صفحات العالم

ممر آمن


مصطفى زين

فتح قرار الجامعة العربية ممراً آمناً للتدخل الدولي في سورية. تدخل قيل إنه لحماية المدنيين من بطش النظام واستبداده طوال أكثر من ثلاثين سنة. وقيل أيضاً إنه لمنع انزلاق البلاد إلى حرب أهلية تؤدي إلى التقسيم.

لكن نظرة سريعة إلى المسألة السورية تؤكد أن الأحداث كانت، وما زالت تدور على وقع هذا التدخل. لم تبق دولة أو منظمة إلا وتدخلت، من تركيا إلى أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيران وروسيا والصين وباقي دول «بريكس»، إلى الأمم المتحدة فالجامعة العربية، فضلاً عن المنظمات المدنية والإنسانية، وشركات الأسلحة والنفط والمصارف والمهربين والتجار، ولا ننسى الأطلسي والاتحاد الأوروبي وبرلمانه… الكل لديه ما يقوله في المسألة.

التدخل ليس جديداً إذن، والجامعة العربية التي دانت النظام السوري وتعاملت معه على هذا الأساس، منذ اجتماعها الأول، ومنذ احتضانها المعارضة، ممثلة بالمجلس الوطني الذي تأسس في إسطنبول، برعاية مباشرة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، كانت تعرف أن النظام لن يوافق على مبادرتها التي أرسلت إليه بالفاكس، إذ يعتبرها انتقاصاً من سيادته وإهانة لكبريائه. وتعرف أنه إذا وافق فمن باب المناورة (لف ودوران على ما قال حمد بن جاسم)، وعندما وجد هذا الباب مقفلاً أمامه لم يرفض لكنه لم يوقع البروتوكول، معتمداً على أصدقائه في مجلس الأمن، خصوصاً الصين وروسيا التي أرسلت أسطولها إلى المتوسط، وأعربت عن استعدادها لرفض أي قرار يدين سورية في مجلس الأمن.

هذا عن التدخل الخارجي. أما الخوف من انزلاق سورية إلى حرب أهلية، وتعريضها للتقسيم، فليس سوى خوف من باب التمني. ربما الدول العربية وحدها لا ترغب في تقسيم سورية، وإن كانت تسعى إلى اجتذابها بعيداً من إيران. أما الآخرون مثل الولايات المتحدة وفرنسا (وإسرائيل بطبيعة الحال) فهي تعمل منذ عشرات السنين للوصول إلى هذه النتيجة. مصالحها تقتضي ذلك. وهي تنظر إلى المسألة مثلما تنظر إلى أي صفقة تجارية يلعب فيها المال والنفوذ والقوة الدور الأساسي. فلنتذكر ما كان قبل الهجوم على ليبيا. عقدت فرنسا وإيطاليا وأميركا صفقات مع المجلس الانتقالي قبل الغزو، وطالبته بالتنفيذ بعد قتل القذافي مباشرة، غير عابئة بمصير الليبيين، مبررة له اختيار حكومة إسلاميين متعاطفة مع «القاعدة». المهم تنفيذ الصفقة. ألم تبرر للقذافي كل ما فعله؟

ليس في سورية ثروة نفطية. لكن «ثروتها» الإستراتيجية لا تقدر بثمن، وقد بدأت الدول المعنية عقد صفقات بين بعضها ومع المجلس الانتقالي قبل الانتقال، وقبل أن يصبح «الممثل الشرعي الوحيد»، محاولة جذب أطراف المعارضة إلى صفه، محذرة من عسكرة الانتفاضة، لكنها تشجع الانشقاق في صفوف الجيش، ولا تنتقد عمليات المنشقين في سائر المدن، على ما يزعمون. وتدعو إلى إقامة ممرات آمنة (جوبيه).

الجامعة العربية، ومعها «المجتمع الدولي»، وصلت إلى جدار مسدود ولن تتراجع. والنظام السوري وصل إلى طريق اللاعودة. الكل في أزمة. أزمة ستطول كثيراً وستفرز ما لم يكن في بال المخططين واللاعبين، دوليين كانوا أو إقليميين.

لا ممر آمناً لأحد.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى