صفحات الناس

من يحمي السوريين؟

 

رند صباغ

احتل الهاجس المسيحي المشهد السوري في اليومين الأخيرين بعيد اختطاف يوحنا ابراهيم مطران السريان الأرثوذكس وبولس يازجي مطران الروم الأرثوذكس في حلب على طريق رحلتهما قرب الحدود التركية للوساطة من أجل كاهنين قد تم اختطافهما سابقاً.

يظهر المطران يوحنا قبيل الحادثة بأيام على قناة “بي بي سي” بلغةٍ اختلفت في طرحها ومضمونها عن اللغة التي كانت توسم بها التصريحات الكنسية ورؤساؤها بداية الثورة، فالمخاوف المسيحية التي ربطت مصير المسيحيين بوجود النظام (الحامي لهم) لا تجد لنفسها مكاناً في حديث المطران الذي أكد أن الوضع السوري يختلف عن نظيره العراقي “ولا يرتبط بقاء المسيحيين في سوريا ببقاء نظام بشار الأسد”، ويعود ليقول أن “المسيحيين غير مستهدفين، وكذلك الكنائس ولكن ما يحدث هو تعرضهم لهجمات عشوائية”.

تظهر لهجة المهادنة من الكنيسة منذ العام الفائت، محاولةً إتخاذ دور إنساني للحفاظ على علاقتها مع مختلف الأطراف وحماية نفسها ورعيتها، رغم  أن حياديتها قد اهتزت أوائل الأحداث لما شهدته من مظاهر موالية للنظام، وهو الأمر الذي دفع الكثيرين بادىء الأمر للتساؤل حول موقف المسيحيين السوريين إزاء الثورة وما يدور في البلاد على اختلافه، حيث طالبت بعض أطياف المعارضة المسيحيين بموقفٍ معلن، في الوقت الذي كانت تعتد به الموالاة برؤساء الكنائس الأهم وتصريحاتهم الموالية للنظام الحاكم، فيما كانت بعض الكنائس تعمل خفيةً مع الثوار وأهالي المنكوبين سواءً من دافع التعاطف الإنساني أو من الدافع السياسي والثوري.

 فك الارتباط الذي أطلقه يوحنا، ودحض روايات أزلام النظام حول التعرض للمسيحيين بشكلٍ ممنهج، كان مدعاة ترحيب لدى الكثيرين من مسيحيي المعارضة على وجه الخصوص، إلا أنه كان الحامل الأساسي لآليات التحليل والأقاويل التي تناولت مسألة اختطاف المطرانين. فمن جانب المعارضة، سارع كثر إلى اتهام النظام بأنه من يقف وراء عملية الخطف لغضبه من تصريحات المطران واتخاذ الكنيسة اليوم موقف الحياد وتغليب الإنساني على السياسي، وليؤكد حالة استهداف المسيحيين، حيث تم التطرق إلى أن لجاناً شعبية تابعةً للنظام كانت وراء العملية، فيما وجهت الأطراف الموالية اتهاماتها للمسلحين سواءً أكانوا من المعارضة المسلحة السورية أو من المقاتلين الأجانب المتواجدين في المنطقة، في حين كان البيان الكنسي الصادر من بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر وبطريرك السريان الأرثوذكس زكا الأول عيواص أكثر هدوءاً داعيين إلى وقف العنف في البلاد من جميع الأطراف.

وتضاربت الأنباء الأخيرة بين من يؤكد الإفراج عن المطرانين ومن ينفي الأمر، في حادثةٍ يغلب عليها الطابع الطائفي بجدارة أياً كان المسؤول عنها ونواياه، فنأي الكنيسة بنفسها ومحاولاتها الأخيرة الحفاظ على وجودها وبقائها في البلاد في ظل انتشار المخاوف إزاء وضع المسيحيين المستقبلي وهجرة ثلثهم بحسب المطران يوحنا نفسه، لم يستسغه طرف ما، في رغبةٍ بزج مسيحيي البلاد ضمن صراعٍ طائفيٍ محتمل في المنطقة، ودفعهم لاتخاذ أي فعل، ابتداءً من الهجرة ووصولاً إلى التسليح المباشر للدفاع عن بقائهم كما يروق لمن يخلط الأوراق اليوم لتحويل المشهد السوري إلى مشهدٍ طائفيٍ صرف وتفريق الصف السوري بشرذمة مكوناته وتعزيز المخاوف من “الآخر” في الوطن.

اتهام النظام في هذه اللحظة يفتقر إلى الدلائل أسوةً بكل الاتهامات التي سبق ووجهتها المعارضة إليه خلال العامين المنصرمين في التعامل مع الأقليات سواءً من خلال التفجيرات التي استهدفت مناطق تجمعاتٍ تحمل طابعاً مذهبياً معيناً أو من خلال حوادث الاختطاف والاعتداءات التي يسعى النظام إلى تسليط الضوء عليها بشكلٍ مكثف وتكرارها مراراً على شاشاته ووسائل الإعلام الموالية له.

 لكن النظام الذي يحتمي بالأقليات ولا يحميها، فيلاعبها دوماً بين ما يظهره من ودٍ معلن وما يمارسه من أفعالٍ يستطيع خلالها إثبات هوية عدوه وترسيخ فكرة ارتباط بقائهم به، لا يحتاج لإثباتِ رغبته الجامحة بتحويل الثورة إلى حربٍ طائفية، الأمر الذي ساعدت بتعزيزه الفصائل المتطرفة التي ظهرت بين مقاتلي المعارضة.

 اليوم تبقى قصة الاختطاف رهينة عودة المطرانين لكشف إحداثياتها إلا أن الوقوف على حقيقة المراد منها قد لا يتم الكشف عنه أسوةً بما سبقها أو قد يليها. فالمسألة ليست في من يحمي المسيحيين، وهم كما شهد الكثيرون، ليسوا بحاجةٍ لحمايةٍ من أبناء وطنهم. المسألة هي بمن يحمي السوريين جميعاً؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى