صفحات سوريةعقاب يحيى

من حقهم، بل من واجبهم أن يتحدوا .. بعض الضوء على واقع المعارضة السورية

 


جلال / عقاب يحيى

كتبنا كثيراً، وطويلاً في أزمة المعارضة . تناولنا عمقها البنيوي . شيخوختها وترهلها . تجفيف المياه من حولها . الشقلبات الإرغامية التي أحدثها نظام الطغمة في المجتمع وبنية وعلاقات ووعي البشر . مستوى الخوف المعمم . الابتعاد عن الاهتمام بالشأن العام والقرف واليأس من ممارسة السياسة، ناهيك عن العمل الحزبي.. والعديد العديد من العوامل، والظاهرات التي أشبعناها تشريحاً، وفيضاً نقدياً، وعصبوياً، ودفاعاً عن ذات عامة وخاصة لم يكن لها سوى جدارها الأخير للاستناد، وانتظار مفاجأة ما تبدّل الوضع والمعادلة، بما في ذلك ما أنبتته عقود اليأس والبيات من عقل انتظاري، رهاني.. يأمل بأن يحنّ النظام، أو (يعي) موجبات الإصلاح.. فيُقدم على بعضها.. فطال الانتظار، وسجل العديد من القوى أسماءهم على الدور الذي لم يصل مبتغاهم ….وشاخ الزمان معهم ولم يأت” غودو” الموعود ..

وفي بحث الشربكة، والتشتت، وعدم قدرة المعارضة على توحيد موقفها، أو عملها في إطار جامع، وما كان يثيره واقع البعثرة والنتف من استنكار عديد المتعاطفين، ويأس وإحباط وشبه شلل، وتبطيل كثير المؤيدين.. وكذا أوضاع الخارج المعارض(التي تصعب على الكافر).. كان غياب الرافعة في صلبها وأساسها، وتناولنا هذا الغائب الأكبر في سيل ومسلسل وضع المعارضة الهامشي الذي بالكاد يسمع بوجودها نفر قليل يغلب الأبيض على شعورهم .. حتى كانت المفاجأة : الشرارة . الحراك . الانتفاضة . الثورة . الحلم . الرافعة ..

نعم، وبغفلة من الجميع نهضت الرافعة، وأية رافعة؟.. إنها حدث ارتقى في زمن قصير إلى مرتبة ثورة ، بكل معايير الثورة ومواصفاتها . (ما زال بعض المثقفين حائرون في تسمية الذي يجري فيختلفون بين : حراك وانتفاضة، وقليلهم يعتبرونه ثورة) .

*****

نظرياً تجمع كل التصريحات على حدوث مفاجأة من العيار الثقيل لم يكن يتوقعها أي فصيل أو مهتمّ بالشأن السوري : زمناً، واتساعاً، وشمولاً، وعمقاً . كما تُجمع على الاعتراف بهامشية الدور الذي قامت به جموع المعارضين، وبفضل الشباب ودورهم، ورفض الوصاية واستغلال تضحياتهم لصالح هذا الطرف أو ذاك ..أو للانتهاز والركوب والتربّع، والفرض..

ولم يكن ذلك كافياً، ولم يكن ذلك ممكناً أن يبقى في حدود التصريحات ذلك أن واجب وحق المعارضة أن تتحرك، وأن تسهم، وأن تعاون، وأن ترفد، وأن تقدّم خبراتها ورؤاها، وأن تتحاور وتتحد، وتعقد اجتماعات ومؤتمرات، وأنشطة متعددة .. ولكن ..

نعم.. وبغض النظر عن الحصائل فلا ينكر موضوعي حجم التضحيات والمعاناة والجهد الذي قدمته عموم المعارضات السورية على مدى العقود، ولا مبلغ ما لحقها من سجون وقتل وتصفيات وملاحقات وتهجير وحروب متنوعة لمناضليها الأشداء الأوفياء، بل ومقدار الفعل الذي أسهمت فيه ـ مهما كانت نتائجه متواضعة ـ في فضح أسس وفعل ومخاطر نظام الاستبداد، وتفصيح وتعزيز موقع الديمقراطية ومفرداتها وموقعها في صناعة البديل، وفي إبقاء راية نقده ومعارضته مرتفعة، والقيام بعديد المحاولات التجميعية، والمواقف النضالية ( التجمع ـ إعلان دمشق ـ إيجاباً ومساراً وخلافات، ومواقف)، وبعض صيغ الخارج وتواجداته وتجمعاته التي ظهرت في السنوات الأخيرة …ولكن ..

ـ ولكن الأكيد أن قوى المعارضة والموج الشاب القوي يحاصرها مطالباً بالتشبيب والتواجد، ونفض تركة وآثار سنوات القعود والبيات، كان عليها : حقاً وواجباً أن تتحرك بأقصى ما تستطيع : على صعيدها الذاتي، وفي الإطار المجموعي، لتكون جديرة بالحياة، وبثورة الشباب ـ الشعب، وبمستوى تقديم الجهد المأمول ـ المطلوب.. فبدأت حركتها منذ أشهر في الداخل، وبعض المحاولات في الخارج..لأجل التنسيق والتوحّد في المواقف، وفي تقديم رؤية متسقة تُجمع عليها مختلف الأطراف، وتلتقي في نهر الثورة تناغماً مع مطالب التنسيقيات وما حددته ، ثم، وأخيراً : أنتجت ما يشبه القفزات فيما جرى خلال الأيام الأخيرة ، إن كان لجهة مؤتمر سمير أميس (بما له وعليه)، أو الوصول إلى اتفاق بين عدد من مكوّنات المعارضة (هيئة التنسيق الوطنية) .

****

لقد بذل البعض، وعلى مدار سنوات مديدة جهوداً متقطعة لتقارب، ولقاء جميع أطياف المعارضة السورية : القومية واليسارية والإسلامية في الداخل والخارج، وجرى تذليل عديد العراقيل المانعة للحوار والاتفاق (بما فيها تطور مواقف حركة الإخوان المسلمين باتجاه الديمقراطية والدولة المدنية، ورفض استخدام العنف، وتكريس التعددية والتداول السلمي على السلطة).. وكان إعلان دمشق تتويجاً لمحطة نوعية ـ بالقياس إلى كل المعطيات ـ لكنه عانى ثقل الأزمة فيه وعليه (تلك التي أشرنا إلى عناوينها، ومراهنات البعض على هذا المحور، أو ذاك الموقف، أو الاختلاف في التكتيك والموقف من النظام، ومن العامل الخارجي : حقيقة ووهماً مفترضاً..إلخ..) الأمر الذي أعاد صياغة التموقع المتشتت، مع وجود بعض المحاولات للم الشمل ..

وحين جاءت المفاجأة ـ الرافعة ـ كان طبيعياً تعدد المبادرات، والمحاولات، والبيانات ، والمؤتمرات، والمشاريع التي يُفترض، وبغض النظر عن الرأي الشخصي بسلبيات وخلفيات بعضها، أنها محاولات للإسهام في الانتفاضة ـ الثورة وليس عبئاً عليها، أو لطشاً لها، أو محاولات للحرف واللجم، والفرض.. بانتظار أن يبلور الداخل المعارض أطره ومواقفه، ومحدداته ..

كان طبيعياً أن تلتقي أطراف المعارضة الرسمية وعديد الناشطين المعروفين للحوار حول الممكن: توحيداً لموقف مشترك، وصولاً إلى أطر تليق بالمرحلة.. فكانت جملة الحوارات التي ساهم فيها(التجمع)، وعدد من الأحزاب الكردية واليسارية والمستقلين.. والتي انتهت إلى التشكيل الذي أعلن عنه قبل أيام ..الأمر الذي يدعو إلى تسجيل بعض الملاحظات :

1 ـ الأكيد أن جميع الوطنيين الديمقراطيين السوريين يرحبون بأي مسعى توحيدي، أو تنسيقي لقوى المعارضة في الداخل والخارج، وهو أمر حيوي يجب إنجازه الآن قبل الغد، وتجاوز كل العقبات التي تعترضه. وعلى ذلك يلقى الإعلان عن تشكيل” هيئة التنسيق الوطني” الترحيب، مع الأمنية بالنجاح فيما عقد العزم عليه، وما حدده في البيان المنشور .

2 ـ كنت أتمنى ألا تقتصر الأطراف المتفقة على البعض دون الآخرين الذين هم جزء صميمي من لوحة وتاريخ المعارضة وواقعها، وأخصّ بهم : إعلان دمشق، وحزب الشعب الديمقراطي، وعديد المناضلين الصلبين المعروفين بتاريخهم ومواقفهم في مقارعة النظام. وكذا الحركة الإسلامية، وبالأخص : حركة الإخوان المسلمين التي هي جزء من لوحة المعارضة السورية، وأحد الأطراف المدعوة للإسهام الجماعي في معركة شعبنا الكبيرة لتهشيم وتفكيك نظام الاستبداد وإقامة نظام الدولة المدنية الديمقراطية بمفرداتها المعروفة .

3 ـ أفرزت الساحة خطين رئيسيين، أو وجهتي نظر واضحتين لجهة التعامل مع الثورة، والنظام ، تأخذان بالبلورة والتموضع أكثر فأوضح ..

آ ـ خط الشباب ـ الثورة الذي جسدته مواقف التنسيقيات في بيانها، المعبرة عن حركة الشارع في مطالبه الواضحة الداعية علنياً لإسقاط النظام طريقاً وهدفاً وحيدين .. ومعهم تقف مجاميع معارضين ونشطاء في الداخل والخارج ..

ب ـ خط الحوار، أو اللقاء مع النظام في نقطة ما، ووفقاً لرؤى، وتقديرات، وشروطاً طالما طرحها أصحابها ودافعوا عنها ..(تتنوع، وتختلف قائمة الشروط، والتقديرات، والاستعدادات) .

4 ـ ولئن كانت الثقة كبيرة في تاريخ وخلفيات دعاة الحوار، وبينهم رموز مخلصة أفنت عمرها لخدمة هدف تكريس التعددية والديمقراطية (كسبيل وحيد لإنقاذ البلد وتجنيبه مخاطر تلوح في الأفق، أو لأنه الممكن في موازين القوى الراهنة، حسب منطوقهم وتقديرهم)..

فإن اشتداد الخناق على النظام الباحث عن منافذ تمكنه من البقاء والخروج سالماً ـ ولو بأقل الخسائر ـ (يعرف الكثير مفهوم وحجم الخسائر لديه)، ودخول قوى إقليمية ودولية على خط (إيجاد مخرج للوضع السوري)، وتشابك لوحة الصراع.. وفي الأساس من ذلك : طبيعة النظام المعروفة للجميع، وممارساته الدموية الفظيعة، وعدد الشهداء والمعتقلين والمهجرين، وجملة أكاذيبه التشويهية، ونهجه الأمني ـ النتاج.. والتي ذبحت كل مراهنة على إصلاحه، وعلى قابلياته ..

جميعها عوامل تدعو إلى التنبيه من مخاطر أحادية الموقف المطروح في علاج مأزق النظام، وأقصد به : الرهان على حوار النظام وحسب، ومحاولات فرملة، أو التشويش على المخارج الأخرى (الفرملة والتشويش يأخذان أشكالاً ومبررات مختلفة) ، مع الأمل بألا يحدث الافتراق بين الشباب وبين هذه القوى المعارضة، والذي ستكون له تداعياته المؤثرة .

5 ـ إن جميع اللقاءات . جميع المؤتمرات . جميع الأنشطة والمحاولات، بقدر ما هي التعبير عن التنوع في الرؤى والغنى في وجهات النظر.. ، والاجتهاد في تقدير المرحلة والقوى، والعوامل الفاعلة، وموازين القوى المتحركة، والمؤسسة العسكرية والأمنية.. والخلفيات الشعبية والفئوية، وغيرها .. فلا بدّ أن تصبّ في مجرى الثورة وليس في أفرع جانبية بشكل مباشر، أو من حيث النتيجة، وأن تخدم الهدف المركزي : تفكيك وإنهاء نظام الاستبداد وليس تمديد وإطالة عمره .

6 ـ الحرية تعني بداهة الاختلاف، وتعدد الآراء، ولذا من حق جميع المعنيين بالأمر السوري، المناهضين للنظام، التواقين لانتزاع الحرية وإقامة النظام البديل، المؤمنين بقدر ودور الشعب في التغيير.. أن يسهموا في هذا المخاض اللجب، وعيونهم شاخصة نحو الهدف وليس غيره، وحرصهم الوحيد على تدعيم ثورة الشباب وتحصينها وليس وضع العصي في دواليبها ..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى