صفحات الناس

من لبنان إلى سوريا.. حرب المخدرات في مناطق المعارضة/ محمد أبازيد

 

 

تزامن اتساع رقعة المساحة الجغرافية التي سيطرت عليها المعارضة بشكل سريع وملحوظ منذ عام 2013، في درعا، مع انحسار قدرة الفصائل المسلحة على إدارة المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام وضبطها أمنياً، ما ساهم في زيادة الفوضى وتصاعد انتشار حوادث السرقة والخطف والاغتيال وتجارة المخدرات.

وفي المقارنة بين حوادث السرقة أو القتل أو الخطف، وبين تجارة المخدرات، يبدو أن الأخيرة شهدت نشاطاً قياسياً وانتعاشاً واضحاً، مع انشغال فصائل المعارضة بتعزيز الثغرات الأمنية في صفوفها ومحاولة مواجهة اختراق النظام والتنظيمات المتشددة لمناطقها.

المتحدث باسم “جيش الثورة” في درعا أبوبكر الحسن، أكد لـ”المدن” تورّط حزب الله اللبناني بتصدير المخدرات إلى الجنوب السوري، وذلك من خلال معلومات أمنية تمكن “جيش الثورة” من حيازتها، تبين خط سير شحنات المخدرات الواردة من لبنان باتجاه الجنوب السوري مروراً بمناطق سيطرة النظام السوري. وأشار إلى أن التسهيلات المقدمة من النظام السوري والمتمثلة في تيسير مرور شحنات المخدرات من مناطقه إلى مناطق المعارضة عبر الحواجز التابعة لقواته، لعب دوراً دوراً كبيراً في انتشار المخدرات وحيازتها من قبل المدنيين.

واعتبر الحسن أن هذه المسألة هي إحدى استراتيجيات النظام في حربه على المناطق الخارجة عن سيطرته، في سبيل تفكيك تلك الكتل السكانية، وإرهاق فصائل المعارضة، وإثبات عجزها وفشلها في إدارة المناطق التي سيطرت عليها.

في حي طريق السد، داخل مدينة درعا، لا يجد عامر أبو يوسف، وهو أحد مقاتلي “الجيش الحر” في درعا، ضيراً في الحديث عن تجربته بعدما أقلع عن تعاطي المخدرات. يقول لـ”المدن”، إن حالة اليأس والتذمر التي تجتاح الكثيرين من المقاتلين، وانعدام الفرص، هيأت بيئة مناسبة لمثل هذا السلوك.

وأوضح أبو يوسف أن التجّار والمروجين قدّموا تسهيلات على الشراء للمدمنين إلى أقصى حد ممكن، مستغلين حالة الفوضى، وحركات النزوح، وأشار إلى أن ذلك الوضع وصل إلى درجة بيع المواد المخدرة و”حشيشة الكيف” في بعض المحال التجارية والمطاعم والمقاهي، موضحاً “أن المخدرات في الجنوب تجاوزت مرحلة التجارة السرية، بل ربما هي اليوم أقرب لأن تكون بؤرة تجميع وتصدير إلى الدول المحيطة” على حد قوله.

السلاح والعشيرة، محصنات المروجين

يرى الشيخ محمد الزعبي، وهو إمام وخطيب أحد مساجد بلدة الطيبة، أن انشغال الفصائل العسكرية المعارضة بالمعارك الدائرة مع قوات النظام السوري من جهة، وقوات تنظيم “داعش” من جهة ثانية، أحدث فراغاً كبيراً في عملية ملاحقة كبار تجار ومهربي المخدرات ومعاقبتهم، مما أتاح لهم التحرك بحرية وكفاءة عاليتين، وفرت لهم الوقت اللازم لتشكيل بنية صلبة من البؤر والخلايا الي تستند في عملها إلى السلاح والمال والعشيرة لحماية رؤوسها ومد نفوذها وتوسيع تجارتها.

وأوضح الزعبي أن الارتباطات الوثيقة بين شخصيات فاعلة ومؤثرة في النظام السوري مع شخصيات أخرى في صف المعارضة المسلحة، بهدف تنسيق عمل مشترك يضمن ضخ المخدرات في الجنوب وترويجها، وتصديرها من جهة أخرى إلى دول الجوار، يؤسس لفهم القاعدة التي يستند إليها تجار المخدرات في عملهم، ويبين بعضاً من دوافع تأخير القدرة على ملاحقتهم ومكافحة هذه الظاهرة.

ماذا تقول “دار العدل في حوران”؟

رئيس محكمة “دار العدل في حوران والقنيطرة الشيخ عصمت العبسي، قال لـ”المدن”، إن المحكمة سنّت قانوناً لمكافحة المخدرات، يقضي بأقصى العقوبات على مروجيها ومهربيها، واعتقال كل من يثبت تورطه في بيع المخدرات في الأراضي التي تمتلك فيها سلطة، مشيراَ إلى أن تجارة المخدرات تندرج ضمن “الإفساد في الأرض”. وأضاف أن المحكمة ستنزل عقوبة “القتل تعزيراً” بحق المتورطين، على حد تعبيره.

وبيّن العبسي أن الدور الذي قامت به “دار العدل”، في حض الفصائل على إطلاق حملات ميدانية بهدف مكافحة تجارة المخدرات لضرورة تقليص انتشار هذه المادة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، قد ساهم بالحد منها بشكل كبير، معتبراً أن “إصدار قانون عام لمكافحة المخدرات هيأ أرضية قانونية للفصائل المنضوية ضمن دار العدل لملاحقة تجار المخدرات وإلقاء القبض على أعداد منهم، (الأمر الذي) أسهم في تخفيف نشاط الكثير من المروجين”.

حملات مركزة لمكافحة المخدرات

أطلق “جيش الثورة” التابع لـ”الجبهة الجنوبية”، بالتعاون مع “دار العدل” حملة “لا للمخدرات” مؤخراً. وشملت الحملة، التي لا تزال مستمرة حتى الآن، أربعة محاور رئيسية، بدأت بحملات توعية على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر لافتات على مداخل القرى تحذر من المخدرات، كما تضمنت الحملة جمع المعلومات الأمنية اللازمة حول طرق تهريب المخدرات من وإلى الاراضي الخارجة عن سيطرة النظام والشخصيات المتورطة في تجارتها وترويجها، وتمثلت المرحلة الثالثة بعمليات ملاحقة واعتقال للمهربين والتجار، ومداهمة المروجين والمدمنين، بالإضافة إلى افتتاح مركز طبي للمعالجة من الادمان، حيث يقوم فريق طبي مختص في مستشفى الطيبة بعلاج المدمنين.

المتحدث باسم “جيش الثورة” أبو بكر الحسن، أوضح لـ”المدن”، أن هذه الحملة استهدفت بشكل ممنهج كافة المفاصل الرئيسية في عملية ترويج المخدرات، وداهمت مراكز بيع في عدد من قرى وبلدات الريف الشرقي، أبرزها صيدا ومعربة ونصيب. وتمكّن القائمون على الحملة من ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة، فضلاً عن 4 من كبار المهربين الذين يستخدمون محافظة السويداء الخاضعة لسيطرة النظام طريقاً لإدخال تلك المواد إلى مناطق المعارضة.

ويضيف الحسن، أن الحملة شملت أيضاَ اعتقال 30 تاجراً، و20 مروجاً في ريف درعا الشرقي. ويتم تسليم أولئك أصولاً إلى محكمة “دار العدل”، حيث تتمتع باطلاع واسع على ملفات المطلوبين ومجريات سير الحملة، ليصار إلى محاكمتهم وفق القانون.

وحفّزت حملة “لا للمخدرات” التي أطلقها “جيش الثورة”، مبادرات وحملات أخرى في درعا، كان آخرها حملة “ردع المفسدين” التي أطلقتها غرفة عمليات “البنيان المرصوص”، بهدف وضع حد لتلك الممارسات داخل أحياء المدينة.

المنسق العام لغرفة عمليات “البنيان المرصوص” جهاد أبو محمد، قال لـ”المدن”، إن الحملة الحملة أسفرت عن إلقاء القبض على 15 شخصاً من المشتبه بهم في التجارة والترويج، مشيراَ إلى أنه سيتم التحقيق معهم واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبتهم ضمن القانون في محكمة “دار العدل”.

مركز طبي لعلاج الإدمان

وفي سابقة من نوعها، أحدث “جيش الثورة” ضمن برنامج مكافحة المخدرات مركز استشفاء طبي متخصص في معالجة مدمني المخدرات، وقد لقي المركز الذي تم افتتاحه في مستشفى بلدة الطيبة (17 كم شرق درعا) ترحيباً كبيراً من السكان والنشطاء والفصائل، وتمكن المركز من علاج حالات عديدة، ولا تزال الأعداد الوافدة إلى المركز في زيادة مستمرة.

الناشط محمود الحريري أوضح لـ”المدن”، أن المركز الطبي خرَّج في 31 تموز/يوليو الماضي الدفعة الأولى ممن أنهوا علاجهم من إدمان المخدرات. وأضاف “لا يزال هذا المركز حتى اللحظة متواضعاً ومفتقراً إلى العديد من الوسائل والأدوات المطلوبة والدعم اللازم”، مشيراً إلى حاجة المركز إلى تضافر جهود المنظمات الطبية والأطباء المختصين لتقديم الخبرات اللازمة في سبيل علاج المدمنين.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى