صفحات العالم

من المستفيد من الإستقطاب الحاد في المأزق السوري؟

 

أ. د . علي الهيل

أُبتلينا بأقوام قُصَّر، لا يرون الأحداث الجسام التي تعصف بالأمة وتحرقها إلا من خلال منظور آحادي أو واحد. يمكن أن يترتب على مثل هذا المنهج تضييع الحقائق بسبب تعديم أو تغييب الرؤية الموضوعية أي الإحاطة بكل جوانب الموضوع أو الموضوعات محل الاهتمام، وهيمنة النظرة الذاتية التي تحكِّم الهوى الشخصي للفرد أو لجماعة مشتركة في المصالح. الكارثة الكبرى هي في أن أولئك القوم القصر قادة رأي أو حكاما أو محللين، تملأ صورهم شاشات التليفزيونات لاسيما تلك التي يمكن أن توصف أو لا توصف بأنها مستقلة، وأنها لا تنفذ أي أجندة لأي أحد داخلياُ كان أم خارجيا، أيْ أنها تنفذ لأن نفيَ النفيِ إثباتٌ.

والكارثة أو المأساة الأكبر من الكبرى، إتباع كثير من المشاهدين رأيهم أو اجتهادهم مما يحدث بلبلة في الأمة كما هو جارٍ الآن. الواقع أو الحقيقة ليستا دائماً، إما أبيض وإما أسود. هو ابتلاءٌ لم تُصبْ به أمتنا فحسب لأن القصور في النظر والفهم لا وطن ولا ثقافة له، فهو طبيعة بشرية، بَيْدَ أنها سيئة أو على الأقل غير سوية. الطبيعة البشرية أو الفطرة التي جبل الله الناس عليها، قطعاً محايدة و إنما نعني أصحاب تلك الطبيعة من البشر الذين يُفترض أن الله هداهمُ ‘النجدينِ، إما شاكراً وإما كَفورا’.

لنبدأ بأمريكا، فهي لأنها تحب أو تدعم ‘إسرائيل’ حبا أو دعما مطلقا، فهي ترى أن ‘إسرائيل’ على حق وأن جرائمها في فلسطين والعالم العربي ‘دفاع مشروع عن النفس و أن من حق ‘إسرائيل’ أن تدافع عن نفسها’. وليس من داعٍ أن نجهد أنفسنا أو يجهد أي أحد نفسه ويوضح لأمريكا أن إرهاب الدولة في ‘إسرائيل’ واضح وضوح الشمس في ر ابعة النهار، فهو أمر غير ُمجدٍ، كمن يسبح في البر أو يحرث في المحيط. لن نضرب الكثير من الأمثلة، فالحالة الفلسطينية ليست فقط حُبلى بل منبعجة بها، لكننا فقط نعطي مثالاً واحداً. كان بإمكان (أريل شارون) رئيس وزراء الكيان الصهيوني أن يطلق رصاصة صغيرة واحدة على الشهيد البطل (أحمد ياسين) ليرديَهُ قتيلاً، بدلا من أربعة صواريخ أمريكية الصنع كانت كافية لتدمير مدينة باكملها. بالنسبة لنا كان الرجل بأمة كاملة وإنْ كان جسديا نصف كائن بشري على كرسي متحرك خارجا لتوه من المسجد بعد إقامة صلاة الجمعة. عرفت أمريكا كل تلك الحقائق ومع ذلك لم تُدِنْ حتى الجريمة لأن ‘عينَ الرضا عن كل عيب كليلةٌ كما وأن عينَ السخط تُبدي المساويا’.

و لمَّا كانت (زعيمة العالم الحر) التي يتخذها الكثيرون أنموذجا يُحتذى، تفعل ذلك في واضحة النهار، فلا عجب إذن، أن نرى تركيا وغيرها مثلاً تنظر إلى ‘الجيش الحر’ على أنه الحق و على الحق، و أن نرى إيران وغيرها ترى أن (النظام الأسدي) هو الحق وعلى الحق، و الضحية هي الأمة العربية حاضراً ومستقبلاً. و لو أن تلك الدول تغير سلوكها السياسي الذي تحركه المصالح وتنظر إلى الأمر من منظوري الجانبين، أي باعتماد الموضوعية ونبذ الذاتية، لَتغير الوضع السوري إيجاباً لصالح الشعب السوري وبالتالي للأمة بأسرها. أما الإستقطاب الحاصل فلا يخدم الأمة بل يدمرها.

الأب السوري الذي لا يجد خبزا لإطعام أطفاله، هل هو مستفيدٌ من هذا الإستقطاب الحاد؟ إنه ضحية له.

‘ أستاذ جامعي و كاتب قطري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى