صفحات سوريةفايز ساره

من يحكم الرقة؟/ فايز سارة

 

 

تبدو مسألة تحرير الرقة من «داعش» قضية وقت ليس إلا. ورغم أن قوى كثيرة تسعى من أجل الفوز بتحرير الرقة والمشاركة فيها، فإن قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (pyd)، هي المرشح الرئيسي على قائمة القوى للسيطرة على الرقة وتحريرها – أو أغلبها على الأقل – من سيطرة «داعش».

مسألة تحرير الرقة، تطرح سؤالا مفاده: مَن يحكم الرقة بعد تحريرها؟ والجواب البديهي، هو أن قوات سوريا الديمقراطية هي التي ستحكمها، وهو أمر جرى التفكير فيه منذ أن لاح في الأفق موضوع تحرير الرقة، وطرد «داعش» منها، قبل عدة أشهر، وقد أكدت قوات سوريا الديمقراطية هذا التوجه، يوم سربت قرار تشكيل مجلس للإدارة المحلية، يضم أكراداً وعرباً وآشوريين، يتبنى توجهات الإدارة الذاتية، التي تتبناها سوريا الديمقراطية، وتسعى إلى تعميمها، ليس في شمال وشرق البلاد، بل في كل الأنحاء السورية، التي يمكن أن تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

وتشكل سيطرة سوريا الديمقراطية على الرقة، وتولي إدارتها، موضوعاً خلافياً في الواقع السوري. وأساس الخلاف في الموضوع يستند إلى ثلاثة أمور أساسية: أولها رفض سيطرة الأكراد على الرقة، ليس لوجودهم المحدود في المدينة، إنما بفعل أن أكراد pyd، يمكن أن يحكموا الرقة، وهم جماعة متهمة بممارسة التطرف والسياسة العنصرية من جانب سكان الرقة والأغلبية العربية في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، وتجلى ذلك في أوقات سابقة من الصراع السوري، ولا سيما في عملية تحرير تل أبيض من تنظيم داعش، وقد أكدت تقارير – بينها تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» – محتويات تلك السياسة في عنصريتها وتطرفها.

الأمر الثاني في رفض سيطرة أكراد pyd على الرقة، وتولي إدارتها من جانب سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، اتهام المعارضة السورية وخاصة المقربة من تركيا، بعلاقة هؤلاء بنظام بشار الأسد، وفي الأبعد من ذلك بالعلاقة مع النظام الإيراني، وهي اتهامات لها بعض المظاهر الواضحة في سياسات وممارسات pyd، ويبرر الأخير بعضها بالمصالح المشتركة والطارئة، التي تظهر في إطار الصراعات والتوافقات، التي تشهدها الحرب المتواصلة في سوريا، مما يجعل البراغماتية أساس السياسة وليست المبادئ.

الأمر الثالث في معارضة تولي pyd حكم الرقة، يكمن في رفض السياسات التي تطبقها الإدارة المدنية في مناطق سيطرتها، والأهم فيها ثلاث نقاط: أولها سياسة التجنيد، حيث يتم سوق الشباب للانخراط في قوات سوريا الديمقراطية دون رغبتهم، وبالتالي جعلهم أدوات لتطبيق فكرة الإدارة الذاتية وتعميمها. والنقطة الثانية تتعلق بالتعليم، حيث يفرض التعليم باللغة الكردية على المدارس، بخلاف رغبة أهالي المنطقة. والنقطة الثالثة الاستيلاء على أملاك الغائبين من السكان، ووضعها بتصرف الإدارة الذاتية. وقد أثارت النقاط الثلاث خلافات في كل مناطق سيطرة pyd، سواء مع العرب والآشوريين والتركمان.

إن البديل المطروح لحكم الرقة بعد تحريرها، هو أن يحكمها أهلها، وهو شعار رائج وشعبوي، لكنه شعار يطرح كثيراً من الإشكالات، لعل الأبرز فيها، أن عشرات آلاف الرقاويين غادروا المدينة في سنوات الصراع، وقسم كبير منهم لاجئون في تركيا وفي بلدان أبعد منها بكثير، ولا أمل في عودة سريعة لأكثرهم، ومن تبقى في الرقة في سنوات سيطرة «داعش»، يتوزعون بين قليل منهم مال إلى عزلة مغرقة، وقسم كبير منهم بايع التنظيم خوفاً أو اقتناعاً بآيديولوجيته الإرهابية المتطرفة، وبالتالي لا يمكن تسليمهم إدارة الرقة، على الأقل قبل التحقق من مواقفهم وعلاقاتهم، خاصة أن «داعش» يطبق فكرة الخلايا النائمة، ومن المؤكد، أنه ترك في الرقة خلايا نائمة على نحو ما فعل في مناطق أخرى، اضطر إلى الانسحاب منها أو التخلي عنها في سياق الحروب مع خصومه، على أمل العودة إليها لاحقاً.

وإذا كانت فكرة عدم إمكانية حكم الرقة من قبل قوات سوريا الديمقراطية وpyd نتيجة تحفظات كثيرة، يطرحها خصومهما، فإن حكم الرقة من قبل سكانها تحيط بها التباسات، لا تقل أهمية عن التحفظات، فليس من المقبول احتمال عودة «داعش» للرقة تحت أي ظرف كان.

إن البديل الممكن لحكم الرقة، أن يحكمها مجلس خارج القوتين المطروحتين وامتداداتهما، والمجلس في هذه الحالة، قوة تنتمي إلى ثورة السوريين بأطروحاتها الوطنية والديمقراطية، التي عبرت عنها الرقة في حراكها المدني والسلمي ضد نظام الأسد، وجسدتها بصورة عملية ولو لفترة قصيرة بعد خروج الرقة من سيطرة النظام، وقبل أن تقع أسيرة سيطرة المتطرفين وصولاً إلى سيطرة «داعش» عليها، وإعلانها عاصمة لدولة التطرف والإرهاب، لكن مثل هذا الخيار غير ممكن عملياً؛ لأن المنتمين لهذا الاتجاه صاروا أضعف من أن يحكموا الرقة أو غيرها من المدن السورية.

ووضع كهذا يطرح فكرة تحالف ثلاثي، يقوم على برنامج من نقاط مشتركة، تراعي وضع الرقة واحتياجاتها العاجلة ومستقبل المدينة وأبنائها، يتشارك فيه سكان الرقة الحاليون، وما تبقى من ممثلي الحراك الوطني الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية، لكن حصول مثل هذا التحالف، يكاد يكون مستحيلاً في الظرف الحالي، وتحيط به صعوبات كثيرة داخلية وخارجية، الأمر الذي يؤشر إلى أن مأساة الرقة ستظل ماثلة في المدى المنظور، وأن فكرة عودة الحياة إلى طبيعتها هناك بعد طرد «داعش» منها، أبعد ما تكون عن الواقع، وأن ما يمكن أن يحصل هناك هو مجرد فصل جديد من مأساة مدينة، ثارت على نظام لأسد من أجل حياة ومستقبل أفضل، وما زالت في الطريق ذاته رغم مرور سنوات طويلة ومعاناة كثيرة.

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى