صفحات العالم

مقاولو الحروب الأهلية!


    راجح الخوري

لم يتمكن احد في تاريخ هذه المنطقة السعيدة من تنفيذ سياسة فرق تسد لإشعال الحروب الاهلية كما فعل النظام السوري في ايام بأسه على امتداد نصف قرن، وكما يفعل اليوم في مرحلة يأسه بعد عامين تقريباً من بدء الأزمة التي حصدت اكثر من 35 الف قتيل ودمرت نصف سوريا،حيث وصل الأمر اول من امس الى ارسال المقاتلات لتقصف العاصمة دمشق!

تكفي نظرة فاحصة الى التطورات السياسية والامنية على تخوم الازمة السورية لمعرفة المدى الذي وصل اليه هذا النظام في ترسيخ سياسة التخريب كأساس لتثبيت دوره وموقعه، قوياً بين ضعفاء تنهكهم خصوماتهم والصراعات. يكفي مثلاً ان نتأمل في القتال الذي دار قبل يومين في مخيم اليرموك بين “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” بقيادة احمد جبريل ومقاتلين من المعارضين الفلسطينيين الذين سبق لهم ان اشتركوا في القتال ضد النظام في آب الماضي ويومها استعملت الدبابات والمدافع لقصف المخيم، وهو أمر لم يفاجئ احداً وخصوصاً بعد خروج قيادة “حماس” من سوريا، التي كانت قد استضافتها ليس حباً بالقضية الفلسطينية بل نكاية بـ”فتح” والسلطة الفلسطينية، وفي اطار ترسيخ خطة ايران لنسف “اتفاق مكة” الذي رعاه العاهل السعودي الملك عبدالله!

واذا كانت المعركة في مخيم اليرموك قد اطلقت المخاوف من اشتباكات مماثلة في كل مخيمات الفلسطينيين في سوريا ولبنان والاردن، فليس سراً ان هناك مخاوف موازية من وقوع إشتباكات مسلحة بين الاحزاب الكردية، وخصوصاً بعدما حرّك النظام “حزب العمال الكردستاني” ضد تركيا من جهة وضد الاكراد السوريين المعارضين في الداخل، وهو ما اطلق تظاهرات كردية عارمة تعارض الاقتتال بين الاخوة نهاية تشرين الأول الماضي في كوباني!

ومن جهة ثانية، اذا كان النظام قد نجح في تحريك بعض الاوساط العلوية التركية في جنوب البلاد ضد سياسات حكومة اردوغان المؤيدة للثورة في سوريا، حيث قيل ان هذه الاوساط تحاول التضييق على اللاجئين السوريين، فان الأردن ليس بعيداً عن محاولات دمشق الحثيثة لخلق ازمة داخلية على خلفية بعض المطالب المتصلة بالاصلاح السياسي والتنمية!

في هذا السياق يبقى لبنان الساحة النموذجية الاولى للتدخلات السورية ومرمح خيلها والمؤامرات، وآخر فصولها كان مخطط سماحة – المملوك وما تلاه من اغتيال اللواء وسام الحسن مكتشف المؤامرة وغيرها من الخطط التي تهدف إلى إشعال حرب اهلية بين اللبنانيين. هذا ليس جديداً، فمنذ ما قبل دخول الجيش السوري الى لبنان في عام 1976 كان النظام قد أسس عميقاً للخلافات والانقسامات بين اللبنانيين، على خلفية مزعومة كانت تتصل بالقضية الفلسطينية وباتت متصلة الآن بالإنقسام المذهبي الذي يتأجج بين السنّة والشيعة على امتداد المنطقة… والذي لا ينسى شعارات فلسطين وقضيتها!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى