صفحات الثقافة

ملف السفير الثقافي الذي يتناول ثورة مصر

حكم الإخوان

عباس بيضون

مهما كان الرقم فهذه سابقة تاريخية. الملايين خرجت إلى الشوارع والميادين وغطت في بادرة، لا مثيل لها، الأرض المصرية. أربعة عشر مليونا أو سبعة عشر بحسب تقديرات عالمية. هذا ما لا يمكن استيعابه ولا تقدير عواقبه. حذر الأزهر من حرب أهلية. لم يكن هذا هراء، ففي الشارع معسكران متضادان مهما كان التفاوت بينهما. لم يكن العنف، قياساً على الحشد كبيراً، لكنه حدث، سقط قتلى وأحرقت مراكز، انه إنذار فحسب، لكن السلاح موفور في الأيدي ولا نعلم متى تكون الشرارة الأولى. العنف على قاب قوسين، وإذا انفجر سيكون أعمى ولن نتكهن بنتائجه. وضع مفزع، وإذا ترك وحده كان تحضيراً لحرب. تدخل الجيش وأنذر الدولة 48 ساعة فحسب، لعلها خلالها تستجيب لمطالب الشعب، وإلا كانت له إجراءات وخطة للمستقبل.

منذ قامت ثورة يناير لم تهدأ الأمور في مصر. حمل كل يوم تقريباً حادثاً جديداً واشتباكاً جديدا، ولم يكن الاخوان المسلمون الذين وصلوا إلى الحكم في المستوى، لقد حكموا لكنهم من اللحظة الأولى بدأوا ببناء دولتهم. ما سمي أخونة الدولة لم يكن وهماً، تم زرع الآلاف من الاخوان في جسم الدولة وفي كل المراتب، الآلاف بل عشرات الآلاف، كان الاخوان متعجلين إلى الإمساك بكل تلابيب الدولة. استمروا في هذه العملية من دون اكتراث بما تورثه من حزازات وضغائن وردود فعل. كانت هذه عملية اغتصاب معلنة ووقحة وبارزة حتى صعبت ملاحقتها. من هنا كان الصدام مع الكيانات ذات الوجود المؤسسي وذات التراث الدولتي وعلى رأسها القضاء فالجيش. تصدى القضاء للاخوان في كل خطواتهم: الإعلان الدستوري، الاستفتاء، عزل النائب العام، مجلس الشورى. في كل هذه، كان القضاء يقف مع الدولة والقانون ضد التسلط. بدا أن خارطة طريق الاخوان شبه المعلنة هي الاستيلاء والاستبداد. خاضت المعارضة وخاض القضاء معارك ضد هذه المؤامرة التي تنفذ يومياً. طرحت مسألة الشرعية هكذا منذ البدء. كيف يمكن أن تفتئت الشرعية على القانون وعلى المؤسسات وتبقى شرعية. كيف يمكن أن يُعْمِلَ الرئيس هدما في الدولة ويبقى مع ذلك حامي الشرعية، منذ أن وصل الاخوان المسلمون إلى الحكم حتى بدأوا بإقامة دولتهم داخل الدولة، فبدوا أبعد ما يكون عن ممارسة الدولة كراعية للمجتمع ونقطة توازن وإدارة للصراع. لذا بدت سياستهم منذ البدء تحصناً في الدولة وتحويلًا لها إلى ملك خاص وتحطيمًا لكل مقاومة فيها واعتداءً على مؤسساتها. استفز هذا القضاءَ بيتَ القانون وحُكْمَ الشرعية. كان نزاعاً على القانون وعلى الشرعية التي تواجه فيها قيمان على القانون كما تواجهت فيها شرعيتان: شرعية تسعى إلى إقامة الشرعية وتأسيسها على القانون، وشرعية أخرى ليست أكثر من البناء على المنصب وإطلاق يده وتحويله إلى قوة بذاتها خارج القانون.

لم يدم حكم الاخوان أكثر من سنة. لم تكن على كل حال سنة عادية، بل تتابعت محتدمة صاخبة. هنا تواجهت أيضا شرعيتان. بدأ الكلام باكراً بعد انتفاضة يناير عن شرعية الثورة، يومها بدا هذا الكلام طناناً ومتفصحاً. لكن انتفاضة يناير التي لم تكن قد استنفدت زخمها، والتي بقيت في سيرورة دائمة طوال هذا الوقت، حققت حرية كاملة لكل أشكال الحراك الشعبي، التظاهر، الاعتصام، العصيان. لم يكن هذا منحة من الاخوان، لقد وجدوه أمامهم وحاولوا بقدر الامكان ان يخنقوه. أعادوا الشرطة إلى المواجهة، أعادوا عنف الشرطة التي نبذتها جماهير الانتفاضة وأخرجتها من الشوارع ولا زالت تلك الحزازة متأرثة فيها، وبالفعل أبلت الشرطة في خدمة الحكم وقتلت في بورسعيد وفي غير بورسعيد العشرات. كان في نية الاخوان ان يقمعوا الحراك الشعبي بقوة الأمن. لكن الزخم الشعبي المستمد من الانتفاضة كان عارماً ولم يكن لينضب او يكل او ينطفئ حسب حسابات الاخوان. بدا هذا الحراك ذا قدرة نووية على أن يستمر وعلى ان يتجدد. الاخوان مذ وصلوا إلى الحكم تصرفوا كفريق، كفئة وكجماعة. لقد تصرفوا كسلطة جشعة وكجماعة جشعة وكفئة جشعة. هذا الجشع لم يكن غير ملحوظ وأثار منذ البداية مشاعر سلبية في الشعب الذي رأى نفسه مهملاً ومتروكاً أمام الامتيازات التي بدأ الاخوان، من الفئات كافة، يتمتعون بها، ما زاد حساسية الجمهور تجاه هذه الامتيازات الضيق المعيشي وفقدان الحاجات الاولية، وكان يمكن لهذا الضيق أن لا يورث الضغينة لولا طمع الاخوان وامتيازاتهم.

من الواضح أن الاخوان لم يتريثوا. انها سنة انقضت في المشاكل وكان يمكن للجمهور أن يعتبرها اختباراً وكان يمكن له أن يسامحهم عليها. لكن الاخوان الخارجين من دهاليز الحياة السياسية والحياة التنظيمية، ومن غيابات تاريخ طويل، الاخوان الذين تقلبوا بين البنا وسيد قطب والاسلام الجهادي والذين تجذرت فيهم نظرية الجاهلية الجديدة ولم يكن الجمهور بالنسبة لهم الا غارقاً في هذه الجاهلية الجديدة، الاخوان الذين لم تكن الديموقراطية بالنسبة لهم الا وافداً غربياً، الاخوان لم يشاركوا الا من بعيد في الانتفاضة ولم يستوعبوا حقا الرافد الديموقراطي فيها. هم في الأرجح نظروا بعين ضيقة إلى هذا الرافد ورأوا، هم المتربون على الطاعة، انه عطوب عابر، وأنه لن يصمد حينما تبدأ الدولة في استعمال أدواتها، وحين تقوم على ما تقوم عليه الدول التي سبقت في مصر. لقد نظروا بعين ضيقة إلى الظرف وكلما كان الظرف يكذب نظرتهم كانوا يزيدون تشبثاً فيها، وإصراراً عليها. كان المهم بالنسبة لهم اظهار سطوتهم وقوتهم معتقدين ان الجمهور لا يزال يعبد القوة، ولا يزال يرهب قوة في تماسك قوتهم وفي فعاليتها. لم يكن الردع بعيداً عن تاريخ الاخوان، لقد مارسوا من قبل في الجامعات وفي النقابات ومارسوه في الأحياء والقرى والنجوع. ثم أن حليفهم الحالي «الجماعة الاسلامية» تربى على العنف وعلى استدرار الدم. ليس الاخوان تنظيماً ديموقراطياً، انه كمعظم التنظيمات الاسلامية يقوم على الإمارة والطاعة والذوبان في التنظيم وإظهار القوة وبث الرهبة في قلوب الآخرين، لذا لم يستطع تنظيم الاخوان ان يفهم الفحوى الديموقراطية للانتفاضة المصرية، لذا تعجل الاستيلاء والسيطرة وسعى إلى أن يرهب بقوته الجمهور، ما حرض الجمهور على أن يرد عليه بالمثل.

مصر مركز العالم العربي، وأظن أن الربيع العربي بين إلى أي حد تتشابك وتتفاعل بلدان هذا العالم، وإذا كان الربيع قد حمل التنظيمات الإسلامية إلى قمة معظم بلدان هذا الربيع، فإن تهاوي تجربة الاخوان في مصر لن تكون من غير تأثير على تونس والمغرب واليمن وسوريا وليبيا. إذا كان مد الربيع العربي قد حمل هذه التنظيمات إلى السلطة أو جعلها، في الأقل، قريبة منها، فإنها في كل بلد من البلدان ستواجه غالبا الإشكاليات ذاتها، أيا كان البلد، فإن نزعة الاستيلاء والاستبداد والسيطرة ستكون هي نفسها، وأياً كان البلد، فإن استعراض القوة ورهبة القوة سيكونان هما نفسيهما، مهما كان البلد، فإن الإمارة والطاعة والتربية شبه العسكرية والتراص التنظيمي ستبقى كما هي. يمكننا لذلك ان نعتبر التجربة المصرية نموذجية وان ننتظر ان يؤدي تداعي حكم الاخوان في مصر إلى تداعيه في بلدان أخرى. سيكون هذا التداعي حافزاً ودافعاً في أكثر من بلد للخروج على حكم الاخوان وسلطانهم، لربما بدأت هذه التجربة بالهبوط.

يظهر الجيش ليمنع الاشتباك الأهلي. انها لحظة مؤاتية، لم يعد في البال هتاف الشباب «فليسقط حكم العسكر». هناك خطر أن يفوز الجيش بالغنيمة، ان يسقط في يده تعب وجهود جيل. لكن الشبان لا يزالون في الشارع وسيحرسون الانتفاضة من كل طامع، لا يزالون في الشارع ولن يرهبهم أحد، لقد صرخوا في يوم «يسقط حكم العسكر» وقادرون على أن يصرخوها ثانية.

أكبر مسيرة في التاريخ

جمال الغيطاني

ما جرى مفاجأة حتى لمن يعرف مصر وتاريخها جيدا، ما جرى معجزة أثبت الشعب خلالها حيويته وقدرته على استدعاء موروثه لمقاومة الظلم والعدوان والاحتلال. جماعة الإخوان هي قوة احتلال لمصر، قلت ذلك منذ البداية، وهم جماعة قد تصل إلى السلطة بالصندوق ولكنها لا تتركه أبدا، لأن مهمتها هي تخريب الأوطان، مهمتها هدم الكيانات الكبيرة وتفتيت المنطقة.

الشعب المصري أدرك ذلك مبكرا واستخدم عبقريته في المقاومة ليزيح هذا الحكم لينقذ ليس فقط مصر ولكن الإنسانية كلها.

منذ يومين هاتفني الروائي الإسباني خوان غويتسولو سألني هل صحيح نزل إلى الشارع 17 مليونا؟ قلت له لا.. الرقم الصحيح أكبر من ذلك بكثير، ربما يتجاوز 33 مليونا ..قال غويتسولو: هذه أكبر مسيرة فى تاريخ البشرية. بالفعل. لم تكن المسيرات فى الميادين الرئيسية فى المدن ، ثمة مسيرات فى أحياء وأزقة شعبية لم يسمع بها أحد ..رأيت فى منطقة مقابر قايتباي وهي منطقة نائية ومجهولة ، مظاهرة لسيدات عجائز يرفعن علم مصر ويهتفن ضد حكم المرشد.

كنت أتصور أنني سأرحل والإخوان في سدة الحكم، ولكن فاجأني الشعب بكافة أطيافه أدركوا مبكرا أن هذه الجماعة تحمل الخراب لمصر، لم نسمع طوال عمرنا عن صراع سني شيعي بمصر، نحن نتزوج على مذهب أبوحنيفة النعمان ونموت حبا من اجل سيدنا الحسين، عندما جاء الإخوان حدث الصراع ..تحت سمع وبصر رئيس الجمهورية.

بدون مبالغة هزني مشهد الخروج ، هزني وجود المرأة المصرية التي هتفت بكل ما فيها من طاقة ساعات طويلة لم تتعب، حدث أزاب الفوارق بين الطبقات جميعا، في مسيرة المثقفين التي سرت فيها كان كل أجيال المثقفين ممثلة ..كنت أتصور أن مصر لن تشهد حدثا مثل ثورة 19 ، ولكن هذا الحدث فاق كل الحدود والتصورات.

عندما أرى شبابا تمرد أشعر بعبقرية هذا الجيل الذى دعا الشعب واستجاب.. ولأول مرة فى التاريخ يؤمر الجيش من الشعب فيستجيب ..وهو الأمر الذى لا يمكن فهمه إلا فى إطار الوطنية المصرية لا العسكرية المصرية …استيقظت أمس ..كان اليوم اسعد ايام حياتي إنه يوم خال من الإخوان ، ذلك السرطان الخبيث..استرددنا مصر المخطوفة في أقل من عام.

(روائي مصري)

نهاية الشتاء الإسلامي

اشرف شريف

١- اليوم عاد مسار الثورة الى معركته الأصلية مع الدولة القديمة ومصالحها ومؤسساتها وانحيازاتها بعد سنتين ونصف ضيعهم علينا الاخوان هباء ومعركة الثورة الأساسية هي بناء دولة جديدة قائمة على الديمقراطية بمعنى استيعاب القطاعات الواسعة من المواطنين داخلها وان تصدر السياسات العامة معبرة عن مصالح جموع المواطنين وكمحصلة لتدافع القوى الشعبية المختلفة عبر عمليات من التفاوض بالأصالة عن نفسها (جوهر أزمة شرعية الدولة القديمة هواستبعاد قطاعات واسعة من المواطنين من عملية صنع القرار وتمثيل المصالح والحقوق لصالح هيمنة سلطوية الأجهزة الأمنية والبيروقراطية والأوليجاركيات الاقتصادية) وهذا يستلزم إعادة بناء مؤسسات الدولة وإعادة تشكيل علاقة الدولة بالمواطنين وصناعة القوانين والسياسات بالإضافة الى توسيع وتجذير المجال السياسي العام والمجتمع المدني والدفاع عن التعددية الاجتماعية والسياسية والثقافية والحريات العامة والخاصة … وبناء الدولة الجديدة هو السبيل لتجاوز الأزمة الثانية الدولة القديمة الا وهي أزمة الإنجاز أي العجز عن تقديم مستوى معيشة جيد وحد أدنى من الخدمات الأساسية لجموع المواطنين اقتصاديا واجتماعيا (تقع مصر في المراتب الدنيا بالنسبة لمؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية وفقا للتقارير الدولية).

٢- لكننا نعود الى المعركة الأصلية اليوم ونحن متعبون ومجهدون ومستنزفون نفسيا وعصبيا لكن بخبرات أعلى وافضل وتصورات أكثر وضوحا فى قراءة المشهد بعد زوال الإرباك «اللي كانوا مسببينه الاخوان الله يحرقهم».

٣- بسقوط حكم الاخوان سقطت مقولة الإعلام الغربي التافه والليبراليين العرب المذعورين ان الربيع العربي قد تحول الى شتاء اسلامي وكذلك سقطت كل مقولات التضخيم الاستشراقي من حجم وقدرات الحركات الإسلامية في المجال السياسي وتشكيل الوعي العام والحشد الجماهيري.

4- اهم مكاسب معركة 30 يونيو هي اندحار مشروع الإسلام السياسي وسقوطه في مصر الى غير رجعة وده تطور تاريخي هائل وسيكون مؤثرا وبشدة ليس فقط محليا وإقليميا ولكن عالميا أيضا ولن نكتشف حجم هذا التأثير الهائل الا بعد مرور الوقت… ومن المثير متابعة ما سيحدث للحركات الإسلامية في مصر بعد سقوط مشروع الهيمنة والدولة الإسلامية وهل سيلجأ بعضها للعنف أم لا وهل ستنتهي جماعة الاخوان لتظهر حركات اجتماعية وسياسية مختلفة ينخرط فيها الأعضاء الحاليين للتيارات الإسلامية كقوى محافظة ثقافيا واجتماعيا بأدوار جديدة وتطلعات جديدة بعيدا عن أساطير الدولة الإسلامية ومشروع الهيمنة الإسلامية التي سقطت عمليا؟ وهل يقومون بما يستلزمه كل هذا من تجديد فكري وتنظيمي جذري وشامل فيما يخص مفاهيم السياسة والدولة والقانون والتعددية والحقوق والحريات؟ مبدئيا البوادر غير مشجعة لان الاخوان الآن يتبنون خطاب المظلومية مرة أخرى وأنهم سقطوا بسبب انقلاب عسكري وليس بسبب رفض الشعب لهم.. الفشل الإخواني هو بالأساس ناتج عن طبيعة الاخوان التنظيمية والأيديولوجية فهي لم تجعلهم قوة إصلاح سياسي ومجتمعي باي معنى من المعاني لكنها أيضا لم تسمح لهم بالسيطرة على الدولة المصرية وتأسيس سلطتهم الاستبدادية لان حتى سلطة الدولة الاستبدادية لا تؤسس على يد طائفة دينية واجتماعية مغلقة .. ومن هنا كان فشلهم الدراماتيكي فلا هم كانوا قوة تغيير ولا قوة نظام .. تحالفت معهم قوى التغيير أحيانا واستخدمتهم قوى النظام كصدادة أحيانا أخرى لكن في النهاية تم لفظهم من الجانبين … ديناصور عجوز وبلا كفاءة وليس له دور وإزعاجه تجاوز الحد المطلوب فكان سقوطه منطقيا.. لكن الاخوان حيستمروا في خطاب المظلومية وأنهم ليس عليهم أي ذنب لكن الذنب كله على مؤامرات الانقلاب العسكري والفلول والعلمانية والماسونية الدولية .

5- استرداد مصطلحات «الفلول « و«الدولة العميقة « (مصطلحي المظلوم الذي تم ابتذاله) دلالاتهم بعد عامين ونصف من الدعارة المفاهيمية على يد الاخوان .. ولو انه من الأفضل ان نقول الآن «الدولة» وش كده بدون العميقة ويتأكد مرة أخرى الدور المركزي للدولة (والجيش في القلب منها) في الواقع السياسي المصري بعد حالة من الهستيريا غير المبررة والذعر والتضخيم المبالغ فيه في قدرات الاخوان على الاستبداد بمصر (وتأسيس الدولة الدينية) وعدم قراءة موازين القوى وطبيعة العلاقات جيدا….

6- الفراغ السياسي والاجتماعي مستمر وبدرجة أكبر كمان بعد فشل محاولة الإسلاميين بملئه في العامين ونصف الماضيين..

7- للتذكير: قلنا ان المسار السياسي الذي بدا عقب ١١ فبراير ٢٠١١ مصيره الى السقوط وان دستور الغرياني الإخواني العسكري مصيره الى السقوط على يد الشعب أيضا وان السؤال هو متى سيحدث هذا وباي تكلفة … وقد كان.

8- اليوم يبدأ المسار السياسي الثاني للثورة المضادة وملامحه الرئيسية فيما يبدو: الجيش يتحكم ولا يحكم (فيما عدا مسائل الامن القومي التي تقع تحت حكمه المباشر) وهوالعمود الفقري للنظام كله – مجال سياسي مفتوح لكن ضيق قائم على تحالف سياسي واجتماعي يميني حاكم (كان فشل الاخوان في تأسيس مثل هذا التحالف سبب رئيسي في سقوطهم) يمرر سياسات في ظاهرها إصلاحية لكن في جوهرها هي لتثبيت مصالح الوضع القائم – سلطوية تضيق على الحركيات الاقتصادية والاجتماعية والمطلبية – ترسخ مصالح النظام القديم لكن ربما بوجوه فلولية جديدة- دمج للإسلاميين في المجال السياسي لكن في مواقع محددة كقوى انتخابية مؤثرة لكن بسقف منخفض من التأثير والمشاركة – رغبة عند قطاعات لا بأس بها من قوى المسار الجديد بعودة الدولة البوليسية والأمنية مع عدم توافر قدرات هذا نظرا لتاكل أدوات القمع وديناميكية حركات الاحتجاج وتسييس قطاعات متزايدة من المواطنين.

9- المسار الثاني للثورة المضادة سيسقطه الشعب أيضا لانه سيستمر عاجزا امام ازمتي الشرعية والإنجاز وطوفان المطالب الاقتصادية والاجتماعية . قد تتدفق الأموال من الخليج ويحدث بعض الرواج ويهدأ الناس قليلا بعد زوال خطر الاخوان لكن هذا لن يجدي على المدى الأطول .. وتستمر المعضلة الأزلية : بقاء النظام مرهون بالاستقرار لكن الاستقرار لن يأتي الا بتغيير حقيقي داخل هذا النظام وهو ما يرفضه.

10- مكسب مهم من انتفاضة ٣٠ يونيو هو تسييس الكنبة وده ممكن يكون مرتكز للمقاومة ضد مشاريع الاستبداد الجديدة وان كان لم يعجبني انتشار الإعلام بشكل مفرط في البيوت وعلى السيارات والحوائط لأني شايف فيه شيء فاشي لكن في المقابل أعجبني تردد نداء «حرية» في جنبات ميدان التحرير بعد سقوط حكم الاخوان.. المعركة القادمة هي معركة حريات بالأساس ..

(كاتب مصري)

ثورة جديدة في مصر

سلامة كيلة

ثورة ثانية في مصر، هذا هو ملخص ما حدث بدءاً من يوم 30 يونيو / حزيران، حيث شهدت شوارعها ملايين لم تشهدها ضد حسني مبارك، وحيث تحركت قطاعات لم يكن متوقعاً أن تتحرك، وهو الريف المصري الذي كان يحسب للإخوان. يوم 30 يونيو شهد ملايين أكثر مما شهدته مصر يوم 11 فبراير (أو يوم التنحية).

لكن، أيضاً كانت النهاية متشابهة. فقد ظهر الحل عبر الجيش، الجيش الذي نحّى مبارك، والجيش الذي وقف مع الشعب ونحّى مرسي، بغض النظر عن شكل التنحية. هذه المرة اصبح الحديث عن انقلاب عسكري متداولاً بعكس المرة السابقة التي كان واضحاً فيها الانقلاب العسكري كذلك.

لماذا الثورة؟ ولماذا العسكر؟

لا بد من أن نفهم عبر الملاحظة الواقعية معنى الثورة، ومعنى أن يتمرّد الشعب بعد أن يكون قد سكن و«خنع» وخضع» عقوداً. هذه ليست مسألة عابرة، رغم أنها لا تحدث إلا قليلاً. فهي مفتاح فهم كل متغيرات المرحلة القادمة. ومعرفة أن «الاستقرار» قد انتهى لعقد على الأقل. وأن الأمور لن تقف عند تغيير أشكال سلطوية، او حتى تأسيس ديموقراطي، بل لا بد من أن تصل إلى حد تحقيق تغيير عميق يطال البنية الاقتصادية التي تشكلت بالتبعية للطغم الإمبريالية، وجعلت الاقتصاد ريعياً فأنتج كل المشكلات التي جعلت قطاع كبير من الشعب (من الفئات الوسطى والعمال والفلاحين) لا يستطيع العيش. فلا استقرار دون معالجة مشكلة البطالة والأجر المتدني وانهيار التعليم والصحة، وأيضاً الدمقرطة والعلمنة.

المجلس العسكري لم يغير في الوضع الاقتصادي وناور لكي يحافظ على النمط الاقتصادي المسيطر وعلى مصالح الفئات المسيطرة. واتخذ مرسي قرارات زادت من سوء الوضع الاقتصادي، وكرّر السياسات الاقتصادية ذاتها. لهذا كان الشعار «يسقط حكم العسكر» واصبح بعد استلام مرسي السلطة «يسقط حكم المرشد». والشعب سيبقى يسقط كل من يكرر السياسة الاقتصادية ذاتها، والسياسة ذاتها في كل المجالات. بالتالي الثورة مستمرة، وستكون ضد كل من يصل إلى السلطة الآن دون أن يحمل حلاً لمشكلات الشعب.

ما ظهر في هذه الثورة هو تصاعد الوعي وتطور الآليات لدى الشباب الذي ما زال يلعب الدور المركزي. لكن لم يتبلور بعد الوعي بأن مشكلات الشعب لا يحلها غير الشعب، لهذا تجري المراهنة على الجيش من جديد، او على جبهة الانقاذ، أو على اشخاص بعينهم. كما جرى انتظار الحسم ضد مرسي من الجيش فلم يتقدم الشعب الذي حاصر قصر الاتحادية (وقصر القبة، وملأ ميدان التحرير وكل الميادين في مصر) لكي يستولي على القصر ويعلن من هناك تنحية مرسي وتنصيب رئيس مؤقت.

هذه نقيصة في الثورة ولدى الثوريين، كانت وما زالت، رغم التقدم الذي حصل في وعي قطاعات شبابية باتت معنية بالسيطرة على مقار السلطة.

قيادة الجيش لم يكن بمقدورها مواجهة الشعب، رغم قوة الجيش المصري، بالضبط لأن الجيش من الشعب (متوسطي الضباط والجنود)، ومن الأرياف خصوصاً، الذي تحرّك بقوة هذه المرة، والذي يعني تحركه انحياز الجيش إلى الشعب وليس إلى السلطة بغض النظر عن التماسك الانضباطي الذي يحكمه. لهذا كان على هذه القيادة أن تعيد محاولة الالتفاف على الثورة وضمان الحفاظ على تماسك الجيش.

إذن، سندخل في مرحلة مراوغة جديدة. هذا أمر طبيعي ما دام ليس لدى الشعب من يعبّر عنه، وينظم عملية استيلاءه على السلطة.

(كاتب فلسطيني)

الثورة الدائمة

خطيب بدلة

بدا عزلُ الرئيس محمد مرسي من قبل الجيش المصري وكأنه انقلاب عسكري أبيض… يؤكد على هذا الأمر كون مرسي قد تسلّم الحكم بموجب انتخابات نزيهة.

ولكنه، برأيي، ليس كذلك… فالآن، يوجد شيء جديد في المنطقة، يمكن تلخيصه بالثورة المستمرة حتى على الحكومات المنتخبة… فما حصل في مصر، سبقته أحداث دراماتيكية في تركيا، حيث حكومة حزب العدالة والتنمية التي يقودها أردوغان، ليست منتخبة وحسب، بل إنها حكومة ذات إنجازات اقتصادية كبرى.

لقد حقق الشعب المصري، خلال تراكم نضالات تراكمت عبر قرن من الزمان، هذا الشيء الجديد… فلم يكتفِ باسقاط نظام حسني مبارك الذي كان يستعد للتأسيس لـ(جمهورية وراثية) على الطريقة السورية الكورية الليبية، بل انتقل إلى مربع (الثورة الدائمة) ليكون حتى الرئيس المنتخب مجبراً على مراعاة الطبيعة الديموقراطية المدنية للدولة المصرية…

إن من الظلم، فعلاً، إطلاق تسمية (انقلاب عسكري) على ما حصل. بل إن الجيش المصري اعتاد على حماية الشعب من غضب الحكام…

ثمة رسالة يتضمنها سقوط مرسي… يمكن ترجمتها ضمن جملة مفيدة وموجعة، هي: لا يمكن أن يكون للإسلاميين مستقبل ليس في مصر وحدها وإنما في المنطقة العربية كلها. (كاتب سوري)

انقلاب

سلام الكواكبي

لقد انتقدت دائماً طريقة حكم الأخوان في مصر واساءتهم استعمال السلطة وتفسيرهم الانتقائي لمفهوم الديموقراطية واستحواذهم على كل المناصب وادارتهم الفاشلة وتفصيلهم دستورا على مقاس مصالحهم وعبر منتسبيهم، وابتعادهم عن مفهوم الادماج السياسي الذي هو من المقومات الأولى لبناء دولة خارجة من عقود الديكتاتورية والفساد. وقد ساءني النموذج الذي قدموه لدور الإسلام السياسي في ملء المشهد العام. وراعني تعاملهم الفظ مع المفاهيم الحداثية في المجال المصري، وبراغماتيتهم الأقرب الى التزلّف عند الحديث مع الآخر الغربي. لذلك، أفهم فرح المصريين وأشاركهم جزءاً كبيراً منه. فالملايين خرجت لتعبّر بوضوح عن رفضها استمرار هذه الحالة، وصوت الشعب كان واضحا في رفض السياسات غير الديموقراطية لجماعة وصل حزبها إلى الحكم ديموقراطيا، معتمداً أساساً على تشتت قوى المعارضة والأدلجة العميقة التي تقودها أو انعدام الرؤية السياسية والمشروع الاقتصادي أو وصولية وعدم تنظيم أو ذاتية مفرطة.

لقد ترجمت حركة التمرّد إرادة الشعب المصري بملايينه، بنسائه ورجاله. وظهر جليّاً من خطاب الرئيس السابق تجذّر ثقافة عدم فهم وتحليل الوقائع السياسية، وإصرار على الاستمرار من دون أي انفتاح حقيقي على القوى الحية في المجتمع واعتبار أن مصر هي احتكار لجماعته ولإيديولوجيتها مستبعداً حق الآخرين المختلفين في أن يكونوا جزءاً من هذا الوطن.

وأعتقد أنه كان بمقدور هذا الزخم الشعبي الهائل، مع قليل من التوافق بين قوى المعارضة السياسية التقليدية، ومشاركة قوى شباب الثورة بشكل أكثر فعالية في وضع التصورات السياسية للمرحلة المقبلة، أن يُجبر الرئيس على الدعوة إلى انتخابات مبكرة والتنحي شرعياً عن الحكم إن فشل فيها، وهو شبه مؤكد نتيجة لكل ما سبق.

بالمقابل، أرفض، لإيماني بأن الديموقراطية لا تتجزأ، الطريقة التي اتبعت في إيصال التمرّد الشرعي إلى تحقيق أهدافه بطريقة غير شرعية. لقد جرى انقلاب عزل الرئيس ووضعه في الإقامة الجبرية. مئات من الاعتقالات واغلاق لوسائل إعلام. إن كان الشعب المصري قد حلم بنجوم الحرية في سماء حالكة، فلقد أتى العسكريون ليضعوها على أكتافهم في النهار. التاريخ مليء بالتجارب السلبية التي راهنت فيها الشعوب على الجيوش. وأتمنى أن أكون مخطئاً.(كاتب سوري)

دفاعاً عن مصر والديموقراطيّة

يوسف فخر الدين

ما إن اندلعت شرارة الثورة السوريّة حتّى انقسمت المنطقة عليها، وكان من السهل اتهام كلّ من يعارضها بأنّه «شبيّح». بينما بيّنت التطوّرات أن الخلاف حولها في مصر وتونس كان ناتجاً عن تباين الهواجس وحدّة الخلاف مع الإسلاميّين حين اندفعوا للحكم محمَّلين بكلّ طموحاتهم لتحويل هاتين الدولتين إلى ما يطابق حلمهم المخصّب بماضويّة زائفة؛ تضفي الجمال على الأسلاف الصالحين، وتخفي شراهة للسلطة سريعاً ما اتخذت شكلها القميء. كان انكشاف استبداد الإسلاميّين حلم الاستبداد الحاكم في سوريا، الذي راهن عليه حينما سحق بسرعة وعنف كلّ ظهور مدنيّ، مختاراً من بين خصومه من ظنّ أنّهم كفيلون، في أجواء صراع عنيف، بأن يفضّوا الناس عن الثورة، ويحطّوا من تفوّقها الأخلاقيّ. وهو ما دفعه، من بين سلوكيّات عدّة، إلى إطلاق قيادات من جبهة النصرة، بينما كان يعتقل الناشطين المدنيّين من إعلاميّين وسياسيّين ومتطوعي الإغاثة؛ ومن بين السياسيّين عبد العزيز الخيّر، الذي خسر الكثير من شعبيّته نتيجة إصراره على الحوار مع النظام. في هذا الوقت كانت أفعال الإسلاميّين في كلّ من مصر وتونس تثبت أنّهم لم يستطيعوا إدراك التغييرات الحاصلة بعد، وعمّت الشكوك بأنّ ما أرادوه منها هو استيلاؤهم على السلطة وحسب، بينما ناصبوا بشكل صريح بقيّة أهداف الثورة العداء. فتحوّلوا بتسارع إلى ما يشبه الثورة المضادّة. وإذا أضفنا أنّ شراهتهم للسلطة كانت استئثاريّة، حيث لم يرضوا بشركاء مختلفين معهم إيديولوجيّاً واندفعوا في مسعاهم لاحتكار التوظيف لأنصارهم، وكانت متصلّبة، حيث رفضوا إجراء تسويات سهلة مقارنة بالنتائج التي وصلوا لها، ومتحايلة مخادعة، حيث وعدوا وأخلفوا كلّ وعودهم، نفهم لماذا اقتنع كلّ الأفرقاء السياسيّين بأنّها من النوع الذي إمّا أن تقاومه فوراً أو أنّه سيدوم عقوداً، ونعرف سبب الاندفاع الهائل من قطاعات واسعة من الشعب المصريّ إلى الشارع، ما أفقد الأخوان ميزة التحشيد والتنظيم، وأظهرهم قلّة في مواجهة طوفان الناس الذين يريدون المشاركة السياسيّة.

لا مجال للشكّ أنّ الثورة الحاصلة قد تكون استكمالاً لتلك التي أطاحت بالرئيس المصريّ السابق حسني مبارك، فاليوم تنفّذ أغلبيّة الشعب المصريّ وعيدها الذي أعلنته قبل أن تترك الميادين سابقاً بأن تعود إن لم يفهم الحكم القادم أنّ لا عودة لها إلى الخلف، وأنّ مطالبتها بالحريّة والديموقراطيّة لا مساومة عليها. وهو ما نشهد فصول مواجهته مع إيديولوجيا الإخوان المسلمين التي بنوها خلال عقود وعينهم على السلطة غنيمةً مؤجَّلة. وفي التصادم هذا آفاق جديدة محتمَلة، ومخاطر ممكنة، يُفترض بالأطراف السياسيّة أن تعيها فلا تأخذها الحماسة. فأن يقوم الجيش بالانقلاب على رئيس انتُخب في عمليّة ديموقراطيّة، انتكاس عن ممارسة سياسيّة يُعدّ تحوّلها إلى تقليد تحديّاً رئيسيّاً من تحديّات إقامة الديموقراطيّة وتكريسها. وهو يدفع الإسلاميّين إلى جوّ من الإحباط من الديموقراطيّة، ويجعلهم فريسة سهلة للراديكاليّين من بين صفوفهم، الذين يعلنون أنّ السلطة وتطبيق الشريعة لا طريق لها سوى الغلبة. الأمر الذي يناسب مظلوميّة طويلة عانوا منها مع غيرهم، ولكنّهم أطلقوا عليها اسم «دكتاتوريّة العلمانيّين» وجعلوا منها مبرّراً للعزلة عن المجتمع والعالم، وسبباً لتصلّبهم ورفضهم الإصلاح الدينيّ. وهو ما يعاكس أيضاً ما كان جوهريّاً في المطالب الشعبيّة بأن يفهم الإسلاميّون أنّ الديموقراطيّة ليست فقط فوزاً في صناديق الاقتراع، وإنّما أيضاً حقوق الأقليات بأنواعها، ومنها الحقوق السياسيّة، بحيث لا يحقّ للأغلبيّة فعل ما يناقض مصالح الأقليّة ويخلّ بالعقد الاجتماعيّ القائم على المواطنة والمساواة. ومن نافل القول أنّ الانقلاب على الرئيس المنتَخب من بين صفوفهم لن يدفعهم للتفكير في هذا الاتجاه، وأنّ المطلوب ليحصل ذلك التفاعل معهم، ومدّ يد المصالحة لهم من القوى الديموقراطيّة.

كان الحلم، وما زال، أن يؤدّي الانفتاح السياسيّ الحاصل بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في مصر إلى تعقلن القوى السياسيّة وتخلّصها من برامج وأوهام عن إمكانيّة بناء دولة الحلم لكلّ منها، فتشترك جميعها في بناء الجمهوريّة الديموقراطيّة التي تكفل مشاركة جميع الأطراف حيث لا غالب ولا مغلوب، وحيث يمكن للجميع، أفراداً وطبقات وفئات اجتماعيّة وسياسيّة وثقافيّة، أن يشارك ويعبّر عن مصالحه ويدافع عنها بوسائل مدنيّة سلميّة. وبدلاً من ذلك، نجد أنفسنا في مرحلة حرجة، حيث يمكن لمغامرة وضع انقلاب الجيش حلاً لانقلابيّة الأخوان على الثورة أن تغلق الآفاق بدل أن يكون حجم الإجماع الذي انعقد للمطالبة بالانتخابات المبكّرة بوابة الجمهوريّة الديموقراطيّة الجديدة التي لا مجال للعودة عنها. وفي تعامل القوى السياسيّة المصريّة مع الأحداث الجارية، ومدى قدرتهم على اللقاء وإجراء التسويّات، يتعلّق بمستقبل المنطقة لا مصر وحدها. ولعلّ الأخوان المسلمين يراجعون أسباب انقلاب الناس عليهم في سلوكهم الخاطئ، ويستخلصون الحاجة الى إجراء تغيير يطال أفكارهم وبناهم فيحدّثونها ويؤدّي لتقديم الشباب الديموقراطيّ على الشيوخ المتصلّبين، ليعودوا إلى الحياة السياسيّة عودة حزب العدالة والتنمية التركيّ. فما نحن فيه اليوم ليس سوى بدايات، وإن كانت متعثّرة، والنجاحات التي يحقّقها الشعب المصري تثبت صوابيّة اندفاع الشعوب الأخرى في المنطقة للالتحاق به، وتجاوز عقبة الاستبداد الذي لطالما ادّعى أنّه ضمانة الأمن والاستقرار. وفي قدرة الأخوان المسلمين في مصر على إصلاح أحوالهم، وامتصاص ردّات الفعل، والعودة الى الحياة السياسيّة لنصرة الديموقراطيّة، يتلقّى الربيع العربيّ دعمهم، وتتساقط حجج الاستبداد في عموم المنطقة ومنها سوريا.

(كاتب فلسطيني)

قنبلة بشرية

طارق النعمان

كان لدي ثقة ان هذه الجماعة لن تستمر في السلطة لأكثر من عام، بل قلت إنه سيحلقون ذقونهم ويختبئون من الشعب، لأن مصر تحديدا بتركيبتها الحضرية والثقافية كان لابد ان تلفظ هذه الجماعات البدوية، حالة واحدة يمكن لها ان تقبلهم : عندما يجف نهر النيل. أتصور أن التنظيم الذي ولد في مصر على يد الاحتلال الانجيزي، انهته 30 يونيو ، واعتبر أن هذا اليوم هو يوم رحيل آخر جندي إنجليزي من مصر، يوم تحرير مصر من الاحتلال الانجليزى وبقاياه. عندما وصل الإخوان الى السلطة قلت: «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم».. فترة حكم الإخوان هي أشبه بالتطعيم لمرض من الأمراض المميتة، كالكوليرا مثلا، عندما تحصل على التطعيم تظهر علامات المرض ولكن بعد فترة يقاوم الجسد ويتعافى ويصبح غير قابل للإصابة بالمرض. كان لابد أن تأخذ مصر هذا التطعيم ليقاوم الجسد ولا يصاب بالمرض مرة اخرى.

الخروج العظيم للمصريين في ذلك اليوم هو اشبة بامتلاك قنبلة ذرية لدى شعوب اخرى ، ولكنها قنبلة بشرية. اثبتت مصر أنها بالفعل قوة عظمى. أتوقع أن تعيش مصر عامين صعبين على المستوى السياسي والإقتصادي.. ولكنها ستنهض بعد ذلك نهوضا حقيقيا لا كنهضة الفنكوش التي بشرنا بها محمد مرسي.

(كاتب مصري)

جيش غير عقائدي

خيري الذهبي

كانت زمامير الفوفوزيللا زماميرملاعب كرة القدم تزمر في فرح، تلك الأبواق الطويلة التي تتبدى كأنها تحاول الوصول إلى السماء في تحد، تحاول أن تنقل الفرح بلا اصطناع، الفرح المنتظر منذ سنين، فرح النصر، فرح الألوف ومئات الألوف، فرح الشعب يخرج من قوقعة التفكير في تدبير طعام عشاء الصغار، فرح الخروج من الهم الحيواني مما يخبئ الغد، فقد تحرر من كل هذا، وصار الفرح الصريح، فرح الإنجاز، الفرح ليس لمجاملة، بل الفرح بتحقيق النصر على الطاغية للمرة الثانية خلال سنتين وثلاثة أشهر فقط.

كانت زمامير السيارات الموقعة، زمرة طويلة تليها زمرتان قصيرتان، والمفرقعات الصينية ، نعم، مفرقعات صينية خلبية لا تؤذي، ولا تشوه، ولا تيتم، ولا تثكل، فلقد سئم الناس اليتم والثكل والموت للاسبب إلا لإشباع الوحش الأسطوري»الضحاك» الذي لا يتغذى إلا على أدمغة الشبان والشابات. لا، لقد أداروا ظهورهم للضحاك وقرروا إسقاطه حضاريا، وهو قرر أيضا السقوط، لا، ليس هو من قرر السقوط، بل الجيش هو من كان الحضاري وهو من خلص البلاد منه، ولو كان الأمر له، للطاغية، لكان مئة ضحاك مكثف في طاغية واحد، بضحاك واحد ذي رأس يحمل آلاف الثعابين التي لا تأكل إلا قلوب الشبان والشابات ممن لم يعرفوا الفرح بعد، بل كانت المفرقعات مفرقعات للفرح، وألعابا نارية تزين السماء بورودها القصيرة العمر، وأشكالها الهندسية المتسللة من الأحلام، كانوا منذ يوم أو يومين في ميدان التحرير، ولكن لم يكونوا بهذا الشكل المرح الفرح، بل كانوا يحملون الشكل الذي عرفناه للمحتجين الأوروبيين في أربعينيات القرن الماضي يعلنون غضبهم على الطاغية، وعلى سارق الخبز من أفواه الأطفال، كانوا يعلنون تصميمهم على التخلص من الطاغية المتسلل بين الصفوف، إنها وجوه المحتجين لدى رينوار وديلا كروا، وجوه صارمة، وأذرع مشدودة، وهتاف متحدً، من أين جاء هؤلاء الضاحكون المرحون محبوا القافية؟ من أين جاؤوا بهذه الصرامة والرغبة في التضحية لاسترجاع الثورة وإعادتها إلى الطريق الذي بدأت منه ويجب أن تعود إليه .

كنت أتساءل متابعا لهم في ميدان التحرير، وميدان طلعت حرب، وشارع محمد محمود، فأرى الوجوه العابثة التي اعتادت مغازلة العابرات، واعتادت المزاح الخشن، واعتادت القهقهات العالية حتى لتتجاوز السلوك اللبق، هؤلاء الشبان والشابات الرائعات ها هم يغيرون ويغيرن ملامحهم ويلبسون الوجوه الرينوارية والديلا كروية، ويهتفون: ارحل. فينظر الطاغية من حوله إلى الجيش غير العقائدي يحاول الاستنجاد به، لكن الجيش الذي لم يفسد عسكريته وبنوته للوطن عقيدة فاشية، أو ولاء عشائري يسمونه طائفية رد عليه، وقال: الشعب قال: ارحل، فارحل،…. ورحل، وكان رحيله الإيذان برحيل الطغاة من بلاد عربية اعتبرت مصر أمها ودليلها الدائم، و… ضاقت حتى الجنون بطغاتها الذين آن أوان رحيلهم، فلقد شبعت ثعابين الضحاك وآن لها أن تسقط عن رأس الطاغية.

(روائي سوري)

درس مصر

عدنان جابر

اللحية… والمسبحة، والجلابية… والصلاة، وشعائر العبادة الأخرى… والألقاب الدينية، والخطاب الديني لا تشكل بحد ذاتها حُجة مُقنعة، أو جواز مرور إلى العقل والقلب، أو شهادة كفاءة، أو مؤهلات للقيادة.

الكفاءة… والجدارة… والمؤهلات… والقدرة على الإقناع… وكسب الثقة… تستند، أو ينبغي أن تستند، إلى العقل والعمل والسلوك والمعاملة والعلاقة مع الناس والإنسانية والحضارة.

الإخوان المسلمون لم يكونوا ماهرين وأذكياء في تمثل «بشِّروا ولا تنفِّروا». لم يدركوا أن إقناع الناس مهمة ليست سهلة، وأنه لا يكفي « قال الله… وقال رسوله…» بعيداً عن السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة.

إذا كان الدين ضروياً، أو حاجة للإنسان، أو معطى لا ينبغي تجاهله أو الاستخفاف به، فإن من الخطأ الفاحش، وخاصة في السياسة وإدارة المجتمع، تجاهل حقيقة أن الحياة ليست ديناً فقط. وأن طعام الأيديولوجيا لا يغني عن الطعام، وأن بلاغة الخطاب، مهما كانت، لا يمكن أن تلغي الحق في تأمل الحياة اليومية، والحق في السعادة، والحلم، ومساءلة الحاكم وأصحاب القرار: أين أنتم من حياتنا وسعادتنا وأحلامنا؟!

(كاتب فلسطيني)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى