صفحات سوريةغسان المفلح

مكافحة الفساد قبل دم حوران أم بعده؟

 

 


غسان المفلح

بعد أن تحولت مدينة درعا، لؤلؤة سورية الجنوبية وسهل وجبل حوران، إلى حماة ثانية ووصل عدد القتلى إلى مئات في الشوارع التي امتلأت بدماء شباب حوران، وانتقلت الجبهة من حدود الجولان إلى محاصرة الجيش الأشم لقرى ومدن حوران، أصلا هذه مهمة جيوشنا عموما في المنطقة ما عدا إسرائيل، الوحيدة جيشها لحماية حدود دولتها المفترضة والقائمة على الأرض، كنا نتوقع من جيشنا الباسل أن يرفض الأوامر بقتل أبناء بلده، لكن من قال اننا أبناء بلد واحد، هنالك في سورية بلدان، الأول للسلطة الفاسدة والثاني للشعب المغلوب على أمره، والذي حاول شباب درعا أن يردوا فيه الروح، من خلال نزولهم إلى الشارع ومطالبتهم بإصلاح النظام ومكافحة الفساد، لكن النظام يدرك أنه بالفساد باق، وبالفساد على كل المستويات سيبقى. في حوار سابق أجرته وسيلة إعلامية مع الباحث الأمريكي جوشوا لانديس المقرب من السلطة السورية بعد ثورتي تونس ومصر، سألوه عن سورية، باعتبار ان ميله معروف للنظام في دمشق، وعن توقعاته بعد الثورتين، فأجاب الرجل كأكاديمي وبحيادية مفرطة ‘في سورية لا يمكن أن يحدث ما حدث في مصر وتونس، لأن الجيش السوري اصبح جيشا طائفيا أي انه متماسك طائفيا’ على حد تعبيره. نحن لا نجرؤ كسوريين على هذا القول، لأننا سنتهم بأننا طائفيون، فهل نحن كذلك؟

وهل حقا جيشنا الباسل هو كما قال عنه جوشوا لانديس؟ بالمناسبة جوشوا لانديس من أشد المدافعين عن النظام في المحافل الأمريكية، لأنه يخاف في حال سقوط هذا النظام أن يأتي الإسلاميون إلى السلطة، وعداؤه واضح لهم.

لكن يبدو أن الأمور وصلت إلى هذا الحد في تركيبة الجيش السوري.. والموضوع ليس هنا الآن، ما حصل قد حصل وأصبح الجيش جيش السلطة ومدافعا عن بلد السلطة وليس عن سورية، عزيزي القارئ من يرى رجال الأمن في أشرطة بثتها كل وسائل الإعلام العالمية والعربية، كيف يطلقون النار ويعتقلون شباب درعا، يعتقد اننا أعداء منذ قدم التاريخ، إنهم فرحون وأصواتهم مسموعة، إلى درجة تدعو للتساؤل هل نحن فعلا أبناء بلد واحد، هل يجمعنا انتماء لبلد واحد؟ المفارقة أن الجيوش في البلدان التي حدثت فيها الثورات انشقت أو وقفت مع الشعب، إلا جيشنا الباسل، كل ما تسرب أن عسكريا من درعا من آل المصري رفض الأوامر، وكيف يطلق النار على أبناء مدينته العزل، وقيل انه أعدم، ونتمنى ألا تكون هذه الرواية صحيحة، الشعب السوري بكل طوائفه واديانه واثنياته، أظهر تعاطفا مع سكان درعا، لكن أغلب فعاليات هذا الشعب كانت مع النظام وليذبح أهالي درعا، وليس الفعاليات الدينية والطائفية، بل حتى الأحزاب السياسية ومنها التي تدعي المعارضة!

مرة أخرى أجد نفسي أذكر بالكاتب الصديق والرفيق السابق، حزبا وسجنا، لؤي حسين الذي عبر فقط تعبيرا صريحا أن ما يحدث في حوران هو مجزرة، وحذر وسائل الإعلام من أن تتحدث بغير ذلك فاقتيد إلى السجن، في هذه الفترة تم اعتقال المئات لا بل أكثر من ذلك، لأنه كما هو معروف لدينا في سورية عندما تصلك أرقام مئات عبر وسائل الإعلام هذا يعني أن ألوفا قد اعتقلت..

النظام السوري هذه المرة رغم مسرحيته الباهتة التي عرضها تلفزيونه، من أنه وجد أسلحة وأموالا في الجامع العمري في درعا، إلا أنه لعب الأمر دمويا على المكشوف، وقيل انه طمأن إسرائيل بان تحركات الجيش ليست موجهة ضدها، والقول هنا يمكن أن نورده على سبيل الطرفة السوداء، لأنني أعتقد انه غير صحيح… لكن ما حدث في درعا يجعل الكوميديا السوداء آخر أسلحة المقاومة لكل هذا العسف.

لم يعد الأمر يحتاج منا بعد درعا الى أن نحلل طبيعة النظام، وهل هو دولة سلطانية محدثة أم سلطة غاشمة؟

الأمر أبسط من ذلك بكثير ‘إننا أمام لوثيان فردي عائلي وطائفي وما فوق طائفي منضد ولائيا بطريقة استخباراتية متمرسة حقا، خلقه الفساد على مدار أربعة عقود. لوثيان لديه كامل الاستعداد لأي دم مقابل نهمه نحو السلطة.

مع كل هذا خرجت علينا السيدة بثينة شعبان وزيرة إعلام القصر الجمهوري، لتقول ان قيادة البعث، واستجابة لمطالب المواطنين، قررت تشكيل لجنة لمكافحة الفساد، وتشكيل لجنة لوضع مسودة قانون أحزاب… أليست هذه كوميديا أكثر من سوداء؟ الآن بعد كل هذا الدم؟ رغم ذلك إن هذه المسرحية التي قدمتها بثينة شعبان في تصريحها هذا، تدل على ‘أن النظام اقترف في درعا مجزرة تحتاج سورية إلى عقود أخرى لكي تنساها، وليس كما فهمها بعضنا ان النظام تنازل لمطالب الناس والشباب’.

من يرى دماء الشباب في الشوارع، ومن يرى كيف اقتحموا الجامع الأموي وما فعلوه مع المحتجين السلميين في داخله، يعرف جيدا ماذا اقترف النظام في درعا، ولهذا هو أقدم على هذه التمثيلية، كعادته. كيف يمكن لنظام فرداني أن يكافح نفسه؟

هذا السؤال يطرح فقط في سورية والسبب بسيط أيضا: أن النظام السوري الحالي بوصفه وريثا، فهو حاز ارثه هذا من الفساد، الفساد هو من ورث هذا النظام السلطة.. فكيف له أن يكافح نفسه؟

أيضا مع ذلك لنضحك على عقولنا قليلا ونقول التالي: كيف يمكن أن تدلل السلطة على نيتها بالقرائن والأدلة؟ أطرف ما في الحكاية هو أن قيادة البعث هي من قررت هذه القرارات؟

أي بعث هذا؟ ومن لا يعرف درعا أقول له شبه جازم، أن أكثرية من خرجوا من الشباب في التظاهرات السلمية وبمطالبهم غير التعجيزية، لمن لا يحمل سوء طوية وطنية، هم من منتسبي حزب البعث الحاكم.

أعتقد المطلوب الآن هو أن تأتي لجنة محايدة، لترى ماذا فعل النظام في درعا؟ وحتى لو كان فيها مندوبون عن إيران وحزب الله وقطر وساركوزي. وفيما بعد ليكافح النظام الفساد ولينظم قانونا للأحزاب.

 

‘ كاتب من سورية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى