صفحات سوريةميشيل كيلو

من الامة إلى الطائفة/ ميشيل كيلو

  لو سألت شخصا ما في حقبة الخمسينيات واوائل الستينيات، اي قبل ابتلاء سورية والعراق بحكم البعث، عن رأيه في ايكال مقاومة المشروع الصهيوني الى طائفة من الطوائف، لاعتبرك خائنا وعميلا لهذا المشروع، ولذكرك بمسلمة سادت في ذلك الزمن حتى سمت على اي شك، هي ان مقاومة المخاطر، صهيونية كانت ام امبريالية، خارجية ام داخلية، لن تنجح ما لم تكن مهمة تنهض بها الامة بجمع شعوبها ومكوناتها، فالتحديات التي تواجه العرب كبيرة وجسيمة، وهم في بداية نهضة هشة، فان لم يدافعوا عن انفسهم بقوة الأمة، بالقوة الاكبر والاكثر تأثيرا وفاعلية لديهم، صار من السهل كسرهم والفتك بهم. إلى هذا كله، يعني ايكال المقاومة إلى الطوائف كتكوينات دنيا وسابقة للمجتمع، يجسد وجودها بحد ذاته تفككه وعجزه عن الاندماج، هزيمة محتمة تنزل العرب، مهما بلغت طوائفهم من تنظيم وتحديث.

   في تلك الحقبة من تاريخنا الحديث،كان العصر زمن انتقال من التشكيلات الدنيا، ما قبل المجتمعية، الى التشكيل الاموي الاعلى والجامع. وكانت الطوائف تعتبر كيانات واجبة الزوال لانها حواضن تأخر وانقسام،  انتجها التأخر والزمن الاستعماري، وجعل منها اسفينا دقه في الجسد العربي لكبح تطوره بقواه الذاتية والحديثة، ولاضعافه تجاه القوى الخارجية، وخاصة منها قوة الصهيونية الغازية في فلسطين.في  ذلك الزمن النهضوي، كان تجاوز الطوائف مسألة اعتقد المواطن العادي ان نجاحه فيها رهن بنجاحه في بناء وتوحيد الامة العربية: حاضنة المقاومة والنهضة، التي ستحقق ما فشلت الطوائف والقبائل والدول الحديثة التكوين فيه: ألا وهو صد الهجمة الاستعمارية وحماية فلسطين من الصهيونية، ومنع سقوط المشرق تحت الاحتلال الاجنبي والتمزق الذاتي بدءا من الحرب العالمية الأولى.

  … واليوم ، وبعد هزيمة المشروع القومي على يد قوى خارجية ابرزها الصهيونية واميركا، وداخلية اخطرها حزب البعث السوري، لا شغل لحزب الله غير اقناعنا بعكس ما تقوله الوقائع، وهو انه نجح كفصيل طائفي مسلح في التصدي للمشروع الصهيوني، الذي قال قادته مرات كثيرة انهم يرهنون وجود كيانهم بوجود الطوائف، التي عليهم حمايتها، وسيعملون لتحويل المنطقة العربية المحيطة بهم من شعوب في امة الى جماعات وجمعات طائفية تحكمها سلطات قوية تجاه داخلها ضعيفة حيالهم، من طراز النظام الاسدي، داعم الحزب الرئيس الى جانب ايران، ولاعب الدور الاول في تأسيسه وتمكينه لبنانيا، الذي ساعده على احتلال جنوبه ، ومنحه حق الانفراد به واخرج القوى الاخرى منه ، وخاصة ” المقاومة الوطنية اللبنانية “، التي اسسها الحزب الشيوعي اللبناني بالتعاون مع قوى وطنية اخرى، وانجزت عمليات عسكرية مؤثرة ضد العدو الاسرائيلي، حتى بلغ عدد شهدائها وجرحاها واسراها نيفا وستمائة شخص . في الزمن الطائفي الاسدي، كان من الضروري احلال معادله اللبناني محل ” المقاومة الوطنية اللبنانية “، التي لم يتم فقط اخراجها من الجنوب، وإنما لوحقت وقتل كثيرون من كوادرها العسكريين والسياسيين والثقافيين او اعتقلوا واغتيلوا،  قبل ان يتسيد الحزب على جنوب لبنان ثم على لبنان، ويصفى خصومه فيهما، بما في ذلك حركة “امل “الشيعية، التي لا تتبع لايران او لنظام الاسد ولا تؤمن بولاية الفقيه ، وعاداها الحزب، الذي تقتصر عضويته على المؤمنين من الشيعة بولاية الفقيه، ويرفض اي شيعي يرفضها، فهو حزب اتباع ايران من شيعة لبنان، الذين لا يمثلهم جميعا، ويعادي الذي لا يرى منهم في الخامنئي نائبا عن الامام الغائب ، له ما للاخير من طاعة وخضوع، وقداسة وعصمة .

  لم يعدنا حزب الله الى زمن طوائف، ترحب اسرائيل به وتعتبره مكونا اساسيا في صراعها  من اجل البقاء والهيمنة، بل اعادنا بالاحرى الى زمن انصاف وارباع الطوائف: زمن عصب طائفية منظمة عسكريا وامنيا، ترى في السياسة معركة تخاض بوسائل عنيفة اهمها السلاح ، يتم خوضها ضد الآخرين جميعم، لخلوها من تسويات دائمة، ولضرورة ان تبقى مشحونة بالعنف والغلبة، بما انه لا يمكن للزمر والعصب الطائفية المسلحة ان تعيش،  تكبت مجتعمات بلدانها وتقمع وتقوض حركاتها السياسية، وتمنعها من تجاوز انقساماتها الداخلية وبلوغ حد من الاندماج يتيح لها تجاوز ما فيها من ولاءات دنيا. ولان حزب الله يعي ان نجاحه الداخلي مستحيل دون مصادرة إرادة مجتمعه الوطنية وخياراته السياسية، فإنه يتحدث غالبا لغة غير طائفية، ” مقاومة وتحريرية “من جهة، ويعمل لتعبئة اتباعه في الطائفة الشيعية الى اقصى درجة ممكنة، ولتفكيك بقية مكونات مجتمعه، بما في ذلك الشيعة الذين لا يوالونه من جهة اخرى. لا عجب ان اسرائيل، التي ترى في انتقال المجتمعات العربية إلى وضع اموي او موحد الخطر الاكبر عليها، تفضل “الطوائف مهما كان شكلها على اي شكل من اشكال التشكيلات المجتمعية الجامعة، وترى فيها تكوينات تتعرض لعين المخاطر التي تهدد كيانها، لا بد من دعمها، خاصة إن كانت تابعة لسلطة طائفية تحكم بلدا مجاورا هو سورية،لا تستطيع خوض معركة كسر عظم معها، يمكن ضبط سلوك حزب الله بالضغط عليها او بالتفاهم معها، الامر الذي يجعل خطر الحزب على مجتمعه وبيئته اكبر بكثير من خطره عليها، وينقل نشاطه واهتماماته من حدود لبنان معها الى الداخل اللبناني والعربي، حيث تلعب دور جهة قمعية وضبطية، تخوض معارك داخلية وفي الآونة الاخيرة ضد سورية، لها مصلحة وجودية في التعايش دون صراع مع من تسميه ” العدو الصهيوني”.

 \\ كاتب سوري \\

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى