صفحات سوريةفاضل الخطيب

من المناسف للمناشف!..

 


فاضل الخطيب

من تقديم المناسف إلى تقديم المناشف، هذا ما خطر ببالي عند مشاهدتي فيلم عن مظاهرة الهوبرة والزعبرة..

إلى أصدقائي في حوران قبل كل شيء. إلى أم رشا وغسان وعشرات الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم، ليس فقط في سهل حوران وإنما في كل بقاع الوطن السوري المنتفض..

نادراً ما يوجد طيرٌ يستلطف قفصه. هل السويداء استثناءً في هذا القفص الكبير؟..

الغسيل الوسخ، هل يجوز نشره؟

الأوساخ وتكنيسها تحت البساط، هل يُلغي وجودها؟

إذا لم نملك الشجاعة على نشر الغسيل الوسخ تحت أشعة الشمس، سنظل نحمله حتى يصبح جزءً ملازماً لحياتنا، وتصبح حياتنا بدونه ناقصة، إننا بحاجة لكشف العورات -كل العورات، وليس إخفاءها..

إن كان الثوري نظيفاً

فلماذا تتسخ الثورة؟

وإذا كان وسيلة بول

فلماذا نحترم العورة؟ (أحمد مطر)..

 

نحتاج النظر بين الحين والآخر في المرآة، ونحتاج أن ننظر في عيون بعضنا بدون خجل.. هناك من تفتح له صدرك سنة كاملة على الفيس بوك ولا تتجرأ على إدارة ظهرك له يوماً واحداً.

إذا لم أنشر غسيلك الوسخ، ولم تنشر غسيلي الوسخ، فمتى يتم الشعور بحاجة التنظيف، أو تجاوز الوسخ؟

الانتقاد هو البرهان على أنك قمت بشيء يستحق الاهتمام، فلماذا نخاف من الانتقاد؟

إذا لم نكتشف الوساخة سنظل نحملها ونتأقلم مع رائحتها، وتصبح شيئاً طبيعياً، لكنها تبقى وسخ..

نشر الغسيل الوسخ مهمة لا تستحمل التأجيل، إلاّ للذين يرون في التيمم -وعند النبع- ما يكفي لإزالة الوسخ..

من يخاف من غسيله الوسخ، سيصبح غسيله النظيف وسخاً..

بدأت بالأسئلة، رغم أنني لا أستطيع الإجابة على الكثير من الأسئلة التي تدور في ذهني، والتي تتعلق بتأخّر سكان جبل سلطان الأطرش عن تضامنهم مع أخوتهم وجيرانهم أهل حوران في انتفاضتهم التي ستضعهم وبكل حق في طليعة انتفاضات شعبنا خلال تاريخه المعاصر. لا أعرف الجواب على الكثير من الهواجس غير البريئة تجاه بعض أبناء الجبل والذين باعوا أنفسهم –وبحرفية الكلمة- لرامي مخلوف ورجال مخابرات النظام..

سأحاول مقاربة بعض أسباب وليس مبررات صمت جبل سلطان الأطرش، وهوبرته لصالح وريث وطننا المصطنع. يعتبر الصمت في هذه الأيام أنه دعمٌ للقمع الذي يُمثله نظام العائلة المالكة / الحاكمة..

لقد نجح الأسد الأب بتحييد الأقليات الإثنية والدينية بتخويفها من بعبع الغالبية، وعملت دعاية النظام من خلال هذا السقف الطائفي بتصنعها لباس عدائي للطائفية. وقامت باستمالة، أو شراء بعض العائلات غير العريقة وربط مصيرها بالنظام، وتبنيها ودعمها كي تصبح موضع احترام وانتباه من المجتمع، وبالتالي نقطة جذبٍ، حتى صار يعتقد البعض التابع لتلك العائلات والأفراد أنه بإعلانه الولاء للحاكم يُصبح ذو حضوة ومال. وهنا أستشهد وحسب ما يتردد عن مسؤول غسل أموال رامي مخلوف في المنطقة الممتدة من باب المندب وحتى شط العرب –أي الساحل الجنوبي والشرقي لشبه الجزيرة العربية، وهو من أقلية إثنية، ويساعده البعض في ذلك، ويقوم هذا البعض المسكين المغلوب على أمره بتنفيذ بعض الأعمال الوسخة الأخرى غير البريئة. ونفس الشيء يقال عن الغسيل والتنشيف المخلوفي في دول أوربا الشرقية..

ويعمل النظام باللعب على موضوع رجال الدين ومحاولة استمالة كبارهم، حيث معروف مكانة رجال الدين في مجتمع الدروز رغم ابتعاد الغالبية الساحقة من الدروز عن الالتزام بالطقوس وممارسة الالتزام الديني، وربما يكون هذا الاحترام الاستثنائي تعويضاً عن التقصير بالواجبات الدينية من قبل غالبية المواطنين. اللعب على الموضوع القومي كبديل عن الانتماء الديني المذهبي –حيث غالبية المجتمع الدرزي بعيد عن الالتزام وحتى عن معرفة مذهبه الديني- وبهذا يصبح الشعور والانتماء العربي هو الانتماء الوحيد، وحزب البعث رغم بؤس دوره واختزاله بالحاكم يصبح ذي قيمة، ويصبح بشكل عام خطاب السلطة هو المرجع “الروحي” العروبي..

وهناك الطريقة الترهيبية التي يتعرض لها كل المجتمع السوري، وربما تكون عقوبة الخارج عن سلطة النظام هنا أقوى من غيره –على اعتبار أن النظام حامي الأقليات في وجه الغالبية الدينية لسوريا- كما يفعل مع المعارضين من أصول علوية- ويساعد خطاب المتشددين الإسلاميين النظام في تأجيج شعور الخوف المذهبي، وتصوير نفسه أنه حامي الأقليات..

وسأكون صريحاً أكثر، حيث لا مكان للهروب. واستشهد ببعض الأحداث التاريخية التي عاشها الجبل قبل حوالي 90 عاماً والأخرى قبل 20 عاماً. وسأبدأ بالأخيرة، أو ما سُميّ وقتها أحداث “البدو” في الجبل وسقوط عشرات الضحايا من أبناء الجبل –أكثرهم برصاص رجال الأمن القادمين من خارج المحافظة، ويعتبر بعض أبناء الجبل أنهم لاقوا تلك الفتنة وحدهم بصدور عارية ودون تضامن من أي جهة كانت، وهم على ثقة كاملة أنهم كانوا أبرياء في صراعهم مع البدو، البدو الذين كانوا هم أيضاً ضحية سياسية للسلطة. ومعروف أن علاقة بدو الجبل مع أهل الجبل ومنذ مئات السنين علاقة جيدة، وكان دائماً للبدو دور هام في اقتصاد الجبل وأن عادات البدو تداخلت مع عادات أهل الجبل، والعكس صحيح.–وسيأتي الوقت الذي قد يظهر جلياً الدور القذر للنظام في لعب وإخراج تلك الفتنة ضد البدو وضد الجبل-.

واستحضر فترة السنوات الأولى للثورة السورية الكبرى، والتي قادها سلطان باشا الأطرش، سلطان الذي يتغنى ويفتخر به كل الجبل. ويمكن هنا الاستشهاد بكتاب المؤرخ سلامة عبيد وهو ابن المحافظة – عن الثورة السورية الكبرى بشكل عام، وعن تاريخ الجبل في تلك المرحلة بشكل خاص. نرى  كيف بدأ سلطان الأطرش وأحمد البربور وبعض الثوار في استنهاض الناس، ونرى كيف حاربه كثير المقربين ومن أجل مصالحهم، ونرى كيف تجاهلته نسبة كبيرة من الناس بسبب خوفها أو يأسها. ونقرأ أيضاً كيف اضطرّ سلطان أن يزور أكثر قرى المنطقة الجنوبية للجبل، وقد امتنع أو اعتذر الكثيرون عن استقباله. وقد زاد الطين بِلّة بيان “الحِرِم” من مشايخ العقل ضده وضد كل من يتعامل معه أيضاً –أي عزله والتبرؤ منه اجتماعياً. وبقي هذا الوضع حتى معركة الكفر والتي كانت نقطة التحوّل والانتصار العجائبي الذي غيّر المزاج العام وأعاد للناس الثقة بالنفس، بعد أن كانوا يُقادوا للتحقيق والإذلال بسبب ضياع قطة الملازم الفرنسي مثلاً..

لست عالماً اجتماعياً لتحليل “سوسيولوجية” الشارع في محافظة السويداء، لكنني أزعم أن خطاب السلطة نجح هنا أكثر من أيّ محافظة أخرى، لأسباب الترهيب والترغيب، وكان خطاب المتشددين الاقصائي حصان طروادة للنظام للوصول إلى هذا الواقع، ويُضاف إلى كل ذلك زيارة الحاكم مع زوجته “المفاجئة” لبعض قرى الجبل قبل أسابيع قليلة، وما رافقها من إخراج دعائي مستمر حتى الآن..

قبل بدء انتفاضة شعبنا البطل وفي لقاء مع صديق هنغاري، سأل مستفسراً عن انتفاضات الشعوب العربية وهدوء الشعب السوري، وكان ردّي عليه، أن بناطلينا مكوية مليح وعندنا حساسية على الغبار. وأقول وبكل فخرٍ من جانب، وبكل حزنٍ من جانبٍ آخر، أنه بقيت فقط بناطيل شباب السويداء مكوية وظهر كم علق الغبار والوسخ على البازلت..

وأقول ختاماً للأصدقاء في حوران أنه يُشرفني أن أنقل سجلات نفوسي إلى حوران، أقولها وبكل جدية، أريد أن أكون فخوراً بكم وبينكم، لأنني خجلٌ كلما تذكرت رائحة القهوة المرة، خجلٌ من طعم البازلت.

وأقول أخيراً أيضاً للصامتين في السويداء: عندما يرى لاعب السيرك أنه يركب على أسدٍ يلفظ أنفاسه، ينزل عنه بأسرع ما يمكن! ليس كل قطة كبيرة أسد وهذا يعرفه جيداً كل الأطفال من الجولان إلى السويداء، من المختارة إلى…. الحقوا الانتفاضة رغم ابتعادها عنكم، وأن تأتي متأخراً خيرٌ من ألاّ تأتي. انظروا حولكم وانظروا صور سلطان في مضافاتكم، أم اقلبوا دلّات القهوة، وافتحوا حليب النيدو، وارقصوا حول ضريح سلطان الأطرش بعد أن يتم تحويله إلى جدارية للأب والأبن والجدّ.. كم صار البازلت قليل.. إنه قليلٌ جداً. يؤسف جداً أن السويداء صارت مشهورة بتقديم المناشف وليس المناسف… لعنة الباشا ستلاحقكم…

 

، 28 / 3 / 2011

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى