سمير العيطةصفحات سورية

من اليمن إلى سوريا/ سمير العيطة

 

 

 

يشكّل التدخّل العسكريّ المباشر لدول «مجلس التعاون الخليجي» وحلفائها في اليمن، منعطفاً جديداً في مآلات «الربيع العربيّ»، وسيلقي حكماً بظلاله على تطوّرات ليبيا وسوريا.

لقد خلقت الاضطرابات الاجتماعيّة في البلدان العربيّة الكثيفة السكّان حالة من عدم الاستقرار المزمنة، وكشفت هشاشة مؤسسات الدولة فيها، ما يعيق إدارة التحوّل نحو أنظمة حكم أكثر ديموقراطيّة، تؤمّن التداول السلميّ على السلطة. كلّ ذلك مكّن إيران، كما دول الخليج ودولاً غربيّة، من الانخراط في صميم مسارات المجتمعات المعنيّة والتأثير على التطوّرات الداخليّة، عبر دفع وتمويل وتسليح تنظيمات «ذات طبيعة سابقة لمفهوم الدولة الحديث»، بحيث أخذت الأمور شكل صراعٍ بين طوائف وحروبٍ بالوكالة بين إيران والخليج.. وإرهاب وحرب على الإرهاب.

أبرزت تطوّرات اليمن منذ ثورتها أنّ التدخلات الإقليميّة وتناقضاتها لم تكن لتُفضي إلى إرساء أسس أنظمة حكم جديدة تحمي قيم الحرية والعدالة التي انتفضت الشعوب من أجلها. كما كشفت تجربة ليبيا أنّ القصف الجويّ ضدّ أحد الأطراف لا تؤدّي إلاّ إلى انفلات وانتشار أوسع للفوضى. من هنا بالتحديد، غدا الطريق مفتوحاً للانطلاق في تجارب جديدة تجلب تدخّلاً كثيفاً لقوّات خارجيّة، تفرض بقوّة السلاح مسارات للتطوّرات الداخليّة ولأنظمة حكم جديدة.

هكذا سيُلقي التدخّل العسكريّ المباشر في اليمن بظلاله على تطوّر شبه الجزيرة العربيّة المستقبليّة. ليس فقط على ضوء تجربة سابقة أليمة لتدخّل مصريّ في هذا البلد، ألقى بتبعاته على مصر عبد الناصر. بل لأنّ مَن يأخذ مسؤوليّة هذا التدخّل يتحمّل عبء مشاكل هذا البلد من استقرار نظام الحكم والاضطرابات الاجتماعيّة وحتّى انتشار تنظيم «القاعدة»، وربما غيره من التنظيمات المتطرّفة. وهذا يعني أنّ الدول تلك يقع عليها في السياق الجديد محاربة تنظيم القاعدة الذي يسيطر على أجزاء ملحوظة من اليمن. كما يعني أنّ دول الخليج، خصوصاً المملكة العربيّة السعوديّة، ستتحمّل مسؤوليّة النهوض اقتصادياً باليمن، ما تمّ رفضه طويلاً عبر إبعاد هذا البلد عن منظومة دول «مجلس التعاون الخليجيّ».

من ناحية أخرى، يأتي هذا التطوّر العسكريّ قبل أيّامٍ قليلة من الاتفاق النوويّ المزمع عقده بين إيران والولايات المتحدة. الاتفاق الذي قد يتفجّر مع التدخّل العسكريّ في اليمن، والذي كان يعني جهداً تبذله الولايات المتحدة لإدخال إيران في لعبة استقرار إقليميّة تنظّم علاقاتها مع دول الخليج وتركيا وحتّى مع إسرائيل.

ويفتح التدخّل العسكريّ في اليمن احتمالات جديدة على ما ستؤول إليه الأوضاع في ليبيا كما سوريا. فمن الواضح أنّ الأوضاع في ليبيا لا يمكن لها الاستمرار على هذا المنوال، وأنّ تدخّل الطيران المصري والإماراتي في الآونة الأخيرة واستمرار الفوضى وانعكاسات تطوّرات ليبيا على تونس يفتح المجال لتدخّل عسكريّ مباشر في هذا البلد.

كذلك، تحشد تركيا قوى عسكريّة على حدودها مع سوريا بينما حقّقت المعارضة المسلّحة بعض التقدّم بفضل أسلحة نوعيّة تمّ تسليمها إليها. وانكفأ الهجوم المضاد جنوباً وشمالاً للقوّات الحكوميّة والميليشيات المدعومة من إيران مباشرة. وهو ما يضع سوريا على عتبة تطوّرات جديدة.

الفرق في الحالة السوريّة، أنّ روسيا الاتحادية قد أطلقت مبادرة لحلّ الأزمة، لم تفضِ أولى جولات «لقاءاتها التشاوريّة» إلى أيّ شيء ملموس، بل إلى مزيدٍ من الصلف والمزاعم من قبل السلطة القائمة. الجولة الثانية أوائل نيسان، ستُلقي مآلات الاتفاق النووي الإيراني والتطوّرات في اليمن عليها بثقلها بشكلٍ واضح.

لا يُمكن أن تبقى الأوضاع في سوريا طويلاً على النحو الذي تسير عليه، لا لناحية الحرب الداخليّة، ولا الحرب على الإرهاب. ولا شكّ في أن روسيا تعي ذلك جيّداً.

السفير

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى