زين الشاميصفحات سورية

من أجل لبنان جديد لابد من سورية ديموقراطية


زين الشامي

يعتبر لبنان وحده دون غيره من بين جميع الدول العربية، أكثر المتأثرين بما يجري في سورية من أحداث. وهذا ليس جديدا، لقد كان دائما متأثرا، وبشكل مباشر وسريع، بما كان يجري في سورية منذ استقلاله وحتى اليوم. ويشمل هذا التأثير كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن ذلك ليس غريبا، فسورية ولبنان من أكثر الدول العربية قربا لبعضهما البعض، ومن أكثرها ارتباطا وتأثرا في ما يجري في كليهما.

فكل السوريين، أو غالبيتهم، يبدأون نهارهم مع صوت السيدة فيروز، وغالبيتهم يحتفظ بتسجيلات وأعمال الرحابنة، غالبيتهم زار لبنان ويعرفون أسماء أقضيته ومدنه وقراه، ولهم فيها أصدقاء ومعارف وأقارب ومعارف. غالبيتهم يعرفون الزعماء السياسيين واحدا واحدا، وهم مثل اللبنانيين تماما منقسمون في اعجابهم لأولئك الزعماء. كذلك فإن السوريين من اكثر العرب المتابعين لما تكتبه الصحافة والإعلام اللبناني، يعرفون أسماء الصحافيين اللبنانيين، يتابعون التلفزة اللبنانية وكل القنوات الفضائية اللبنانية.

على العكس من ذلك، فإن اللبنانيين في غالبيتهم يعرفون سورية جيدا ولهم فيها أقارب ومعارف وصداقات، منهم من يرى في سورية بلده الثاني او عمقه العربي، ومنهم من يرى فيها «الخصم» كذلك. أيضا فإن اللبنانيين يرددون مثل السوريين الفكاهات عن «الحماصنة» كما لو أن حمص وأهل حمص هي منطقة في قلب لبنان، وغالبية من اللبنانيين زاروا مقام السيدة زينب قرب دمشق، أو كنيسة صيدنايا قرب معلولا، منهم من يعتبر نفسه سوري الأصل ويتحدث عن أصوله وقراباته في حمص، أو حلب، أو حماة، أو درعا، أو دمشق…

هذه العلاقات والوشائج كانت وستبقى رغم كل ما أصاب العلاقة بين البلدين من تشنجات وجروح بفعل التدخل العسكري السوري في لبنان منذ عام 1976 وحتى 2005 حين خرجت القوات السورية مجبرة بعد توجيه الاتهامات لنظامها وحلفائه في لبنان بقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. لكن هذه العلاقات كانت وستبقى رغم كل ما فعله الضباط والجنود السوريون في لبنان من ممارسات تسيء للإخوة بين الشعبين وتسببت في جروح غائرة في النفسية والذاكرة اللبنانيتين.

وإذا ما كان صحيحا أن النظام السوري تسبب في ألم عميق للكثير من اللبنانيين، فإنه من غير المفهوم اليوم أن تقف جماعات واحزاب وقوى وأسماء وصحف وفنانون لبنانيون مع هذا النظام الذي يفتك بشعبه ويقتله لمجرد انه خرج مطالبا بالحرية والديموقراطية. إن ذلك يؤلم السوريين كثيرا وهم اليوم بأمس الحاجة لمن يقف معهم بعد أن تخلى المجتمع الدولي عنهم وانشغل بحساباته الخاصة ومصالحه وازماته الاقتصادية التي يعاني منها.

إن المحتجين السوريين الذين قرروا الانتفاضة على النظام السوري رغم ضريبة الدم الكبيرة التي كانوا يعرفون أنهم سيدفعونها، ينتفضون ليس فقط من أجل السوريين وسورية، بل من أجل المنطقة عموما ولبنان بشكل خاص، رغم انهم يوم قرروا الخروج الى الشوارع لم يعلموا ذلك ولم يفكروا في ذلك، بل هذه هي النتيجة المتوقعة لسقوط النظام السوري القمعي الذي عمل على مدار السنوات الماضية على تدمير ليس المجتمع السوري وحده بل المجتمع اللبناني أيضا.

وإذا ما كان نجاح السوريين في إسقاط نظامهم يمثل ضرورة محلية واقليمية، فإنه لمن المستغرب أن الكثير من دعاة ومنظري الحرية والديموقراطية في لبنان اختاروا الوقوف مع النظام الديكتاتوري في دمشق. ليس ذلك فحسب لقد اعتبرت بعض «الجماعات» والأحزاب اللبنانية أن وجودها ومستقبلها مرتبط ببقاء النظام السوري؟ إن ذلك يبدو مستغربا جدا، اذ كيف يمكن لجماعة سياسية او دينية ان تستمد قيمتها وديمومتها ووجودها من علاقتها مع نظام ديكتاتوري ودموي زائل لا يهمه في النهاية إلا بقاؤه ومصالحه حتى لو أحرق سورية كلها ومعها لبنان.

ومع كل أسف، لم تتوقف المسألة عند دعم بعض الأحزاب والجماعات السياسية والدينية اللبنانية سياسيا لنظام دمشق، بل ان تقارير تحدثت عن دعم عسكري وبشري من خلال رفد النظام بـ «شبيحة» لبنانيين ليشاركوا نظراءهم السوريين في قتل المتظاهرين، وكأن النظام السوري عاجز عن قمع الاحتجاجات لوحده.

على المستوى الإعلامي والسياسي، لقد خرجت من لبنان ومازالت، اسوأ الأصوات واسوأ المعلقين على الأحداث التي تجري في سورية، رغم انه وللانصاف، فإن أجمل الكتابات والتحليلات، والتعليقات، تخرج احيانا كثيرة من لبنان ومن قبل اللبنانيين.

إن سقوط النظام السوري وباعتراف ورأي الكثير من الدول والحكومات والمراقبين ما هي إلا مسألة وقت، ومهما كانت طبيعة النظام الذي سيخلفه في الحكم فإنه سيكون افضل بكثير من هذا النظام، ليس للسوريين فقط، بل للبنانيين ايضا. هنا يكفي التذكير أن غالبية وجوه المعارضة السورية اليوم التي تدعو إلى تغيير النظام وإلى الانتقال الى نظام ديموقراطي هم ممن طالبوا سابقا ودائما باحترام استقلال وسيادة لبنان، وهؤلاء المعارضون دفعوا ثمنا باهظا في السجن لمجرد أنهم نادوا بذلك. إن عودة الى الوراء قليلا تجعلنا نعرف ان 12 مثقفا سوريا معارضا سجنوا لمجرد توقيعهم على إعلان بيروت دمشق عام 2005.

إن سورية جديدة وديموقراطية ستكون عونا ونصيرا للبنان واللبنانيين، إن سورية جديدة وديموقراطية هي وحدها من تجعل لبنان يستعيد مجد أيام زمان حين كان «سويسرا الشرق».

كاتب سوري

الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى