صفحات العالم

ايتام النظام السوري


محمد كريشان

الأرشمندريت الأب عطا الله حنا الناطق الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية في القدس والأراضي المقدسة على شاشة التلفزيون السوري الرسمي. رجل الدين المسيحي صاحب الطلة المحببة واللسان الفصيح يسهب قبل يومين على هذه الشاشة في حجم المناورة الكونية ضد نظام بشار الأسد المقاوم والممانع. المشهد صادم فعلا إذ لم يكن من السهل أن ترى صاحب قولـة ‘إن اولئك الذين يصفون مقاومة الاحتلال بالارهاب هم اعداء لدودون للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني’ يقف مدافعا عن نظام أسرف في قتل شعبه أكثر من الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

بعض التونسيين مثلا ممن كانوا يتذمرون من حكم بن علي وفخورين بإسقاطه، وكذلك بعض المصريين المفتونين بثورة شعبهم على مبارك نراهم اليوم يدافعون بشراسة عن بشار الأسد ونظامه في حين أن نظامي بن علي ومبارك كان يمثلان، على تعاستهما، حلما بعيد المنال لأي سوري. بعض هؤلاء رقصوا في تونس والقاهرة طربا لانتصارهم على الاستبداد والفساد وتغنوا باسترجاع الحرية والكرامة لكنهم الآن يستبسلون في الدفاع عن الأسد بعد القذافي !! إنهم يستكثرون على السوريين ما يرون أنه حق مشروع لهم افتكوه بتضحيات لا تقارن أبدا بما يدفعه السوريون الآن. لكن أن يتخذ هؤلاء هذا الموقف شيء وأن يتخذه الفلسطينيون شيء آخر تماما.

كيف يمكن لمن يرزح تحت احتلال إسرائيلي بغيض أن يدافع عن نظام عربي ارتكب من البشائع بحق أبنائه ما لم يرتكبه الصهاينة ضد أعدائهم تحت حكمهم الاستعماري؟ّّ!! وباسم ماذا؟… باسم مقاومة وممانعة لا وجود لهما حقيقة إلا في أذهان من يتحدث عنهما . المزاج الفلسطيني العام ليس واحدا في هذه المسألة لكن الغريب أن يكون الفلسطينيون داخل الخط الأخضر الأشرس في الدفاع عن الأسد وممارساته بحيث صارت لهم قدرة عجيبة على تبرير أي شيء وبأي لغة… المهم أن يخرج الأسد منتصرا من هذه المعركة التي استعمل فيها ضد أطفال شعبه ونسائه في بيوتهم وفي طوابير المخابز الطيران والدبابات. وسائل لو استعمل بعضها لكفانا مؤونة الحديث الآن عن جولان محتل وربما حتى عن فلسطين محتلة!! نظام لم يطلق رصاصة واحدة في الجولان وكثيرا ما خذل من حارب الإسرائيليين في لبنان من الفلسطينيين واللبنانيين إما بالانسحاب المبكر من المعارك وإما بالتفرج عن هؤلاء يقاتلون (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(. هذا دون أن نتحدث عمن اغتالهم من الفلسطينيين مباشرة أو بالواسطة ودون أن نتحدث عن تل الزعتر وحصار المخيمات ومحاولاته المحمومة لعقود الاستحواذ على الورقة الفلسطينية لكي يلعب بها كما يشاء وهي المحاولات التي أفشلها الزعيم الراحل ياسر عرفات بكل اقتدار. نظام لم يرد مرة واحدة على ما ألحقته به إسرائيل من إهانات حين قتلت مناضلين على أرضه وحلقت فوق قصر الرئيس وقصفت مشروعه النووي الجنين. كان دائما يقول بأنه سيرد في التوقيت والمكان المناسبين وأنه، برجاحة عقله، لن يُــجر إلى معركة لم يحددها هو. هذا التوقيت وهذا المكان لم يأتيا أبدا… أما المعركة التي حددها بعد طول تفكير فكانت ضد شعبه!!

كان موقف القيادة الفلسطينية وحركة حماس والحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر في التعامل مع الثورة السورية موقفا مناسبا وجريئا بدرجات متفاوتة ومن الصعب أن يحمل المرء هؤلاء أكثر من طاقتهم في التنديد بقمع الشعب السوري وتطلعاته إلى الحرية والكرامة، أما مواقف القوى السياسية الأخرى في الداخل الفلسطيني فكان عجيبا غريبا. وإذا كان الإمام علي رضي الله عنه يقول إن الرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، فإن القياس يقول بأن الأنظمة تعرف بالحق ولا يعرف الحق بالأنظمة تماما كما يعرف الرجال بالنضال ولا يعرف النضال بالرجال.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى