صفحات العالم

“من يظُن أنه مُحصَّن يقع”

 


سركيس نعوم

سألت المسؤول الرفيع جداً في اكبر تجمّع للجمعيات اليهودية الاميركية عن زيارة قام بها أخيراً “زميل” له  لسوريا قابل فيها الرئيس بشار الاسد. اجاب: “لا استطيع ان اتحدث بالتفصيل عنها. ما علمته انه اجتمع مع الاسد ثلاث ساعات. ولم يحضر اجتماعهما احد. خاضا في موضوعات كثيرة، لكنهما لم يتطرقا الى موضوع ايران. كانت المحادثات جيدة جداً. ويبدو ان الاسد يريد استمرار الحوار مع زميلي هذا، وعرّجا في حديثهما على لبنان. تحدثا طويلاً عن سوريا واسرائيل وقضايا اخرى. بعد ذلك زار زميلي اسرائيل وقابل رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو واطلعه على تفاصيلها. وبعد عودته الى بلاده زار البيت الأبيض واخبر عدداً من العاملين الكبار فيه كل شيء يتعلق بالزيارة”. ماذا قال “زميلك” او “رفيقك” للبيت الابيض ايضا؟ سألتُ. اجاب: “حذّرهم من ان دور البحرين سيأتي بعد مصر، وكذلك دور قازاخستان، ودولة اخرى في تلك المنطقة (امتنع عن ذكر اسمها). ودعاهم الى الانتباه والى مواكبة حلفاء اميركا في المنطقة ومساعدتهم لإدارة الانتقال السلس من انظمة قمعية الى انظمة ديموقراطية وإن في الحد الادنى”.

ماذا عن حوادث سوريا التي بدأت اثناء زيارة “زميلك” لدمشق او بعد بدئها؟ سألتُ. اجاب: “ظل على اتصال مع دمشق بعد عودته الى واشنطن. والانطباع الذي كوّنه عن قيادتها يشير الى اقتناعها بقدرتها على تجاوز “الازمة” الراهنة. طبعاً انا اعتقد و”رفيقي” ايضاً ان المبالغة في الثقة بالذات لا تجوز لأنها قد تكون مؤذية. عندما تعتقد انك مُحصَّن تقع. نجح الاسد في “ترتيب” تظاهرات دمشق ومدن اخرى وانتهى منها. لكن ربما تسير تظاهرات اخرى. هناك يوم الجمعة او ايام جمعة مقبلة وهناك قتلى وجرحى. قد تفلت الامور من ايدي السلطة والمسؤولين. في حال كهذه ماذا يحصل؟  هل يسقط النظام السوري ورأسه بشار الاسد؟ هل يقوم الجيش السوري بانقلاب؟ وهل يَسمح بسقوط النظام ورحيل بشار بحمايته للتظاهرات الشعبية؟ هل عند الجيش السوري قدرة على الانقلاب؟ هذه اسئلة كثيرة وكبيرة. فهل لديك اجوبة عنها؟ على كل رُفِعت في درعا شعارات تقول: لا نموت من اجل ايران. ماذا يعني ذلك؟” اجبت: في رأيي، وقد اكون مخطئاً، لم يعد ممكناً حصول انقلاب عسكري ناجح في سوريا. القوات الخاصة والاجهزة الأمنية والقيادات الاساسية في الجيش كلها في يد النظام “البعثي” إسماً ذي “العصبية” المعروفة جوهراً. وذلك يحول دون تكوّن فريق يمثّل كل الفئات في سوريا قادر على إنجاح اي انقلاب. وفي سوريا كما تعرف هناك، ليس “الحزب” فقط، هناك ايضاً العائلة والعشيرة والطائفة والمذهب. الاحتمال الاكثر ترجيحاً في حال فشل نظام الاسد في ضبط الاوضاع ولجم التدهور الشعبي – الامني، ليس الانتقال الى نظام جديد، بل الى اقتتال اهلي.

سأل: “هل تقصد يمكن ان تندلع اشتباكات سنّية – علوية وان تحصل ربما مجازر؟” اجبتُ: “صحيح. ذلك ممكن، لكنه قد يُطلِق قتالاً يدوم طويلاً وربما سنوات. تذكَّر فقط حرب لبنان التي بدأت عام 1975 وانتهت عسكرياً عام 1990، والتي لا تزال مندلعة سياسياً. تذكَّر لبنان بكل ما حصل فيه اذ ربما يعيد التاريخ نفسه في سوريا وفيه ايضاً.

كما يمكن ربما ان تسطّر التطورات تاريخاً جديداً لا يمكن الجزم منذ الآن بصلاحه او بسوئه. سأل: “ايران ماذا تفعل؟ انها مؤثرة في سوريا وموجودة في كل مكان. هل ترسل قوات عسكرية لمساعدة نظام الاسد؟” اجبت: ايران تساعد سوريا من زمان اقتصادياً وتسليحياً. لكنها تساعد ايضاً في تدريب وحدات عسكرية سورية. وتساعد على نحو غير مباشر ولا سيما في لبنان . طبعاً هذا الدعم من خلال لبنان قد يتحول ضغطاً اذا ساءت العلاقة بين دمشق وطهران. إلا أن هذا الاحتمال غير مطروح حالياً عند الدولتين. علّق. “اتصلت بالبيت الابيض. قلت لاصدقاء فيه لماذا لا تقولون كلمة عن لبنان؟ مئات الآلاف تظاهروا وخاطروا بأرواحهم للقول “لا لسلاح “حزب الله”. لماذا لا تقولون شيئا؟ ماذا تريدون؟” علّقت: ربما لأنهم لا يريدون او لا يعرفون. على كل لبنان و”الحزب” جزء من مشكلة اقليمية اكبر لا يمكن حلها انطلاقاً من لبنان الضعيف والمفكك بل من امكنة اخرى. ولبنان ليس في حساب احد اميركياً واقليمياً.

بماذا علّق المسؤول الرفيع جداً في اكبر تجمّع للجمعيات اليهودية الاميركية؟

النهار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى