صفحات الناس

الكهوف الرومانية تعمر بالنازحين السوريين/ علي الإبراهيم

 تترك رهف حبات الرمل تنساب بين أصابعها وهي تتذكر لحظات بقيت راسخة في ذهنها. عيون أخوتها وأقرانهم من الجيران ترقب باهتمام ما تقوله الفتاة ذات العقدين. في الوقت ذاته، لم تكف رؤوس الموجودين بالتعبير عن التأييد لما تقوله رهف.

“كانت الساعة السابعة صباحاً، حين اقتحم البلدة رتل من المدرعات وعربات الزيل التي تقل عشرات جنود الجيش النظامي” تقول رهف. وتضيف ” قتلوا حينها ثلاثة شباب وامرأة واعتقلوا العشرات. القليل حينها من بقي في البلدة، حتى الذين بقوا هناك تمنوا لو أنهم خرجوا، فمعظم سكان البلدة، كما ترى، (موجودون هنا) منذ بداية الحرب السورية”.

 كانت رهف تعود بالذاكرة لتتحدث عن اقتحام قرى وبلدات جبل الزاوية بداية حزيران 2011، حيث شهدت تلك القرى احتجاجات ضد نظام الأسد، الذي لم قاد هجوماً عليها أدى إلى نزوح الكثير من السكان.

 تعيش رهف وعائلتها في أحد الكهوف الرومانية، الموجودة بكثرة في بلدات جبل الزاوية. تعود تلك الكهوف إلى العصر الروماني، وهي من أقدم الكهوف الموجودة في العالم، ومسجلة ضمن لائحة التراث العالمي “المدن المنسية” أو “كيبروبيرا”.

 بقيت هذه الكهوف والآثار، مكاناً يقصده السياح، قبل أن تصبح ملاجئ يحتمي بها الناس من القصف، كونها تعتبر نوعاً ما أكثر أماناً وحماية لهم، بفضل الجدران الحجرية السميكة التي تقيهم من القصف.

 ثلاث سنوات مرت على المئات من العائلات وهي تقيم في هذه الكهوف. ازدحموا في هذا الفضاء الرطب والمظلم، واكتسبوا خلالها جيرانا جددا وكونوا مجتمعاً يعيش تحت اﻷرض في الشمال السوري.

 “هناك العديد من الكهوف الرومانية، منتشرة على تلال الزاوية، مدينة كاملة، يقطنها الناس ولم يبق أي شاغر فيها”، يقول زيد، وهو رب أسرة وصل مؤخراً. ويضيف في حديث لـ”المدن”: “تستمر قوات اﻷسد بقصف اﻷحياء والمناطق المعارضة له، بينما ابتعدت هذه العائلات عن الحرب منتظرة انتهاء دوامة العنف في كهوف عمرها آلاف السنين”.

 ولا يختلف نمط حياة هؤلاء المنتشرين في الكهوف، عن غيرهم في الداخل السوري، فهم يحاولون الحصول على الطعام والبقاء على قيد الحياة، مع محاولات لجلب قليل من الحطب والماء. وجل يومهم يحاولون الإصغاء جيداً لأصوات الطائرات وقذائف المدفعية، التي قد تفاجئهم في أي لحظة.

  هذا النزوح القسري، أدى إلى انقطاع الطلاب عن الذهاب إلى مدارسهم في المدن الواقعة تحت سيطرة المعارضة، ويقتصر تعليمهم الآن على محاولات فردية، تقوم بتنظيم حلقات دراسية بعضها بصبغة إسلامية كحلقات لتحفيظ القرآن، وبعضها الآخر تتبع مناهج التعليم الأساسية.

 في المقابل، وفي بلدات أخرى من جبل الزاوية، ما يزال قسم من الناس يسكنون منازلهم ونطاق استخدام الكهوف لم يخرج عن كونها ملاجىء مؤقتة يقصدونها في أوقات الخطر واشتداد القصف، في حين يعد أهالي قرية الكبارة، أكثر من يستخدم هذه الكهوف وكثير منها أصبح بمثابة المنزل الدائم لها.

 على باب أحد الكهوف كتبت عبارة “اخلع حذاءك الكهف نظيف”. يحاول معظم القاطنين في الكهوف الحفاظ على النظافة، لكن النظافة وحدها لا تكفي لضمان سلامة الساكنين، إذ أن الرطوبة والحشرات التي كانت في هذه الكهوف قبل قدوم الناس إليها، تكفي لتشكل خطراً جسيماً على من يسكنها، فمثلاً أبو أحمد، الذي يقطن أحد الكهوف، قال لـ”المدن” إن زوجته أصيبت بمرض الربو، وأطفاله الثلاثة أصابهم التهاب في الصدر.

 أمام كهف آخر، لا يبتعد كثيراً عن كهف أبو أحمد، تظهر فتاة عشرينية تنشر ثياباً مغسولة. يقول أبو أحمد إن الفتاة قريبته. اسمها حلا، أم لطفلين، الصغير فيهم كاد أن يولد في الكهف الذي تقطنه أمه، إلا أن حظّه كان جيداً إذ تمكنوا من نقل أمه إلى أحد مراكز المساعدات الطبية. لكن لا يبدو أن ليوسف مفراً من قدر آخر غير الذي أصاب أهالي قريته. سيعيش تحت الأرض، في الكهف، الذي عادت إليه أمه.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى