صفحات سورية

من فضلكم .. كفانا هراءً/ مهران سالم ()

 

 

حبذا لو يكفّ مسؤولو الإدارة الأميركية عن إطلاق التصريحات الخجولة جداً المتصلة بالشأن السوري، من قبيل الإعلان مثلاً عن زيادة «ملحوظة ومزعجة« في عدد الضحايا المدنيين جرّاء الغارات الجوية الروسية، أو أن هذه الغارات لا تستهدف تنظيم «داعش« بشكل رئيسي، وبأنها «تصيب منشآت طبية ومدارس وأسواقاً«. فمثل هذه التصريحات باتت مُستفزّة لأغلبية السوريين، خصوصاً وأنها تجيء في وقت تتزايد فيه المؤشرات التي تفيد بأن الولايات المتحدة تركت لروسيا حرية أن تتصرف في سوريا، كما يحلو لها تقريباً!!

نأي واشنطن عن أي «تورط« في الساحة السورية، يتصل بمجمل مراحل الحرب السورية وليس بالفترة الأخيرة المرتبطة بتدخل روسيا العسكري المباشر فيها بعد 30 أيلول (سبتمبر) الماضي فحسب!

فواشنطن، وعلى خلفية استراتيجيتها المعلنة بالانسحاب من بؤر الصراع الساخنة في المنطقة وعدم الزجّ بنفسها في أية مغامرات عسكرية جيدة، كان موقفها متحفظاً منذ البدء تجاه ما يجري في سوريا، ووقفت ضد اتخاذ أي خطوة عملية يمكن أن تستدرجها، أو «تتدحرج« بها نحو ما تعتبره «تورطاً« في هذه الأزمة، و«غوصاً في المستنقع الوسخ للحرب الأهلية« في هذا البلد؟

موقفها هذا قد يكون ارتبط أيضاً، في جانب منه فقط، بالرغبة في عدم إغضاب موسكو، ليس من منطلق الخشية منها طبعاً، بل على أساس إبقاء نفسها بعيدة عن التورط العملي في هذا الصراع، والعمل على «إقناع« الأطراف الفاعلة فيه (روسيا وإيران أساساً)، بأهمية وضرورة الوصول إلى حلّ سياسي له، مع عدم الاكتراث الجدّي بالشروط والعوامل التي يمكن أن تفضي، أو تمهّد الطريق فعلاً إلى هذا الحل. وعدم الاكتراث كذلك بالمحصلة العملية لهذه السياسة، لجهة مساهمتها في الدفع نحو مزيد من تطرف القوى والجماعات الأهلية الفاعلة في هذا الصراع، والركون إلى سياسة تركه يتفاعل على الأرض، عسكرياً وسياسياً وفق مبدأ «لا غالب ولا مغلوب«، علماً أن هذا الأمر صار محلّ شكّ كبير بعد التدخل العسكري الروسي المباشر!

قد تكون العاصمة الأميركية غدت ميّالةً إلى عدم تكرار تجاربها الفاشلة في كل من أفغانستان والعراق وصولاً إلى ليبيا. فعدا عن إخفاقها السياسي في هذه البلدان، والكلفة المالية والبشرية الباهظة لتدخلها فيها، فلعلّها باتت تعتبر أن التدخل في هكذا «مستنقعات« يؤدي بالضرورة، وفي حدّه الأدنى، إلى «التورط وتوسيخ الأيدي«؟ وهي أضحت، كما يبدو، تربأ بنفسها عن فعل ذلك ما دامت مصالحها ليست مهدّدة على نحو جدي وداهم، وما دام حلفاؤها ليسوا في حاجة ملحّة لأن تفعل ذلك بالنيابة عنهم. يضاف إلى ذلك رهانها المستجدّ، وتعويلها على علاقات جديدة وجيدة مع إيران، سواء خلال مفاوضاتها معها حول ملفها النووي، أم ما بعد التوقيع على الاتفاق الذي أبرم بهذا الشأن.

وفق هذا الفهم، يمكن تفسير الكثير من المواقف الأميركية، التي اتخذت، أو التي تتخذ حالياً، أو تلك المتوقعة الحصول خلال السنة المتبقية من عمر إدارة الرئيس باراك أوباما. ولعلّ المثال الأسطع على ذلك، هو موقف هذه الإدارة من «الخطوط الحمر« التي كانت أعلنتها بنفسها كضوابط للصراع في سوريا، وقبولها بصفقة «الكيماوي« مع كلٍ من موسكو ودمشق. هذه الصفقة التي كانت، من حيث النتائج السياسية التي ترتبّت عليها، أسوأ بكثير وأخطر من استخدام هذا السلاح بحدّ ذاته؟!

فعقد هذه «الصفقة« شكل برهاناً كافياً، لمن يعنيه الأمر، على مدى إهمال العواصم الكبرى، (والسياسة الدولية بشكل عام، التي تكتفي بالتعبير عن «قلقها«، على غرار ما يفعله الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون على نحو دائم!)، للجوانب الأخلاقية المتصلة بهذه القضايا والسياسات، والتي تركّز على «القبض« على أداة الجريمة، وترك من استخدم هذه الأداة طليقاً، وحراً في استخدام ما شاء من أسلحة فتاكة في ترسانته العسكرية ضد من يفترض أنه «شعبه«! بما في ذلك، اعتماد سياسة التجويع والحصار، والذهاب بها حتى النهايات المأسوية الكارثية في مناطق وبلدات كثيرة (أخيرها كان في مضايا)، وبما فيه التعامل «البهيمي«، وخارج نطاق كل الأعراف والمواثيق الدولية، مع عشرات الألوف من المحتجزين في مراكز الاعتقال والسجون التي لا عدّ لها ولا حصر، (وهذا الأمر تعرفه تمام المعرفة كل العواصم الكبرى، وليس المنظمات الحقوقية الدولية فحسب، ومع ذلك فإنها تغض الطرف عنه لأسباب لا يعرفها إلا الله!).

وأمام هذه الوقائع والحقائق، أليس من حق الضحايا السوريين، والحالة هذه، أن يخلصوا إلى أنّ دم ضحايا الإرهاب في باريس أو سواها من المدن الغربية، أو حتى دم الشيخ نمر النمر، أهمّ آلاف المرّات من دمهم الذي أريق، وما انفك يراق بغزارة، على يد الأطراف المختلفة، المحلية والإقليمية والدولية، المشاركة في هذا الصراع الضاري؟!

والآن، فعلى رغم صدور القرار الأممي 2254 الخاص بالأزمة السورية، وبإجماع نادر في مجلس الأمن الدولي، إلا أن الانطباع السائد لدى أغلب السوريين لا يوحي بالتفاؤل حيال إمكانية أن يساعد هذا القرار في وضع حدّ للصراع الدموي الدائر في بلدهم، والمضي قدماً في طريق الحل التفاوضي والتوافقي لهذا الصراع.

مبعث التشاؤم إزاء هذا الأمر ليس فقط المعوقات والتعقيدات الكثيرة التي يمكن أن تحول دون تحقيق الحل المنشود، (وأهمها هشاشة مرجعية فيينا، كإطار وكقرارات، بسبب الخلافات النوعية والكبيرة بين مكوناتها)، وليس فقط القضايا الخلافية التي جرى ترحيلها، وهي عديدة وفي منتهى الحساسية والأهمية، إنما يضاف إلى ذلك كله، الدور القيادي الذي باتت تلعبه روسيا في هذه الأزمة، ولجوئها إلى استخدام فائض قوتها العسكرية لفرض شروطها وصيغة الحل التي تناسب مقاسها وأهدافها، والتي يعتقد كثيرون أنها لا تختلف على نحو جوهري لما يسعى ويروّج له النظام السوري نفسه، في وقت تضطلع فيه واشنطن وكثير من العواصم المعنية بلعب دور «السمسرة« تمهيداً لحصول ذلك، بمسوّغ أولوية محاربة الإرهاب؟!

أمام هذا كله، هل يلام السوري عندما يقول لمسؤولي إدارة أوباما: «من فضلكم.. كفاكم هراءً«؟!

() كاتب من سوريا

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى