بيسان الشيخصفحات مميزة

مقالان تناولا اعتقال لؤي حسين

قراءة في اعتقال لؤي حسين/ إياد الجعفري

أكثر ما يخشاه نظام الأسد أن يكون على رأس معارضيه شخصية علوية، وبالتالي علمانية، تتبنى الخط السلمي، وتتجرأ على رفع سقف نقدها له بصورة تنال من هيبته وركائز قوته، حتى ولو بالتصريح. وكل ما سبق انطبق أخيراً على لؤي حسين، كما سبق وانطبق على عبد العزيز الخيّر، فغُيّب الأول، وإن بصورة أقل درامية من الطريقة التي غُيّب بها الثاني.

ويبدو أن النظام حاول إبعاد الأنظار عن التصريحات التي قادت إلى اعتقال لؤي حسين، فأشار في قرار توقيفه إلى مقالٍ كتبه حسين في صحيفة الحياة، منذ أكثر من أربعة شهور. لكن المتابعين لم يخفَ عليهم جُرأة تصريحات حسين التي سبقت اعتقاله بأيام.

المجموعة الأولى من التصريحات كانت في مطلع الشهر الجاري، في بيانٍ صادرٍ عن “تيار بناء الدولة السورية”، الذي يترأسه لؤي حسين. أما المجموعة الثانية من التصريحات فكانت لـ “واشنطن بوست” الأمريكية، قبل أيام قليلة فقط على اعتقال الرجل.

لؤي حسين مثّل تكراراً لجوانب من تجربة عبد العزيز الخيّر. أبرز هذه الجوانب أنه شخصية علوية. ورغم أن الرجلين لا يحظان بتأثير كبير على “الطائفة العلوية”، ككتلة اجتماعية، إلا أن الخشية من أن يخرقا حصرية تمثيل آل الأسد والعائلات المتحالفة معهم، لنخبوية “الطائفة” والقدرة على توجيهها، شكلت أحد الهواجس التي أخافت النظام، على ما يبدو. وهذا ربما ما دفع النظام لاعتقال عبد العزيز الخيّر، تحديداً، منذ أكثر من سنتين، بطريقة درامية. حيث اختُطف الرجل مع معارضين كانوا برفقته، من أمام بوابة مطار دمشق الدولي، بعد عودتهم من العاصمة الصينية بكين، في زيارة للتباحث في الحلول السياسية الممكنة للأزمة السورية. ويومها أنكر النظام مسؤوليته في تغييب الخيّر، رغم أن عائلته والمقربين منه أكدوا امتلاكهم معلومات بأن الرجل مُعتقل في أحد سجون النظام. ولأن لعائلة الخيّر، حتى اليوم، مكانة معنوية ملحوظة في القرداحة نفسها، مسقط رأس آل الأسد، فضّل النظام ألا يُعلن مسؤوليته عن إخفاء الرجل. لكن النظام نجح في إجهاض مساعي الخيّر لأن يشكّل بديلاً نُخبوياً للعلويين، عن العائلة الحاكمة وتلك العائلات المتصاهرة معها.

أما لؤي حسين، فكان خطره أقل، ربما لأنه لا ينتمي إلى عائلة علوية تحتفظ بمكانة معنوية مؤثرة في “الطائفة”. وهو ما شفع له بأن يبقى قادراً على انتقاد النظام، تحت سقف ملحوظ من الخطوط الحمراء، من داخل سوريا، ويتجاهله النظام كي يُظهر لجميع الأطراف بأنه يحترم المعارضة الداخلية العلمانية غير العُنفية.

لكن لؤي حسين تجاوز مؤخراً بعض الخطوط الحمراء. ربما راهن على أن النظام لن يتورط في اعتقال معارض لا قوة له إلا لسانه، في ظلال مبادرة روسية تسعى لتمتين المعارضة الداخلية، وتطعيمها بشخصيات ذات ثقل من المعارضة الخارجية، للوصول إلى تسوية سياسية في البلاد، تجعل لموسكو الكلمة الأبرز في المشهد السوري.

خاب ظن لؤي حسين. فالأخير هتك نسيج هيبة النظام، وتطاول على ركائز قوته، بصورة غير مسبوقة. وفي بيانه الصادر مطلع الشهر الجاري، تحدث حسين بجرأة عن أن النظام السوري ينهار ويتهالك، وأنه عاجز عن حماية السيادة الوطنية، خلافاً لما يروج له منظرو النظام. والأخطر أن النظام عاجز عن حماية البلاد، خاصةً من خطر “داعش”.

النقلة الأخرى التي تعرض فيها لؤي حسين لـ “ركائر” النظام، تصريح أدلى به لـ “واشنطن بوست” الأمريكية، منذ أيام، أكد فيه أن صبر العلويين يقترب من النفاذ حيال النظام الحاكم، بسبب عجزه عن إثبات أي تقدم يُذكر في إنهاء حالة الحرب التي تعصف بالبلاد.

التصريح الأخير بالذات كفيل باعتقال لؤي حسين. فالأخير اقترب من منطقة النظام المُحرمة. فهو حاول تهشيم فكرة سائدة في أذهان السوريين، من كل الأطياف، من جهة، وفي أذهان الكثير من المراقبين في الخارج، من جهة أخرى، مفادها أن ولاء “الطائفة العلوية” لنظام الأسد مُطلق، لا يمكن أن يتزعزع.

ولأن “الطائفة العلوية” الركيزة الأساسية لقوة القمع والعنف التي يستخدمها النظام في الجيش والأمن، فإن تهشيم حصرية تمثيل النظام لها، في أذهان أبنائها، من العلويين ذاتهم، أو في أذهان باقي السوريين، والآخرين في الخارج، أمر في غاية الخطورة وفق معايير النظام.

وبغض النظر إن كان توصيف لؤي حسين، حيال نفاذ صبر العلويين تجاه نظام الأسد، دقيقاً أم لا، فإن مجرد صدور التصريح عن شخصية علوية من المعارضة الداخلية التي لا يمكن اتهامها بالارتباط بجهات خارجية، وهي تعمل من الداخل، وتتصف بالعلمانية بحيث يستحيل وصمها بـ “الإرهاب”…كل ما سبق، كفيل بأن يشكل لؤي حسين خطراً نظرياً على النظام مما يتطلب اعتقاله، لفترة، تأديباً كي لا يتجاوز الخطوط الحمراء مرة أخرى، أو نهائياً، إن استصعب تدجينه بالصورة المطلوبة.

بكل الأحوال. يبدو أن نظام الأسد أراد أن يؤكد رسالاته السابقة لكل من يهمه الأمر، بأنه عصيٌ على الإصلاح، منيعٌ حيال مساعي التسوية، ومحصنٌ تجاه أي نيّة لإزاحة قبضته المُطلقة عن الحكم في العاصمة دمشق، والمناطق التي ما يزال يسيطر عليها. ولولا حاجته للحلفاء، ربما كان صرخ بأعلى صوته معترضاً على مساعي الروس لفتح قناة تواصل مع شخصيات معارضة في الخارج، بعضها ما يزال عضواً في الائتلاف الوطني. فهي بادرة قد تؤسس لتفاوض سياسي، ربما يُختتم بالانتقاص من سلطة النظام، وإجباره على الشراكة مع معارضين في السلطة، بضمانات روسية، وربما، إن نجحت موسكو في مساعيها، بضمانات إيرانية أيضاً.

المدن

 

 

 

 

عن اعتقال لؤي حسين/ بيسان الشيخ

هل كان الأمر يستدعي اعتـــقال المعارض السوري لؤي حسين لنثبت مرة أخرى أن نظـــام الأسد لا يحتمل ولا يتسع لرأي مخالف أو منتقد وإن كان ضمن سقفه؟ بالطبع لا، فهذا تأكيد المؤكد. لكن رئيس تيار «بناء الدولة»، لؤي حسين، فعل. ذاك أن الرجل اعتقد لوهلة أن باستطاعته انتقاد السلطة والدعوة إلى بناء حكم بديل يجمع بعض النظام وبعض المعارضة من دون أن يكون في ذلك ما «يضعف الشعور القومي» أو يمنع صاحبه من السفر أو يجعله يحاسب على رأيه. فظنه أن ما قد يحميه هو مناداته (المبالغة أحياناً) بـ «العلمانية» بما لا يترك مجالاً لإلصاق تهمة «الإرهاب» به، وأنه ممن سعوا إلى الاصلاح ضمن المنظومة القائمة، لا سيما أنه سبق أن سدد فواتير الاعتقال والسجن.

ومن يتابع كتابات حسين الأخيرة، سواء في المقالات المنشورة أو المواقف المعلنة في البيانات «الحزبية» وعلى مواقع التواصل، فلا يمكن إلا أن تلفته خطوات إضافية يقطعها الرجل تدريجاً، فيذهب في كل مقال أبعد مما ذهب إليه في المرة السابقة، كأنه يختبر ذلك السقف ويحاول رفعه قليلاً قليلاً، معتقداً للأسف أنه بعد 4 سنوات من «الانتفاضة الشعبية»، باتت ثمة حصانة معنوية لأشخاص مثله.

لكن النظام الذي يمتلك سلاحاً كيماوياً لم يتورع عن استخدامه ضد المدنيين، ولا يزال يمطر المدن والقرى بصواريخ وقنابل محظورة دولياً، ويشن حرباً على الإرهاب رافعاً راية حماية الأقليات، يتعبه رأي ويقلقه موقف. فكيف إذا جاء الرأي المعاكس ممن منحهم مطلع الثورة لقب «المعارضة الواعية» التي سوقها على أنها وحدها تستحق أن تسمع؟ لا شك في أن ذلك سيتسبب بوهن الأمة برمتها وليس إضعاف شعورها القومي. فكيف يعقل أن يخرج من هؤلاء «الواعين» من يرفض ممارسات النظام ويرى فيها تهديداً صريحاً لسورية، البلد والكيان والمجتمع، ويطرح عنه بديلاً يضم ألد خصومه؟ كيف يخرج أصلاً من يشك في بقاء رأس النظام ويتوهم أن إحاطة بشار الأسد بالعسكريين والمقاتلين في قصره لا تعني عدم تهالك النظام؟ وكيف يتهم الأخير بالفشل في حماية السيادة الوطنية؟ هذا كله مما لا يحتمله بعث يقرر أن يختار مؤيديه ومعارضيه، والغالبية الصامتة فيه، ثم يرمي بالآخرين في عرض البحر.

هكذا، تجرأ لؤي حسين وخرج عن طوره فبات فجأة، في عرف هؤلاء، معارضاً مسلوب الوعي، يسعى إلى تقويض المشاعر الوطنية، بالتالي فهو يستحق الاعتقال كغيره من الناشطين السياسيين، العلمانيين أو الإسلاميين، المدنيين أو العسكريين، المقربين أو المبعدين… فهنا لا فضل لمعارض على آخر إلا بالخنوع والقبول.

لا شك في أن ثمة سوء فهم عميقاً وقع بين الطرفين. فالمعارضون المخضرمون المقبلون من خلفيات يسارية، مثل حسين وقبله يوسف عبدلكي وعبدالعزيز الخير وغيرهم على اختلاف تجاربهم، ظنوا أنهم نجحوا في رفع سقف النظام قليلاً، لا سيما أن المعركة الفعلية في مكان آخر. أما النظام فاعتقد في المقابل أنه نجح في «تدجين» معارضة الداخل تدجيناً كاملاً، لا سيما أن الثورة اتخذت منحى عسكرياً وإسلامياً متشدداً، ومن المعروف أن هؤلاء يقفون ضده. فإذا اكتشف عكس ذلك، بطش بهم من جديد. وسوء الفهم هذا يكشف بحد ذاته مدى خبث النظام وديكتاتوريته في آن، وحسن نوايا «العلمانيين» به كأنهم لا يتوانون عن تجريب المجرب.

واللافت والمحزن في قضية الاعتقال تلك، يبقى أن مجتمع الثورة السورية لم يتبنَّ لؤي حسين بالحماسة والتعاطف نفسه الذي حظي بهما كثيرون، حتى ممن نشطوا في ظروف أقل صعوبة من ظروفه. فلم يتحول لؤي حسين «قضية» المعارضين في الخارج، ولم تُقَم باسمه حملات وتوقع عرائض. بينما يجب أن يحسب للرجل أنه كتب ما كتب، وقال ما قال وهو داخل سورية. وليس ذلك بالأمر اليسير كما لا يعود الفضل فيه إلى رحابة صدر النظام. وإذ ذهب بعض الحريصين على اللياقات الاجتماعية إلى القول إن الاعتقال لدى النظام هو مما لا يتمناه المرء لعدوه، فقد أحالوا الرجل تلقائياً إلى مصاف الأعداء، أو أوهمونا بأن الاعتقال لدى «الجهات الثورية» هو مما يشتهى!

صحيح أن مواقف حسين المعارضة للنظام وغير المؤيدة كلياً للثورة جعلته في منزلة بين منزلتين، فيسهل لكل منهما تبنيه حيناً والتخلي عنه أحياناً، لكنه يبقى من القلة القليلة التي اجتهدت فعلياً للبحث عن تصور سياسي واضح لسورية ما بعد الأسد. وذلك أيضاً مما يجب أن يحسب له. فما تحتاجه سورية اليوم يتخطى العمل الإغاثي والإنساني والنشاط «الفايسبوكي» إلى النحت الفعلي في صخر السياسة.

قد يكون لؤي حسين في معارضته وخطابه «ابن النظام» إلى حد بعيد، كما وصفه البعض شامتاً ومتهكماً، لكن ما فات ذلك البعض أن هذا النظام لم يفعل خلال ستين سنة من الحكم إلا إنجاب أبناء وبنات… جار عليهم واحداً تلو الآخر.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى