرت بأنه وصل حد التعبير عن غضبه في إحدى اجتماعاته مع هذا الوفد على ما اعتبره محاولات مراوغة وإضاعة الوقت. دي مستورا كذلك نجح خلال هذه الجولة الأخيرة التي استمرت لعشرة أيام أن يجعل من عبارة «الانتقال السياسي» الكلمة الأكثر تداولا في المحادثات في مسعى منه لجعلها «مربط الفرس» دون أن يبدو متعاطفا مع صياغة «هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات» كما تفضل المعارضة ولا مع عبارة العملية السياسية الغائمة التي يميل إليها وفد النظام.

ـ تأثير أكبر لروسيا في ترجيح الحل السياسي ونفوذها على وفد النظام لدفعه نحو ذلك فقد تجلى ذلك منذ اليوم الأول لانطلاق المباحثات حين رمت موسكو بــ«قنبلتها» المتمثلة في بدء سحب قواتها من سوريا.

تعددت بعض ذلك إشارات أخرى من مسؤولين روس مفادها أن موسكو ليست مستميتة في الدفاع عن شخص الرئيس بشار الأسد وأن خيارها الأول هو الحل السياسي. ما زاد من قوة التأثير الروسي في محادثات جنيف تنسيقه الكبير مع واشنطن، رغم بعض المماحكات المتعلقة بآلية مراقبة إطلاق النار في سوريا، إلى جانب إشادات دول غربية عديدة بخطوة روسيا ودعمها للانفراجة الانسانية النسبية في سوريا إلى درجة أن يان ايغلاند رئيس مجموعة العمل للشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة صرح بأن قافلة إنسانية في معظمية الشام المحاصرة انتظرت دون فائدة ثلاثين ساعة حتى يأذن لها النظام بالدخول لكن مكالمة هاتفية من السفير الروسي في دمشق جعلها تفعل بعد نصف ساعة فقط!!.

ـ توفيق أكبر من وفد المعارضة في أدائه التفاوضي والإعلامي فقد استحق هذا الوفد أن ينوه دي مستورا بجديته فهو لم يركن إلى الشعارات الثورية ومطالب إسقاط النظام بل التزم بقواعد اللعبة التي جاء على أساسها إلى جنيف. لم يتوقف المتحدثون باسم هذا الوفد على التأكيد على عملية «الانتقال السياسي» في سوريا وقدموا ورقة مفصلة في ذلك بشكل مهني لافت معتمدين على المرجعية الدولية لهذه المباحثات ومبتعدين عن الانجرار لمساجلات عقيمة مع وفد النظام. وفي كل المؤتمرات الصحافية التي عقدها قادة هذا الوفد والمتحدثون باسمه، والذين كانوا متاحين لكل وسائل الإعلام الدولية على عكس وفد النظام المنطوي على نفسه، كان هناك حرص واضح على مد اليد إلى الجميع بدون إقصاء، ليس فقط في الداخل السوري وإنما أيضا إلى روسيا رغم كل المرارات.

– ارتباك أكبر من وفد النظام وعجزه عن التجديد في أدائه، فهذا الوفد لم يكتف بمواصلة ما عرف به بشار الجعفري من لغة غير مناسبة في الحديث عن قضايا وأشخاص وإنما كشف نفسه في جنوحه المفضوح إلى تضييع الوقت والدعوة إلى تأجيل جولات قادمة دون موجبات مقنعة. كل ذلك إلى جانب ما يمكن وصفه بـــ «الاستهبال» في التعاطي مع مفاصل رئيسية في مباحثات جنيف وبالأخص مسألة «الانتقال السياسي» التي رأى الجعفري أنه من «السابق لأوانه» بحثها أو «مقام الرئاسة» أو «قضية الإرهاب». بلغ ذلك حد قول الرجل، الذي بالمناسبة لا يعرف من الوفد إلا هو على عكس تعددية رموز المعارضة، أن يــــقول مستنكرا « لماذا لا توجد معارضة مسلحة معتدلة تنشط فوق الأراضي الفرنسية والبريطانية والأمريكية وترعاها دول أخرى؟!!»… ملاحظة وجيهة لولا أنه نسي تفصيلا مهما هو أن هذه الدول ببساطة ليس على رأسها رجال من طينة بشار الأسد!!.

هذه الملاحظات الأربع إذا ما تكرست في الجولتين المقبلتين فقد تساهم في التسريع في التوصل إلى «خارطة طريق» للحل السياسي ربما بأسرع مما هو متوقع لأنه مع كل موعد يتضح أكثر من يقف في وجه هذا الحل المأمول… ليس في وجه شعبه الذي عانى الويلات بل في وجه العالم كله، بما فيه من وقف معه لمنع سقوط نظامه المتهالك.

٭ كاتب وإعلامي تونسي

القدس العربي

 

 

 

مْلَهّي الرُعيان/ عدلي صادق

هو طائر يعرفه الفلاحون العراقيون، وقد أحيل، بسلوكه وطريقة خداعه، إلى مخزون أمثلتهم. قيل، في توصيفه العلمي، إنه يألف الشجيرات كثيرة الالتواء، ولا تهدأ أعصابه، حين يلعب، إلا بوجود شقوقٍ في الأرض أو في الصخر، تساعده على التواري عن الأنظار، في اللحظة المناسبة. لكن علاقته المريرة مع رعاة الأغنام، وهي التي ذهبت مثلاً، لا يُشبهها في السياسة، سوى طرفين مخادعين وعنيدين، لا يتزحزحان عن استعلائهما الذميم: المفاوض الإسرائيلي، أي العدو، ووفد مفاوضات النظام السوري، أي المستبد الذي لا يخجل من جرائمه، في مباحثات جنيف.

ما الذي يفعله مْلهي أو مْسَهّي الرعيان؟ يقترب من الراعي، ويحوم حوله، فيتبدّى له قريباً متاحاً إمساكه. يهم الراعي بإمساكه، فيقفز قفزة قصيرة بارعة. لا يطير ولا يذهب بعيداً. يبتعد متراً أو أقل، فيظن الراعي أنه أخطأه، لعيبٍ في انقضاضه هو، فيما الطير متاح. يُعاود الراعي المحاولة، فيعاود الطير القفز قريباً. تتكرّر المحاولة، ويتكرّر قفز مْلهي الرعيان، حتى يبتعد الراعي عن غنماته، ما يتيح للذئب أن يتصرف.

دبلوماسية الطير اللئيم، يعتمدها النظام الحاكم في دمشق، تحايلاً على قفزات البشر الطبيعيين، الذين يستهولون ذبح الشعب السوري. أما مؤسس هذا النظام، وهو حافظ الأسد، فقد كانت له دبلوماسية أخرى، تلائم زمنها ومعطيات مفاوضاتها، وكنا، بصراحةٍ، نؤيدها، لأن الطرف الذي كان يحاول أن يقفز ويمسك، هو الأميركي الذي يسعى إلى تسويةٍ تفتح خطاً سريعاً للمشروعات الإسرائيلية، من الجولان الى دمشق. دبلوماسية حافظ الأسد تلك، كانت مشتقةً من تكتيكات حبس الأنفاس، واللعب على مفرزات الأجسام، وسمّاها الأميركيون، لا سيما جيمس بيكر “دبلوماسية المثانة”. ففي مذكراته، يصف وزير الخارجية الأميركية الأسبق واحدة من مناسبات الإطالة المريرة في المباحثات مع الأسد الأب، وكانت قصيرتُها لا تقل عن سبع ساعات كاملة، يتخللها تكرارٌ متعمد للقهوة التي يتبعها الليمون المُحلّى. ولكي يتضاءل موضوع الضيف الأميركي، كان الأسد يبدأ من عند سايكس ــ بيكو في العام 1916، وهو ما لا يملك المفاوض دواءً لها، وتبدو، بالنسبة له، ترف كلامٍ عن التاريخ، ولا علاقة لها بجوهر الموضوع. ويقول جيمس بيكر إنه ظلّ، مرّةً، أكثر من ساعتين، وظلت كليتاه تعملان بشكل غير طبيعي، ويلح عليه التبول، فيما هو يعاند نداء الجسد. ويضيف: “في الأخير، سحبت منديلي الأبيض، ولوّحت به للأسد، معلناً الاستسلام مع الرغبة في الهرولة سريعاً إلى الحمّام”.

كان الأسد الأب يرى في التسوية، أياً كانت، انكشافاً لمشروعية الحكم، وذلك هو السبب الأول للعناد والتطويل، لكي تكون المباحثات عقيمة، وغير ذات جدوى. لذا، فإننا حيال “دبلوماسية المثانة” كنا ، نحن الأبعدين، نراها، بمنطق نتائجها، أكثر من كافيةٍ للتغاضي عن الدكتاتورية. أما المكتوون بنيران جحيم الأسد، من السوريين، فكانوا يتمنون للأميركيين، مثانات أوسع وأكثر احتمالاً، لكي تسقط ذريعة التشبث بالحكم والتغالظ فيه.

أما في دبلوماسية مْلهّي الرعيان التي يعتمدها الوفد الذي أرسله إلى جنيف، وارث حكم ذي دبلوماسية المثانة؛ فإن الموجوعين السوريين، لا الأميركيين الواجعين، هم الطرف المقابل. ذلك لأن مْلهي الرعيان، الذي لا يبدأ بسايكس ــ بيكو ويُطيل، وإنما يؤسّس، بأفاعيله، لتقسيم آخر مصغر، لسورية نفسها؛ يجادل في صدقية شروط الدولة، وفي كيفية أن تكون، رصينةً وحاضنةً أطياف شعبها، ويعاند حق الناس في أن يعترف لها الطير اللئيم، بأسباب عذابها وحقيقته. ويجزم واحدنا، أن التكتيك كان، وسيظل، القفز المتتالي القريب، لكي يظل الوفد وفداً، يوحي بأن التباحث معه متاح، حتى تنفجر مرارة الراعي دي ميستورا، وصولاً إلى اللحظة التي يلعن فيها الذئب، ويتأسى على الغنمات، ويسخر من نفسه.

في الطبائع الكريهة للطير، مْلهّي الرعيان يتبدّى كل شيء مخادعاً. فم واسعٌ فاغر، تحفُّه شعيراتٌ خشنةٌ تساعد على اصطياد الفريسة. ينشط في الظلام، يفتن ويتظاهر بالألم والإعياء، لكن مبتغاه، أن يعود الراعي خائباً، ثم يتفلّى هو، مزهواً بنفسه.

العربي الجديد

 

 

 

 

مأزق مفاوضات جنيف/ بدر الراشد

الهيئة العليا للمفاوضات، الممثلة للمعارضة السورية، ليست الجناح السياسي في الثورة، في ظل وجود جناح آخر مسلح. أي نحن لا نتحدث عن شيء شبيه بالجناح السياسي والعسكري للجيش الجمهوري الإيرلندي، أو كتائب القسام المسلحة وجناح “حماس” السياسي في فلسطين، فنمط علاقة هيئة المفاوضات بالثورة العسكرية مختلف. صحيح أن الهيئة جمعت وبشكل جيد جدا ما بين السياسيين وممثلين لأبرز الفصائل المناضلة على الأرض، لكنها، مرة أخرى، ليست جناحا سياسيا لفصيل مسلح، بل ممثل عام للثورة السورية، بكل ما تحمله كلمة “تمثيل” من إيجابيات وسلبيات، ومن معاني هذا التمثيل، أن تكون تحركاتها وقراراتها مقبولة للطرف الممثل في المفاوضات، وهو الشعب السوري والفصائل الثورية المسلحة.

هذه الحقيقة تجعل المعادلة صفرية في جنيف، فأي تنازل لهيئة المفاوضات، لا معنى له، ما دامت لا تملك قرارا عسكريا على الأرض. فبينما يملك الأسد قرارا حاسما، بمعنى أن الموضوع مرهون بيده بشكل حقيقي، فهو القادر على اتخاذ قرار بمغادرة السلطة، أو إيقاف حربه على السوريين، أو الوصول إلى تسوية.

لكن النظام لا يملك إرادة الوصول إلى تسوية، يبدو الوضع مختلفا مع وفد المفاوضات، والذي يقع على كاهلهم عبء الوصول إلى تسوية مرضية للشعب والفصائل الثورية، لا القبول بأي تسوية، يمكن أن توقع في جنيف، لكن لن يقبل بها أحد على التراب السوري.

فهيئة المفاوضات تملك إرادة الوصول إلى تسوية، لكن لهذه الإرادة سقف، وهو تحقيق ما يطمح إليه السوريون، إذ لا تمتلك الهيئة قرار فرض تسوية على أحد، ولو أرادت. غياب القدرة على فرض القرار لدى المعارضة السورية، في مقابل غياب إرادة الوصول إلى تسوية، لدى النظام، يجعل محادثات جنيف محكومة بالفشل مبدئيا.

وهنا نجد تصريحين مهمين في سياق جنيف، الأول لكبير مفاوضي المعارضة، محمد علوش، والذي دلل على غياب إرادة الوصول إلى تسوية من قبل النظام، بإرساله سياسيين، لا كبار ضباطه الأمنيين الذين بيدهم الحل والعقد في النظام. والتصريح الثاني، للمبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، نفى فيه وجود خطة بديلة عن المفاوضات، وأن البديل هو الحرب.

العربي الجديد

 

 

 

 

سوريا وفكرة وقف الحرب/ عبد الرحمن الراشد

لأنه لا يوجد غالب ولا مغلوب بشكل حاسم، ولأن الأزمة بدأت تصبح خارج السيطرة وعابرة للحدود، وبالطبع لأن المأساة لطخة في جبين العالم، الذي يفترض أن تحكمه نواميس وقوانين دولية، هذا العجز والفشل يدفع القوى الكبرى إلى ما نراه اليوم؛ إلى حل مفاوضات «اللاحل».

بمجرد أن رأيت صور وفد النظام السوري على باب قاعة التفاوض كفريق كامل، والمعارضة بفريق مقبول من القوى التي كانت تعترض على تشكيلته سابقا، لم يكن صعبا الاستنتاج بأنها مفاوضات بلا نتيجة حقيقية، لن تنهي الحرب.

أما كيف نجح الوسيط في إقناع الخصمين بالجلوس، فيبدو أن مهارته تكمن في الفكرة. فقد جرى إقناع كل طرف بأنه لن يجبر على ما لا يريده لقاء الانخراط في المفاوضات، مقابل ذلك البدء بعقد سلسلة إجراءات مثل الهدنة والسماح للنشاطات الإنسانية.

نجح الوسيط في وقف القتال، أو بتخفيض حدته، وتبادل بعض الأسرى، وإيصال المساعدات للمحاصرين من الجانبين، وهذه كلها إنجازات مهمة تحسب للوسيط الدولي دي ميستورا، لكنها ليست حلا ولن تؤدي إلى حل.

للذهاب إلى سويسرا والجلوس على المفاوضات، قيل للنظام السوري إن إزاحة بشار الأسد لم تعد شرطا أميركيا، وقيل للمعارضة إن وصولهم إلى الحكم لم يعد عليه اعتراض روسي، لهذا نجحت المبادرة، لكنها في نظري هي مفاوضات اللاحل، لأنها لا تحمل مشروعا رئيسيا يمكن أن ينهي الأزمة.

وقد يطرح الوسطاء مجددًا فكرة إعادة هيكلة النظام، وفقا لها يبقى الأسد رئيسًا للدولة، لكن من دون سلطات تنفيذية، ويمنح كرسي رئاسة الحكومة للمعارضة مع وعد له بصلاحيات واسعة. تقريبا هو النموذج العراقي الذي صممه الأميركيون في العراق. وبالطبع لا أحد يصدق الوعود، وتحديدا أن الأسد سيكتفي بالصلاحيات البروتوكولية.

أي في هذه المفاوضات نرى تبدلا جذريا من السابق في الأفكار المطروحة. كانت الأولى أن يترك الأسد الحكم نهائيا، ثم فكرة تلتها لاحقا تقترح خروج الأسد تماما بعد فترة انتقالية مدتها ثمانية عشر شهرا، وتجري انتخابات هدفها تشكيل نظام هجين. وأخيرا هناك طرح يبقى فيه المجرم مع الضحية في الحكم، الأسد مع المعارضة!

أيضا تواردت طروحات عن تقسيم سوريا الكامل، إلا أنه مرفوض من السوريين ومن عدد من دول المنطقة، ولن يكون سهل التنفيذ حتى لو تقرر. وتردد حديثا حل الطرح الفيدرالي، ولا أعرف كيف يمكن أن تلائم الوضع الحالي. استقرار الدولة شرط للفيدرالية، وفي سوريا لم تعد هناك دولة مؤسسات، وهي تصلح كحل لنظام يحتاج ترتيبات إدارية داخلية وليس لبلد في حالة احتراب!

هل يمكن تحقيق أي من الحلول السابقة، على افتراض أن الدول الكبرى قد تؤيده؟ من يعرف طبيعة النزاع يدرك استحالة حل يجمع بين الأسد والمعارضة، الممكن ربما إدخال المعارضة في هيكل النظام من دون قياداته العليا، وتحديدا الأسد. وسوريا ليست يوغسلافيا يمكن تقسيمها، لأن مكوناتها الاثنية لم تعد تعيش ضمن حدود يمكن تقسيم البلاد وفقها.

أما إذا كانت المفاوضات ملهاة فقط لوقف الحرب دون حل، فإن إلهاء الأطراف المتنازعة، وإشغالهم بالتفاوض، لن يديم السلام طويلا، وسيعود القتال إلى وتيرته السابقة وربما أكثر.

*نقلا عن صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية.

 

 

 

أزمة سوريا… والوقت الضائع في جنيف/ محمد عايش

■ حدثان مهمان شهدتهما المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية، يحملان الكثير من الدلالات المهمة ويستحقان التوقف عندهما، الأول هو الخلية التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» التي تم اكتشافها في شمال الأردن، والتي خاضت معركة استمرت عدة ساعات مع قوات الأمن الأردنية، في حادثة هي الأولى من نوعها في البلاد، أما الحدث الثاني فهو التفجير الانتحاري الدموي الذي ضرب مدينة اسطنبول التركية وأودى بحياة عدد من الأجانب.

الحدثان بالغا الدلالة والأهمية، رغم أنهما ليسا مفاجئين، إذ كان متوقعاً – ولا زالت التوقعات قائمة – بأن تشهد كل من تركيا والأردن أحداثا أمنية مختلفة الحجم والشكل، وذلك بسبب عوامل الجغرافيا، التي جعلت منهما جيراناً لكرة النار التي تغلي في سوريا، إضافة إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين، الذين يمكن أن يكونوا قناة لتسلل بعض المسلحين أو الانتحاريين.

ليس المهم اليوم شكلُ الأحداث التي شهدتها دول الجوار لسوريا، ولا حجمها، لكنَّ المهم هو أن الأزمة تتوسع، والمنطقة تلتهب، وكرة الثلج تكبر يوماً بعد آخر، وما لم يتم التوصل إلى حل للصراع في سوريا يحقن الدماء ويوقف القتال ويُنهي السباق نحو التسلح والسلطة والقوة، فإن المنطقة بأكملها سوف تغرق في بحيرة من الدم والصراع الذي قد يستمر لعقود. في الملف السوري ثمة عدد من الحقائق والمعطيات التي لا يمكن إغفالها لمن يريد البحث عن مخرج للأزمة، أهمها وأولها أن الولايات المتحدة لم تعد موجودة في هذ المنطقة، ولم تعد تلعب الدور الذي كانت تلعبه في السابق، فهي تنسحب من هذه المنطقة ومشروعها ينكفئ، ومقابلة الرئيس أوباما الأخيرة مع مجلة «أتلانتك» تؤكد ذلك، بل تؤكد أن منطقة الشرق الأوسط برمتها لم تعد أولوية في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث أن المصلحة الأمريكية في شرق آسيا، وتحديداً مع الصين أصبحت أكبر وأهم.

مسألة غياب الولايات المتحدة عن المنطقة فهمتها روسيا جيداً، ولذلك لم تتردد كثيراً في التدخل في سوريا بعد أن تأكدت أن أمريكا ومعها حلف «الناتو» لن يتدخلا في الصراع في سوريا، بل لا يميلان الى إسقاط نظام بشار الأسد، على غرار ما فعلا في ليبيا. أما اقليمياً فإن إيران هي أفضل من قرأ السياسة الأمريكية عندما بدأت مشروع التمدد في المنطقة على حساب الفراغ الأمريكي، ابتداء من الهيمنة على العراق ووصولاً الى سوريا واليمن، ومشروع التوسع الايراني في العراق ليس وليد السنوات الأخيرة وإنما يعود الى عشر سنوات مضت وربما أكثر.

أما الحقيقة الثانية المهمة فهي أن أطراف التفاوض في جنيف ليست ذاتها أطراف الصراع على الأرض، وأن مجموع الجغرافيا التي يسيطر عليها المتفاوضون (النظام والمعارضة) أقل من مجموع المساحة الخاضعة لتنظيم «الدولة الاسلامية»، وهو ما يعني أن المفاوضات تدور حول جزء من الصراع وليس حول الصراع كله، أي أن افتراض أن كل الأطراف المتفاوضة في جنيف قد وافقت على وضع السلاح تماماً، لن يكون كفيلاً بإرساء السلام وإنهاء القتال وإنهاء الانقسام الحاصل في سوريا، بل التفتيت الذي تشهده البلاد حالياً.

الحقيقة الثالثة المهمة في المشهد السوري، أن المعركة لم تعد داخلية، وإنما أصبحت اقليمية ودولية، فالفصائل المتناحرة داخل سوريا اليوم لها امتدادات في الخارج، واللاعبون هم دول كبيرة ومهمة، ومن يريد وقف الحرب فعليه إقناع مجموعة الدول المهمة والفاعلة بضرورة وقف القتال.

من يحدق النظر جيداً في المشهد السوري يُدرك أن مفاتيح الصراع ومفاتيح الحل موجودة في ثلاث عواصم إقليمية: الرياض/ طهران/ أنقرة، وبدون إرضاء هذه الدول الثلاث وضمان مصالحها، فلا يمكن للأزمة السورية أن تنتهي، ومن دون أن تتفق هذه الدول الثلاث فمن المستحيل أن ينتهي الصراع في سوريا، حتى لو قررت الولايات المتحدة ومعها حلف الناتو التدخل، أو قررت روسيا على الجانب الآخر التدخل وألقت بكل وزنها العسكري لدعم نظام بشار الأسد.

خلاصة القول، إننا اليوم أمام أزمة سياسية وعسكرية وأمنية خطيرة في سوريا، وهي أزمة تتوسع في المنطقة وتهدد دول الجوار، وأمام مفاوضات تبدو الآمال التي تنبعثُ منها ضعيفة، إن لم تكن معدومة تماماً، لأن من يتفاوض لا يملك، أو يملكُ في أحسن الأحوال جزءاً يسيراً من الحل، فيما يبدو أن كل محاولة لتطويق الصراع في سوريا من دون المرور بكل من الرياض وطهران وأنقرة ستكون مجرد تضييع للوقت، وتضييع الوقت في مثل هذا المشهد المتردي لا يخدم إلا الفوضى والعنف فقط.

كاتب فلسطيني

القدس العربي

 

 

 

 

مفاوضات إلى الأبد/ حسين عبد الحسين

حسب التقارير الواردة الى العاصمة الاميركية، تشير تقديرات الديبلوماسيين الاميركيين المتابعين للمفاوضات بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والمعارضة، إلى أن وفد الأسد في وضع مأزوم، وأن لا هدف لديه، وكل ما فعله حتى الآن هو السعي لإضاعة الوقت.

ويعتقد الديبلوماسيون الاميركيون أن الأسد يشارك في المفاوضات بسبب انسداد الأفق في وجهه وانعدام خياراته الأخرى، خصوصاً بعد اعلان روسيا، التي شنت في سوريا حملة جوية دامت ١٦٥ يوماً، سحب قواتها، وخصوصاً بعدما بدا على قوات ايران وحزب الله اللبناني الإرهاق بعد خمس سنوات من القتال المتواصل.

كذلك، يعتقد الديبلوماسيون الاميركيون أن وفد الأسد في وضع لا يحسد عليه، وأنه للمرة الاولى منذ العام ٢٠١١، تبدو المعارضة السورية صاحبة اليد العليا، في وقت يبدي المفاوضون المعارضون حذاقة وقدرات ديبلوماسية تتمثل في مرونة غير مسبوقة، ربما تهدف الى سحب الذرائع الجانبية من الأسد ودفعه الى الوصول لمناقشة ما يسميها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا “أم المشاكل، أي مصير الأسد نفسه.

وحسب الديبلوماسيين الاميركيين، لم يبد المسؤولون الروس المشاركون في المفاوضات، للمرة الاولى منذ خمس سنوات، مواقف متصلبة تسمح لوفد الأسد الاستقواء بهم، بل إن الروس أبدوا مرونة “كانوا وعدوا بها واشنطن من قبل”.

ويعتقد كبار المسؤولين الاميركيين ان “اساس المباشرة بالمفاوضات برعاية اميركية وروسية هو تعهد من واشنطن وموسكو بعدم تقديم اي غطاء لأي مواقف متصلبة لحلفائهما”. ويبدو أن واشنطن كانت السباقة الى توجيه اللوم الى حلفائها، حسب التصريحات الماضية لوزير خارجيتها جون كيري، الذي أمضى اسابيع وهو يوجه اللوم والتهديدات للمعارضين.

لكن اليوم، يعتقد المسؤولون الاميركيون أن موسكو تفعل الشيء نفسه بعدم حمايتها للأسد، ما يجبره على التفاوض وتقديم التنازلات.

كذلك، يعتقد المسؤولون الاميركيون ان المرونة اسهل لدى المعارضين السوريين منها عند الأسد، فمجرد الموافقة على المفاوضات مع وفد الأسد تكون المعارضة تخلت عن مواقفها السابقة الرافضة للاعتراف بالأسد، والمصرة على شرط اعلان تنحيه قبل التفاوض على مستقبل سوريا.

اليوم، بعدما وافقت المعارضة على المفاوضات من دون شروط، صار الأسد مجبراً على التفاوض، وصارت المواضيع الاساسية، منها شكل الهيئة الانتقالية ومصير الأسد، هي مواضيع التفاوض، بعدما كان في الماضي شكل المفاوضات هو العائق الاكبر. ولأن الأسد وجد نفسه من دون حلفاء يحتمي بهم، ولأن المعارضة قررت المشاركة وتالياً صارت مقاطعته للمفاوضات تحسب ضده، صار وفد النظام وجهاً لوجه مع مطالب المعارضين، فيما أنظار العالم تتركز حول مجرى المفاوضات ونتائجها.

وتقول التقارير الديبلوماسية الاميركية انه للتملص من الخوض في حوار جدي قد يؤدي الى خروجه من الحكم، يبدو أن الأسد أصدر تعليمات لوفده تقضي بضرورة استفزاز الوفد المعارض، من قبيل إصرار السفير السوري الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أن على مفاوضي المعارضة ان يحلقوا ذقونهم قبل ان يوافق على الجلوس معهم.

كذلك، تشير التقارير الاميركية الى انه اثناء الجلسات بين الجعفري ودي ميستورا، يعمد الجعفري الى قراءة القرارات الدولية والبيانات “كلمة كلمة”، ويتوقف عند كل فقرة، ويعمل على الخوض في معانيها، ما دفع المبعوث الدولي الى القول لمقربين انه “مارس أعلى درجات ضبط النفس كي لا يفقد صبره امام استفزازات الجعفري واصراره على اضاعة الوقت”.

هكذا، انقلبت الصورة. صار الأسد محرجا امام المعارضين، لا في اروقة الديبلوماسية فحسب، بل في الشارع السوري الذي عاد الى الانتفاض ضد حكمه، من حلب ودرعا وضواحي دمشق الى عواصم العالم.

هنا في واشنطن، اقام السوريون تظاهرة كبيرة رفعوا فيها علم الاستقلال، وطالبوا برحيل الأسد. كان لابد للمراقب ان يلاحظ ان المزاج السوري تغير بين اليوم والعام ٢٠١١. في العامين ٢٠١١ و٢٠١٢، كان سفير الأسد عماد مصطفى يلاحق المتظاهرين ويتصل بهم ويهدد بإيذاء عائلاتهم في سوريا، فما كان من السلطات الاميركية الا ان طردته. وكان الشبيحة غالباً ما يعتدون على المتظاهرين السوريين أمام البيت الابيض في واشنطن، وامام مقر الامم المتحدة في نيويورك.

يوم أمس، تظاهر السوريون بكثافة في واشنطن. اصبح مصطفى والشبيحة ذكرى من الماضي، ولا شك أن السوريين الاميركيين بدأوا يشعرون ان الأسد نفسه سيصبح جزءاً من الماضي. اما الأسد، فكل ما تبقى امامه هو المماطلة، على أمل ان تتغير الظروف يوما وتسنح له الفرصة للبقاء واستعادة الحكم فوق اشلاء السوريين.

مفاوضات الى الأبد هي بصيص الامل الوحيد الذي يتمسك به حاكم دمشق، الذي كان يعتقد نفسه، حتى قبل اسابيع قليلة، رئيساً إلى الأبد.

المدن

 

 

السيناريوهات المعقدة للعبة الحرب والسلام في سوريا

ما حدث خلال محادثات جنيف سوريا لا يبعث على الأمل. صارت الصورة أكثر قتامة مع نهاية المحادثات حينما طلب وفد النظام تأجيل الجولة القادمة من المحادثات بسبب انتخابات البرلمان التي أقرها «الأسد» في أبريل/نيسان. وهذه هي ذات الانتخابات التي كانت موضع انتقاد من قبل الولايات المتحدة وروسيا وجميع الأطراف باعتبارها علامة على اللامبالاة تجاه نتائج المحادثات.

سننظر هنا عن كثب إلى الخيارين المحتملين لنجاح أو فشل الجهود الدبلوماسية من أجل استكشاف ما قد يؤدي إليه كل منهما. ولكن دعونا ننظر أولا إلى ما حدث في جنيف.

قدم نظام «الأسد» ورقة من ثمان نقاط وصفها بأنها ورقة المبادئ الأساسية. تتضمن هذه المبادئ أفكارا عامة مثل السعي إلى دولة ديمقراطية تعددية غير طائفية في سوريا وعقد انتخابات برلمانية ورئاسية ومحاربة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وغيرها.

امتنع المبعوث الخاص للأمم المتحدة «ستيفان دي مستورا» عن تقديم نسخة رسمية من تلك الورقة التي قدمها النظام إلى المعارضة. وقال «دي مستورا» إن المعارضة سوف تصاب بالصدمة إذا اطلعت على الورقة. ويبدو أن المشكلة لم تكن فقط في غياب أي خطوات محددة في وثيقة مبادئ «الأسد»، ولكنها أيضا مثلت نوعا من التراجع عن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وبطبيعة الحال، عن بيان جنيف لعام 2012.

ما هو واضح أن «الأسد» تعمد أن يسقط في ورقته أي حديث عن المسائل العملية الرئيسية مثل موقف النظام من قضية السلطة الانتقالية وتشكيل الحكومة المؤقتة، وهل سيتنحى «الأسد» ويقوم بتسليم السلطة إلى حكومة مصالحة وطنية. لقد كانت «مبادئ الأسد» تفتقر ببساطة إلى أي من أشكال التحديد.

وقد أعرب «دي مستورا» عن قلقه إزاء تردد النظام في معالجة التفاصيل. وقد صرح بالقول: «نحن بحاجة للحديث عن التدابير الإجرائية والعملية. نحن في عجلة من أمرنا». في صباح اليوم التالي طلب وفد النظام تأجيل العملية برمتها.

نحن لسنا في حاجة للكثير من الوقت من أجل تقييم مدى جدية «الأسد»، والذي أعلن مؤخرا أنه سيجري انتخابات برلمانية في 13 إبريل/نيسان، على الرغم من الاعتراضات الدولية. ويبدو أن «الأسد» في حاجة إلى صدمة أخرى من الواقع. إذا كان لا يزال يعيش بعيدا عن الواقع كما هو واضح بشدة الآن فإنه يجب على الولايات المتحدة وروسيا قطع الطريق عليه بشكل عاجل. إنها الآن مسألة حياة أو موت.

وكان «بوتين» قد عاير ضربته إلى «الأسد». وقد أكد أنه يحتفظ بحقه في إعادة قواته إلى سوريا، ويرجع ذلك إلى حالة عدم اليقين بشأن مسار التفاهم بين «كيري» «ولافروف» أو سياسات الإدارة الأمريكية المقبلة. لا يريد «بوتين» أن يكسر خطته في سوريا ولكنه يريد ترويض «الأسد». ولكن في حين يسعى «كيري» و«لافروف» إلى تطوير تفهم متبادل بشأن سوريا، فإنه ينبغي أن يكون مفهوما أن هذا الفهم لن يبلغ حدوده القصوى. حتى مع الاتفاق على وقف إطلاق النار، فإنه لا يزال هناك العديد من الخلافات بشأن الكثير من الجوانب.

الخيارات المحتملة

ولكن، من أجل استكشاف المسارات المحتملة، دعونا نفترض أن المسار الحالي سيستمر وأن «الأسد» سوف يبقى في السلطة في الوقت الراهن وأن المحادثات سوف تمضي قدما تحت الضغط المكثف من جميع الأطراف ذات الصلة. ما الذي ينبغي علينا توقعه؟

من الناحية النظرية، يمكن للمرء أن يضع جميع الخيارات الممكنة على الطاولة ويبدأ في مقارنتها بالأوضاع الراهنة. الخيار الأول هو الوصول إلى تفهم ما حول سوريا موحدة بشكل أو بآخر. أما الخيار الثاني فيدور حول الفيدرالية مهما كان الاسم الذي سيتم اختياره لها أو شكلها النهائي. وأخيرا، هناك خيار مواصلة الحرب إلى أمد آخر في المستقبل إلى حين ظهور خيار «عناني إبراهيمي دي مستوري» آخر.

الخيار الأول هو في الواقع من الصعوبة بمكان، إن لم يكن مستحيلا.

فيما يبدو الخيار الثاني هو الأكثر إتاحة والأسهل في تنفيذه. أما الخيار الثالث، فهو الأسوأ على الإطلاق وسوف يكون هو الخيار الافتراضي حال فشل الخياران الآخران.

دعونا أولا نعقد مقارنة بين الخيارين الأول والثاني.

طالما لا يوجد تفهم إقليمي مشترك فسوف يظل الخيار الأول مستبعدا. العرب وإيران وتركيا والأردن يجب أن يتفقوا على تقسيم مجالات نفوذهم الجغرافي والسياسي في سوريا وأشكال هذا النفوذ. طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق من هذا النوع، فإن أي قدر من الضغط لن يكون كافيا لمنع تقسيم سوريا تحت أي مسمى.

ومن الواضح أن هذا الخيار يتطلب أن يؤمن المجتمع العلوي ومن خلفه إيران أن سوريا موحدة ليست بالضرورة سوريا معادية لهم. وهذا بدوره يتطلب أن تخرج صيغة التفهم الروسية الأمريكية مرضية للعرب والإيرانيين وأن تحصل على موافقة أغلبية المعارضة في ذات التوقيت.

المحاولة الحالية للتنسيق بين روسيا والولايات المتحدة لا تغطي فقط سوى جزء واحد من الشروط المسبقة للتوصل إلى حل سياسي. يتمثل الجزءان الآخران في موافقة القوى الإقليمية وموافقة السوريين على كلا الجانبين. وكلاهما لا يزال مفقودا إلى الآن. الصفقة التي تبدأ مع وقف إطلاق النار، ثم تتحدث عن التدابير الانتقالية ثم صفقة تكفل وقف الأعمال العدائية لا يمكن أن تقوم على جناح واحد.

هيكليا، فإن هذا هو العيب الرئيسي لاتفاق «كيري – لافروف»، وهو أنه وحده ليس كافيا. وحتى إذا كان قد نجح في تحقيق وقف إطلاق النار فإنه لن يكون كفيلا بتحقيق انفراجة، ولذا فإنه معرض للانهيار في كل لحظة. نحن نرى ذلك بوضوح في عناد «الأسد» حتى إننا لا زلنا نستغرب أن وقف إطلاق النار لا يزال قيد العمل من الأساس.

نحن نفهم أن «كيري» يعمل الآن في حوار مع العرب والإيرانيين من أجل الوصول إلى تفهمات مشتركة حول حدود كل منهما في سوريا. ونحن، علاوة على ذلك، نعتقد أن هذه الحوارات تحرز تقدما، ولكن التحدي الرئيسي هنا يكمن في التوقيت. من ناحية، فقد كانت تلك العملية فاعلة بالفعل حين نجحت إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، من جهة أخرى، فنحن نرى أن تعنت «الأسد» يحمل دلالات مختلفة، حيث أنه من المستبعد أن يبدو «الأسد» بهذا التعنت إذا كان الإيرانيون في طريقهم للقبول بحل وسط معقول في سوريا.

ما الذي ينبغي مناقشته إذا مع اللاعبين الإقليميين؟

الصيغة الأولية المقترحة هنا موجودة بالفعل في بيان جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254. ولكن ينبغي وضع المبادئ العامة في كلا الوثيقتين في بيان مفصل تتم مناقشته من قبل كل من واشنطن وموسكو والرياض وأنقرة طهران وعمان. وينبغي أن يدور الحوار حول ترسيم حدود نفوذ كل من هذه القوى في سوريا، وما هي الأمور التي لا يمكن لأي منها تجاوزه.

في لبنان، رأينا سلفا هذا النوع من التفاهمات قيد العمل. تم تنفيذ خطوط فكرة مماثلة بنجاح في اتفاق الطائف. يمكن التحقق من صحة المبدأ مرة أخرى في سوريا ويمكن أن يعمل في حالات أخرى في الشرق الأوسط بعد التعديلات المناسبة لجعله يتلاءم مع خصوصية كل حالة.

هذا المبدأ ببساطة يكمن في السعي إلى إيجاد نقطة توازن بين المصالح المختلفة من أجل تجنب استمرار الصراع. لا ينبغي أن ينظر في مسألة الحفاظ على وحدة سوريا وتمييع ظهور أي تقسيم داخلي كقضية ثانوية هنا. لأنه إذا لم يتم الحفاظ على هذه الوحدة، فسف ينتهي بنا الأمر إلى استمرار الحرب في سياق جديد وتحت مجموعة مختلفة من الأسباب.

أخذ هذا الخيار من عالم التجريد إلى الوضع الحقيقي سوف يؤدي إلى حل مسألة مستقبل «الأسد». إذا طلبت إيران من «الأسد» التنحي فإنه من الصعب أن نفترض أن الديكتاتور السوري سوف على هذه الدرجة من العمى التي يجعله لا يدرك أنه قد تم تركه وحيدا مع عدم وجود حلفاء في أي مكان.

الصفقة بين اللاعبين الإقليميين بشأن سوريا، وعلى الرغم من درجة الصعوبة التي تبدو عليها، فإنها ينبغي أن تكون أولوية مطلقة الآن. إذا تأخر الأمر عن ذلك، فإن المنجزات القليلة جدا التي تحققت ربما تذهب قريبا في مهب الريح.

ما ينبغي القيام به مع جماعات المعارضة التي ترفض قيام دولة شاملة غير طائفية؟ كيف يمكن إصلاح الجيش الوطني والهيكل الأمني حال تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق؟ ما هي الطريقة التي سيتم بها استيعاب جماعات المعارضة التي قبلت الصفقة ضمن مؤسسات الدولة القومية؟

الإجابات على هذه الأسئلة الافتراضية وغيرها سوف يتم تحديدها من قبل الجهود الدبلوماسية. إذا تم الاتفاق على أن نقطة البداية تكمن في السعي إلى سوريا حرة وديمقراطية خالية من الأسد والميليشيات الموالية له مع وجود الاحترام العميق للحقوق الأساسية لمواطنيها وجميع الأقليات، فإن هذا المنطلق سوف يكون هو الخط الفاصل بين من هم في جانب سوريا الجديدة التي سوف تنهض من الرماد، وبين من يريدون أن تنسحب سوريا إلى ماضيها الدموي والقمعي.

لا يجب علينا أن نمضي أوقاتا طويلة في محاولات غير مجدية لأجل محاولة تصنيف كل عناصر النظام والمعارضة المسلحة ومناقشة تفاصيل كيفية استيعاب الجماعات المسلحة، وإعادة بناء الجيش الوطني ومكافحة الإرهاب. لدينا المعايير الأولية لهذه التدابير والمتمثلة في بيان جنيف وقرار مجلس الأمن. وبمجرد تنفيذها، فإن عملية الفرز بين الأصدقاء والأعداء سوف يتم القيام بها من قبل هذه المكونات نفسها.

من أجل أن نكون قادرين على وضع نواة لسوريا الجديدة فإن «الأسد» لا بد أن يرحل ولا بد أن تتفق جميع الأطراف الخارجية على حدود نفوذها. كلا الهدفين مترابطين وفي متناول اليد، ويمكن أن يتحققا إذا بقيت القنوات الحالية بين الولايات المتحدة وروسيا بناءة، وإذا ما قررا استكشاف وسائل لتوجيه جهودهم نحو جمع الأطراف الإقليمية.

وحتى نكون واضحين، فإن هذا الخيار لا يقوم على سورية حرة ومستقلة بشكل تام. وتكمن فائدته في أنه يساعد على تصور تركيب وجود سوريا موحدة مع القبول بقدر من التقسيم على أرض الواقع على أن يتم تقليص حدود هذا التقسيم إلى مستويات مقبولة وعملية.

خيارات صعبة

هذا يقودنا مباشرة إلى الخيار الثاني الذي يبدو وكأن الجميع يندفعون إليه وهو تقسيم سوريا تحت اسم جذاب مثل اللامركزية أو الفيدرالية أو أيا كان. يبدو أن هذا هو الخيار الأكثر سهولة في الظاهر، ولكنه في واقع الأمر يستبطن مشكلات أكثر خطورة من الخيار الأول.

إذا تم الذهاب إلى هذا الخيار فإن الرفض الحقيقي والخطابي له سوف يتجسد في صورة مقاومة مفتوحة. جميع السوريين يتظاهرون الآن ضد استخدام كلمة الفيدرالية. ولنا أن نتصور أن «توحيد الوطن» سوف يكون هو شعار المرحلة المقبلة من الحرب في سوريا.

وخلاصة القول، فإن الخيار الأول وهو الحفاظ على سوريا موحدة بشكل ما سوف يتطلب المضي قدما من خلال نموذج قريب لاتفاق الطائف، حتي يمكن لجميع القوى أن تشارك في الحياة السياسية العامة وأن تمثل في مؤسسات الدولة والجيش وقوات الأمن. الطريق إلى هذا الخيار موضح بالفعل في بيان جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254. ومع ذلك فإن المكونات اللازمة لإسقاطه على أرض الواقع على الرغم من أنها تحسنت بشكل كبير مع اتفاق «كيري – لافروف» فإنها لا تزال غير متوفرة حتى الآن. التفاهم الإقليمي بشأن سوريا لا يزال مفقودا وهذا هو السبب في أن العملية لا تزال معلقة ومفتوحة على نهايات غامضة. وفي كل الأحوال فإن دور «الأسد» قد عفا عليه الزمن.

الخيار الثاني، وهو الفيدرالية أو اللامركزية أو أيا كان، هو خيار غير قابل للاستمرار على المدى المتوسط فضلا عن أن يستمر على المدى الطويل. من خلال تحليل ذلك، فإننا سوف نرى أنه مجرد خطوة على طريق استمرار الخيار الثالث الذي نحياه على مدار السنوات الخمس الماضية.

لا يمكن تمديد عملية جنيف لفترة طويلة بسبب الوتيرة السريعة والعنيفة للصراع. يمكن للقواعد التابعة لزعماء المعارضة المشغولون في جنيف أن يتخلوا ببساطة عن قادتهم المنشغلون في مفاوضات طويلة المدى وأن يعودوا إلى المفاوضات من جديد وبخاصة إذا استمر اندفاع «الأسد».

ومع ذلك فإن المحادثات يمكن أن يستمر بذات القدر الذي يمكن توجيهها فيه نحو التوصل إلى تفاهم إقليمي. إذا لم يتم التوصل إلى مثل هذا الفهم، فإن الاحتمال الأبرز هو أن تلك المأساة سوف تستمر.

سمير التقي وعصام عزيز – ميدل إيست بريفينج

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى