صفحات الثقافة

هنيئاً لنا قبورنا البطيئة كالسلاحف


    رامي الأمين

هواجس سلفية

1

كنت أُحضر خالي من المطار عائداً بعد سفر، حين هممنا بركوب السيارة في الموقف. توقف فجأة مدهوشاً، ثم تابع سيره وهو يضحك. سألته عن سبب ذلك، فقال إنه قرأ عبارة “مواقف سلفية” بدلاً من “مواقف سفلية”!.

2

تعوّدتُ على حلاقة لحيتي بالماكينة. لكني في ذلك اليوم، ذهبتُ الى صديقنا الحلاّق، الذي بدأ بشاربيَّ، فحلقهما. حين همّ بجزّ الباقي من شعر اللحية، ورأسي الى الخلف، أتاه اتصال هاتفي، فانشغل عني. رفعتُ رأسي، ويا ليتني لم أفعل. فقد رأيتُ في المرآة، وجهي السلفي. ارتعبتُ بادئ ذي بدء، ثم كاد أن يغمى عليّ من الضحك!

3

اللحية لا تصنع الفيلسوف، يقول إبن رشد. حسناً، كلنا يعرف مَن تصنع.

 4

أحد السلفيين على التلفزيون. بطاريات الريموت كونترول لا تسعفني. لقد خذلتني اللعينة. أضربها بالأرض تتحطم. أقوم من مكاني، بتوتر أعجز عن إخفائه، لأبحث عن الزرّ وأطفئ الجهاز. زوجتي تراقبني باستغراب. لكنها تراني، حين أنجح في اطفائه، أبتسم كطفل صغير.

5

تستغرب زوجتي عندما أطلب إليها أن تقصّر التنورة لدى خروجنا الى السهرة. “ماذا دهاك؟ ما هذا الطلب الغريب؟”، تسألني باستغراب. أقول لها إننا في ساحة حرب، ولن نترك النقاب ينتصر علينا. “هيا يا أختي الفاضلة، غيّري هذا البنطال، والبسي تنورة قصيرة”. تقبّلني، ثم نخرج الى القتال.6

في شارع الحمرا، وبسبب تغيير وجهات السير، يقوم أحدهم (لا بدّ أنه من البلدية) بتغطية بعض لوحات المرور بأكياس سوداء. أمرّ بإحدى هذه اللوحات، فلا أتمالك نفسي من الصراخ بأعلى صوتي: “تكبير!”. يلتفت إليَّ كل من يصدف مروره بالمكان، ثم يكملون مسيرهم، على بركة الله…

¶¶¶

أسيريات

1

في ذلك اليوم، وصلتُ إلى مركز عملي في قناة “الجديد”. ما إن ركنتُ سيارتي، حتى فوجئت بعشرات من عناصر الأمن تحت مبنى المحطة، مدججين بأكسسوارات مكافحة الشغب. لم يخطر في بالي أن للأمر علاقة بأحمد الأسير، الذي كان ضيف برنامج “الحدث” الصباحي. دخلت إلى المبنى، فوجدت في الأسفل عشرات الرجال من مرافقي الشيخ، ينتظرونه مع مجموعة من السيارات الرباعية الدفع ذات الزجاج العازل، مدججين بلحاهم ونظراتهم المرتابة والمشككة في كل من يدخل الى المحطة ويخرج منها. بدا واضحاً من ذلك المشهد كلّه، أن الأسير إسم على مسمّى.

 2

في اليوم التالي، أقدم ملثمون مسلحون على محاولة حرق قناة “الجديد” بإطارات مشتعلة ودفعها إلى داخل المبنى. ظنوا أنهم بذلك يعاقبون المحطة على استضافة الأسير. الواقع أن ما فعلوه كان عقاباً جماعياً، لنا ولهم، فقد أعطوا الأسير أكثر مما يستحق.

3

يهدد الأسير بتطيير النوم من عيون اللبنانيين، لكنه غافل أننا لا ننام أصلاً. هذه بلاد الأرق!

4

الأسير لا يعارض “حزب الله” من منطق التناقض. هو يريد التماهي. لكن بأسلوب هزلي، لا تقتنع به حتى المرآة. أسير صورته، ومرآته، التي تقنعه بعكس ما هو عليه. إن لم يقتله لسانه، فستقتله مرآته.

5

الأسير أسير طائفته. لم يكن آسرها ولن يكون.

6

عندما شاهدتُ صورة للأسير وهو يركب دراجة هوائية، تذكرتُ قول محمد الماغوط في رثائه بدر شاكر السياب، “قبرك البطيء كالسلحفاة لن يبلغ الجنة أبداً/ الجنّة للعدّائين وراكبي الدراجات”.

هنيئاً لنا قبورنا البطيئة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى